الإنتاجية.. نحو اقتصاد مستدام
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
د. يوسف بن حمد البلوشي
yousufh@omaninvestgateway.com
أحدث التقارير الصادرة عن منظمة العمل الدولية تشكف لنا أرقامًا وإحصائيات مُقلقة عن مستويات الإنتاجية في الدول العربية، وخاصةً في دول مجلس التعاون الخليجي؛ إذ لم تشهد أي تطورات إيجابية ملحوظة خلال الأربعة العقود الماضية، وفي حد ذاته مدعاة للدراسة العاجلة والمتفحّصة؛ حيث إن التراجع في مستويات الإنتاجية الكلية مرده إلى تدني مستويات إنتاجية العمالة!!
التقرير كشف النقاب عن أن مؤشر إنتاجية العمالة سجل تراجعًا ملحوظًا خلال العقد الماضي في أغلب دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء الإمارات العربية المتحدة والإمارات؛ حيث بلغت نسبة التراجع في دول المجلس حوالي (-0.
83%)، بينما في سلطنة عُمان انخفض المؤشر بوتيرة أعلى وبنسبة (-4.7%)!
إضافة إلى ذلك، تظهر أحدث التقارير الصادرة عن منظمة "كونفرنس بورد" أن إنتاجية العوامل الكُليَّة سجّلت نموًا سالبًا يقدر بنحو -2.5% في دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقد الماضي. وفي سلطنة عُمان يشير التقرير إلى أنَّ مستوى التراجع في الإنتاجية الكلية قد بلغ حوالي -3.7% خلال العقد الماضي. وبدا واضحًا أن مستويات التراجع في الإنتاجية الكلية كانت متقاربة في مُعظم دول مجلس التعاون الخليجي.
هنا يجب التأكيد على أنَّ الإنتاجية تعد أحد المؤشرات الرئيسية في تقييم كفاءة الموارد الاقتصادية؛ حيث تعكس مدى قدرة الدولة على توظيف مواردها وإمكاناتها بكفاءة وفعالية. وتمثل الإنتاجية ركيزة أساسية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ تُعزِّز من مستوى الرفاه الاجتماعي وتساهم في زيادة الدخل القومي. كما أنها تعكس بشكل أساسي مستويات التقدم الاقتصادي بين الدول؛ حيث يعتمد النمو الاقتصادي بشكل أساسي على التقدم التكنولوجي والتقني والبحث العلمي.
ويأخذ مؤشر الإنتاجية في عين الاعتبار كلًا من رأس المال المستثمر ومهارات قوة العمل ضمن اقتصاد معين؛ حيث يقيس كفاءة دمج رأس المال والعمالة في عملية الإنتاج. وهناك اهتمام كبير بمساهمة عوامل الإنتاج المختلفة في دفع قاطرات النمو الاقتصادي؛ حيث إن الزيادة في الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج تؤثر بشكل إيجابي وجوهري على النمو الاقتصادي. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي عوامل إضافية دورًا مهمًا في تعزيز الإنتاجية وتحفيز النمو الاقتصادي، مثل التكنولوجيا والابتكار. كما يُمكن أن تسهم سياسات الحكومة التي تعزز البنية الأساسية وتوفر بيئة أعمال مشجعة في دفع عجلة النمو الاقتصادي وتحسين الإنتاجية. وبالتالي، يُصبح من الضروري تحليل ديناميكية تفاعل هذه العوامل معًا لتعزيز الإنتاجية وتحفيز النمو الاقتصادي للوصول إلى وضع استراتيجيات النمو والتنمية الاقتصادي.
وتعكس الإنتاجية في أوسع معانيها درجة نجاح القطاع الخاص والعام في الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية المتاحة لإنتاج السلع والخدمات المطلوبة. والدول التي تمكنت من زيادة الانتاجية، نجحت بالفعل في الاستفادة من مشاريع البنية الأساسية وتشغيلها بكفاءة؛ حيث تساهم البنية الأساسية المُتقدِّمة في تسهيل حركة الصادرات والواردات؛ مما يُؤدي إلى زيادة الإنتاجية في قطاعات مثل: الزراعة والصناعة والخدمات. وزيادة وتحسين الناتج المحلي الإجمالي قد يتأتى من خلال أساليب الإدارة والتقنية الحديثة، ورفع درجة استغلال الموارد الطبيعية والبشرية والبنية الأساسية.
وتُعدّ الكفاءة الاقتصادية وتحسين الإنتاجية من أهم العوامل التي تُساهم في تحقيق النمو والازدهار لأي دولة. ولتحقيق ذلك، يجب التركيز على 4 نقاط أساسية:
أولًا: الاستخدام الأمثل للموارد. ويُقصَد به استغلال جميع الطاقات الإنتاجية المتاحة؛ سواء كانت عمالة أو معدات أو مواد خام، وتجنب الهدر في جميع مراحل الإنتاج والاستهلاك.
ثانيًا: التخصيص الكُفء للموارد. ويشمل ذلك تخصيص جزء من الموارد للاستهلاك الحالي وجزء آخر للاستثمار في المستقبل، وتخصيص الموارد بين القطاعات المختلفة للاقتصاد الوطني، وتخصيصها بين المناطق المختلفة داخل المحافظات.
ثالثًا: الكفاءة الإنتاجية. وتتضمن زيادة الإنتاج وتحسين جودة السلع والخدمات، مع تقليل كمية المدخلات المستخدمة في الإنتاج.
رابعًا: الكفاءة الاستثمارية. وتتضمن اختيار المشاريع الاستثمارية ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية المؤكدة، واختيار الوقت المناسب لإنجازها، واختيار الطاقة الإنتاجية المناسبة.
وفي هذا السياق، تُظهر أحدث التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والتي تناولت الإنتاجية في دول مجلس التعاون الخليجي، إلى أن مستويات النمو الاقتصادي في هذه الدول تعزى بشكل أساسي إلى تراكم عناصر الإنتاج بشقيه عنصر العمالة ورأس المال. ويعزى ذلك في واقع الحال إلى هيكلية الاقتصادات الخليجية والمعتمدة بشكل أساسي على القطاع النفطي في تراكم رأس المال، إلى جانب الاعتماد على العمالة الوافدة غير الماهرة، فضلًا عن الاعتماد المتزايد على الواردات، وضعف القاعدة التصديرية غير النفطية.
والمؤشرات التي ذكرناها في بداية المقال، تؤكد وجود عدة عوامل تُعرقل نمو الإنتاجية بالشكل المطلوب، لعل من أهمها: تركيبة سوق العمل القائم على العمالة الوافدة ذات مستوى تعليمي متدنٍ. فضلًا عن ضعف المُكوِّن التكنولوجي في الصادرات؛ فمعظم الصادرات سلع خام وأولية، بجانب الاعتماد على الاستيراد من الخارج للسلع والخدمات، علاوة على أسباب تُعزى إلى ضعف قدرات المؤسسات المحلية في المنافسة في الأسواق المحلية والإقليمية. ويُعد تحفيز مستويات الانتاجية عاملًا مهمًا؛ نظرًا لارتباطه بثقافة المجتمع، كما إنه وليد سلوك طويل الأجل، وقد يصعب التأثير فيه في الأجل القصير. ولذلك من المهم في سلطنة عُمان إيجاد آلية يُمكن من خلالها التأثير في إنتاجية الأفراد؛ الأمر الذي سينعكس إيجابًا في نمو الاقتصاد الوطني بوتيرة أسرع، وفي توفير الكثير من الأموال والطاقات والتي نحن في أمسِّ الحاجة إليها.
وفي الختام.. من الضروري دراسة العوامل الدافعة لمستويات الإنتاجية في سلطنة عُمان، وكيفية تحفيزها، ومحاولة الإجابة على عدد من التساؤلات في هذا الشأن، والتي من بينها: هل رأس المال البشري مُستغَل بالشكل المطلوب لإحداث تغيير على أنماط الإنتاجية؟ وهل مخرجات التعليم متوائمة مع متطلبات سوق العمل؟ هل يرجع تدني الانتاجية إلى طبيعة الوظائف التي يُولِّدها الاقتصاد العماني؟ أم إلى درجة التعقيد في المُكوِّن التكنولوجي في عملية الإنتاج؟ وهل تتركز الوظائف في قطاعات ذات قيمة مضافة عالية أم متدنية؟ وهل لدينا الحوافز الكافية لجذب وتوظيف الموارد البشرية ذات المهارة العالية؟ وغير ذلك من التساؤلات.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
المشاط: مصر تتبنى نموذجًا اقتصاديًا يقوم على قطاعات الاقتصاد الحقيقي وزيادة الإنتاجية
على مدار الأسبوع الماضي، قامت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، بجولة خارجية شملت بروكسل، للمشاركة بمنتدى البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي، كما شاركت في منتدى الأغذية الذي تنظمه منظمة (الفاو)، بمدينة روما الإيطالية، ثم اختتمت جولتها بالمشاركة في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن.
وشهدت الزيارات المختلفة للدكتورة رانيا المشاط، ترويجًا لإطلاق «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية» والنموذج الاقتصادي الجديد الذي تطرحه من أجل التركيز على القطاعات الأعلى إنتاجية، وذلك خلال لقاءات موسعة مع مسئولي الحكومات والمؤسسات الدولية، والمستثمرين، ووسائل الإعلام العالمية.
كما حرصت «المشاط»، على استعراض قصة الإصلاح الاقتصادي في مصر والإجراءات التي نفذتها الدولة منذ مارس 2024، وعزم الحكومة المضي قدمًا في تنفيذ البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية من أجل دفع النمو المستدام، وتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، وتحسين بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار.
إلى جانب ذلك فقد كان تمكين القطاع الخاص محور رئيسي في كافة المناقشات التي أجرتها وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، حيث عقدت اجتماعات متعددة مع البنك الدولي، ومؤسساته التابعة، والاتحاد الأوروبي، من أجل توسيع نطاق التمويلات المبتكرة للقطاع الخاص، وضمانات الاستثمار.
منتدى «البوابة العالمية» ببروكسل
وشاركت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، في منتدى «البوابة العالمية»، الذي تنظمه المفوضية الأوروبية بالعاصمة البلجيكية بروكسل، وذلك في إطار المبادرة التي أطلقها الاتحاد الأوروبي عام 2021، وتسهم في تعزيز الشراكة الاستثمارية مع الدول المختلفة في مجالات متنوعة مثل الطاقة الخضراء، والصحة، والمياه، والتحول الرقمي، والنقل والبنية التحتية.
وخلال الزيارة، التقت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، عددًا من مسئولي المفوضية الأوروبية، حيث شهدت اللقاءات بحث استعدادات القمة المصرية الأوروبية المرتقبة، وتطورات تنفيذ اتفاق الشراكة الاستراتيجية، وآلية ضمانات الاستثمار بقيمة 1.8 مليار يورو، فضلًا عن المرحلة الثانية من آلية مساندة الاقتصاد الكلي ودعم الموازنة بقيمة 4 مليارات يورو.
وعقدت لقاءات ثنائية مكثفة مع ممثلي حكومات عدد من دول الاتحاد الأوروبي، وهي فرنسا والدنمارك والسويد وهولندا وسلوفاكيا، وشهدت اللقاءات مباحثات مكثفة حول تعزيز العلاقات الثنائية وزيادة الاستثمارات المشتركة والتبادل التجاري.
وخلال زيارتها لبروكسل، أطلقت الوزيرة، النسخة الإنجليزية من الملخص التنفيذي لـ «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية.. السياسات الداعمة للنمو والتشغيل»، مع مفوضي الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الأوروبية.
وشملت الزيارة لقاءات مع رؤساء وممثلي بنوك التنمية متعددة الأطراف، حيث التقت الدكتورة رانيا المشاط، أوديل رينو باسو، رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، لمناقشة محفظة التعاون الحالية والمستقبلية بين مصر والبنك، بهدف تعزيز الشراكة الاستراتيجية ودعم المشروعات التنموية في مختلف القطاعات، وكذلك لودجر شكنخت، نائب الرئيس والأمين العام للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB)، لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك.
وبحثت مع فيليب ديليور، نائب الرئيس الأول لشركة "ألستوم الفرنسية العالمية" للشؤون الخارجية، سبل تعزيز التعاون المشترك، وجهود زيادة استثمارات الشركة في مصر وتوطين الصناعة، في ضوء الأولوية التي توليها الدولة لهذا القطاع الحيوي.
*المنتدى العالمي للأغذية *
عقب انتهاء مشاركتها بمنتدى البوابة العالمية بالعاصمة البلجيكية بروكسل، توجهت الدكتورة رانيا المشاط، للمشاركة في فعاليات المنتدى العالمي للأغذية (WFF) لعام 2025، والذي تُنظمه منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في روما.
وشهدت الزيارة توقيع الدكتورة رانيا المشاط، والدكتور شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، خطاب نوايا بشأن عضوية واستضافة مصر للأكاديمية الإقليمية للقيادة، التي أنشأتها الفاو لتكون مركزًا لتدريب القيادات وصنّاع القرار في مجالات السياسات العامة المرتبطة بتحول النظم الزراعية والغذائية بما يسهم في بناء القدرات المؤسسية ودعم صناع القرار في المنطقة لتحقيق هذا التحول بكفاءة واستقلالية.
وعقدت اجتماعًا مع ديانا باتاجيا، مديرة مكتب الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) لترويج الاستثمار والتكنولوجيا في إيطاليا، وباولو لومباردو، مدير التعاون الدولي وتمويل التنمية بصندوق الودائع والقروض الإيطالي CDP.
اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن
وشهدت مشاركة الدكتورة رانيا المشاط، بالاجتماعات السنوية للبنك الدولي بواشنطن، اجتماعات ولقاءات مكثفة مع مسئولي صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وشركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين، واستعراضًا لجهود الإصلاح الاقتصادي والهيكلي في مصر.
وألقت «المشاط»، كلمة مصر، بالاجتماعات الوزارية لمجموعة الـ24 الحكومية الدولية المعنية بالشئون النقدية الدولية والتنمية، كما شاركت باجتماع المحافظين العرب والأفارقة مع أجاي بانجا، رئيس مجموعة البنك الدولي.
كما التقت مجموعة جيفرز المالية العالمية- وهى واحدة من أبرز الشركات العالمية في مجال الخدمات الاستثمارية والمالية- وذلك لاستعراض قصة الإصلاح الاقتصادي في مصر، ومناقشة أبرز تطورات الاقتصاد الذي يشهد تحسناً إيجابياً على مختلف الأصعدة.
كما شاركت في جلستين نقاشيتين نظمهما مركز التنمية الدولية، لمناقشة دور مؤسسات التمويل الدولية في مواجهة التحديات العالمية الحالية، فضلًا عن المنصات الوطنية لتعزيز فعالية جهود التنمية.
وأصدرت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD)، أحد أكبر بنوك التنمية متعددة الأطراف في العالم، بيانًا مُشتركًا حول تطورات الإصلاح الاقتصادي والهيكلي في مصر، وإطلاق «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية: السياسات الداعمة للنمو والتشغيل».
كما بحثت مع ناديا كالفينو، رئيسة بنك الاستثمار الأوروبي، تعزيز الشراكة ومناقشة عدد من ملفات التعاون المشتركة.
وناقشت مع ماختار ديوب، الرئيس التنفيذي لمؤسسة التمويل الدولية (IFC) التابعة للبنك الدولي، هيروشي ماتانو، نائب رئيس الوكالة الدولية لضمان الاستثمار (ميجا)، الجهود المشتركة لتمكين القطاع الخاص، والتوسع في آليات التمويل المبتكرة للشركات المحلية والأجنبية.
وشاركت في فعاليات إطلاق مبادرة «الصحة من أجل التنمية والعمل»، التي أطلقها البنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، وحكومة اليابان، كما شاركت في فعالية رفيعة المستوى لإطلاق «صندوق الثقة متعدد المانحين»، ضمن المرحلة الثانية من ميثاق مجموعة العشرين للشراكة مع قارة أفريقيا للفترة من 2025-2030، ويستهدف ميثاق مجموعة العشرين للشراكة مع أفريقيا، تحفيز الاستثمار الخاص في قارة أفريقيا.