عندما شاع الوقف في المدينة المنورة في العهد النبوي قدَّمت الصحابيات رضي الله عنهن أموالهن وقفا في سبيل الله، وكان ممن وَقَفَن أوقافا عائشة أم المؤمنين، وأسماء بنت أبي بكر، وأم حبيبة، وغيرهن، فكان ذلك تأسيسا لمشاركة المرأة في البذل والعطاء في مجال الوقف، وحين حضرت عمر بن الخطاب رضي الله عنه الوفاة، أوصى إلى حفصة بنت عمر بإدارة أوقافه التي وَقَفَها، فكان ذلك تأسيسا لمشاركة المرأة المسلمة في إدارة الوقف، وأصبح للمرأة بعد ذلك إسهامها الفاعل في كثير البلاد الإسلامية.

قدمت المرأة العمانية أعمالا جليلة عبر التاريخ، أسهمت بها في مسيرة البناء الحضاري للمجتمع العماني في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها، وحين غابت الكثير من الأسماء والأحداث التي برزت فيها المرأة العمانية نظرا لقلة التدوين في التاريخ العماني، لاسيما ما يتعلق منه بالتاريخ الاجتماعي عموما، وإسهام المرأة في غير الأدوار السياسية خصوصا، فقد حفظت لنا وصايا النساء أسماءً لعدد من النساء العمانيات اللواتي كن مثالا لبنات جنسهن في بذل الخير والعطاء، فكانت تلك الوصايا شواهد باقية دالة على فكر المرأة العمانية وإسهامها الفاعل في مجتمعها.

كان دور المرأة العمانية في هذا البلد الطيب ماضيا وحاضرا مهما في تنمية الإنسان بما قدمته من جهد في تربيته ورعايته وتنشئته، كما كان لها دور بارز في بناءِ حضارة هذا البلد بما بذلته من جهد، ومال، وفكر، وإذا أردنا أن نبرز ما قدمته فكرا، وجهدا، وبذلا، مجتمعا في إطار واحد، فلنمعن النظر في إسهامها في الوقف ففيه تتجلى أروع الصور الحضارية وأبهاها لإسهام المرأة العمانية في البناء الحضاري العماني.

تؤكد الوثائق الوقفية على عراقة الحضور النسائي في الوقف في بلدنا هذا، إذ تعود أقدم وثيقة وقفية عمانية شهدت حضور المرأة في الوقف إلى ما قبل ألف عام من الآن، فقد حفظت لنا المصادر وصية امرأة تُدعى عالية بنت عمر، جاء فيها أنها وقفت ".. لمِسجد أَدَم الجامع نخلة من مالها، ولمسجد المضيبي نخلة من مالها، ولمسجد السّهل نخلة من مالها، من سني (سناو الحالية)"، كما حفظت لنا المصادر وصية تعود إلى ما يقرب من الألف عام أيضا وهي وصية امرأة تدعى مريم بنت سعيد، جاء فيها: "أشهدتنا مريم هذه أنها قد جعلت النّخلة البلعق، التي لها في العثمانيّة بجميع حدودها وحقوقها، وجميع أرضها، وقفًا على الفقراء، ... وأوصت بالنّخلة المسبت، التي لها في أجيل القرية الشّرقية ...، وقفًا على المسجد الذي بمحلّة العقر الأعلى من نزوى، بجميع ما تحتاج إليه". وعلى الرغم أن تلك الوصايا لم تبين لنا من هنّ عالية ومريم، وما مكانتهما الاجتماعية؛ فإنها تظل وثائق حية شاهدة على قِدَم مشاركة المرأة في الوقف، وتعكس عمق تفكيرها في بناء مجتمعها، بدءا من المسجد الذي هو مقر العبادة، والمدرسة، ومحور الحياة في القرية، مرورا برعاية الفقراء والمحتاجين، كما بيَّنت نظرة المرأة لأهمية النخلة كمكون اقتصادي ومصدر تمويل مستدام في تلك الفترة.

تمثل تلك الوثائق الوقفية القديمة نماذج لمرحلة من مراحل مشاركة المرأة العمانية في الوقف، والتي تغيرت وتنوعت بتغير متطلبات المجتمع في مراحله التاريخية المتعاقبة، فمع مرور الزمن نجد أن الوصايا تبين استمرار وقف المرأة العمانية للمساجد والمدارس والفقراء، كما نجد أنها بدأت توقف أوقافا تخدم جوانب اجتماعية مثل الرحى وهي الطاحونة التقليدية التي كانت حاجتها تتجدد يوميا لظروف ذلك العهد، والمرأة هي الأقرب لهذا العمل، فهذا الوقف مرتبط بشعور المرأة وإحساسها بحاحة بنات جنسها ومعاناتهن، والمسؤولية الملقاة على عاتقهن.

ومن الأوقاف التي هي في قمة اللطف في جانب شعور المرأة ببنات جنسها، وقف امرأة تدعى شمسة الصلتية، وهي من قرية (عدَّة) بولاية صور، فقد رأت الراعيات يقْدِمن إلى البلد من قمم الجبال، بحثا عن الماء والظل تحت أشجار المانجو يانعة الثمار في فصل الصيف، إلا أن عِفَّة النفس تمنعهن من الاقتراب من تلك الثمار رغم الحاجة، فوقفت لهن شجرة مانجو لتقيهن وهج القيظ، وتمنحهن ثمارها اليانعة، وكانت تلك الشجرة معروفة إلى وقت قريب بـ(لمباة الراعيات)، فلكم أن تتصوروا بما تلهج به ألسنة أولئك النسوة للمرأة المحسنة شمسة.

وكما كان للمرأة العمانية إسهامها في العطاء والبذل، كان لها إسهامها في إدارة الوقف، فهذه السيدة خولة بنت حمود بن أحمد البوسعيدية، حفيدة السيد سعيد بن سلطان (ابنة ابنته) - وهي بزنجبار، توجه وكيل أوقافها في عمان (الشيخ الفقيه سعيد بن ناصر الكندي) لاختيار أوقافها بعناية، وتوصيه أن يشتري أموالا للوقف من تلك التي تُسقى بالأفلاج العِدّ (التي لا تتأثر بالجفاف)، أما السيدة ثريا بنت محمد بن عزان البوسعيدية، فمع إسهامها الكبير في بذل الأموال لأوقاف مسجد الوكيل الذي بناه جدها في مسقط، ولخدمة طلاب العلم فيه، فقد عيَّنت الشيخ سليمان بن زاهر الريامي وكيلا لأوقاف المسجد، وكانت تتابعه، وتيسر له إدارته للوقف.

إن الحديث عن مشاركة المرأة العمانية في بناء مجتمعها من خلال الوقف عطاء وبذلا وإدارة، حديث يطول لتنوع تلك المشاركة، ولامتدادها الزمني عبر مراحل التاريخ المتعاقبة، وما الأمثلة التي سقناها إلا لتوضيح الأدوار فقط، وكما أسهمت المرأة العمانية بالجهد والبذل في الماضي، فإن الأمل معقود على مواصلة المرأة العمانية لذلك الدور حاضرا ومستقبلا.

د. خالد بن محمد الرحبي/ باحث في التاريخ الحضاري العُماني عموما، والوقف على وجه الخصوص

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المرأة العمانیة فی المرأة فی فی الوقف

إقرأ أيضاً:

بحث جديد: الاضطرابات النسائية قد تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب

أظهرت دراسة جديدة، أن بعض الاضطرابات النسائية، مثل بطانة الرحم المهاجرة، قد ترتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب وحالات تؤثر على الدماغ.

اعلان

وقام عدد من الباحثين بمراجعة 28 دراسة شملت أكثر من 3 ملايين شخص، حيث تناولوا مجموعة من الاضطرابات النسائية، بما في ذلك بطانة الرحم المهاجرة، ومتلازمة المبيض متعدد التكيسات (PCOS)، وفترات الحيض المؤلمة (عسر الطمث)، بالإضافة إلى حالات عدم انتظام الدورة الشهرية.

وأوضح ماثيو ليوناردي، الأستاذ المساعد في جامعة ماكماستر في كندا وأحد مؤلفي الدراسة، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى "يورونيوز هيلث"، أنه "قررنا النظر في العلاقة المحتملة بين الاضطرابات النسائية وأمراض القلب والأوعية الدموية، لأن أمراض القلب لا تزال السبب الأول للوفاة في جميع أنحاء العالم".

وأضاف أن "فهم ما إذا كانت النساء اللواتي يعانين من هذه الحالات يواجهن خطرا مرتفعا يعتبر جزءا أساسيا من لغز الصحة الوقائية".

وفقا للنتائج التي نشرت في مجلة "القلب"، فإن النساء اللواتي يعانين من اضطراب واحد على الأقل من الاضطرابات النسائية كن أكثر عرضة بنسبة 28% للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية أو الأمراض الدماغية الوعائية.

وتجدر الإشارة إلى أن الأمراض القلبية الوعائية الدماغية هي تلك التي قد تؤثر على تدفق الدم إلى الدماغ، مما يعكس أهمية دراسة العلاقة بين هذه الاضطرابات الصحية.

وكان الخطر المتزايد ملحوظا بشكل خاص لدى النساء اللواتي يعانين من بطانة الرحم المهاجرة أو متلازمة تكيس المبايض، وهي حالة تؤثر على وظيفة المبيضين لدى النساء.

وأوضح ليوناردي أنه "من النتائج الأخرى المثيرة للاهتمام أنه في بعض الدراسات، بدا أن هذا الخطر المتزايد يظهر في وقت مبكر نسبيا من الحياة، مما يشير إلى أن التدخل المبكر أو المراقبة قد تحدث فرقا على المدى الطويل".

وعلى الرغم من ذلك، لم يظهر التحليل التلوي أي زيادة في خطر الوفاة لدى المرضى الذين يعانون من أحد هذه الاضطرابات النسائية.

من جانبها، أوضحت الدكتورة راشيل بوند، أخصائية أمراض القلب في مجموعة "ديغنيتي هيلث" الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لم تشارك في الدراسة، في رسالة إلى "يورونيوز هيلث" أن الدراسة تضيف "إلى مجموعة الأدلة المتزايدة" على أن الأمراض النسائية غير الخبيثة "ليست مجرد مشاكل صحية موضعية، بل قد يكون لها آثار جهازية" قد تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والدماغية.

وأشار الخبراء إلى أن الالتهابات المزمنة منخفضة الدرجة، والاختلالات الهرمونية، ومشاكل التمثيل الغذائي مثل مقاومة الأنسولين قد تلعب دورا في الربط بين الحالات المختلفة.

وذكر ليوناردي أنه "من المحتمل أن تتداخل هذه الآليات وتعزز بعضها البعض، مما يسلط الضوء على تعقيد العلاقة بين أمراض النساء وصحة القلب والأوعية الدموية".

Relatedدراسة جديدة تكشف: أدوية السمنة قد تساعد في تقليل الرغبة في الكحول والتدخيندراسة جديدة تحسم الجدل: لقاح كوفيد-19 أثناء الحمل لا يؤثر على نمو الأطفالدراسة: كبار السن في إنجلترا أكثر سعادة بعد جائحة كوفيد-19السبب الرئيسي للوفاة بين النساء

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، تعتبر أمراض القلب والأوعية الدموية، مثل أمراض القلب والسكتة الدماغية، السبب الرئيسي للوفاة على مستوى العالم.

وهذه الحقيقة تنطبق أيضا على دول الاتحاد الأوروبي، حيث تمثل هذه الأمراض 43% من الوفيات بين النساء و36% من الوفيات بين الرجال.

وقال ليوناردي: "الخلاصة هي أن تكوني استباقية، ولكن دون الشعور بالقلق"، مشددًا على أهمية أن تظل النساء اللواتي يعانين من اضطرابات نسائية يقظات بشأن عوامل الخطر القلبية الوعائية، مثل ضغط الدم، والكوليسترول، والوزن.

ولفت إلى أنهن "قد يرغبن في إجراء فحوصات متكررة أو مبكرة مع فريق الرعاية الصحية الخاص بهن، خاصة إذا كن يتناولن علاجات هرمونية طويلة الأمد أو خضعن لتدخلات جراحية".

اعلان

كما أشار إلى أهمية اتباع العادات الصحية للقلب، مثل ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، واتباع نظام غذائي متوازن، والتحكم في مستويات التوتر.

وأضافت بوند أنه "يجب أن يتبنى الأطباء نهجاً أكثر تكاملاً لرعاية النساء المصابات [بالاضطرابات النسائية غير الخبيثة]، ودمج تقييم مخاطر القلب والأوعية الدموية واستراتيجيات الوقاية في الرعاية الروتينية لأمراض النساء".

وحذر الباحثون من تفاوت جودة الدراسات التي شملها التحليل التلوي، مشيرين إلى أنهم يخططون لإجراء المزيد من الأبحاث للحصول على "دراسات أكبر وأعلى جودة تعزل بشكل أفضل التوقيت والمسارات المحددة الكامنة وراء هذه العلاقة".

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية دراسة: خفض استهلاك التبغ والكحول قد يمنع 3 ملايين إصابة بالسرطان بحلول 2050 دراسة إيطالية تُعيد رسم ملامح الزهايمر.. طفرة جينية نادرة تكشف ألغاز المرض منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس الخطر: وفيات سرطان الثدي قد ترتفع بنسبة 68% بحلول 2050 وقاية من الأمراضأبحاث طبيةالتهابنساءاعلاناخترنا لكيعرض الآنNext أوكرانيا تكثف هجماتها وروسيا تعلن إسقاط 128 مسيرة يعرض الآنNext ارتفاع ضحايا تحطم طائرة النقل العسكرية في السودان إلى46 قتيلًا على الأقل يعرض الآنNext ترامب يشدد قيود الرقائق على الصين.. هل نشهد فصلاً جديدًا في الحرب التقنية بين العملاقين؟ يعرض الآنNext أبعاد زيارة لافروف إلى طهران يعرض الآنNext "سفك الدماء أصبح أمرًا شائعًا" كيم جونغ أون يدعو لإنشاء جيش قوي و"معاصر" لمواجهة أي حرب اعلانالاكثر قراءة "أدركت أنني في ورطة" جندي إسرائيلي يكتب مذكراته عن استهداف حزب الله لقاعدة عسكرية في 8 أكتوبر الشرع: سوريا غير قابلة للتقسيم وليست حقلاً للتجارب أي دول في الاتحاد الأوروبي نجحت في خفض الانبعاثات مع الحفاظ على النمو؟ اكتشف القائمة المغرب يعلن تفكيك خلية إرهابية مرتبطة بداعش في الساحل ويمنع هجمات وشيكة إسرائيل تشن غارات على أهداف قرب دمشق وتتوغل بين درعا والقنيطرة جنوب سوريا اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومالانتخابات التشريعية الألمانية 2025دونالد ترامبالحرب في أوكرانيا إسرائيلروسياالمملكة المتحدةإيرانالضفة الغربيةفرنساحركة مقاطعة إسرائيلواشنطنأدبالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • الوقف السني والمجمع الفقهي يدعوان لمراقبة هلال شهر رمضان الجمعة
  • اتفاقية لتعزيز تكامل المعاملات التجارية بين "البنك الوطني" و "النفط العمانية"
  • رحلة النسوية البيضاء من الفوقية إلى الفوقية
  • وزير الأوقاف: مستعدون لنقل خبرات مصر في إدارة الوقف إلى ماليزيا
  • بحث جديد: الاضطرابات النسائية قد تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب
  • ذكريات السفير خليفة عباس العبيد عن هيئة شؤون العمال في عطبرة (1947): وينو الضكر وينو الوقف القطر
  • في الذكرى الثالثة لرحيل الشاعر هلال العامري إضاءة على دوره في خدمة الثقافة العمانية
  • «قضايا المرأة» تقيم المؤتمر الختامي لمشروع مناهضة التمييز ضد النساء
  • كتاب يوثق الفنون العمانية التقليدية في جزئين
  • لجنة تطوير المواصفات تناقش خطة المشاريع القياسية العمانية 2025