الشيخ أحمد المحلاوي.. الثائر دائمًا
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
يوم الأحد الماضي العاشر من مارس 2024، والعالمُ يستقبل شهر رمضان الفضيل، تُوفي الداعية الشيخ أحمد المحلاوي إمام وخطيب مسجد القائد إبراهيم بمدينة الإسكندرية، عن عمر ناهز 98 عامًا.
نال الشيخ المحلاوي شهرته في السبعينيات من القرن الماضي، بتناوله قضايا الساعة السياسية والاقتصادية في خطبه ودروسه بمسجده، وكان معارضًا شرسًا لسياسات الرئيس السادات خاصة زيارته للكيان الإسرائيلي وما تبع ذلك من اتفاقية «كامب ديفيد» التي وقّعها السادات مع هذا الكيان عام 1978.
تعرّفتُ على الشيخ الراحل لأول مرة، ربما في عام 1979 أو 1980؛ والتعرفُ المقصود هنا هو أني عرفتُه عن طريق خطبه وليس تعرُّفًا شخصيًّا. كان ذلك عندما كنتُ -والرحّالة فيما بعد- أحمد بن حارب المحروقي، والرحال سلطان بن سليمان المحروقي في زيارة لأبوظبي، فتوقفنا في طريق عودتنا في مدينة العين، ودخلنا مكتبة دون تخطيط مسبق، فاشتريتُ عدة كتب وأشرطة سمعية، وكان من ضمن تلك الأشرطة، أشرطة خطب الشيخ أحمد المحلاوي. أعجبتُ كثيرًا بهذا الشيخ، فهو متمكنٌ من اللغة العربية تمكنًا واضحًا، وأسلوبُه سهل ومفهوم؛ ورغم أنه يتحدث بالفصحى إلا أنه لا يتكلف البحث عن الكلمات المنمّقة ولا يستخدم اللغة الصعبة المقعّرة. لم يكن ذلك هو سبب الإعجاب فقط، فقد اكتشفتُ جرأة الرجل وهو يهاجم اتفاقية كامب ديفيد بعنف وشراسة - وكانت في تلك الفترة حديث الناس في العالم العربي - ويتهم الرئيس السادات بأنه سبب إثارة الفتنة الطائفية في مصر. ورغم أنّ الكاسيت أصبح من الماضي، إلا أني احتفظتُ بتلك الخطب. وسماعي لخطب الشيخ المحلاوي بالذات شجّعني على متابعة خطب المشايخ المصريين، وهذا جعلني لا أتقبل أيّ خطيب، وأستثقل خطب الجمعة المحشوة بالسجع والكلمات الرنانة دون مضمون.
بعد فترة وجيزة من تعرُّفي على الشيخ المحلاوي -كما ذكرتُ ذلك في كتابي «سارق المنشار»- إذا اسمه يقفز إلى سطح الأحداث، بعد أن اعتُقل إبَّان حكم الرئيس أنور السادات، ضمن من اعتقل من المصريين، إلا أنّ ما جعل اسمه يقفز إلى السطح دون غيره من المعتقلين، هو أنّ السادات تحدَّث عنه شخصيًّا في خطابه الشهير الذي ألقاه في مجلس الشعب المصري في الخامس من سبتمبر عام 1981، أي قبل اغتياله بشهر، قال عنه: «الرجل بتاع الإسكندرية.. الخطيب اللي كان بينال مني ومن بيتي، أهو مرمي في السجن زي الكلب»، وقد كانت هذه العبارة قشة من القشّات التي قصمت ظهر البعير، فقد نُقل عن خالد الإسلامبولي المتهم الرئيسي في اغتيال السادات، أنه قال أثناء المحاكمة إنه قال وهو يفرغ رصاص رشاشه على السادات: «هل تصنِّفُنا بأننا كلاب....». وقد تابعتُ خطاب السادات مرارًا عبر «اليوتيوب»، وتابعتُ المقطع الذي تحدّث فيه عن الشيخ المحلاوي، وهو مقطع يُعرِّف القارئ سبب غيظ الرئيس السادات منه، وفي الخطاب الشهير والطويل والأخير، خصّص ما يقرب من نصف ساعة للحديث عن الشيخ المحلاوي وحده، مشدِّدًا على الحروف وبادي الغضب. وحكى المحلاوي -فيما بعد- أنه استمع لخطاب السادات عبر أحد أجهزة الراديو الموجودة في السجن، وتعجّب من الغيظ الشديد الذي أبداه تجاهه، بل تعجّب من وصف إحدى الصحف له عقب خروجه من السجن بأنه «الخصم الأول للسادات».
لقد اختفى الشيخ أحمد المحلاوي طويلًا عن الساحة بعد أن مُنع من الخطابة، إلا أنه ظهر أثناء الثورة المصرية عام 2011، محرِّضًا ضد الرئيس حسني مبارك، ثم ظهر مؤيدًا للإخوان بشدة، ورغم أنه كان كبيرًا في السن وقتها، إلا أنّ حماسه وثوريته فاقا فورة الشباب.
المهم أنّ خطب الشيخ أحمد المحلاوي النارية، من الأمور -ضمن أمور أخرى طبعًا- التي جعلتني أتّخذُ موقفًا سلبيًّا من الرئيس السادات، وطوال السنوات الماضية كنتُ على يقين أنّ ما سُمِّيَ بمبادرة السلام مع إسرائيل هي التي شتّتت الأمة العربية وجعلتها شيَعًا وقبائل، وقضت على كلِّ ما بناه الزعيم جمال عبد الناصر.
وبما أنّ الأعمار بيد الله تعالى، فأذكر أنّ الشيخ المحلاوي قال في إحدى خطبه في نهاية السبعينيات من القرن الماضي: «خلاص إننا سنموت قريبًا»، ولم يكن يدري أنه سيشهد نهاية خصمه اللدود أنور السادات، وسيعيش فترة الرئيس حسني مبارك كلها والأحداث التي وقعت وأدت إلى نهاية حكمه، وعاصر فترة حكم الإخوان والإطاحة بهم.
لقد ظلّ الشيخ أحمد المحلاوي ثابتًا على مبادئه لا يتزحزح عنها قيد أنملة، وظلّ يصدع بما يؤمن به، ولم يلتزم الصمت أو يبرّر للخطأ، وكان مثالًا للدعاة الصادقين، في وقت سقط فيه كثيرون من الدعاة، ولم يقل بمثل ما قاله البعض من أنّ «طاعة وليّ الأمر واجبة حتى وإن رأيتَه على الشاشة يزني»، وشارك الشيخ المحلاوي الناس همومها، فأحبّوه بما مثّله من نموذج لعالِم دين، رفض الاستبداد، وعاش عفيفًا شريفًا زاهدًا، جريئًا في الحق لا يخاف لومة لائم، وساهم في العمل الاجتماعي، وتحرّك من أجل الناس، وكان رحمه الله يؤمن أنّ مصر عليها الواجب الأكبر لتحرير فلسطين، وأنّ ذلك قدرها، وهي في الواقع حقيقة يفرضها التاريخ والجغرافيا، واستمر يدافع عن رؤيته تلك حتى رحيله. كان -رحمه الله- أمة وحده، وكان مؤسسة دعوية وخيرية، ولم يبع دينه بدنياه، وثبت على مواقفه الشجاعة رغم تغير الأنظمة.
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشیخ المحلاوی الرئیس السادات إلا أن
إقرأ أيضاً:
بسام راضي: الرئيس السيسي يهنئ قادة إيطاليا بأعياد الميلاد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
صرح بسام راضي سفير مصر في إيطاليا، بإنه نقل تهنئة الرئيس عبد الفتاح السيسي لكل من جورجيا ميلونى رئيسة وزراء ايطاليا، وسيرجيو ماتاريلا رئيس ايطاليا والشعب الإيطالي الصديق بمناسبة أعياد الميلاد وحلول العام الميلادي الجديد، مؤكدا انه من خلال التعاون المثمر والتفاهم المتبادل بين مصر وإيطاليا نعمل سوياً لمزيد من تعزيز للعلاقات الثنائية بين البلدين لصالح الشعبين الشقيقين، ومن اجل تحقيق السلام والتنمية والاستقرار خلال العام القادم ٢٠٢٥ للعالم اجمع الذى أثقلته النزاعات والتحديات المختلفة خلال الأعوام السابقة.
وفي سياق أخر أوفد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أمناء رئاسة الجمهورية للتهنئة وحضور احتفالات الطوائف المسيحية بعيد الميلاد المجيد وهم: عبد العزيز الشريف إلى طائفة الأقباط الكاثوليك، أحمد الأنصاري إلى طائفة السريان الأرثوذكس، حسام زعتر إلى طائفة الأرمن الكاثوليك، أحمد رضا إلى الكنيسة الأسقفية، محمد مختار إلى طائفة السريان الكاثوليك، محمد عاطف إلى طائفة الموارنة الكاثوليك.
كما أوفد عددا من اللواءات للتهنئة وحضور احتفالات الطوائف المسيحية بعيد الميلاد المجيد؛ وهم: لواء شرطة أشرف سعد طه محمد البيلي إلى طائفة الروم الكاثوليك، لواء شرطة وائل حسن عبد العظيم حسيني إلى طائفة الكلدان الكاثوليك، لواء شرطة أحمد طاهر أحمد السيد نصر إلى طائفة اللاتين الكاثوليك.