صديق رمضان: بطعم الحلو مُر.. قصة رحلة مع بدر للطيران
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
جُملة من التناقضات حفلت بها رحلتي على بدر للطيران يوم الجمعة، بين الحُزن والفرح جرت التفاصيل تحمل بين ثناياها إنعكاسات الأوضاع في البلاد التي دخلت في اتون حرب قاسية ومؤلمة وقعها مثل العلقم وربما أشد من ذلك.
وانا الذي نشأت وترعرت في الجزيرة الخضراء أعرف جيداً مدى ارتباط أهلها بأرض اجدادهم واعي عشقهم لها، وهو الذي كان قبل سنوات يتبدي جلياً حينما تفرض الظروف على أحدهم السفر إلى العاصمة الخرطوم، كان يقضي ساعاته ويعود ادراجه سريعا حيث الأهل والأحباب.
ولكن.. الواقع لم يعد كما كان، فالجزيرة اليوم تشهد هجرة غير مسبوقة فقد قالت الحرب كلمتها وفرضت عليهم طرق أبواب الهروب خارج البلاد فرادا وجماعات، وفي رحلة بدر إلى جدة يوم الجمعة كان 90٪ من المسافرين كبارا وصغارا رجالا ونساءا من الجزيرة، جلسنا في صالة المغادرة بمطار بورتسودان نبكي على أطلال قلب السودان الذي لم يعد ينبض كما كان، كل واحد منهم وجميعهم في العقد السادس من أعمارهم كان يسرد بوجع وألم ماشهدته الولاية مؤخراً، لذا كانت الهجرة خيارهم وفي القلب حسرة وفي العين دمعة.
وذات الذي اعتري أهل الجزيرة يبدو واضحاً على مطار بورتسودان، هنا نخلع القبعات احتراما لمنسوبيه، يؤدون فوق طاقتهم، نعم ثمة تغييرات حدثت خاصة على صعيد الساحة الخارجية التي ازدادت جمالا واخضرارا، وأيضاً إجراءات التفتيش والسلامة حاضرة باكثرة من أربعة محطات إلكترونية ويدوية، لا مكان للتهاون والمجاملة، الصرامة حاضرة والمهنية عنوان بارز، ورغم ذلك مايزال المطار يعتمد على صالة واحدة كانت سببا لأن ننتظر طويلا ريثما يغادرها ركاب رحلة المصرية فهي لاتتسع لركاب رحلتين في وقت واحد، لانعرف إلى متى تتفرج الحكومة الإتحادية على مطار دولي توجد به صالة مغادرة واحدة كانت يوم الجمعة في أعلى درجات حرارتها بسبب توقف التكييف، بصفة عامة مطار بورتسودان على الصعيد البشري جيد جدا اما على صعيد البني التحتية مايزال فقيرا.
اما بدر للطيران فهي مع سودانير وتاركو ورغم سهام نقدنا حول إرتفاع قيمة التذاكر ووسم ذلك بالجشع إلا أن الشركات الثلاث مثل الضوء في العتمة، فقد قاومت رياح الحرب ولم ترفع الراية البيضاء رغم الخسائر التي تكبدتها في مطار الخرطوم ،هو صمود في زمن الانكسار.
فيما يتعلق بالرحلة فقد وضح أن بدر منضبطه في زمنها إلى أقصى مدى وأنها تمضي بخطي متسارعة في طريق الشركات الكبرى التي لاتترك شئ للصدفة فكلٌ لديه حساب وفقاً لمؤسسية صارمة، فعند السادسة والنصف صباحا بدأت الإجراءات وقد انسابت بكل سلاسة لوجود أكثر من ثماني موظفات وموظفين في الكاونترات تسبق ابتسامتهم عملهم، وعند التاسعة والنصف صباحا اقلع الكابتن إدريس البدري بجانبه مساعده كابتن مصعب وخلال 30 دقيقة هبطت الطائرة بمطار الملك عبدالعزيز بجدة، وبذات الإيقاع الاحترافي والسريع كان طاقم الضيافة يؤدي عمله بقيادة إبراهيم هاشم،سهام عبدالجليل،نازك نصر الدين،و مصطفى عادل.
لنصل إلى جدة ويتوجه 95٪ من ركاب الرحلة إلى صالات الترانزيت في طريقهم إلى وجهات أخرى إلى أوطان بديلة ، وبين فرح الوصول وحزن مغادرة الوطن ودّعنا بعضنا على أمل أن نلتقي في رحاب السودان الذي نعرفه ونألفه،متي يحدث ذلك؟ نتركه للايام والدعوات
كتب:صديق رمضان
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
هاشم صديق: موت إنسان غالي في زمن رخيص
رحل هذا المساء بعيداً عن بلاده وعن أهله وعن شعبه الذي أحبه، رحل إنسان غالي في زمن رخيص، غادر عالمنا المبدع الكبير هاشم صديق المنتمي منذ سنوات شبابه الباكر للكادحين والفقراء والثورة.
في رسائل عديدة أرسلها مؤخراً للأستاذة اسيا الربيع في لندن وهي من اصدقائه الخلص، احدهما قبل ساعات من رحيله، كان هاشم صديق مدهشاً ومهموماً بتفاصيل الوطن وبالنسيج الوطني الذي تمزق والقبائل والمجتمع .وتمنى ذرة من الأمل للغلابة والفقراء وتسأل موجوعاً عن الشتائم التي تصدر لشباب الثورة بعد محاولة تدمير ثورتهم، وتحدث عن فضيحة كيف يشتم شباب الثورة بمختلف النعوت واظهار المجرمين لأنفسهم بانهم خيار الناس!
وقال ان ثورة الشباب لم يكن لها مثيل في أفريقيا وتأسف وتحسر عن ضيق الأرض والمدن بالناس وبأهلها وعن خطاب الغش، ورفضه لتوريط الناس وخداعهم، وبضميره المفرط في الحساسية سأل الأستاذة اسيا الربيع عن أهلها الذين استضافوه في ام درمان في حي (الثورة) في رحلته الشهيرة وهو يتنقل من منزله بعربة (كارو)، وعبر عن معزته وشكره لهم. لقد كان هاشم صديق إنسان كبيراً رغم مرارة الحرب والزمن الرخيص.
كان هاشم صديق يحن إلى بيته وللحي والأهل وتسأل عن احوال المبدع الكبير ابو عركي البخيت وعن المخرج شكر الله خلف الله حتى يرسل دواوينه اليهم وقال بانه يختزن الكثير من الأشياء التي يود ان يخطها ابداعاً ورحل وفي نفسه شيءً من حتى الابداع.
اكثر ما لفت انتباهي في احاديث للمبدع الكبير هاشم صديق هي انتباهته القوية وبحسه الثوري المطبوع وتجربته الطويلة وهو يتحدث عن ان الثورة تحتاج لخطاب جديد ولمن يفرز الخيوط والحديث عن ثورة ذات قالب اجتماعي، هذا الجزء من حديثه غاية في الأهمية من فنان ومبدع يلامس الزمن والناس.
رحم الله هاشم صديق بقدر ما أعطى لبلاده من ملحمة وصلاة وطنية طويلة والعزاء لاسرته وأهله واصدقائه ولحواري أمدرمان وأرصفة المدن والفقراء في الريف والقرى وله مغفرة واسعة عند مليك رحيم.
٩ نوفمبر ٢٠٢٤