فى إبريل 1930، التقى عباس محمود العقاد (1889-1964) وسلامة موسى (حوالى 1887-1958)، فى الجامعة المصرية المبنية حديثًا لمناقشة عبارة كيبلينج Kipling الشهيرة عن كون الشرق والغرب التوأمين اللذين لن يلتقيا أبدًا. 

واتفق العقاد مع كيبلينج فى قوله إن السجل التاريخى يتوافق مع صدق رأى كيبلينج. أجاب سلامة موسى: كلا، إنّ الشرق والغرب قادران على إيجاد أرضية مشتركة للتفاهم لأن كليهما ينتمى إلى أسرة إنسانية واحدة ومصير إنسانى واحد، وأوضح موسى أن علينا أن نتبنى القيم والممارسات الغربية بالكامل، واختلف العقاد معه بقوله إنّ عدم التوافق بين الهوية الروحية للشرق والهوية المادية للغرب يحول دون أى لقاء بينهما.


وتدل هذه المناقشة على انشغال الأدباء المصريين بالغرب والحضارة الغربية، وهو الانشغال الذى يتجلى أيضًا فى عدد كبير من الأعمال الخيالية والواقعية.
يُعتبر الغرب تهديدًا ثقافيًا من وجهة نظر الكاتب عبدالله النديم (1845-1896) فكان يدعو إلى الحفاظ على الهوية الثقافية واللغوية الشرقية وعدم التأثر بالغرب. فى مقالته «عربيٌّ تفرنج» (مجلة «التنكيت والتبكيت» 6 يونية 1881) ينتقد المصريين الذين تأوربوا (تفرنجوا) إلى حد الغربة عن ثقافتهم الأصلية وحتى لغتهم الأم، وهذا مشهد صوّره النديم لاستقبال أحد الفلاحين لولده بعد دراسته فى أوروبا :
«.. قرب أبوه ليحتضنه ويقبله شأن الوالد المحب لولده فدفعه فى صدره وجرت بينهما هذه العبارة:
زعيط:.. مسألة الحضن دى قبيحة جدًا.
معيط: أمال يا بنى نسلّم على بعض إزّاي؟
زعيط : قول بُونَريفي {يعنى زعيط هنا أن يقول بالفرنسية bonne arrivée} وحط إيدك فى إيدى مرة واحدة وخلاص
معيط: لهو يا ابنى أنا باقول منيش ريفى.
ولما قدمت له أمّه طاجنًا فى الفرن مملوءًا لحمًا ببصل لم يعرف الكلمة العربية للبصل:
«زعيط: ليه كترتى من الـ.. ال البتاع اللى ينزرع.. نونو دى اللى يبقى لو راس فى الأرض.. البتاع اللى يدمع العنين اسمو أونيون.
معيكه: والله يا ابنى ما فيه أونيون دا لحم ببصل.
زعيط: سى سا بصل بصل..
معيكه: يا زعيط يا ابنى نسيت البصل وإنت كان أكلك كله منه. 
ويعقّب النديم على لسان أحد النبهاء بقوله للأب الفلاح: «.. ولدك لم يتهذّب صغيرًا ولا تعلّم حقوق وطنه ولا عرف حقّ لغته ولا قدّر شرف الأمة ولا ثمرة الحرص على عوائد الأهل ولا مزيّة الوطنية، فهو وإن كان تعلم علومًا إلا أنها لا تفيد وطنه شيئًا.. ولدك.. جاهل بوطنه فكم من شبان تعلّمت فى أوروبا وعادت محافظة على مذهبها وعوائدها ولغتها وصرفت علومها فى تقدّم بلادها وأبنائها ولم ينطبق عليهم عنوان «عربى تفرنج».
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: عباس محمود العقاد وسلامة موسى الجامعة المصرية الشرق والغرب

إقرأ أيضاً:

إيسيسكو تحتفي بالمفكر المصري عباس العقاد بذكرى رحيله الستين

أحيت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو"  في الرباط، الذكرى الستين لرحيل الكاتب والمفكر المصري عباس محمود العقاد.

وأعلنت المنظمة في بيان لها الجمعة أنها نظمت مؤتمراً دولياً بعنوان "العقاد والعالم الإسلامي"، بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية في مصر.

وأكد المدير العام لمنظمة إيسيسكو، سالم بن محمد المالك٬ أن عباس العقاد كان نموذجاً للموسوعية الثقافية، حيث أتقن الفلسفة والأدب وعلم النفس والاجتماع والتاريخ الإنساني، وهو ما تجلّى في أكثر من مئة كتاب تركها إرثاً فكرياً غنياً.

وفي كلمة ألقاها نيابةً عنه نائب المدير العام للإيسيسكو، عبد الإله بنعرفة، أوضح أن المؤتمر الدولي حول العقاد يأتي ضمن جهود المنظمة للاحتفاء بأعلام العالم الإسلامي الذين قدموا إسهامات فكرية وثقافية بارزة وتركوا إرثاً ملهماً للأجيال القادمة.


أما مدير مكتبة الإسكندرية، أحمد عبد الله زايد، أكد أن العقاد يُعد مدرسة فكرية فريدة بذاته، قدّم إرثاً فكرياً غنياً يجمع بين التراث الإسلامي وأصالة الفكر والمعاصرة.

وأشار زايد إلى أن العقاد تميّز بالانفتاح على الثقافات المختلفة، وسعى إلى بناء جسور حوار مع الغرب من خلال تقديم الإسلام كحضارة عالمية قائمة على قيم التسامح والعقلانية.

وأضاف أن العقاد تناول شخصيات محورية في التاريخ الإسلامي بتحليل منهجي عميق، جسّده في سلسلته الشهيرة "العبقريات"، وكرّس قلمه للدفاع عن الإسلام في مواجهة التيارات التي سعت إلى التشكيك في عقيدة الأمة.


ماذا تعرف عن العقاد؟
ويُعد عباس محمود العقاد أحد أبرز الأدباء والمفكرين في تاريخ مصر والعالم العربي. وُلد عام 1889 وتوفي عام 1964، وترك بصمة كبيرة في الحياة الأدبية والسياسية.

وشغل العقاد عضوية مجلس النواب المصري، وكان عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة. أسهم بإثراء المكتبة العربية بأكثر من مئة كتاب تناولت مختلف المجالات، مما جعله أحد رموز الفكر العربي الحديث.

وعباس العقاد، هو أديب ومفكر وسياسي مصري، عُرف بثقافته الموسوعية رغم اكتفائه بالتعليم الابتدائي. كان من أبرز مؤسسي "مدرسة الديوان" التي سعت لتجديد الشعر العربي، واشتهر بمعاركه الأدبية والفكرية وسجنه بسبب مواقفه السياسية.

وُلد العقاد في 28 حزيران/ يونيو 1889 بمدينة أسوان جنوبي مصر، في أسرة متدينة تعود جذورها إلى محافظة دمياط. اكتسبت أسرته لقب "العقاد" من امتهان أجداده صناعة الحرير، بينما عمل والده موظفاً في إدارة المحفوظات. وعلى الرغم من أنه لم يتزوج قط، كان العقاد محباً للموسيقى وشغوفاً بالفنون.


أكثر من مئة كتاب

وتجاوزت مؤلفات العقاد المئة كتاب، بالإضافة إلى نشره آلاف المقالات الصحفية، التي طُبعت بعضها في "الهيئة المصرية العامة للكتاب" ضمن مجلدين كبيرين. أصدر تسعة دواوين بين عامي 1916 و1950.

ومن أبرز مؤلفاته: "الخلاصة اليومية" 1912، "ساعات بين الكتب" 1914، "الفلسفة القرآنية"، "حقائق الإسلام وأباطيل خصومه"، "أثر العرب في الحضارة الأوروبية"، "المرأة في القرآن"، "اللغة الشاعرة"، "التفكير فريضة إسلامية" 1962، وسلسلة العبقريات. وقد تُرجمت بعض كتبه إلى لغات أجنبية.

مقالات مشابهة

  • المتهم بقتل ممرض الزاوية الحمراء: "أنا مش فاكر اللى حصل ومحتاج علاج"
  • «الهنا اللى أنا فيه» يحقق إقبالًا جماهيريًا خلال 72 ساعة من عرضه
  • في ذكرى رحيله الستين.. إيسيسكو تحتفي بالمفكر المصري عباس العقاد
  • المركز الثقافى الأفريقى بأسوان يستقبل خامس أفواج قطار الشباب
  • مقالات فى الذكرى الثالثة للخيبة
  • أعضاء جمعية أبناء أرمنت يزورون المركز الثقافى الأفريقى بأسوان
  • إيسيسكو تحتفي بالمفكر المصري عباس العقاد بذكرى رحيله الستين
  • مصطفى بكرى: اللى دمه ميتحرقش عشان مصر تلم وعمر ما هيبقى بنى آدم
  • مدير مكتبة الإسكندرية: نحن فى أشد الحاجة إلى نموذج "عقَّادي" لهذا العصر
  • ندوة عن الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي بمركز شباب أحمد عبده بالسويس