أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلًا معلوماتيًا تناول خلاله بداية مفهوم الحمائية التجارية، وأشكالها، وأبرز الدول التي تبنت هذه السياسات، وتأثير تبني هذه السياسات على الاقتصاد العالمي.

وأوضح التحليل أن التجارة الدولية تلعب دورًا مهمًّا في زيادة الإنتاجية وتعزيز المنافسة والنمو الاقتصادي، وقد أثر الانضمام إلى اتفاقية "الجات" في انتعاش التجارة العالمية، إلا أن العديد من الدول بدأت في الاتجاه مرة أخرة إلى تبني سياسات تجارية حمائية واتبعت في ذلك سياسات مختلفة عن السياسات التقليدية التي كانت متبعة قبل اتفاقية "الجات".

ثروات الدول تتحدد بمقدار ممتلكاتها من الذهب أو الفضة

وأشار المركز في تحليله إلى بداية الحمائية، مشيراً إلى بدأ انتشار أفكار الميركانتيليين (الحمائية التجارية) منذ القرن السادس عشر، وأوضح الميركانتيليين أن ثروة العالم محدودة وأن ثروات الدول تتحدد بمقدار ممتلكاتها من الذهب أو الفضة، وأنه ينبغي على الدول أن تزيد من ممتلكاتها من الذهب والفضة من خلال تشجيع الصادرات وتثبيط الواردات، وكان هدف كل دولة وقتها تحقيق فائض تجاري وتجنب العجز التجار.

وفي الواقع، يرجع هذا الفكر إلى الفترة التي كان يعيشها العالم في ذلك الوقت، حيث ظهرت الدول القومية الجديدة، وقام الحكام بتعزيز دولهم من خلال بناء مؤسسات وطنية، ومن خلال زيادة الصادرات والتجارة، وكانت إحدى الطرق التي عززت بها الدول صادراتها هو فرض قيود على الواردات، وتسمى هذه الاستراتيجية بالحمائية التجارية ولا تزال تستخدمها بعض الدول حتى ذلك اليوم.

وأشار التحليل إلى أنه في عام 1776، جاء آدم سميث منتقدًا فكر الميركانتيليين، وقدم نظرية تجارية جديدة تسمى الميزة المطلقة، والتي ركزت على قدرة بلد ما على إنتاج سلعة أكثر كفاءة من دولة أخرى.

التجارة بين الدول لا ينبغي تنظيمها أو تقييدها من خلال سياسة الحكومة أو تدخلها

ورأى سميث أن التجارة بين الدول لا ينبغي تنظيمها أو تقييدها من خلال سياسة الحكومة أو تدخلها، بل من خلال تدفقها بشكل طبيعي وفقًا لقوى السوق.

وتوالت النظريات منذ ذلك الوقت الداعمة لحرية التجارة إلى أن تأسست اتفاقية الجات عام 1947 ودخلت حيز التنفيذ في يناير عام 1948. وتهدف إلى تحرير التجارة الدولية، وإزالة العوائق أمام التبادل التجاري بين الدول، وحل المنازعات التجارية الدولية عن طريق المفاوضات، وعلى الرغم من نجاح الاتفاقية، فإنها عانت من عض التحديات، مما ترتب عليه إنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1995، والتي تبنت اتفاق الجات وطورته بإضافة أحكام ومواد جديدة إليه.

مفهوم الحمائية الجديدة يرجع إلى ثمانينيات القرن الماضي

وذكر التحليل أن مفهوم الحمائية الجديدة يرجع إلى ثمانينيات القرن الماضي في كتابات baldwin عام 1986، وقد أطلق هذا المسمى على السياسات التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة السيطرة على النظام الاقتصادي العالمي. إلا أن أشكال الحمائية الجديدة اختلفت عن الأشكال الحمائية التقليدية، فقد اعتمدت السياسات التقليدية على التعريفات الجمركية كمحاولة لتقييد صادرات الدول الأخرى إليها، أما بالنسبة لأساليب الحمائية الجديدة، فقد ظهرت نتيجة الأزمات الاقتصادية التي دفعت الدول الرأسمالية إلى تطويرها من أجل السيطرة على الصراعات التي تشهدها السوق التجارية الدولية.

أشكال السياسات الحمائية الجديدة

وقد استعرض التحليل أهم أشكال السياسات الحمائية الجديدة كالتالي:

- تقديم الدول دعمًا لصناعتها المحلية: وذلك من خلال تخفيض أسعار منتجاتها في مواجهة المنتجات المستوردة وذلك للتأثير في المنافسة في السوق المحلية، أو دعم الصادرات وذلك لزيادة تنافسيتها في السوق الخارجية.

- المعايير التي تفرضها الدول والتي تتعلق بالصحة والسلامة: وذلك فيما يتعلق بالواردات على الرغم من أن السلع المحلية نفسها قد لا تكون مستوفاة لنفس الشروط والمعايير المفروضة على الواردات.

وكذلك الحال فيما يتعلق بمعايير الجودة والمواصفات والمقاييس.- الاعتماد على الإجراءات البيروقراطية: على سبيل المثال تعطيل الإفراج عن سلع معينة.

- اللجوء إلى المعايير والمتطلبات البيئية، وذلك لمحاولة فرض المزيد من القيود غير التعريفية على صادرات الدول النامية إلى الدول المتقدمة.

وأضاف التحليل أنه بعد عقود من تسارع العولمة، تساوت تقريبًا معدلات نمو التجارة الدولية منذ عام 2008 في الاقتصادات النامية مع وتيرة نمو نشاطها الاقتصادي، فعلى مدى عقود من تسارع الجهود المبذولة لتحقيق التكامل العالمي، أثبتت التجارة الدولية أنها أحد المحركات القوية لتحقيق الرخاء والازدهار الاقتصادي، حيث ارتفع نصيب الفرد من الدخل وتقلص الفقر في الدول النامية.

تضاعف الواردات السلعية والخدمية على مدار العقود الثلاثة الماضية

كما يعد أحد المقاييس المهمة للعولمة هو التجارة الدولية في السلع والخدمات، فبالنظر إلى قيمة الواردات السلعية والخدمية على مدار العقود الثلاثة الماضية، نجد أنها تضاعفت بحوالي 7 أضعاف، لتصل إلى حوالي 26 تريليون دولار عام 2022، مقارنة بنحو 3.8 تريليونات دولار عام 1980.

قيمة الواردات العالمية زادت بشكل حاد في عام 2022

كما أن قيمة الواردات العالمية زادت بشكل حاد في عام 2022 بعد انخفاضها في عام 2020 بسبب جائحة كوفيد-19، مما يظهر مرونة التجارة على المدى الطويل في مواجهة الوباء.

الواردات انخفضت بشكل طفيف منذ الأزمة المالية العالمية

ومع ذلك، فعند قياس الواردات السلعية والخدمية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، نجد أن الواردات قد انخفضت بشكل طفيف منذ الأزمة المالية العالمية، وعلى الرغم من ارتفاع قيمتها بعدها، فإن الاتجاه حتى عام 2022 يعد مستقرًا. لذا يمكن القول إن العالم قد بدأ يشهد تباطؤ العولمة بعد عام 2009.

وعلى الجانب الآخر، يتضح أن قيمة صادرات السلع والخدمات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي تتخذ الاتجاه العام نفسه للواردات، إلا أنه بالنظر إلى اتجاه الصادرات لأكبر أربع اقتصادات وإجمالي صادرات السلع والخدمات عالميًّا منذ عام 1990، يلاحظ مدى تغير التكامل الوطني مع الاقتصاد العالمي في ظل الاتجاهات العالمية.

الصين والهند أقل اعتمادًا على الاقتصاد العالمي

ويبدو أن الصين والهند أقل اعتمادًا على الاقتصاد العالمي، حيث انخفضت صادرات السلع والخدمات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في كلا البلدين، من ذروتها خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين في حالة الصين والعقد الثاني من القرن الواحد والعشرين في حالة الهند، حيث استقرت عند حوالي 20.7% و22.8% في كل من الصين والهند على التوالي عام 2022.

اعتماد ألمانيا أكبر على الاقتصاد العالمي في الطلب مقارنة بالصين أو الهند

من ناحية أخرى، فقد ظلت صادرات الولايات المتحدة الأمريكية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي مستقرة لتصل إلى 11.8% عام 2022. أما بالنسبة لألمانيا، فإن صادراتها كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي آخذة في الزيادة منذ التسعينيات، باستثناء انقطاعات قصيرة خلال الأزمة المالية العالمية ووباء كوفيد-19، بحيث تمثل الصادرات الآن 50.9% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2022. مما يشير إلى أن اعتماد ألمانيا أكبر على الاقتصاد العالمي في الطلب مقارنة بالصين أو الهند أو الولايات المتحدة الأمريكية.

أما على المستوى العالمي، فقد بلغت صادرات السلع والخدمات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي نحو 31.1% عام 2022.

وأشار التحليل إلى اتخاذ دول العالم المختلفة نحو 4.7 آلاف إجراء من التدابير التجارية في عام 2022، والتي أثرت سلبًا في تحرير التجارة، في مقابل اتخاذ نحو 1100 تدبير نافع للتجارة الدولية في العام نفسه.

ارتفاع أسعار المواد الغذائية ساهم في تفاقم انعدام الأمن الغذائي

وقد حذر البنك الدولي من أن اللجوء إلى هذه التدابير سيؤدي إلى الإضرار بكفاءة الاقتصاد العالمي، وخاصة أن الأزمة الروسية الأوكرانية قد ألقت بظلالها على زيادة الاعتماد على القيود التجارية، حيث تم فرض حظر على صادرات السلع الأساسية والمستلزمات الزراعية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهو ما أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي.

وفي الفترة من 2009 إلى سبتمبر 2023 نفذت الولايات المتحدة أكبر عدد من التدابير التجارية الحمائية التي تعد ضارة بتحرير التجارة العالمية؛ حيث اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية نحو 9.5 آلاف تدبير، تليها الصين بنحو 6.1 آلاف تدبير، ثم ألمانيا بنحو 3.3 آلاف تدبير.

للسياسة الحمائية تأثير إيجابي في الأجل القصير في الاقتصاد المحلي

وأفاد التحليل أنه قد يكون للسياسة الحمائية تأثير إيجابي في الأجل القصير في الاقتصاد المحلي، فعلى سبيل المثال تكمن العوائد الإيجابية على الاقتصاد المحلي من خلال الاعتماد على السوق المحلية لتلبية الاحتياجات وبالتالي نمو السوق المحلية وخلق وظائف جديدة إلا أنه يقابله العديد من التأثيرات السلبية مثل ارتفاع الأسعار، والعزل الاقتصادي.

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: أسعار المواد الغذائية ارتفاع أسعار ارتفاع الأسعار الأزمات الاقتصادية الأزمة الروسية الصادرات الولایات المتحدة الأمریکیة على الاقتصاد العالمی التجارة الدولیة من خلال عام 2022 إلا أن فی عام

إقرأ أيضاً:

المنافذ: نظام الترانزيت العالمي يدخل حيز التنفيذ في العراق

الاقتصاد نيوز - بغداد

أعلنت هيئة المنافذ الحدودية، الاثنين، دخول نظام الترانزيت العالمي حيز التنفيذ في العراق الأسبوع المقبل. 

وذكر بيان للهيئة، اطلعت عليه "الاقتصاد نيوز"، أن" العراق يستعد لجني فوائد نظام الترانزيت العالمي TIR عندما يدخل حيز التنفيذ الأسبوع المقبل في البلاد، مما يمثل حقبة جديدة في مجال اللوجستيات والتجارة الدولية"، مبينا أن "نظام TIR سيصبح عمليًا بالكامل في العراق اعتبارًا من 1 أبريل 2025".

وأكد البيان أن "العراق مع هذا الإنجاز المهم، يستعد لتعزيز مكانته كمركز تجاري رئيسي في الشرق الأوسط، مما يجعل نقل البضائع أكثر كفاءة وأمانًا عبر الحدود العراقية وما بعدها"، مشيرا الى ان" نظام TIR سيلعب دورًا محوريًا في تحويل مشروع طريق التنمية في العراق إلى واقع يربط هذا المشروع جنوب العراق بشماله، كما يوفر ممرًا تجاريًا فعالًا يربط آسيا ودول مجلس التعاون الخليجي وتركيا وأوروبا".

وتابع البيان أن"الشركات اللوجستية والنقل مستعدة لبدء عمليات TIR من نقاط انطلاق مثل مرسين، تركيا، إلى دول الخليج عبر ميناء أم قصر، وقد أظهرت العمليات التجريبية أن هذه الرحلة يمكن إتمامها في أقل من أسبوع، مقارنة بحد أدنى 14 يومًا عبر البحر الأحمر، أو 26 يومًا في حال اضطرار السفن إلى تغيير مسارها حول أفريقيا".

وأكد وزير النقل ، رزاق محيبس السعداوي، بحسب البيان، إن "تشغيل نظام TIR في جمهورية العراق، والذي لعبت IRU دورًا كبيرًا في تحقيقه، يمثل إنجازًا مهمًا حيث يضع البلاد على أعتاب مرحلة جديدة من الاستثمارات المحتملة والتجارة الإقليمية مع جيراننا والدول الأخرى في المنطقة".

وأوضح أنه"من المتوقع أن يعزز نظام TIR الموقع الاستراتيجي للعراق وأن يزيد من كفاءة التجارة عبر الحدود"، لافتا الى ان" تفعيل TIR في العراق – وهو مبادرة يدعمها معالي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني – سيقلل من وقت النقل بنسبة 80% والتكاليف بنسبة 38%، مما سيحقق فوائد اقتصادية كبيرة ويوفر فرص عمل جديدة".

ولفت الى أن"خلال العامين الماضيين، عملنا بلا كلل على تطوير البنية التحتية للنقل البري بالتعاون مع جميع الجهات المعنية. لذا، نحن ملتزمون بالاستفادة القصوى من نظام TIR في العراق لتعزيز قطاع النقل والاقتصاد الوطني".

وواصل البيان أن"الأمين العام للاتحاد الدولي للنقل البري (IRU)، أومبرتو دي بريتو، من جانبه، أعرب عن حماسه لهذا الإنجاز التاريخي، مؤكدا أنه"على مدى ما يقرب من ثمانية عقود، كان TIR يقود التجارة الآمنة، وأنا أتطلع لرؤية أول شاحنة TIR تعبر الأراضي العراقية"، مشيرا الى أن"الشاحنات سوف تمر بسلاسة عبر البلاد وتسير على ممرات توفر مستوى عالٍ من الأمان، مما يفتح فصلًا جديدًا لدور العراق في التجارة الدولية، مع انخفاض أوقات النقل والتكاليف عبر البلاد والمنطقة، سيكون هذا لحظة تاريخية للتجارة العالمية والتكامل الاقتصادي الأوسع في الشرق الأوسط".

ونوه الى، أن"نظام التصريح الإلكتروني المسبق TIR-EPD يتيح تكامل مع منصة أورُك الوطنية في العراق إمكانية تقديم معلومات الشحن مسبقًا،وخلال الرحلة، يمكن مراقبة الشاحنات عن كثب باستخدام نظام التتبع عبر GPS، كما تضمن نقاط التفتيش المنتظمة أمن البضائع والنقل، حتى تصل بأمان وفي الوقت المحدد إلى وجهتها النهائية".

وواصل أنه"من المتوقع أن يسهم تشغيل نظام TIR في العراق في تعزيز كفاءة التجارة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحقيق مزيد من الترابط بين الأسواق الإقليمية والدولية. ومع تفعيل TIR، يعزز العراق التزامه بتسهيل التجارة وضمان أمنها وسلاستها، مما يمهد الطريق لمستقبل اقتصادي أكثر ازدهارًا".

واختتم أن"TIR يعد أداة عالمية معترف بها لتسهيل التجارة، وهو مدعوم باتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بـ TIR وتديره IRU، مما يضمن عبورًا سلسًا وآمنًا وفعالًا من حيث التكلفة للبضائع عبر الحدود الدولية".


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

مقالات مشابهة

  • محمد عيد: السفارات المصرية تلعب دورا في دعم الإستثمار.. ومصر تعزز وجودها في الأسواق العالمية
  • السوداني: العراق يشهد حالة من التعافي والنمو والتقدم والازدهار
  • الصين ترحب بالشركات من جميع الدول لتعزيز استقرار النمو الاقتصادي العالمي
  • الحمصاني: يمكن زيادة صادرات قطاع الغزل والنسيج إلى 11.5 مليار دولار خلال 6 سنوات مقبلة
  • المنافذ: نظام الترانزيت العالمي يدخل حيز التنفيذ في العراق
  • سفير ألمانيا بالقاهرة: مصر تلعب دورا محوريا في تحقيق الاستقرار بالمنطقة
  • وزير الزراعة يبحث مع رئيس "ميفاك" زيادة الإنتاجية من اللقاحات البيطرية
  • الإمارات: الوصول إلى سلاسل التوريد أساسي للنمو الاقتصادي العالمي
  • وزير الزراعة يبحث زيادة الإنتاجية من اللقاحات البيطرية وتوطين تكنولوجيا الصناعة في مصر
  • وزير الزراعة يبحث مع رئيس شركة ميفاك زيادة الإنتاجية من اللقاحات البيطرية