مفتي الجمهورية: من أفطر ناسيًا فليتم صومه ولا قضاء عليه ولا كفارة
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
قال الدكتور شوقي علَّام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: ينبغي للمسلم في رمضان أن يطهر نفسه بالتوبة إلى الله تعالى، لينال الجائزة الكبرى والمغفرة لذنوبه وألا ينفق وقته وعمله في غير طاعة الله حتى لا يرغم أنفه ويخسر المغفرة، وعلى من أراد التقرب إلى الله عليه أن يسارع بالتخلص من التبعات برد حقوق العباد واستغفار الله عز وجل والندم على ما فات من تقصير في حقه عز وجل.
جاء ذلك خلال لقائه الرمضاني اليومي في برنامج "اسأل المفتي" مع الإعلامي حمدي رزق، الذي عُرض على فضائية صدى البلد، مضيفًا فضيلته أن الذنب الذي تكون منه التوبة لا يخلو إمَّا: أن يكون حقًّا لله، أو للآدميين، فإن كان حقًّا لله؛ كترك الصلاة مثلًا، فإن التوبة لا تصحُّ منه حتى يجتهد قدر طاقته في قضاء ما فات منها، وهكذا إن كان ما ترك صومًا، أو تفريطًا في الزكاة، وأمَّا إن كان الذنب من مظالم العباد فلا تصحُّ التوبة منه إلا بردِّه إلى صاحبه، إن كان قادرًا عليه، فإن لم يكن قادرًا فيجب أن يعزم على أدائه وقت القدرة عليه، وأن يكون ذلك في أسرع وقت.
وناشد المفتي الجميع بالاستجابة لنداءات الله عزَّ وجلَّ المتكررة بالتوبة والإنابة له سبحانه، وبرغم أن الباب في كلِّ الأوقات يظلُّ مفتوحًا، فإن مواسم الخير تأتي وكأنها دعوةٌ أخرى، تجدِّد الأملَ أمام العبد في رحمة مولاه، وفي قبوله سبحانه لتوبة التائبين؛ فيشدِّد على أنه هو مَن يتقبَّل توبتهم: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ [الشورى: 25]، بل ينادي عباده من شدَّة حرصه على قربهم منه يطلب منهم التوبة من الذنوب فيقول: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [النور: 31]، ثم يعلمهم بأنَّ هذه التوبة يجب أن تكون توبةً خالصةً، أسماها سبحانه "نصوحًا" فيقول لهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ [التحريم: 8].
شروط التوبةوعن شروط التوبة قال: إنَّ العلماء قد حددوها في أربعة: الندم بالقلب، وترك المعصية في الحال، والعزم على ألا يعود إلى مثلها، وأن يكون ذلك حياءً من الله تعالى، لا من غيره، فإذا اختلَّ شرط من هذه الشروط لم تصحَّ التوبة"، وقد أضاف بعض العلماء أن من شروط التوبة الاعترافَ بالذنب وكثرةَ الاستغفار.
هل يجوز استخدام الإكراه والإجبار كي يؤدي الأبناء الصلاةوردًّا على سؤال يسأل هل يجوز استخدام الإكراه والإجبار كي يؤدي الأبناء الصلاة، قال على رَبِّ الأسرة النصحُ لمن هُم تحت رعايته من الزوجة والأولاد وغيرهم بالمحافظة على الصلاة، واتخاذ كافة الوسائل المعنوية المشروعة في حثِّهم عليها، فإن أصرّوا على تركها فلا يلحقه من ذلك إثمٌ، مع مراعاة المداومة على النُّصح والإرشاد، والدعاء لهم بصلاح الحال.
وأما الضَّربُ الوارد في الحديث النبوي الشريف؛ كصورةٍ من صور التأديب على التهاون في أداء الصلاة، فالمراد به: الخفيف غير المبرح الذي يكون من جنس الضرب بالسواك ونحوه مما لا يُعَدُّ أصالةً للضرب والإيلام؛ لأن المقصود من ذلك هو التربية والتأديب النفسي بإظهار العتاب واللوم وعدم الرضا عن التقصير في امتثال أمر الله سبحانه وتعالى بإقام الصلاة، واللجوء إليه ليس بواجبٍ، وإنما هو مندوبٌ إليه في حقِّ الولد المميِّز إذا تعيَّن وسيلةً لتأديبه، بخلاف الزوجة والولد البالغ والصغير غير المميِّز؛ فلا يجوز ضربهم على ترك الصلاة.
حكم من أكل أو شرب ناسيًاوردًّا على سؤال ما حكم من أكل أو شرب ناسيًا قال: ما نفتي به هو مَن أفطر ناسيًا في صوم فَرضٍ أو نَفْلٍ فليتم صومه، ولا قضاء عليه ولا كفارة على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، فإن قَدَرَ على قضاء هذا اليوم فهو أَكْمَل وأَوْلَى خروجًا مِن الخلاف.
وتابع: ومِن كمال رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أنَّه تجاوز عن مؤاخذتهم بسبب الخطأ والنسيان؛ إذ النسيان أمرٌ جُبلت عليه طبائع البشر، فرَفَع عنهم إِثْم ما ارتكبوه نسيانًا، فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» أخرجه ابن ماجه في "سننه"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك".
حكم عقوق الوالدين
الدكتور شوقي علام - مفتي الحمهوريةوردًّا على سؤال عن حكم عقوق الوالدين حتى في رمضان قال إننا نحتاج إلى وقفة صادقة في شهر رمضان لنعيد حساباتنا في مسألة صلة الأرحام، ونحتاج وقفة شجاعة لترتيب الأوراق لإنهاء الخصام والقطيعة، وعلينا الاستفادة من نفحات هذا الشهر الكريم لنعالج أي جفاء أو قطيعة موجودة.
كما أن الشرع حرص على صِلَةِ الأرحام على وجه العموم؛ فقال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء: 1]، وقال تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد: 22]، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ»، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾» (متفقٌ عليه).
وأشار إلى أن الله تعالى -وكذلك رسولُه صلى الله عليه وآله وسلم- أوجب بِرَّ الوالدين والإحسانَ إليهما في مواضع كثيرة؛ منها قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 23-24]، بل قَرَنَ ذلك بعبادته، وقرن عقوقهما بالشرك به سبحانه؛ قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء: 36]، كما قرن الشكر لهما بشكره سبحانه وتعالى بقوله: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لقمان: 14]، وأكَّد سبحانه وتعالى على برِّ الوالدين حتى في حال أمرهما لولدهما بالشرك؛ قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15]، ولَمَّا امتدح اللهُ تعالى سيدَنا يحيى عليه السلام قال: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا﴾ [مريم: 14]، وإنما لَم يأمر الوالدين بمِثل ذلك للاستغناء بالطبع عن الشرع؛ فعلاقة الوالدين بولدهما هي علاقة طَبَعِيَّة جُبِلَت عليها الفطرة السوية.
واختتم بالرد على سؤال عن حكم الإجهاض لأن لديها ولدين ولا تريد الثالث ولذا قامت بإجهاضه، قائلًا إن دار الإفتاء لا تجيز الإجهاض بأي حال من الأحوال بعد نفخ الروح في الجنين إلا بمبرر مشروع؛ وهو التقرير الطبي المحذر من خطورة بقاء الجنين على صحة الأم، وعلى السائلة أن تتوب إلى الله.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية هيئات الإفتاء التوبة صدى البلد شوقي علام صلى الله علیه وآله وسلم مفتی الجمهوریة سبحانه وتعالى قال تعالى على سؤال إن کان ناسی ا
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: دراسة الفلسفة ليست حرامًا فهي من ألوان إعمال العقل والاجتهاد
قال الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن سؤال: "هل دراسة الفلسفة حرام؟" يقتضي الوقوف أولًا على معنى الفلسفة، حتى يتأتى الجواب الصحيح.
وأوضح مفتي الجمهورية، خلال حديثه الرمضاني، أن الفلسفة في أبسط معانيها، هي محبة الحكمة، بل يمكن النظر إليها أيضًا على أنها التشبُّه بالأخلاق الإلهية قَدْرَ الطاقة الإنسانية، وبناءً على هذه التعريفات يمكن القول بأن الفلسفة هي عين الحكمة، وهي بذلك لا تتناقض مع الدين ولا تعارضه.
وأضاف أن الحكمة –وهي غاية الفلسفة– تعني الإصابة في القول والعمل، وقد نص القرآن الكريم على هذه الحكمة في غير موضع، منها قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة: 2]، وقوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269]، وقد فسِّر العلماء الحكمة بالسُّنة، وبعضهم فسَّرها بإصابة القول والعمل.
وأكَّد مفتي الجمهورية أن العلاقة بين الفلسفة وبين العلوم الشرعية علاقة وثيقة، بل يمكن القول إنها علاقة تآخٍ وتعاضد وتكامل، لا تعارض ولا تناقض، موضحًا أن علماء الحضارة الإسلامية في عصورها الزاهرة نظروا إلى الفلسفة على أنها إعمال للعقل، وهو من الأمور التي دعا إليها الدين وحث عليها القرآن الكريم في مواضع كثيرة، كقوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ} [الروم: 42].
وتابع: "إذا كانت الفلسفة تسعى إلى الحكمة، وهي غاية نبيلة مشتركة بينها وبين النص الديني، وكانت ناتجة عن إعمال العقل، والعقل مخلوق من مخلوقات الله، فكيف تكون محرمةً؟ بل إن بعض العلماء سعى إلى التوفيق بين الفلسفة والدين من خلال وحدة المصدر، فالدين من عند الله، والعقل من خلق الله أيضًا".
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن هناك أيضًا وحدة في الغاية، فكلاهما يسعى إلى الكمال في القول والعمل، وهذه العلاقة أنتجت نوعًا راقيًا من التفكير، ورؤية اجتهادية متكاملة جمعت بين المنهج الفلسفي المنظم والرؤية الشرعية الواسعة.
واستعرض مفتي الجمهورية نماذج من علماء المسلمين الذين جمعوا بين الفقه والفلسفة، ومنهم الإمام الغزالي، الذي وُصف بأنه فقيه وفيلسوف ومتكلم وأصولي، وترك تراثًا علميًّا يعكس هذه المَلَكة الشرعية والهبة العقلية، خاصة في كتابه "المستصفى"، وكذلك ابن رشد الفقيه المالكي والفيلسوف الأندلسي، الذي ألَّف كتاب "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، وجمع فيه بين التحرير الفقهي والرؤية الفلسفية.
ولفت الانتباه إلى أن ابن رشد عبَّر عن هذه العلاقة بقوله إن الحكمة هي الأخت الشقيقة للشريعة، موضحًا أن الشريعة نفسها هي التي دعت إلى التفلسف وأوجبت النظر العقلي، ولكن بشروط، من أهمها: الهبة الفطرية (الذكاء)، والعدل والموضوعية.
وختم مفتي الجمهورية حديثه بالتأكيد على أن دراسة الفلسفة من الأمور المباحة، بل هي -في هذا العصر- من أوجب الواجبات، في ظلِّ هذا الانفتاح الفكري وتعدد المذاهب والاتجاهات، مشددًا على أن رد الشبهات، وتقويم الأفكار، والاستفادة من الإيجابيات لا يتأتى إلا بفهم الفلسفة، التي هي لون من ألوان إعمال العقل والاجتهاد