حركة ناشطين تتحدَّى سياسة بايدن تجاه غزة
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
ترجمة : قاسم مكي -
تتجه إدارة بايدن إلى تقليل تأييدها للأعمال العسكرية الإسرائيلية في غزة. لقد عبرت عن شكوكها بشأن (وجاهة) الغزو البري المحتمل لرفح. كما يزداد باطراد استخدامها لعبارة «وقف إطلاق النار».
أهم تفسير لهذا التحول أن قتل إسرائيل العشوائي للفلسطينيين المدنيين على مدى شهور ودون توقف مقرف أخلاقيا ويصعب على الإدارة الأمريكية الدفاع عنه.
لكن هنالك عامل آخر يؤثر على تصرفات بايدن، فالناشطون الأمريكيون الذين يطلبون من بايدن مراجعة سياساته الإسرائيلية – الفلسطينية يديرون حركة احتجاجية ذكية جدا. يستخدم هؤلاء الناشطون في احتجاجاتهم تكتيكاتٍ تشكل زخمًا لقضيتهم وتزيد من عدم الرضا عن أسلوب إدارة البيت الأبيض لهذه المسألة.
الحملة التي تهدف إلى وقف تدمير إسرائيل لقطاع غزة أو على الأقل وقف دعم الولايات المتحدة لا يقودها بطريقة منهجية فرد أو مجموعة واحدة. فمنظمات من شاكلة «الصوت اليهودي من أجل السلام» منخرطة بشدة في هذه الحملة. ولكن أيضا هنالك أفراد يعملون بمفردهم. هذا الجمع بين العمل الهيكلي وغير الهيكلي ليس غريبًا. فذلك ما حدث أثناء حركة «حرية السود» في القرن العشرين وحملة «حياة السود مهمة» خلال العقد الماضي.
اتخذ هؤلاء الناشطون جماعيًا وكأفراد ثلاثة قرارات حاذقة على نحو خاص.
أولا، كانت خياراتهم اللغوية حكيمة. ففي وقت سابق توحدت الحركة حول الدعوة إلى وقف إطلاق النار. كان ذلك مهمًّا لعدد من الأسباب. لقد طرحوا مطلبًا وحيدًا وواضحًا. وكانوا يعلنون عنه في تناغم وباستمرار.
وفي حين أن أمريكيين عديدين ربما لم يكونوا في البداية قد أدركوا بشكل كامل النتائج التي ينطوي عليها وقف إطلاق النار إلا أن العبارة نفسها كان لها معنى واضح. والكف عن إطلاق النار له معنى ضمني أكثر إيجابية مثلا من عبارة «خفض التمويل». لذلك جعلُ السياسيين يؤيدون وقف إطلاق النار أكثر سهولةً من دفعهم إلى خفض تمويل الشرطة.
المؤشر الواضح على أن عبارة «وقف إطلاق النار» كانت ناجحة يتمثل في محاولة بايدن وفريقه تبنِّيه بقولهم إنهم أيضا يؤيدون وقف إطلاق النار. (وهم يعنون بذلك وقف القتال لأسابيع قليلة من أجل تسريع إطلاق سراح الرهائن الذين تحتفظ بهم حماس وليس النهاية الدائمة لحرب ما بعد 7 أكتوبر وهي التي يريدها الناشطون).
استدعاء الناشطين (ليسوا كلهم ولكن عديدين منهم) لمصطلح «إبادة جماعية» كان أيضًا مهمًا. يختلف الخبراء حول ما إذا كان أفضل وصف لتصرفات إسرائيل القول بأنها إبادة جماعية أو تطهير عرقي أو قتل عشوائي أو جرائم حرب أو أنها ليست تماما أيا من ذلك. لكن لأنه من الصعب القول على نحو قاطع إن إسرائيل لا ترتكب إبادة جماعية يستخدم الناشطون أقوى مصطلح في متناولهم. (المصطلح الذي يشعرون أنه يصف بدقة ما يحدث) إنه يجعل الناس ينتبهون. وعندما تصرح مرارا وتكرارا (كما يفعل المسؤولون الإسرائيليون الآن) أن أفعالك ليست إبادة جماعية لن تكون في موقف عظيم.
ثانيا: يظهَر الناشطون بانتظام في لقاءات مسؤولي الحزب الديموقراطي ويقاطعونهم لإدانة سياسة الولايات المتحدة في غزة. هذا النوع من الاحتجاج يضمن التغطية الإعلامية؛ نظرًا لوجود الصحفيين في هذه اللقاءات.
ظهور بايدن في كنيسة الأم إيمانويل بمدينة شارلستون في ولاية كارولاينا الجنوبية في يناير كان من المفترض أن يشكل التدشين الرسمي لمساعيه في التودد إلى الناخبين السود والذين لا يؤيدونه حاليًا بالعدد الكافي لضمان إعادة انتخابه. لكن في اعتقادي ما يتذكره كل الناس عن ذلك اليوم أن المحتجين قاطعوا الرئيس ونادوا بوقف إطلاق النار في غزة.
أيضا المواجهات بين الناشطين ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلنتون ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي وعضوة مجلس الشيوخ كريستين جيليبراند ترددت أصداؤها في الآفاق. تلك المواجهات كانت «عفوية تمامًا» بحسب وليد شهيد المسئول السابق في الجماعة اليسارية «ديمقراطيو العدالة» والذي يشارك بقوة في حركة وقف إطلاق النار.
قيمة هذا التكتيك ليست فقط في إيجاد أفلام توثيقية لا تمحي من الذاكرة. فالمسؤولون المنتخبون ينفقون معظم وقتهم مع معاونيهم والمانحين الذين إما يوافقونهم في الرأي أو على الأقل يترددون في التعبير عن الاختلاف الشديد معهم.
لكن الآن كلما يظهر بايدن أو الديمقراطيون الآخرون الذين يؤيدون إسرائيل في مناسبة عامة يواجَهون بانتقاد بالغ لمساندتهم هجومًا عسكريًا قَتَلَ آلاف الأطفال.
فريق بايدن يحدُّ باطراد من حضور لقاءاته، ويدقق في الحضور المحتملين لتجنب هذه المواجهات، حسب تقرير أخباري حديث من شبكة أن بي سي نيوز.
لكني أظن أن هذه المواجهات تدفع بايدن باتجاه الحل الذي يتيح له على أفضل نحو إدارة حملته الانتخابية في هدوء. بمعنى أن يكون أقل تأييدًا بشكل علني لحكومة إسرائيل. وعندما يحاول جعل المحتجين يلزمون الصمت يقول في العادة إنه شديد القلق من قتل المدنيين الفلسطينيين. وسواء كان صادقًا أم لا إلا أنه بذلك يتعهد علنا بالتقليل من أعمال القتل.
التكتيك الذكي الثالث للحركة هو دفع الديمقراطيين إلى التصويت بعبارة «غير ملتزم» في قائمة الانتخابات الأولية. لقد أوضحت استطلاعات الرأي العام على مدى شهور أن كتلة كبيرة من الديمقراطيين تعارض سياسة بايدن في غزة. لكن تصويت أكثر من 300 ألف شخص في عدة ولايات ضد الرئيس أظهر أن تلك الاستطلاعات عكست الواقع على الأرض.
اختيار أكثر من 100 ألف ناخب ديمقراطي في ميشيجان (وهي ولاية يحتاجها بايدن بشدة للفوز في نوفمبر) التصويت على أساس «عدم الالتزام» بمرشح محدد لتمثيل الحزب في الانتخابات الرئاسية كشف أن الديمقراطيين ليست لديهم فقط خلافات حزبية داخلية ولكن أيضا مشكلة انتخابية محتملة.
سبق لي أن قمت بتغطية عدد من الانتخابات الرئاسية الأولية ولا يمكنني تذكر تنظيم حملة «عدم التزام» مماثلة لتغيير سياسة ما. لذلك كان هذا التكتيك مبتكرًا.
نُظِّمَت حملة عدم الالتزام هذه بطريقة أكثر منهجية. كتب وليد شهيد مذكرة في يناير لقادة تقدميين آخرين داعيًا إلى تصويت احتجاجي في الانتخابات الأولية في ميشيجان على وجه الخصوص. وقال لي كان من الواضح في أواخر العام الماضي أن وسائل الإعلام ستتحول من تغطية أحداث غزة إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية عند بداية عام 2024. لذلك حملة «عدم الالتزام» ستكون مرشحًا فعالًا (للتغطية الإعلامية) في الانتخابات الأولية. وستحافظ بذلك على بقاء غزة في الأخبار.
يقينا ليس كل عمل تقوم به هذه الحركة ذكي. فالناشطون الذين استخدموا عبارة «من البحر إلى النهر» يسَّروا لأولئك الذين يؤيدون أعمال إسرائيل العسكرية الادعاء بأن الحركة متجذرة في اللاسامية.
وفي حين تريد أعداد متزايدة من الأمريكيين وخصوصًا الديمقراطيين وقفا دائما لإطلاق النار ومن واشنطن وقف تزويد إسرائيل بالأسلحة لا يتبع بايدن أيا من هذين المسارين. إنه شخصيًا منحاز جدًا لإسرائيل. وستكون الدعوة لوقف إطلاق النار أو تعليق المساعدات لإسرائيل إقرارًا بأن استراتيجيته خلال الشهور الخمس الماضية كانت مختلَّة منذ البداية. والرؤساء عادة يترددون في الاعتراف بالأخطاء الكبرى.
يقر وليد شهيد بأن سياسة بايدن تجاه غزة لم تتغير ولكن الذي تغير فقط التعبير عنها. إذن الحركة لم تحقق أهدافها الرئيسية بعد. لكن الإبقاء على حرب غزة في مقدمة اهتمامات السياسة الوطنية للولايات المتحدة وجعل عشرات الآلاف من الديمقراطيين يصوتون ضد الرئيس الديمقراطي الحالي والساسة يشعرون بعدم الارتياح من الحديث في الأماكن العامة إنجازات مهمة.
يقول بايدن والقادة الديمقراطيون دائما إنهم يدافعون عن الديمقراطية. لكن في اعتقادي الديمقراطيون الآن هم هؤلاء الناشطون الذين يستخدمون كل تكتيك في متناولهم لكي يفرضوا «ديمقراطيًا» تغييرًا في السياسة تشتد الحاجة إليه.
بيري بيكون كاتب رأي في صحيفة واشنطن بوست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وقف إطلاق النار إبادة جماعیة فی غزة
إقرأ أيضاً:
خارجية فلسطين تطالب بإجبار إسرائيل على إدخال المساعدات لغزة
فلسطين – حذرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، امس الأحد، من مخاطر إيقاف إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وطالبت بضغط دولي لإجبار تل أبيب على إدخال المساعدات إلى القطاع “بشكل مستدام”.
جاء ذلك في بيان، تعليقا على قرار الحكومة الإسرائيلية، وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، عقب ساعات من انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين حركة الفصائل الفلسطينية وتل أبيب، وعرقلة الأخيرة الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية.
وقالت الخارجية الفلسطينية إنها “تنظر بخطورة بالغة لقرار الحكومة الإسرائيلية، منع إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتحذر من مخاطر هذا القرار ونتائجه الكارثية في ظل المعاناة المستفحلة في القطاع، خاصة في شهر رمضان المبارك”.
وأكدت “رفضها تسييس المساعدات واستخدامها كورقة ابتزاز، من شأنها أن تُعمق من معاناة أكثر من 2 مليون فلسطيني فوق معاناتهم العميقة أصلا، بسبب حرب الإبادة والتهجير”.
وطالبت الوزارة المجتمع الدولي والأطراف كافة “بتحمل مسؤولياتهم لإجبار الحكومة الإسرائيلية على إدخال المساعدات إلى قطاع غزة بشكل مستدام، ومنعها من استخدام آلام الفلسطينيين وتوظيفها للجوع كسلاح لفرض شروطها السياسية”.
وفي وقت سابق الأحد، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بيان، إن “رئيس الوزراء قرر أنه ابتداء من صباح امس (الأحد) سيتوقف دخول كل البضائع والإمدادات إلى قطاع غزة”.
وقوبل موقف نتنياهو بانتقاد شديد وهجوم من قبل أهالي الأسرى وسياسيين حيث قال زعيم حزب “الديمقراطيين” الإسرائيلي المعارض يائير غولان، إن حكومة نتنياهو تهربت من المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الصفقة.
وعقب قرار إيقاف المساعدات، قالت حركة الفصائل إن وقف المساعدات الإنسانية يعد “ابتزازا رخيصا وجريمة حرب وانقلاب سافر على الاتفاق”.
ودعت الوسطاء والمجتمع الدولي إلى “التحرك للضغط على الاحتلال ووقف إجراءاته العقابية وغير الأخلاقية بحق أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة”.
وعند منتصف ليل السبت/الأحد، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار رسميا والتي استغرقت 42 يوما، دون موافقة إسرائيل على الدخول في المرحلة الثانية وإنهاء الحرب.
ويعرقل نتنياهو ذلك، إذ كان يريد تمديد المرحلة الأولى من صفقة التبادل للإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين في غزة، دون تقديم أي مقابل لذلك أو استكمال الاستحقاقات العسكرية والإنسانية المفروضة في الاتفاق خلال الفترة الماضية.
فيما ترفض حركة الفصائل ذلك، وتطالب بإلزام إسرائيل بما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار، وتدعو الوسطاء للبدء فورا بمفاوضات المرحلة الثانية بما تشمله من انسحاب إسرائيلي من القطاع ووقف الحرب بشكل كامل.
وفي 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، بدأ اتفاق لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وتبادل أسرى بين حركة الفصائل وإسرائيل، يتضمن 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.
وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية في غزة خلفت نحو 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
الأناضول