فيلم الفردوس عالم خيالي مستقبلي يقوم على مقايضة الزمن بالمال
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
لا شك أنَّ إشكالية الزمن وتحدّي الزمن كانت من الموضوعات التي عنيت بها الآداب والفنون في تتبع تلك القوة الفاعلة التي تشكّل جوانب كثيرة من مسارات الحياة والناس لا سيما عندما يتعلق الأمر بالقرار والمصير والقضاء والقدر والعمر وما إلى ذلك.
وكان ولا يزال الخوض في هذه الإشكالية الفلسفية والفكرية بمثابة قاسم مشترك للبشر مادامت الأرض تدور والحياة مستمرة والشمس تشرق في كل صباح.
ولقد عالجت السينما هذه الإشكالية وخاصة خلال السنوات العشر الماضية في العديد من الأفلام منها فيلم القضاء والقدر، وفيلم الحلقي وفيلم شيفرة المصدر وفيلم لا أحد وأفلام كثيرة أخرى.
أما في هذا الفيلم للمخرج بوريس كونز وهو فيلمه الروائي الرابع فإنَّه يعالج هذه الإشكالية والتحدي من زاوية أخرى ملفتة للنظر يمكن اختصارها من خلال سؤال بسيط وهو: ماذا لو؟ وبما يمكننا طرح نفس السؤال بالقول، ماذا لو أن زمنًا يحل على البشرية يصبح من في ذمته ديون أو قروض صعبة السداد أو احتاج إلى أموال فإنه يمكنه تحقيق كل ذلك ببساطة من خلال دفع سنوات من عمره بحسب كمية المال التي يحتاح اليها.
وها نحن مع الشخصية الرئيسية كوستا – الممثل كوستا أولمان عشية الاحتفال به كأفضل باحث في مؤسسة أيون للتبرع بالزمن، ويظهر لنا في مشاهد تمهيدية، وهو يلتقي عائلة آسيوية مهاجرة في ألمانيا، ويحاول إقناعهم بأن يتقدم ابنهم الشاب إلى مؤسسة أيون فيهب سنوات من عمره تقدر بأربعين عامًا في مقابل مبلغ ضخم يمكنهم من شراء حق الإقامة وحتى الحصول على الجنسية.
كل هذا يتم استعراضه وسط موجة إعلامية عارمة ترغب الناس على الدخول السلس إلى برنامج منح سنوات من العمر في مقابل الحصول على المال فيما يحصل الأغنياء الكهول على تلك السنوات فيمدون في أعمارهم.
على أن التحول الدرامي غير المتوقع ومع نشوة ماكس بالنجاحات التي حققها في مؤسسة التبرع بالزمن وبعد العودة من حفل لتكريمه من طرف المؤسسة هو وزوجته الطبيبة أيلينا – تؤدي الدور الممثلة كورينا كريتشوف، يشاهدان بيتهما، وهو يحترق ثم تتنصل شركة التأمين عن دفع أي تعويض مما يتطلب من الزوجين دفع مبلغ مالي ضخم فلا يكون أمام الزوجة إلا الرضوخ للأمر الواقع وانتقالها الفوري من الشباب إلى الشيخوخة في عملية مبيتة قادتها رئيسة المؤسسة إيريس – تؤدي الدور الممثلة لوسي تايسن لوجود تطابق جيني بينها وبين ايلينا.
من هنا سوف ننتقل إلى تحولات درامية من خلال بث العديد من الحبكات الثانوية وانتقال المسار الدرامي في إطار أجواء مستقبلية ترتبط أيضًا بالخيال العلمي إلى عمليات مطاردة وأجواء بوليسية وصولًا إلى المواجهات الدامية ذلك أن مؤسسة أيون في شكلها المخملي ورسالتها لمنح حياة أفضل للآخرين والمتاجرة بأعمار البشر من خلال المشروع الذي تقوده إيريس إلا أنها تخفي أنيابا ومخالب فهي علاوة على كونها عالمة الا انها تدير شركة أمنية ضاربة بوحدات مدججة بالسلاح للتصدي لأعداء المؤسسة.
على أن الخطوة التي يقدم عليها ماكس من أجل إعادة سنوات زوجته الأربعين المسروقة التي حولتها من فتاة شابة الى عجوز بعدما تهاوت أمام ناظريهما حياتهما المليئة بروح الشباب وانتظارهما مولودًا وتأسيس عائلة، كل ذلك يدفع ماكس إلى الانتقام باختطاف ابنة إيريس والمساومة بها، وهي خطوة سوف يتضح خطؤها فيما بعد لظنه أن الفتاة الشابة هي إيريس نفسها، وقد عادت شابة لكنه كان قد اختطف الفتاة الأكثر معارضة لممارسات والدتها.
السؤال الذي يشكل خلفية إيهامية للأحداث خلاصته، هل تريد أن تعيش في النعيم، ذلك أن مئات الألوف قد حققوا أحلامهم بالتبرع بسنوات عمرهم في مقابل المال والرفاهية وذلك من خلال عملية بسيطة لفحص دي أن أي توجد لك الشخص الذي يتناسب مع زمنك، حيث تقدم أيون برنامجا للتبرع بالزمن في سياق حلم خيالي مستقبلي يجعل البشر هائمين على وجوههم وهم يتشبثون بذلك الخيال الذي سوف يتكشف ما يخفي وراءه من أسرار.
هذه الأرضية المخملية كان وجهها البشع يتمثل في انتشار عيادات على الحدود مع ليتوانيا تقوم بسرقة أعمار أطفال المهاجرين من مخيمات اللجوء فبينما تجد أن عيادة الزمن في برلين تشتري كل 15 عامًا من العمر بما يعادل 700 ألف يورو كما حصل مع الشاب الآسيوي، إلا أن أطفال المهاجرين لن يحصلوا على شيء سوى خسارة أعمارهم.
في وسط هذه الدراما سوف تنبثق جماعة متشددة تقاوم هذه الممارسات بالقوة وتصنف على أنها جماعة إرهابية وهي جماعة آدم، إنها تضع فرضية مؤسسة أيون التي تقول: "يمكننا إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، ومع ذلك لا نستطيع أن نجبر الزمن أن يتوقّف، سوف نواصل أبحاثنا إلى أن نصل إلى نقطة لا يصبح للعمر والموت سلطان علينا"، هذه الشعارات سوف تضعها في شكل فضيحة أمام الرأي العام وهو ما سوف يكون ماكس وزوجته طرفًا فيه وصولًا إلى المواجهة الدامية الأخيرة بين مسلحي أيون وبين جماعة آدم التي تعارضها وهو تحول جذري من تلك التحولات التي أشرنا إليها التي قلبت أجواء الفيلم بشكل دراماتيكي إلى عمليات كر وفر ومطاردات لا تكاد تنتهي.
يمكننا التوقف عند ميزات مهمة في البناء السردي وفي إدارة الأحداث وبناء الشخصيات فالملاحظ أن ثيمة الخيال العلمي بوصفها كانت أرضية انطلق منها الفيلم في مقاربة قضية مقايضة الزمن أو العمر بالمال قد امتزجت بها دوافع الأنانية والاستحواذ وحب السيطرة وهو المسار السردي الذي ميز شخصية أيريس وسطوتها ولكن في مقابل ذلك تأسس خط سردي موازٍ من خلال ماكس وزوجته، ومن ثم انكشاف جماعة آدم المعارضة.
على أن كل تلك الميزات على الصعيد الدرامي قد تشابكت كثيرا، وخرجت عن المسار الذي تم رسمه في المشاهد الأولى أو في القسم الأول من الفيلم وانتقلنا إلى نسق سردي حافل بالمطاردات والمفاجآت من عمليات خطف وملاحقة عبر الحدود، وما إلى ذلك وهي ميزات تحسب للمخرج الذي أجاد وإلى حد كبير أن يقدم مزيجًا سرديًا ما بين فيلم الخيال العلمي والحركة وتفاعل الصراعات والمسارات المتقاطعة التي طبعت كل مجموعة من الشخصيات الدرامية الفاعلة في الفيلم وخلال ذلك كان افتراق ماكس عن مسار زوجته ومضيها في مشروع استرجاع الزمن كان تحولًا آخر إضافيا غير متوقع عمَّق من الصراع في السياق الفيلمي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی مقابل من خلال على أن
إقرأ أيضاً:
بين الوهم والحقيقة … نحزن ونفرح لما ليس ملكنا ؟؟
بقلم الخبير المهندس حيدر عبدالجبار البطاط ..
إن حياتنا على هذا الكوكب ليست سوى ومضة عابرة في الزمن الكوني الممتد عبر مليارات السنين.
ورغم هذه الحقيقة نجد أنفسنا غارقين في أحزان وأفراح تجاه أمور لا نملكها حقاً
وكأننا نعيش تحت وطأة وهم السيطرة على العالم من حولنا.
الحياة التي نحياها على قصر مدتها تختزلها عقولنا في مشاعر لحظية ترتبط بأشياء زائلة.
نتألم لفقد ممتلكات أو علاقات أو فرص ونبتهج بامتلاك ما قد نفقده غداً.
في النهاية ندرك أننا لم نكن نملك شيئاً منذ البداية وأن كل ما مررنا به كان مجرد ظلال لأفكار ومشاعر
وليست الحقيقة ذاتها.
رحلة قصيرة في عمر الكون
عمر الإنسان بالنسبة للكون لا يتعدى لحظة واحدة أقل حتى من أجزاء من الثانية إذا ما قسناها بمقياس الزمن الكوني.
لكننا مع ذلك نعيش وكأن هذه اللحظة هي كل شيء ونستنزف طاقة أرواحنا الكبيرة في ملاحقة أهداف لا تدوم.
هذا التعقيد المذهل في تصميم أجسادنا وعقولنا
والطاقة الهائلة التي تحملها أرواحنا
لا يمكن أن تكون قد وُجدت لتُستهلك في حياة عابرة مليئة بالانشغال بأوهام الملكية والسيطرة !!؟؟
قصة النار والعبرة الكبرى
تصور هذه القصة مشهداً مألوفاً
اندلع حريق في منزل، ووقف صاحبه يشاهد النيران تلتهمه وهو يذرف الدموع بحرقة.
فجأة اقترب منه أحد المارة ليخبره أن المنزل لم يعد ملكه، فقد باعه بالأمس.
عند سماع ذلك تبدل حزن الرجل إلى حالة من اللامبالاة وكأنه تحرر من الألم !!
لكن عندما جاء آخر وأخبره أن الصفقة لم تكتمل عاد الرجل إلى البكاء وكأن العالم انتهى بالنسبة له.
وفي النهاية حين طمأنه ابنه بأن الصفقة قد تمت بالفعل تحولت مشاعر الأب من الحزن العميق إلى السعادة ؟؟
هذه القصة تفتح الباب للتأمل في طبيعتنا البشرية.
كيف يمكن أن تتبدل مشاعرنا بشكل جذري بناءً على ما نؤمن أنه حقيقة في اللحظة.
العبثية في الحزن والفرح
عندما نحزن أو نفرح لأمر ما فإننا غالباً لا ننظر إلى الصورة الكاملة.
نحن نتعلق بأشياء نعتقد أنها لنا
بينما الحقيقة أنها عابرة مثلنا تماماً.
المنزل الذي نبكي عليه الثروة التي نخسرها أو حتى العلاقات التي نتمسك بها
كلها ليست أكثر من محطات مؤقتة في مسارنا.
هل من المنطقي أن ننفق طاقة أرواحنا على أشياء
ليست خالدة مثلنا ؟؟
هل يعقل أن نحمل هذا الكم من التعقيد في عقولنا لنستهلكه في معارك على ما ليس لنا حقاً ؟؟
دعوة لإعادة برمجة التفكير
الوعي بحقيقة أن حياتنا قصيرة جداً مقارنة بعمر الكون يدعونا إلى إعادة النظر في طريقة تفكيرنا.
علينا أن ندرك أن وجودنا هنا ليس مجرد صدفة عابرة
وأن طاقة الروح التي نحملها أكبر من أن تُهدر في الغرق في عواطف تتعلق بأشياء زائلة ؟
الروح خالدة هذا موكد !
نحن أكثر من لحظة عابرة
إن أعظم التناقضات التي نعيشها هي أننا نملك أرواحاً قادرة على إدراك الأبدية ومع ذلك نحصر أنفسنا في لحظات قصيرة من الزمن.
هذه الحياة بكل قصرها ليست عبثية لكنها أيضاً ليست مبرراً لأن نستهلكها في وهم الملكية والسيطرة.
نحن هنا لنتجاوز الزمن لنعبر عن الروح التي تسكننا ولنعيش بوعي يجعلنا ندرك أن الحقيقة ليست فيما نملك بل في ما نكون.
فلماذا نحزن ونفرح … على تخيلات لحظية
حيدر عبد الجبار البطاط