لجريدة عمان:
2025-03-29@06:22:10 GMT

كتاب الاستقامة.. سِفْر الحُجّة والتأريخ

تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT

كتاب الاستقامة.. سِفْر الحُجّة والتأريخ

أبو سعيد محمد بن سعيد الكُدَمي عالمٌ محقق وفقيه مدقق من أهل القرن الرابع الهجري، تتلمذ على يد محمد بن روح بن عربي، ورمشقي بن راشد، وأبي الحسن محمد بن الحسن، وترك آثارا عديدة أشهرها كتاباه (الاستقامة) و(المعتبر)، وتعليقه على كتاب الإشراف لابن المنذر النيسابوري (ت:318هـ)، وله آثار وأجوبة كثيرة جُمِعت في أكثر من مجموع.

وأول ما يُنصَرف إليه من آثار أبي سعيد عند المتقدمين والمتأخرين من أهل عمان كتاب الاستقامة، ومن المتأخرين الذين أطنبوا في الثناء عليه الفقيه سلطان بن محمد بن صلت البطاشي (ت: نحو 1278هـ) وقد حَبَّر بيراعه نسخة بديعة من الكتاب محفوظة في خزانة المؤرخ سيف بن حمود البطاشي، وقرّظه في أولها، ومما قاله: «هذا السِّفر العظيم والكتاب المبارك الكريم هو كتاب الاستقامة، تصنيف الشيخ العالم العلّامة والحبر البحر الفهامة الفقيه النبيه الرباني أبي سعيد محمد بن سعيد الكدمي العماني، هذا وإنه لقد سماه باسم مطابق مسماه...» ثم شرح معنى اسم الكتاب ونظم بعد ذلك أبياتًا بديعة في تقريظ الكتاب وفيها يقول:

أَلا إن هذا السِّفر قد طابق اسمهُ ** مُسَمّاهُ مَن سَمّاه لله فهمُهُ

هو العيلم البحر العظمظم مالَه ** مدى الدهر قعرٌ يبلغ الناسَ علمُهُ

ألا فالتقط من سيفه دُرَّ لفظه ** فسيف أوالٍ دُرُّه ذا يذمُّهُ

ثم قال: «هذا وإن الكتاب لا شك فيه ولا ارتياب، إنه في الأصل صحيح المعاني، محكم الأصول والمباني، المؤسسة على مقتضى القرآن والسبع المثاني، لأن ما بعد التنزيل من العلم تفسير له وتأويل، لكن بعض النُّسَخ لا يخلو من التصحيف والتحريف، فما وُجِد فيه من ذلك فهو محمول على المُصَحِّف والمُحَرِّف، لا على المؤلِّف والمصنِّف».

وقد دار الكتاب في موضوعه في فلك القضية التي شغلت أهل عمان أواخر القرن الثالث الهجري وبقيت تدور رحاها قرونًا متطاولة وهي قضية عزل الإمام الصلت بن مالك على يد موسى بن موسى وراشد بن النظر. ومع أن الكتاب لم يقتصر موضوعه على تلك القضية إذ عقد أبو سعيد فيه أبوابًا عديدة لمسائل في الأديان والأحكام غير أن القضايا الكلامية ومسائل الاعتقاد والفقه السياسي شغلت الحيِّز الأكبر منه. والذي نتقصده في هذا العرض قيمة الكتاب من الزاوية التاريخية، فأبو سعيد لخَّص القضية الرئيسة في باب سماه «ذكر اختلاف أهل الدعوة من الأحداث الواقعة بعمان» وطرح آراء كل طائفة معلقًا إثر كل فصل. وفي الباب الخامس عَرّف بجملة من الأعلام الذين سماهم «أهل العلم من المسلمين» مع ذكر مواقفهم من القضية، ومن العبارات التي جاء بها أبو سعيد في هذا الباب وتناقلها من جاء بعده حتى اليوم قوله: «وكان هؤلاء الثلاثة بعمان يُضرَب بهم المثل أن أمور أهل عمان رجعت في ذلك العصر وذلك الزمان إلى أصمّ وأعرج وأعمى، وكان أبو جابر محمد بن جعفر أصم، وكان أبو عبدالله نبهان بن عثمان أعرج، وكان أبو المؤثر الصلت بن خميس أعمى». أما الباب السابع من الكتاب فقد جعله لذكر الإمامين سعيد بن عبدالله وراشد بن الوليد، ويكاد نصه هذا أن يكون فريدًا جعل المؤرخين من بعده يعتمدون عليه.

والكتاب متضمن جملة من الشوارد التاريخية عن الأحوال السياسية والاجتماعية وحتى الدينية في عمان قبل زمان المؤلف انتهاءً بعصره، ومن ذلك مثلًا قوله: «وقد صح معنا أن أهل عمان كانوا على غير الاستقامة، وأحسب أنهم كانوا على دين الصفرية، وكان العلم فيهم قليلًا ميتًا، لا توجد الآثار فيها ولا العلماء، وكان الفقهاء والعلماء يخرجون في التماس العلم إلى العراق، ويأتون فيعلمون الناس ما جهلوا من دينهم، ولم يلزموا أحدا من الناس خروجا إلى البصرة، وكان ذلك في عدم من أهل العلم».

وفي باب عَرَّف فيه بمفهوم (العلماء) ومن هو منهم حجة على غيره جعل شهرة العالم بمنزلة شهرة أصحاب عدد من أهل الصنائع والحِرَف فقال: «وشهرة العالم في البلد أو المِصْر أول المحلة من البلد بمنزلة شهرة الحجّام والمطبب والنسّاج والحدّاد والصانع من الصُّنّاع، قد قامت الحجة في العقول من الصغير والكبير والخاصة والعامة أن لكلٍّ من هؤلاء منزلةً وإليه حاجة للناس ليست إلى الآخر ولا توجد مع الآخر. كذلك شهرة التجار في البلد من يكون منهم معروفًا بالبُرّ، ومنهم من يكون معروفًا بالعطر، ومن يكون معروفًا بالصيدلة، ومن يكون معروفًا بالإدام وبيع سائر الطعام، لا تنكر العقول ذلك»، فكأنما يُصوّر لنا أبو سعيد هنا أهل الصنائع والحوانيت في الأسواق في زمانه. وفي باب البلدان العمانية تَرِد في نصوص أبي سعيد كثير منها، ونمثل لذلك هنا بنص جاء فيه ذكر مدينة السيب، وهو ذكرٌ نادر في مصدر من العهد الإسلامي، مع أن (دَما) قد جاء ذكرها غير مرة قبل عهد أبي سعيد، إذ فيها اجتمع العلماء في عهد الإمام المهنا بن جيفر، ثم حدثت فيها الواقعة المشهورة أيام حروب محمد بن بور. على أن المؤرخ البطاشي قد نقل تفصيلاً في التسميتين وذكر أن اسم (دَما) لِما كان من الحصن مشرقًا، و(السيب) لِما كان من الحصن مغربًا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أبو سعید أهل عمان أبی سعید محمد بن من یکون معروف ا من أهل

إقرأ أيضاً:

«الأدب الشعبي وفنونه».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب للدكتور أحمد مرسي

كتب- محمد شاكر:

أصدرت وزارة الثقافة المصرية، ممثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب، كتاب «الأدب الشعبي وفنونه» للدكتور أحمد مرسي، أحد أبرز الباحثين في مجال الفولكلور والأدب الشعبي، ويعد هذا الإصدار إضافة قيمة إلى المكتبة العربية، حيث يتناول الكتاب تطور الدراسات المتعلقة بالأدب الشعبي في مصر، وأهميته في فهم الهوية الثقافية للمجتمع.

يشير الدكتور أحمد مرسي في مقدمة كتابه إلى التحولات التي شهدتها الدراسات الإنسانية في مصر خلال الثلاثين عامًا الماضية، مؤكدًا على أهمية التأصيل المنهجي لهذه الدراسات، وموازنة الواقع المحلي مع الاتجاهات العالمية في مجال الفولكلور.

ويشدد المؤلف على أن الوعي المتزايد بأهمية الفولكلور أدى إلى انتشار المصطلحات المرتبطة به، مثل "الفنون الشعبية" و"التراث الشعبي"، مما ساهم في ترسيخه كحقل دراسي مستقل في المؤسسات الأكاديمية المصرية.

يستعرض الكتاب تطور دراسة الفولكلور في مصر، بدءًا من إنشاء مركز الفنون الشعبية عام 1957، مرورًا بتأسيس كرسي الأستاذية في الأدب الشعبي بجامعة القاهرة عام 1960، بفضل جهود الدكتور عبد الحميد يونس، الذي كان أول أستاذ لهذا التخصص في الجامعات المصرية، كما يتناول الكتاب دور المعهد العالي للفنون الشعبية في أكاديمية الفنون، الذي تأسس لاحقًا لدعم الدراسات الفولكلورية وتأهيل الباحثين المتخصصين في هذا المجال.

وعلى الرغم من الاهتمام المتزايد بالفولكلور، يسلط الكتاب الضوء على التحديات التي تواجه هذا المجال، حيث يشير المؤلف إلى سوء الفهم الذي يعاني منه الأدب الشعبي، إذ يربطه البعض بالمحتوى الهابط أو السطحي، وهو ما يعكس انفصالًا بين الفكر والسلوك في المجتمع. ويؤكد الدكتور مرسي أن الأدب الشعبي يمثل جزءًا أصيلًا من الهوية الثقافية، وينبغي التعامل معه بجدية لحفظه وتوثيقه للأجيال القادمة.

يهدف الكتاب إلى تحفيز القارئ على الاهتمام بتراثه الشعبي، من خلال تسجيل الأمثال والأغاني الشعبية والحكايات المتداولة، وإرسالها إلى المؤسسات المختصة، مثل المعهد العالي للفنون الشعبية أو كلية الآداب بجامعة القاهرة، للمساهمة في حفظ هذا التراث الثقافي، كما يدعو الكتاب إلى ضرورة التمييز بين الأدب الشعبي الأصيل والمحتوى المنحول الذي يسيء إلى هذا التراث ويشوه صورته.

وفي ختام الكتاب، يعبر المؤلف عن أمله في أن يكون هذا الإصدار مدخلًا يساعد القارئ على فهم قيم التراث الشعبي وأهميته في تحقيق التواصل الثقافي عبر الأجيال، مؤكدًا أن الحفاظ على هذا الإرث هو مسؤولية مشتركة بين الأفراد والمؤسسات، لضمان استمرارية الثقافة الشعبية المصرية.


اقرأ أيضا:

طرق حجز وسداد ثمن تذاكر القطارات خلال إجازة عيد الفطر

طرح 115 ألف وحدة ضمن مبادرة "سكن لكل المصريين" -تفاصيل

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

وزارة الثقافة المصرية الهيئة المصرية العامة للكتاب كتاب الأدب الشعبي وفنونه مركز الفنون الشعبية

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة إصدار رواية "شمشون وتفاحة" للكاتب أمير تاج السر أخبار «حافظ إبراهيم.. شاعر النيل».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب أخبار "الثقافة" تشارك في "ساعة الأرض" بإطفاء أنوار معالمها الثقافية والتراثية أخبار حفلات وأمسيات وندوات.. ننشر البرنامج الرمضاني لوزارة الثقافة أخبار

إعلان

هَلَّ هِلاَلُهُ

المزيد دراما و تليفزيون استفتاء مصراوي 2025.. منافسة قوية بين علي البيلي وكريم الحرز على "أفضل طفل" جنة الصائم دعاء ليلة القدر مكتوب 29 رمضان.. أفضل الأدعية الواردة في آخر الليالي الوترية دراما و تليفزيون يشارك بمسلسلين في رمضان 2025.. من هو ضيف مقلب رامز جلال؟ جنة الصائم آخر وقت لزكاة الفطر.. خطيب المسجد النبوي يكشف عن اختلاف فقهي بين الإفتاء دراما و تليفزيون محمد فراج لـ"مصراوي": "منتهي الصلاحية" حدوتة وقضية.. وهناك أعمال تغير قوانين

إعلان

أخبار

«الأدب الشعبي وفنونه».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب للدكتور أحمد مرسي

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك دراما رمضان 2025.. صراع المشاهدات يشتعل بين "جوجل، السوشيال ميديا، والمنصات الرقمية" اختَر الأفضل في دراما رمضان 2025.. شارك في استفتاء "مصراوي" الآن أطواق نجاة ولافتات تحذيرية.. كيف استعدت شواطئ الإسكندرية لعيد الفطر؟ 27

القاهرة - مصر

27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رمضانك مصراوي رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • «محمد بن راشد للمعرفة» توزِّع 50 ألف كتاب
  • خلاف بين سعيد وطه بسبسب «جيجي».. أحداث الحلقة 28 مسلسل الحلانجي
  • «الأدب الشعبي وفنونه».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب للدكتور أحمد مرسي
  • دعم دولي للتعليم في السودان وطباعة الكتاب المدرسي
  • الأدب الشعبي وفنونه.. أحدث إصدارات هيئة الكتاب
  • نشوى مصطفى: زوجي كان عشرة عمري.. وكان بمثابة أب وأخ وصديق وزوج
  • مسابقة الكتاب المبين إذاعة القرآن الكريم.. رابط الاشتراك مجانًا
  • هيئة الكتاب تصدر رواية «شمشون وتفاحة» لـ أمير تاج السر
  • «الكتاب العرب» يرفض إعلان إسرائيل التهجير الطوعي لسكان غزة
  • محمد بن زايد يعين سعيد الزعابي مستشاراً لنائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون التنموية وأسر الشهداء