الجزيرة:
2024-10-04@23:33:23 GMT

حل الدولة الواحدة .. هجوم سياسي فلسطيني منتظر

تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT

حل الدولة الواحدة .. هجوم سياسي فلسطيني منتظر

أثناء جريان الحروب لا تكفُّ السياسة عن العمل، ثم تأتي بعد أن تتوقّف النار والدم لتحسم النتائج، وتكون هي وحدها التي تحدد نتائج ما دار في ساحة المعركة، بل ترسم معالم النصر أو الهزيمة، وتشارك في كتابة التاريخ، ويصبح إسهامها في هذا قويًا، دون شكّ.

على مدار الشهور التي استمرّ فيها العدوان الإسرائيلي على أهل غزة، لم يكفّ قادة المقاومة الفلسطينية – خصوصًا حركة المقاومة الإسلامية "حماس" – عن إنتاج سلوك سياسي يرادف ما تفعله المقاومة في ميدان الصدّ والردّ العسكري، وما يقوم به أهل غزة أنفسهم من صمود أسطوري في وجه آلة عسكرية فاتكة في القتل والإصابة، إلى جانب تجويع وتعطيش منظم، مع منع الدواء عن مصابين زادوا بعد ما يربو على مائة وستين يومًا من العدوان على سبعين ألفًا، علاوة على نحو واحد وثلاثين ألف شهيد، أغلبهم من الأطفال والنساء.

ورقة حاسمة

توالت تصريحات القادة السياسيين لحماس، وحضروا جولات التفاوض المتتابعة الفاشلة التي دخلت إلى مرحلة "عضّ الأصابع"، لكنهم لم يرموا إلى الآن بالورقة الأقوى، التي يُمكنها أن تغير من الحسابات، وتكافئ الهجوم العسكري الذي وقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي عدَّه خبراء الحرب في مشارق الأرض ومغاربها، عملًا فارقًا لافتًا، سواء في مباغتته أو حصيلته وحصاده في الساعات الأولى.

بانَ للجميع أنّ الساحة الفلسطينية – خاصة لدى المقاومة – تنقصها هذه الورقة الحاسمة، والتي بات العالم مهيأً لها أكثر من أي وقت مضى، في ظل التعاطف الواسع والعميق الذي ربحته القضية الفلسطينية بعد طول تجاهل وظلم؛ جراء الانحياز للرواية والموقف الإسرائيليَّين على مدار ثلاثة أرباع قرن.

ليست هذه الورقة سوى طلب الجناح السياسي للمقاومة، بعد اتفاق مع جناحها العسكري، على المناداة بـ "الدولة الواحدة" التي تقوم على أرض فلسطين التاريخية كلها، وتضم الفلسطينيين والإسرائيليين، وأتباع الديانات الثلاثة – في هذه البقعة الجغرافية الملتهبة – من اليهود والمسلمين والمسيحيين.

لقد ظهر للجميع أن إسرائيل ترفض حل الدولتين، ولم تظهر موافقة على هذا التصور الذي حمله اتفاق "أوسلو" 1993 إلا لكسب وقتٍ، حتى تقضم على التوالي أرض الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم تخطط لتهجيرهم جميعًا، بشكل متدرج ومتتابع، دون أن ينجو من هذه الخطة الجَهنميّة فلسطينيو 1948 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.

سلطة شكليّة

لم تكن هذه الخطة خافيةً تمامًا، فكثير من قادة إسرائيل تلفظوا غير مرة بأن قبول "دولة فلسطينية"، حتى لو كانت منزوعة السلاح كما طرح البعض، معناه نهاية إسرائيل كدولة لليهود، كما سبق أن أعلنت، دون خجل من أن تكون هي الدولة الدينية الوحيدة في العالم المعاصر، بل تبدو مُصرّة على هذا، ومعتزة به، وتجد من القوى الكبرى تواطُؤًا معها، وسكوتًا عنها، رغم الأدبيات التي تسيل في الشرق والغرب، معتبرة أن "الدولة الدينية" هي نبت القرون الوسطى، التي لا تصلح للدنيا الحديثة والمعاصرة.

لقد سبق أن أرسل الكاتب المصري توفيق الحكيم رسالة إلى مناحيم بيغن – وهو من القادة الكبار لإسرائيل-يطالبه فيها بالسماح للفلسطينيين بإقامة دولة إلى جانب إسرائيل، حتى تتيسّر مهمة الرئيس أنور السادات في إبرام اتفاق سلام شامل ونهائي بين العرب وإسرائيل. رد بيغن يومها – حسبما أفادت أوراق بالفرنسية تركها الحكيم، وتمت ترجمتها مؤخرًا – بأنه لا يستطيع أن يتخذ هذا القرار، لأنه خطير جدًا على مستقبل إسرائيل.

وقد بات معروفًا للجميع الآن أن قادة إسرائيل لا يزالون مخلصين لموقف بيغن، بل إنهم يتهربون أيضًا من القيام بما على القوة القائمة بالاحتلال من واجبات حيال الشعب الذي يرزح تحته، متذرّعين بأوسلو، رغم أنها لم تجلب للفلسطينيين سوى سلطة شكلية مقيدة، بعد أن تهربت إسرائيل من إكمال بقية هذه الاتفاقية بتطبيق البنود الخاصة بالسيادة والمياه ومصير القدس الشرقية.

اليوم، وفي ظل نظر محكمة العدل الدولية للدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا، متهمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية لأهل غزة، تزاحم الحديث على ألسنة المسؤولين الجنوب أفريقيين أيضًا عن "الفصل العنصري" الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، عبر الجدار العازل في الضفة الغربية، والمعابر التي تمثل الرئة الأساسية التي تتنفس منها غزة، وتتحكم فيها تل أبيب، لاسيما مع اعتزامها احتلال محور فلادلفيا؛ لتنهي دور معبر رفح الذي يربط قطاع غزة بمصر.

نقطة التقاء

يتصاعد الحديث عن هذا "الفصل العنصري" وتزيد المضاهاة بين تجربة السود في جنوب أفريقيا، وتجربة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، وكما زال الأول بعد كفاح مسلح ثم سلمي طويل، يمكن للثاني أيضًا أن ينتهي في يوم من الأيام. وكما لم يكن أحد يتخيل حتى أواخر ثمانينيات القرن العشرين أن نيلسون مانديلا سيخرج من سجنه ويصبح رئيسًا لجنوب أفريقيا، لا يتخيل الناس الآن أن الفلسطينيين والإسرائيليين يمكن أن يعيشوا جميعًا في دولة واحدة.

إن إحدى صور زوال الاحتلال هو الانتقال إلى حلّ "الدولة الواحدة"، وهي مسألة ليست من قبيل المستحيلات، فهناك مليون فلسطيني يعيشون في إسرائيل ويحملون جنسيتها، وقبل إعلان إسرائيل كان هناك يهود يحملون الجنسية الفلسطينية، منهم غولدا مائير.

ولو رفع الفلسطينيون الآن، بعد توافقهم، مطلب "الدولة الواحدة" سيضعون إسرائيل في مأزق شديد أمام العالم، حال رفضه المتوقع، حيث ستظهر قوة غاشمة توصد الأبواب أمام أي حلول طبيعية، بات العالم في ألفة نسبية معها، في ظل تجربة جنوب أفريقيا.

هذا الطرح سيبدد الدعاية الإسرائيلية التي تسوّقها إلى العالم بأن المقاومة الفلسطينية تريد إنهاء الوجود اليهودي تمامًا، ولا ترضى بديلًا عما تسمّيه "تحرير فلسطين من البحر إلى النهر"، وقد يكون الطرح نفسه نقطة التقاء تجتمع حولها الفصائل الفلسطينية تنهي به انقسامها، وتضع عثرات في طريق الحلول الأخرى، التي تعرضها إسرائيل حاليًا، وتطلق عليها "اليوم التالي بعد الحرب".

خطوة شجاعة

فتفكير إسرائيل يصل في حدّه الأقصى إلى تهجير الفلسطينيين عن بَكرة أبيهم، وفي حدّه الأدنى يصل إلى إدارة القطاع من قبل حكومة غير حماس تكون تابعة لتل أبيب، وتأتمر بأمرها. ومنذ الأيام الأولى للهجوم البري الإسرائيلي على القطاع، والتصور الأخير مطروح، وإن اختلفت الأسماء التي يتم عرضها لترؤس هذه الإدارة.

نعم، ليس كل ما تريده إسرائيل تبلغه، وإلا كانت قد حققت أهدافها التي أعلنتها من هذه الحرب، لكن مثل هذه التصورات السياسية تحتاج إلى تصورات مقابلة، تصدها أو على الأقل تبعثر حساباتها وأوراقها؛ لأنها تقدم طرحًا إستراتيجيًا بوسعه أن يكسب مقتنعين به، ومناصرين له، عبر العالم، يزدادون بمرور الأيام. ولا يوجد ما يمنع من أن يظهر في فترات لاحقة من ساسة إسرائيل نفسها من يؤمنون به، أو يُضطرون إليه.

تساوقت إسرائيل مع فكرة "حل الدولتين" دون أن تكون مقتنعة بها، حتى تكسب بها وقتًا وتعاطفًا غربيًا، وتستعملها ستارًا يخفي نواياها الحقيقية، ولا سبيل لرفع هذا الستار إلا بطرح حقيقي يقبله العالم، الذي ينصت إلى صوت إسرائيل وهي تتهم المقاومة بأنها تسعى إلى استئصال وجود اليهود على أرض فلسطين التاريخية تمامًا.

يحتاج هذا الطرحُ إلى خُطوة شجاعة تضعه محلّ نقاش فلسطينيّ داخلي أولًا، حتى يتم الاتفاق عليه وتحديد معالمه ورسم خطاه إلى النهاية، ثم يُعرض على العالم أجمع، وقد يكون هذا من النتائج المهمة الكلية للحرب الدائرة الآن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات الدولة الواحدة

إقرأ أيضاً:

استشهاد 60 فلسطينيًا في غارات إسرائيلية على منازل وتجمعات للنازحين في قطاع غزة

المناطق_واس

استشهد 60 فلسطينيًا وأصيب العشرات بجروح مختلفة، في قصف للاحتلال الإسرائيلي اليوم، على منازل وتجمعات للفلسطينيين بمناطق متفرقة في قطاع غزة.

وأفادت مصادر طبية فلسطينية، بانتشال 60 شهيدًا وعشرات الجرحى بينهم أطفال ونساء، وُصفت جراح بعضهم بالخطيرة، بالاضافة إلى عدد من المفقودين تحت المنازل المدمرة، جراء قصف مدفعي وغارات جوية عنيفة استهدفت منازل وتجمعات للفلسطينيين ومراكز لإيواء النازحين، في مدينة غزة ووسط وجنوب القطاع.

أخبار قد تهمك نصف سكان العالم لديهم نقص بـ7 عناصر غذائية 2 أكتوبر 2024 - 8:52 صباحًا خارجية إيران: المواجهة مع إسرائيل قد تستمر ومستعدون لها 2 أكتوبر 2024 - 8:46 صباحًا نسخ الرابط تم نسخ الرابط 2 أكتوبر 2024 - 8:59 صباحًا شاركها فيسبوك ‫X لينكدإن ماسنجر ماسنجر أقرأ التالي أبرز المواد2 أكتوبر 2024 - 8:41 صباحًامدير الدفاع المدني المكلف ينقل تعازي الأمير عبدالعزيز بن سعود لذوي شهيد الواجب الجندي عبدالله السبيعي أبرز المواد2 أكتوبر 2024 - 8:32 صباحًازلزال بقوة 6.1 درجة يضرب شرق الفلبين أبرز المواد2 أكتوبر 2024 - 7:49 صباحًااستشهاد أربعة فلسطينيين في قصف للاحتلال الإسرائيلي على منزل جنوب قطاع غزة أبرز المواد2 أكتوبر 2024 - 7:47 صباحًاالمؤشر الياباني يفتح منخفضا 1.33 % أجواء المناطق2 أكتوبر 2024 - 7:28 صباحًاحالة الطقس المتوقعة اليوم2 أكتوبر 2024 - 8:41 صباحًامدير الدفاع المدني المكلف ينقل تعازي الأمير عبدالعزيز بن سعود لذوي شهيد الواجب الجندي عبدالله السبيعي2 أكتوبر 2024 - 8:32 صباحًازلزال بقوة 6.1 درجة يضرب شرق الفلبين2 أكتوبر 2024 - 7:49 صباحًااستشهاد أربعة فلسطينيين في قصف للاحتلال الإسرائيلي على منزل جنوب قطاع غزة2 أكتوبر 2024 - 7:47 صباحًاالمؤشر الياباني يفتح منخفضا 1.33 %2 أكتوبر 2024 - 7:28 صباحًاحالة الطقس المتوقعة اليوم نصف سكان العالم لديهم نقص بـ7 عناصر غذائية نصف سكان العالم لديهم نقص بـ7 عناصر غذائية تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك تابعنا على فيسبوكالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً اليوم.. “حساب المواطن” يبدأ في صرف مستحقات المستفيدين من الدعم لدفعة يناير الجاري 10 يناير 2023 - 8:12 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2024   |   تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستفيسبوك‫X‫YouTubeانستقرامواتساب فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق البحث عن: فيسبوك‫X‫YouTubeانستقرامواتساب إغلاق بحث عن إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟
  • السيسي: مصر تؤكد موقفها الثابت بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة
  • جعلته أغنى رجلاً في العالم.. تعرف على قاعدة "الساعة الواحدة" لجيف بيزوس
  • قائد الثورة يكشف تفاصيل حساسة بشأن الهجوم الإيراني على كيان العدو والمواقع التي تم استهدافها وما الذي حدث بعد الضربة مباشرة
  • وزارة التربية الفلسطينية: استشهاد أكثر من11600 طفل فلسطيني في سن التعليم جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة
  • باحث سياسي: استعداد قوي لمقاتلي حزب الله لمواجهة أي هجوم إسرائيلي
  • "الضحية الرسمية الوحيدة"..دفن الفلسطيني الذي قتله صاروخ إيراني
  • فلسطيني من غزة.. القتيل الوحيد بالهجوم الإيراني على إسرائيل يوارى الثرى
  • الدولة العميقة تريد أن تحلب قرارات بايدن لآخر قطرة لتعيش إسرائيل والعرب يا ( حليلهم ) العلوم والتكنولوجيا ملكوها غيرهم !!..
  • استشهاد 60 فلسطينيًا في غارات إسرائيلية على منازل وتجمعات للنازحين في قطاع غزة