وأنا أتجول بين عمائر مدينة رشيد الأثرية التى شيدت فى العصر العثمانى، وهى من المدن القليلة التى لاقت شهرة عالمية بين المدن المصرية، فمن مدينة بولبتين ورخيت ورشيت إلى رشيد، تغيرت المواقع والأماكن ولم تتغير أهميتها، ومن صناعة العجلات الحربية فى العصر المصرى القديم وصد الغارات عن الجبهة الغربية لمصر إلى تصديها لغزوات كثيرة لتعبر تاريخ مصر.
انبهارى بالآثار لم يجعلنى أنسى قصة تصدى أهل رشيد لحملة «فريزر»، وطافت أمامى بطولة مر عليها أكثر من قرنين من الزمان، طبق خلالها أهل رشيد ما نردده بأن الحرب خدعة!
فبعد أن تولى محمد على باشا حكم مصر بموجب فرمان الخليفة العثمانى أخذ يتخلص من كل العقبات التى تهدد وجوده فى مصر، ولكن فى يوليو 1806، تعرض محمد على لتهديد كاد يزيله من الحكم، فقد ظهرت بعض المساعى لتولية محمد بك الألفى، وحاولت بريطانيا إقناع الخليفة العثمانى بعزل محمد على، وتولية محمد بك الألفى بدلا منه، وقد استجاب الخليفة العثمانى لهذا الأمر، وأصدر فرمانا يقضى بتولية محمد بك الألفى حكم مصر، وتولية محمد على ولاية سالونيك فى مقدونيا الوسطى، ولكن وقفت الزعامة الشعبية بجانب محمد على، ما دفع الخليفة العثمانى إلى التخلى عن نقل محمد على، وبعد ذلك أرسلت بريطانيا حملة عسكرية بقيادة «فريزر» فى مارس 1807، لخلع محمد على وتولية محمد الألفى، وعندما دخلت الحملة إلى الإسكندرية سلمها لهم محافظها أمين أغا، وبعدها بدأت الحملة الاتجاه إلى رشيد فلما علم بذلك محافظ رشيد جمع الأهالى والعلماء والأعيان وباقى طوائف الشعب، وألقى عليهم خطبة حماسية قال فيها: «يا أهل رشيد.. هذا يومكم وتلك دياركم، فدافعوا عنها بكل ما استطعتم من قوة، واعلموا أن مصير مصر كلها فى أيديكم. أنتم أمام أمرين: إما أن تصمدوا لعدوكم، وتستشهدوا فى سبيل وطنكم دفاعا عن دياركم وأبنائكم وأموالكم، وإما أن تكتبوا لأنفسكم الذل والعار والهوان، وهذا لا أرضاه لكم»، وقد أثرت كلمته هذه فى الجميع فتحمسوا لمواجهة البريطانيين، وبدأوا يستعدون، حتى لا يحتل البريطانيون مدينتهم، وفى يوم التقاء البريطانيين مع أهل رشيد كانت القوات البريطانية على بعد أربعة كيلومترات، فنودى فى أهل رشيد أن يختبئوا فى منازلهم ومتاجرهم، فأصبحت المدينة خالية تماما من السكان، وكان الجنود المصريون مختبئون أيضا مع السكان المختبئين فى شارع دهليز الملك «الشارع الرئيسى للمدينة»، وعندما دخل البريطانيون فى الظهيرة لم يجدوا أحدا فى المدينة، وبعد أن اطمأنوا من خلو المدنية من المقاومة خلعوا أسلحتهم ومعداتهم الحربية، وأخذوا يلهون ويتسامرون وبدأوا ينتشرون أيضا فى المدينة وعلى حين غرة هجم الأهالى على الجنود البريطانيين، وانهالوا عليهم بالرصاص وفتك أهل رشيد بهم، وفرت البقية الباقية من الجنود البريطانيين إلى الإسكندرية، وبعد فشل هذه الحملة عقد «فريزر» صلحا مع محمد على باشا، وكان فيه جلاء الحملة عن مصر مقابل الإفراج عن الأسرى البريطانيين، وبعد ذلك دخل محمد على الإسكندرية منتصرا بعد جلاء الإنجليز، وقد أدت هذه الحملة إلى ازدياد مكانة محمد على عند المصريين.
بعد ذلك بدأ محمد على التخطيط للانفراد بالحكم دون وجود رقيب أو وصى عليه، فأراد التخلص من الزعامة الشعبية بالرغم من دورهم الكبير فى توليه الحكم والوقوف بجانبه أثناء محاولة نقله إلى سالونيك، ولكنه لم ينظر إلى ذلك، فقام بخلع عمر مكرم من نقابة الأشراف وبعد ذلك نفاه إلى دمياط عام 1809، وبعد ذلك نفاه خارج البلاد، ثم اتجه محمد على إلى التخلص من المماليك، وبدأ بحرمانهم من تولى المناصب الرفيعة وبعد ذلك دبر لهم مذبحة القلعة التى صفت وجود المماليك نهائيا فى مصر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: محمود غلاب حكاية وطن مصر الجبهة الغربية محمد على وبعد ذلک
إقرأ أيضاً:
محمد حامد جمعة: مزمل
لا أخفي إعترافا اني ترددت لبرهة قبل كتابة المنشور . وذلك لبعدين الأول حرصي مرات كثيرة على عدم تعريض شخص أقدره .لقاذروات بعض الذباب ممن لا تطيب أنفسهم إلا إن أقمت لهم مهرجانا للسباب والغمز . فإن فعلت آزروك وإن لم تفعل وشهدت بالفضل لشخص فاضل تحينوا عليه المطاعن . وهي حالة سودانية غريبة خاصة بوسطنا الإعلامي والذي هو شحيح في التقدير والتكريم والتنويه بالمجيدين والواضحة مواقفهم خاصة لمن لا تروق لهم .وأما البعد الثاني فهو شخصي ولظروف محيطة بي صارت بسببها كل شهادة منا مظنة مصلحة أو تحريا لإستقطاب مناصرين وتخليق كتلة مساندة وهو ما كبل يدنا عن دعم وسند مطلوب منا لاشراقات إعلامية ومبادرات .بل وحتى تقديم النصح المبرئ للذمة في الصالح العام ونحن في أجواء أن خلت من السموم .سعى البعض لتصنيعها وروج لها وقدم تفسيرات موضوعة وباطلة
2
غير أني أتوكل على الله وأقول قولي .وسجن سجن غرامة غرامة . مزمل ابو القاسم .وغض النظر عن قبولك مواقفه أو رفضها فيه ذاك الوضوح العنيد المتجاوز للإرتباك في الإبانة .خاصة في موقفه من حدث الحرب . كان من السابقين الراكزين .الظاهرين على أنصاره وعدوه .وبذل لهذا الموقف كل وقته وجهده ومبادراته وقوله وبيانه . وهو في ذاك يعتمد على سيرة صحفية أصيلة ولا يمكن المزايدة عليها .وهي سيرة كانت لمحطات الرجل صحفي صاعد ورئيس تحرير وناشر علامات لا يضل عنها إلا مكابر .لم يكن صنيعة سلطة أو رافعة سوى قدراته وكسبه في الفضاء الإعلامي وأعجب ما في هذه النقطة أن من يتقصدون الرجل بالنقد والطعن من خصومه بعضهم قام من مواقد بائعات الشاي أمام المراكز الثقافية فتحول إلى (هيكل) الفترة الانتقالية الذي أراد أن يحول الصحافة لربطة بوت في حذاء جنرال معلوم .إستبدل المركوب بالحذاء الاسود !
3
مزمل ابو القاسم قدم نموذجا للصحفي الملتزم بتقديراته وموقفه فيما يدعم . خاصة للقوات المسلحة وكافة الاذرع المساندة لها وبصرامة وحذاقة تجعله يحفظ مقامات الجميع وكسبهم وأظنه الصحفي الوحيد الذي تخلى بالوعى الاستراتيجي الذي لم ينحرف معه إلى طعن فئة أو جماعة فكان تفكيره الإيجابي مثل (البوريه) على رؤوس الجميع . وهذا ربما ما أزعج خصومه لانه إن كان قد (تسفل) بالانحراف عن قضية الجميع لوجدت ذات الذين يضيقون به هم من يحملونه على مطالع النشيد والقصيد وهو ما يؤكد أن بعض المخاشنات مردها أن موقفك يوجع من لم يرغب في تقف ضده لتكشف زيفه وضلاله ووضاعة خياراته.
4
شخصيا عرفت (مزمل) الرياضي المريخابي والاتحادي الوسطي . وود شندي والزميل والصديق .المعين والمساند .والغضوب بغير غل والودود بلا مصلحة وأعتز أنه في صفي ويرمي وارمي معه من قوس واحد . كمل كمل يا مزمل . ومقامات الدكتوراة محفوظة . كمقام شاخور في القلعة الحمراء . و إن لم يجدنا وطننا في هذه الهاجرة لا عشنا ولا كنا .
محمد حامد جمعة
إنضم لقناة النيلين على واتساب