سلامة داود: الأزهر كان وسيظل يحمل هموم الأمة وواقعها ويعالج أمراضها
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن المولى -عز وجل- جعل الأزهر الشريف منحة لمصر وللعالم الإسلامي، وحصنًا للدين والعربية، ودرعًا للأمة، يرد عنها غوائل الزمان ونوازل الحدثان.
الأزهر الشريف كان وسيظل يحمل هموم الأمةوقال رئيس الجامعة خلال كلمته في الاحتفال بمرور 1084 عامًا على إنشاء الأزهر الشريف: إن ذكرى تأسيسِ الأزهرِ الشريفِ مِنْ أحبِّ الذكريات إلى قلبي، طوى القرون والأعصر منذ ألف وأربعة وثمانين عامًا مضت من عمر الزمن وهو شامخ عزيز : فما لانت له أبدًا قناةٌ
وأوضح رئيس الجامعة أن الأزهر الشريف منذ إنشائه وهو يقود الشعب في كل الجهات، لافتًا إلى أن الأزهر الشريف ليس مما يُنْسَى فيُذْكَرُ؛ فالمدارس في الدنيا بلا عدد وليس فيها لعمري مِثْلُ الأزهر الشريف.
وأوضح رئيس الجامعة أن الأزهر الشريف هو واحد لا نظير له في العالم كله؛ ولا بديل له في العالم كلِّه، ولا عِوَضَ له في العالم كلِّه؛ ولذا كان الحرصُ عليه والعملُ الدؤوبُ على إصلاحه ونهضته شُغْلَ كلِّ عالم مخلص وهَمَّ كُلِّ ناصح أمين.
وأنشد رئيس الجامعة قائلًا يا أيها الأزهر المعمور: من سره فخر بغيرك إنني حتى بجدران المباني أفخر
أنت الأميـن على الديار وأهلها والحـر في النكبــــــــات لا يتأخر
فيك العـروبة أدركت تــــاريخها وبساحك الفصحى غدت تتبختر
وبين رئيس الجامعة جهود الأزهر الشريف التي لا تعد ولا تحصى وأنشد يقول:
بمن احتمت كتب الشريعة عندما هجم التتار على العقول ودمروا؟
بمن احتمت العلماء حين تنكرت لهم الطريقُ وبان منها الأوعر؟
جاؤوك من شرق البلاد وغربها أنت الذي بك لم يخب مستنصرُ
وأوضح رئيس الجامعة أن السر في بقاء الأزهر الشريف طيلة هذه القرون المتطاولة مصري الموطن عالمي الرسالة؛ أنه جمع بين القديم والحديث، والطارف والتليد، وعاش هموم الأمة وواقعها، وكان علماؤه دائمًا مشاركين في الحياة لا على هامش الحياة، وهذا ما ضمن للأزهر الشريف أن يبقى شابًّا لا يدركه المشيب، ويبقى له دائمًا ما يميزه عن مؤسسات التعليم في كل مكان.
وذكر رئيس الجامعة أن الأزهر الشريف شهد تطويرًا شاملًا في السنوات الأخيرة؛ فحين أضاف مادة الفقه إلى كليات الطب والتجارة جعل الفقه في كليات الطب بطعم الطب؛ ليدرس الطالب فيه الأحكامَ الشرعية التي لا غنى للطبيب عنها؛ من المحافظة على أسرار المريض والحرص على أخلاقيات المهنة، وحكم التلقيح المجهري، وأطفال الأنابيب، ونقل الأعضاء، وغير ذلك مما يستجد في واقع الحياة، وفي كليات التجارة جعل الفقه بطعم التجارة؛ فدرس الطالب كل ما يتعلق بالمصارف والبنوك والتورق المالي والاستثمار وغير ذلك مما يستجد من أقضيات الزمان؛ ولهذا لم يكن الأزهر الشريف بعيدًا عن أن يتربع في التصنيف العالمي ذروة سنام الجامعات المصرية، وأن يكون في الترتيب الأول عليها، موضحًا أنه مما ضمن للأزهر الشريف البقاءَ هذه القرونَ المتطاولةَ أنه يرعى حريةَ الرأي والفكر، ويربي أبناءه على ذلك كما يربيهم على ضرورة الاجتهاد والتجديد والاستنباط، وأنه يناقش الفكرة من حيث هي فكرة مثنى وثلاث ورباع دون تعصب لأصحابها وإن كانوا من أصحاب الهالات المشهَّرة؛ ولذا كان طلابُ العلم في الأزهر مُثُلًا عليا في الجد والإقبال على العلم والانقطاعِ له، لم يكن همُّهم اجتيازَ عقبة الامتحان، بل الاستعداد والتأهب لحمل أمانة العلم وتأدية رسالة الإسلام، ولن تجد في الدنيا كلها أحدًا من أولى الفضل يلقب بـ "صاحب الفضيلة" إلا علماءَ الأزهر الشريف.
وأضاف رئيس الجامعة أن العصور الذهبية للأزهر الشريف –كما ذكر الشيخ محمد المدني عميد كلية الشريعة الأسبق عضو هيئة كبار العلماء– هي التي كان فيها الأزهر الشريف موجهًا للحياة، مضطلعًا برسالته الكبرى في القيام على حفظ الشريعة واللغة، والمرابَطَةِ على ثغور فكرِ الأمة وثقافتها ووعيها وتبصيرها بالحق في حوالك الظلمات وشحذ همة الأمة لاستعادة مجدها وعزها، فالأزهر الشريف يعالج أمراض الأمة بما يتوافق مع هدي القرآن والسنة ويهذب السلوك الإنساني ويسمو بالنفس الإنسانية، مبينًا أن عصور ضعف الأزهر الشريف هي العصور التي لم يعْدُ دورُه فيها أن يكون مدرسة للتعليم والتخريج فحسب، تخرج المعلمين والدعاة والوعاظ.
وأكد رئيس الجامعة أن قوة الأزهر الشريف قوةٌ لمصر، وزعامتَه للعالم الإسلامي تعني زعامة مصر للعالم الإسلامي؛ لذا كانت كلمات شيوخ الأزهر الشريف لها وزنُها وتقديرُها ومكانتُها وتأُيرُها في العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، وبخاصة في الأزمات التي تَكْسِفُ الأبصار وتُرْمِضُ الأفئدة.
وبين رئيس الجامعة أن كلمات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في هذه الحوالك التي تعيشها الأمة اليوم في حرب غزة والعدوان الصهيوني الغاشم عليها؛ هي كلمات صيغت من النور والحكمة، وأماطت اللثام عن دعاوى الحرية والعدالة في النظام العالمي الذي عجز طوال خمسة أشهر عن إصدار قرار بوقف إطلاق النار؛ نصرة للمظلومين الذي يتعرضون لإبادة جماعية لم يشهد لها العالم مثيلًا.
وفي ختام كلمته دعا رئيس الجامعة المولى -عز وجل- أن يحفظ الأزهر الشريف كعبة العلم وقبلة العلماء، وأن يجعله شامخًا عزيزًا يواصل مسيرة عطائه الممتد في خدمة الإنسانية كلها.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الأزهر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الدكتور سلامة داود القرآن والسنة أن الأزهر الشریف فی العالم
إقرأ أيضاً:
جامعة الأزهر: علماء الأمة أجمعوا على تحريم المخدرات لأنها مما يذهب العقل
عقد الجامع الأزهر اليوم الاثنين، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان "المخدرات بين الشرع والطب.
جاء ذلك بحضور كل من؛ أ.د أحمد خيري عبد الحفيظ، مدرس الفقه بجامعة الأزهر، وأ.د محمد محمود حمودة، مدرس الطب النفسي وعلاج الإدمان بكلية الطب، بجامعة الأزهر، وأدار اللقاء الشيخ. كريم حامد أبوزيد، منسق كتب التراث والبرامج الموجهة بالجامع الأزهر.
في بداية الملتقى قال الدكتور أحمد خيري عبد الحفيظ، مدرس الفقه بجامعة الأزهر: إن التكريم الذي ذكره الله سبحانه وتعالى للإنسان " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" هو تكريم جاء في صور كثيره، أولها التكريم في الخلق، " لقد خلقنا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ"، أي أحسن صورة وهيئة، ثم بعد ذلك التكريم في المنهج، لهذا جعل الله لنا شرعة نهتدي بها، وأرسل إلينا الرسل لتهدينا سبل الرشاد، ثم يأتي بعد ذلك النوع الثالث من التكريم وهو السر الذي أودعه الله سبحانه وتعالى في خلقه وهو العقل، والذي هو الجوهرة التي تكرم الله بها على عباده، لهذا جاءت كل الشرائع متكفلة بحفظ العقل، لذلك نجد أن كل ما يضر بالعقل فهو منهي عنه في هذه الشرائع، وهناك الكثير من الأمور المحرمة العلة في تحريمها أنها تؤثر على العقل.
وأضاف أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، أن تحريم الخمر لم يأت دفعة واحدة، بل تدرج التشريع الإسلامي في تحريمها على مراحل لحكمة إلهية، ومراعاة لأحوال الناس في ذلك الزمان، فبدأ ببيان مساوئها ومفاسدها، للحد منها، فعندما جاء عمر بن الخطاب للنبي ﷺ وقال له يا رسول الله أفتنا في الخمر؟ فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال، فنزل قول الحق سبحانه وتعالى " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا"، ثم بعد ذلك جاء الحكم بتحريمها في أوقات الصلاة بسبب أن أحد الصحابة أخطا وهو يصلي بسبب الخمر، فعندما أقام سيدنا عبد الرحمن بن عوف وليمة لصحابته، ثم جاء وقت صلاة المغرب وكان بعض الصحابة قد شرب الخمر، وتقدم أحد الصحابة للصلاة بهم، ولكنه أخطا في الصلاة بسبب الخمر، فنزل قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، ثم بعد ذلك سيدنا عتبان بن مالك أقام ولمية، ودعى إليها صحابة رسول الله، وبعد الوليمة بسبب المبارزة بالشعر، كادت أن تكون بينهم مقتلة، فهنا دعا سيدنا عمر ربه قائلا: اللهم أنزل علينا بيانا في الخمر، فنزل قول الحق سبحانه وتعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، مبينًا أن المتتبع لأحكام الخمر قبل تحريمها قطعيا يجد أن الكثير من الصحابة كان لا يشربها، ويرفضها بسبب فطرته السلمية التي ترفض هذا الفعل، لأن الفطرة السليمة ترفض تعاطي المواد التي تذهب العقل، وهو ما بينته السنة النبوية المطهرة، مبينًا أنهم كانوا يدركون خطورتها، وهو يظهر عندما خطب سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه، في الناس، حول أضرار الخمر، واصفًا إياها بأم الخبائث، واستشهد بقصة من القرون السابقة، عن رجل دعته امرأة إلى منزلها، ثم أومأت إلى جاريتها أن تغلق الباب دونهما، وخيرته بأن يقع عليها أو يشرب الخمر، أو يقتل صبيا موجودا، فاختار الرجل الخمر، فلما شرب الخمر وقع عليها ثم قتل الصبي، وهنا يعطيهم سيدنا عثمان درسًا عمليا، حول مفاسد الخمر وأضرارها التي يمكن أن تصل إلى أسواء شيء يمكن أن يتصوره العقل.
وأوضح أستاذ الفقه، أن علماء الأمة أجمعوا على تحريم المخدرات، وكل ما يذهب العقل، كما أن كل ما ورد في تحريم الأمور التي تؤدي إلى الفساد والإفساد في الأرض، ينسحب على المخدرات، لأن المخدرات تعريفها كما أورده ابن حجر العسقلاني، بأنها ما يتولد عنها تغطية العقل وعدم إحساس البدن، والإحساس بالفتور، كما أن الإتجار في المخدرات يعد فسادًا في الأرض، لأن المخدرات أم الخبائث كما في حديث أم سلمة رضى الله أنها قالت: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر، مبينًا أن إشكالية المخدرات وأضرارها لا تقع على العقل فقط، وإنما تتعداها إلى المال، لأن المال نعمة مسؤول عنها الإنسان، وإنفاقه على المخدرات هو إنفاق في غير موضعه، كما تضر المخدرات أيضًا بالنفس، فهناك الكثير من حالات الوفيات بسبب المخدرات، فهي ضرر في كل شيء، وكثير من المشكلات المنتشرة في مجتمعاتنا اليوم مثل التفكك الأسري، والخلافات الاجتماعية تكون بسبب المخدرات.
وحذر أستاذ الفقه، الآباء من الغفلة عن سلوك أبنائهم وعدم متابعتهم، لأن رفقاء السوء، قد يجرونهم إلى طريق الهلاك، وعلى الأسر أن تقوم بواجبها في تقوية الوازع القيمي في نفوس أبنائها، حتى لا يكونوا عرضة للوقوع فريسة لمروجي هذا النوع من المفسدات، وعلى المجتمع أن تتضافر جهوده من أجل القضاء على هذا الوباء الذي يهدد مجتمعاتنا، مع ضرورة تقديم يد العون لمن وقع فريسة للمخدرات، حتى يتعافى، لأن تركه على هذه الحالة يؤدي إلى مزيد من المشاكل.
وبين مدرس الطب النفسي وعلاج الإدمان بجامعة الأزهر، أن المجتمعات التي اتخذت إجراءات صارمة في مواجهة المخدرات، استطاعت أن تجنب شعبها خطورة هذه المواد التي تهدد المجتمع في كل جوانبه، وساعدتها هذه الاجراءات في النهوض بالمجتمع في شتى المجالات، مبينًا أن خطورة المخدرات بدأت تتضاعف وتشكل تحديا كبيرا أمام المجتمعات، بعد تنوع المواد المخدرة وبخاصة بعد ظهور نوع جديد من المخدرات يعرف بالمواد التخليقية، والتي ينتج عنها أضرار مضاعفة، مثل توهم متعاطيها لأوهام تدفعه إلى القيام بأعمال كارثية، إضافة إلى أن المعروف عن المخدرات أنها تسبب الاكتئاب وتفقد الشخص القدرة على القيام بأي مجهود ذهني وبدني، فالكثير من الحوادث الخطيرة في المجتمع تكون بسبب المخدرات.
وأوضح أستشاري علاج الإدمان، أن الأغراض الطبية التي تدخل في علاجها المواد المخدرة، مشروطة بالحالة التي تخصص لها، وأن تكون تحت إشراف الأطباء، وتكون هناك حالة ضرورية لذلك، ما عدى ذلك يعد تعاطيا وهو ممنوع دوليا، كما أنه محرم شرعًا، والإسراف في تعاطي الجرعات الطبية يدخل أيضًا تحت بند التعاطي.
من جانبه قال الشيخ كريم حامد أبوزيد، منسق كتب التراث والبرامج الموجهة بالجامع الأزهر: إن المواد المخدرة تشكل خطرًا كبيرًا على المجتمعات، كونها تؤثر على عقل الإنسان وسلوكه، وتمتد آثار تناول المخدرات إلى أبعد من ذلك، كونها تهدم الجانب الاقتصادي والأمني للمجتمعات، والشريعة الإسلامية جاءت لحفظ الكليات الخمس: "الدين، النفس، العقل، النسل، والمال"، والمخدرات تشكل خطرًا على هذه الكليات التي جاء الإسلام لحمايتها، لهذا حرم الإسلام المخدرات، لأنها تؤثر على العقل الذي هو مناط التكليف، كما أن المخدرات لا يستقيم الحفاظ على الكليات الخمس مع وجودها لأنها تهدد حياة الإنسان وتهدد استقرار المجتمع، والمتخصصين أجمعوا بأن المخدرات هي نوع من أنواع التهلكة التي حذرنا منها الحق سبحانه وتعالى في قوله"ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة".
يُذكر أن الملتقى "الفقهي يُعقد الاثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى الفقهي إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وفقا للشريعة