اقتصادُ السلطة الذي لا تُحتَمَل هشاشَتُه
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
منذ أن انطلقت معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، و"الاقتصاد" الذي بنته أو تبنّته السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تحديداً، في تداعي. فليس أبْلغ دليلاً من الذي يجري في هذه الأيام على عمق الخلل البنيوي للسياسات المالية التي انتهجتها السلطة، ابتداءً من توقيعها "بروتوكول باريس الاقتصادي" مع الاحتلال عام 1994، والملحق بـ "اتفاقية أوسلو"، وصولاً إلى ما سمّي بـ "الإصلاحات المالية" التي شرع في تنفيذها سلام فيّاض عام 2007 تحت مظلّة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس أبو مازن.
لماذا تخصم "إسرائيل" منذ سنوات من أموال المقاصّة التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية؟ ولماذا أصلاً تقوم "إسرائيل" بجمع هذه الأموال نيابة عن السلطة؟ لماذا يوجد حوالي 200 ألف عامل في الضفة الغربية كانوا يعملون في المستوطنات الإسرائيلية والداخل المحتل وهم الآن عاطلون عن العمل؟ لماذا ينقلب الحال بشريحة اجتماعيّة بأكملها، فتنتقل من نمط حياة مريح ومرفّه إلى حالة العوز؟
يسعى هذا المقال إلى شرح كيف وصل سكّان الضفّة الغربية إلى هذا الوضع الاقتصادي الصعب، والذي بدأت معالمه تتكشّف بشكل أساسيّ مع أزمة جائحة "كورونا" عام 2019، ثمّ الآن مع التداعيات الاقتصادية لحرب الطوفان.
قبل العودة بالتاريخ، ماذا حلّ بالناس وسوقهم؟وفقاً لأرقام "سلطة النقد" و"جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني"، فإن الديون على السلطة الفلسطينية بلغت مع نهاية عام 2022 حوالي 3.4 مليار دولار، منها حوالي 2 مليار دولار ديون داخلية لصالح البنوك المحلية، إضافة لتراكم حوالي 900 مليون دولار كديون متأخرة على السلطة الفلسطينية لصالح القطاع الخاص الفلسطيني، فيما تستمر الموازنة العامة للسلطة بتسجيل عجز سنوي لا يقل عن 7%.
يأتي كلّ ذلك في ظل التراجع المستمر للمنح والمساعدات الخارجية والدولية، والتي كانت تشكل عام 2008 مثلاً حوالي 28% من إجمالي الناتج المحلي للسلطة الفلسطينية، ثم تراجعت ووصلت إلى أقل من 2% عام 2021 وما بعده، وفقا لتقارير "البنك الدولي".
وإلى جانب الانهيار الكامل لجميع معالم الحياة في قطاع غزة، فقد شهدت كل القطاعات الاقتصادية تراجعا متفاوتًا خلال نصف العام الأخير، فوفقاً لأرقام "سلطة النقد الفلسطينية"، تراجعت القيمة المضافة لمختلف الأنشطة الاقتصادية في الضفة الغربية خلال الربع الأخير من عام 2023 مقارنة بالفترة المناظرة لها من العام السابق، حيث تراجع قطاع الإنشاءات بمقدار 27%، وقطاع الخدمات -أكبر القطاعات حجماً- بمقدار 21%، وقطاع الزراعة بمقدار 12%، وقطاع الصناعة بمقدار 24%.
أما العاطلون عن العمل، فقد ازدادت أعدادهم في الضفة مع توقّف عمل العمال الفلسطينيين في أراضي الـ 48 منذ السابع من أكتوبر، وكذلك تراجعت أنشطة القطاع الخاص في الضفة، إذ تقدّر "سلطة النقد الفلسطينية" نسبة البطالة في الضفة لعام 2023 حوالي 30%، حيث فقد "الاقتصاد الفلسطيني" مع الحرب حوالي 270 ألف وظيفة، موزعة على العمال في أراضي الـ 48 والمستوطنات والقطاع الخاص الفلسطيني في الضفة.
تعاني الضفة اقتصاديًا من بطالة العمال وتأخر رواتب الموطفين – الضفة الغربية- الخليل- سوق البلدة القديمة (الجزيرة)وحتى بالنسبة لموظفي القطاع العام الفلسطيني (موظفي السلطة)، فلم يتلقوا سوى ما قيمته راتب شهر ونصف في كل فترة الحرب. وإذا أضفنا لذلك كله، القيود المفروضة على الحركة نتيجة لحواجز الاحتلال وتضييقاته، فمن المتوقع وفقاً لـ "سلطة النقد الفلسطينية" أن ترتفع نسب الفقر في الضفة بشكل كبير خلال العام الحالي 2024.
هذا الحال هو بعض من نتائج السياسة المالية التي انتهجتها السلطة، ولكن قبل أن نوضح: ما هي هذه السياسة؟ وكيف أدت إلى ما أدت له؟ لنوضّح: كيف كان اقتصاد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل أوسلو ومجيء السلطة؟
كيف كان الاقتصاد الفلسطيني قبل أوسلو؟طوال فترة الحكم العسكري للاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة (1967 – 1994)، كانت كل الموارد والمؤسسات تحت سيطرة سلطات الاحتلال، حيث أشرفت هذه السلطات على إدارة النشاط الاقتصادي، وقامت بجباية الضرائب والرسوم، وإصدار تراخيص مزاولة الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
تشكّلت التركيبة القطاعيّة لاقتصاد الفلسطينيين فترة الحكم العسكري بشكل أساسي من قطاعات ثلاثة: أولاها؛ المشاريع المموّلة محليّاً، وهي مشاريع في معظمها عائلية موزعة على مجالات الصناعات التحويلية البسيطة والزراعة والسياحة وصناعة الحجر وغيرها، وثانيها؛ الجمعيات التعاونية، وتركز أغلبها في المجال الزراعي، وآخرها؛ التحويلات الماليّة الواردة من الخارج، ويتشكل معظمها من رواتب عمّال الضفة والقطاع داخل "الخط الأخضر"، وأموال المغتربين المحوّلة لعائلاتهم، إضافة لأموال المنح والمساعدات المختلفة.
لقد شكّلت المشاريع الصناعية المحليّة وقتها أحد أهمّ مصادر الدخل للفلسطينيين، ومثّلت واحداً من أبرز أشكال النشاط الاقتصادي المحلي الذي كان سائداً قبيل تأسيس السلطة الفلسطينية. وبعيداً عن الجدل الذي أحاط بجزء لا بأس به من هذه المشاريع في تلك الفترة، على اعتبار أنها مجرّد تعاقدات بالباطن لتشغيل "رأس المال الإسرائيلي" في الأراضي المحتلة عام 1967، فقد كانت من القطاعات التي استوعبت حوالي 26 ألف عامل، وذلك حسب دراسة لعادل سمارة نشرت عام 1990 في العدد الأول من "مجلة الدراسات الفلسطينية". وبحسب الدراسة شكّلت المشاريع الصناعية حتى أواخر ثمانينيّات القرن الماضي، حوالي 10% من الناتج المحلّي الإجمالي في قطاع غزة، ومثلها تقريباً في الضفة الغربية.
أما ما يخص القطاع الزراعي بشكل عام، فقد شكل حتى نهاية الثمانينيات حوالي 27% من الناتج المحلي الإجمالي في الضفة الغربية، وحوالي 13% في قطاع غزة، مع العلم أن قطاع الزراعة كان يشكّل نسبة أكبر من الناتج المحلي الإجمالي في الضفة والقطاع قبل الحكم العسكري.
فقد كان لزراعة الزيتون مثلًا، وما يتعلق بها من أنشطة وأعمال، خلال فترة الحكم العسكري، حصةٌ لا بأس بها من "الاقتصاد الفلسطيني" في الضفة الغربية تحديداً، إذ بلغت حوالي 14% من مجمل قيمة الإنتاج الزراعي في الضفة، وتعتبر زراعة الزيتون فيها، أكبر قطاع من حيث تشغيل العاملين المستقلين.
وقد كانت التجربة الأبرز على صعيد "الاقتصاد الوطني" الفلسطيني في تلك الفترة، هي الجمعيات التعاونية. وبالرغم من أن هذه الجمعيات بدأت فعليا فترة الحكم الأردني للضفة الغربية وتأسست وفق القوانين الأردنية، إلا أن أدوارها الأبرز تجلت بوضوح خلال فترة الانتفاضة الأولى (1987-1993)، بوصفها مؤسسات تعتمد بشكل كلّي على رأس المال المحلي الوطني والجهود المحلية التشاركية، وكذلك توجه خدماتها وإنتاجها للسوق المحلي. ومع ذلك، فقد تجاوز دورها المجال الاقتصادي وتعدّاه ليشمل الأدوار الاجتماعية والتربوية والصحية؛ الأمر الذي ساهم في تعزيز صمود وتثبيت الفلسطينيين خلال الانتفاضة الأولى.
لاحقاً، ومع تأسيس السلطة الفلسطينية وسيطرتها على الحيّز العام الاقتصادي والاجتماعي، تراجع تدريجيّاً دور التعاونيات وانتشارها في المجتمع الفلسطيني، وكان ذلك يعني خسارة الفلسطينيين أداة من أدوات المواجهة والصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات السلطة الفلسطینیة فی الضفة الغربیة الحکم العسکری سلطة النقد فترة الحکم ة الغربیة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
أمن السلطة الفلسطينية تلقي القبض على عدد من العناصر في جنين
أعلن الناطق الرسمي لقوى الأمن بالسلطة الفلسطينية العميد أنور رجب، عن ضبط الأجهزة الأمنية عدد من العناصر المطلوبة لديها في جنين.
وقال رجب في تصريح صحفي، اليوم الأربعاء، إنه بعد توفر معلومات استخبارية عن هروب عدد من الخارجين على القانون خارج مخيم جنين، وتحصنهم في أحد المنازل في بلدة سيلة الحارثية غربا، قامت قوة من الأجهزة الأمنية أمس الثلاثاء بتطويق المنزل، وبعد رفض الهاربون تسليم أنفسهم، والمبادرة بإطلاق النار، قامت القوة بالرد على مصدر إطلاق النار، وتمكنت من اعتقال عدد منهم وهم: المدعو/ إيهاب جميل سلامة وهو من سكان مخيم جنين، والمدعو صالح نعمان يوسف جرادات من سكان بلدة سيلة الحارثية، والمدعو أحمد عدنان جرادات (أبو مسعدة)، من سيلة الحارثية، والذي أُصيب بالقدم خلال الاشتباك، وتم التحفظ عليه في المستشفى.
مصادرة عدد من قطع السلاح والقنابل اليدوية
وأضاف أنه تم خلال هذه المهمة مصادرة عدد من قطع السلاح والقنابل اليدوية، وكميات من الذخيرة، والمواد والأدوات التي تستخدم في تصنيع وصيانة السلاح وتحضير العبوات المتفجرة.
وأوضح رجب أنه في مهمة أخرى، تمكنت الأجهزة الأمنية من مصادرة مجموعة من الأجهزة الحساسة التي يتم استخدامها في متابعة تحركات القوات العاملة في الميدان.
ولفت إلى أنه في إطار التضييق على حركة الخارجين على القانون، تم إلقاء القبض على آخرين ممن يقدمون خدمات لوجستية لهم ويسهلون حركتهم.
وأكد أن عملية "حماية وطن" مستمرة حتى تحقيق كافة أهدافها، وأن الخيار الوحيد أمام الخارجين على القانون هو تسليم أنفسهم للأجهزة الأمنية، وأنه سيتم ملاحقتهم حتى إلقاء القبض عليهم، وتقديمهم للقضاء وفق القانون.