الجزيرة:
2025-02-22@23:32:02 GMT

حل الدولة الواحدة .. هجوم سياسي فلسطيني منتظر

تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT

حل الدولة الواحدة .. هجوم سياسي فلسطيني منتظر

أثناء جريان الحروب لا تكفُّ السياسة عن العمل، ثم تأتي بعد أن تتوقّف النار والدم لتحسم النتائج، وتكون هي وحدها التي تحدد نتائج ما دار في ساحة المعركة، بل ترسم معالم النصر أو الهزيمة، وتشارك في كتابة التاريخ، ويصبح إسهامها في هذا قويًا، دون شكّ.

على مدار الشهور التي استمرّ فيها العدوان الإسرائيلي على أهل غزة، لم يكفّ قادة المقاومة الفلسطينية – خصوصًا حركة المقاومة الإسلامية "حماس" – عن إنتاج سلوك سياسي يرادف ما تفعله المقاومة في ميدان الصدّ والردّ العسكري، وما يقوم به أهل غزة أنفسهم من صمود أسطوري في وجه آلة عسكرية فاتكة في القتل والإصابة، إلى جانب تجويع وتعطيش منظم، مع منع الدواء عن مصابين زادوا بعد ما يربو على مائة وستين يومًا من العدوان على سبعين ألفًا، علاوة على نحو واحد وثلاثين ألف شهيد، أغلبهم من الأطفال والنساء.

ورقة حاسمة

توالت تصريحات القادة السياسيين لحماس، وحضروا جولات التفاوض المتتابعة الفاشلة التي دخلت إلى مرحلة "عضّ الأصابع"، لكنهم لم يرموا إلى الآن بالورقة الأقوى، التي يُمكنها أن تغير من الحسابات، وتكافئ الهجوم العسكري الذي وقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي عدَّه خبراء الحرب في مشارق الأرض ومغاربها، عملًا فارقًا لافتًا، سواء في مباغتته أو حصيلته وحصاده في الساعات الأولى.

بانَ للجميع أنّ الساحة الفلسطينية – خاصة لدى المقاومة – تنقصها هذه الورقة الحاسمة، والتي بات العالم مهيأً لها أكثر من أي وقت مضى، في ظل التعاطف الواسع والعميق الذي ربحته القضية الفلسطينية بعد طول تجاهل وظلم؛ جراء الانحياز للرواية والموقف الإسرائيليَّين على مدار ثلاثة أرباع قرن.

ليست هذه الورقة سوى طلب الجناح السياسي للمقاومة، بعد اتفاق مع جناحها العسكري، على المناداة بـ "الدولة الواحدة" التي تقوم على أرض فلسطين التاريخية كلها، وتضم الفلسطينيين والإسرائيليين، وأتباع الديانات الثلاثة – في هذه البقعة الجغرافية الملتهبة – من اليهود والمسلمين والمسيحيين.

لقد ظهر للجميع أن إسرائيل ترفض حل الدولتين، ولم تظهر موافقة على هذا التصور الذي حمله اتفاق "أوسلو" 1993 إلا لكسب وقتٍ، حتى تقضم على التوالي أرض الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم تخطط لتهجيرهم جميعًا، بشكل متدرج ومتتابع، دون أن ينجو من هذه الخطة الجَهنميّة فلسطينيو 1948 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.

سلطة شكليّة

لم تكن هذه الخطة خافيةً تمامًا، فكثير من قادة إسرائيل تلفظوا غير مرة بأن قبول "دولة فلسطينية"، حتى لو كانت منزوعة السلاح كما طرح البعض، معناه نهاية إسرائيل كدولة لليهود، كما سبق أن أعلنت، دون خجل من أن تكون هي الدولة الدينية الوحيدة في العالم المعاصر، بل تبدو مُصرّة على هذا، ومعتزة به، وتجد من القوى الكبرى تواطُؤًا معها، وسكوتًا عنها، رغم الأدبيات التي تسيل في الشرق والغرب، معتبرة أن "الدولة الدينية" هي نبت القرون الوسطى، التي لا تصلح للدنيا الحديثة والمعاصرة.

لقد سبق أن أرسل الكاتب المصري توفيق الحكيم رسالة إلى مناحيم بيغن – وهو من القادة الكبار لإسرائيل-يطالبه فيها بالسماح للفلسطينيين بإقامة دولة إلى جانب إسرائيل، حتى تتيسّر مهمة الرئيس أنور السادات في إبرام اتفاق سلام شامل ونهائي بين العرب وإسرائيل. رد بيغن يومها – حسبما أفادت أوراق بالفرنسية تركها الحكيم، وتمت ترجمتها مؤخرًا – بأنه لا يستطيع أن يتخذ هذا القرار، لأنه خطير جدًا على مستقبل إسرائيل.

وقد بات معروفًا للجميع الآن أن قادة إسرائيل لا يزالون مخلصين لموقف بيغن، بل إنهم يتهربون أيضًا من القيام بما على القوة القائمة بالاحتلال من واجبات حيال الشعب الذي يرزح تحته، متذرّعين بأوسلو، رغم أنها لم تجلب للفلسطينيين سوى سلطة شكلية مقيدة، بعد أن تهربت إسرائيل من إكمال بقية هذه الاتفاقية بتطبيق البنود الخاصة بالسيادة والمياه ومصير القدس الشرقية.

اليوم، وفي ظل نظر محكمة العدل الدولية للدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا، متهمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية لأهل غزة، تزاحم الحديث على ألسنة المسؤولين الجنوب أفريقيين أيضًا عن "الفصل العنصري" الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، عبر الجدار العازل في الضفة الغربية، والمعابر التي تمثل الرئة الأساسية التي تتنفس منها غزة، وتتحكم فيها تل أبيب، لاسيما مع اعتزامها احتلال محور فلادلفيا؛ لتنهي دور معبر رفح الذي يربط قطاع غزة بمصر.

نقطة التقاء

يتصاعد الحديث عن هذا "الفصل العنصري" وتزيد المضاهاة بين تجربة السود في جنوب أفريقيا، وتجربة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، وكما زال الأول بعد كفاح مسلح ثم سلمي طويل، يمكن للثاني أيضًا أن ينتهي في يوم من الأيام. وكما لم يكن أحد يتخيل حتى أواخر ثمانينيات القرن العشرين أن نيلسون مانديلا سيخرج من سجنه ويصبح رئيسًا لجنوب أفريقيا، لا يتخيل الناس الآن أن الفلسطينيين والإسرائيليين يمكن أن يعيشوا جميعًا في دولة واحدة.

إن إحدى صور زوال الاحتلال هو الانتقال إلى حلّ "الدولة الواحدة"، وهي مسألة ليست من قبيل المستحيلات، فهناك مليون فلسطيني يعيشون في إسرائيل ويحملون جنسيتها، وقبل إعلان إسرائيل كان هناك يهود يحملون الجنسية الفلسطينية، منهم غولدا مائير.

ولو رفع الفلسطينيون الآن، بعد توافقهم، مطلب "الدولة الواحدة" سيضعون إسرائيل في مأزق شديد أمام العالم، حال رفضه المتوقع، حيث ستظهر قوة غاشمة توصد الأبواب أمام أي حلول طبيعية، بات العالم في ألفة نسبية معها، في ظل تجربة جنوب أفريقيا.

هذا الطرح سيبدد الدعاية الإسرائيلية التي تسوّقها إلى العالم بأن المقاومة الفلسطينية تريد إنهاء الوجود اليهودي تمامًا، ولا ترضى بديلًا عما تسمّيه "تحرير فلسطين من البحر إلى النهر"، وقد يكون الطرح نفسه نقطة التقاء تجتمع حولها الفصائل الفلسطينية تنهي به انقسامها، وتضع عثرات في طريق الحلول الأخرى، التي تعرضها إسرائيل حاليًا، وتطلق عليها "اليوم التالي بعد الحرب".

خطوة شجاعة

فتفكير إسرائيل يصل في حدّه الأقصى إلى تهجير الفلسطينيين عن بَكرة أبيهم، وفي حدّه الأدنى يصل إلى إدارة القطاع من قبل حكومة غير حماس تكون تابعة لتل أبيب، وتأتمر بأمرها. ومنذ الأيام الأولى للهجوم البري الإسرائيلي على القطاع، والتصور الأخير مطروح، وإن اختلفت الأسماء التي يتم عرضها لترؤس هذه الإدارة.

نعم، ليس كل ما تريده إسرائيل تبلغه، وإلا كانت قد حققت أهدافها التي أعلنتها من هذه الحرب، لكن مثل هذه التصورات السياسية تحتاج إلى تصورات مقابلة، تصدها أو على الأقل تبعثر حساباتها وأوراقها؛ لأنها تقدم طرحًا إستراتيجيًا بوسعه أن يكسب مقتنعين به، ومناصرين له، عبر العالم، يزدادون بمرور الأيام. ولا يوجد ما يمنع من أن يظهر في فترات لاحقة من ساسة إسرائيل نفسها من يؤمنون به، أو يُضطرون إليه.

تساوقت إسرائيل مع فكرة "حل الدولتين" دون أن تكون مقتنعة بها، حتى تكسب بها وقتًا وتعاطفًا غربيًا، وتستعملها ستارًا يخفي نواياها الحقيقية، ولا سبيل لرفع هذا الستار إلا بطرح حقيقي يقبله العالم، الذي ينصت إلى صوت إسرائيل وهي تتهم المقاومة بأنها تسعى إلى استئصال وجود اليهود على أرض فلسطين التاريخية تمامًا.

يحتاج هذا الطرحُ إلى خُطوة شجاعة تضعه محلّ نقاش فلسطينيّ داخلي أولًا، حتى يتم الاتفاق عليه وتحديد معالمه ورسم خطاه إلى النهاية، ثم يُعرض على العالم أجمع، وقد يكون هذا من النتائج المهمة الكلية للحرب الدائرة الآن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات الدولة الواحدة

إقرأ أيضاً:

الكشف عن عدد الجثامين التي تحتجزها إسرائيل

قالت الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين، الخميس 20 فبراير 2025 ، إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تواصل سياسة احتجاز جثامين الشهداء.

وتوثق الحملة "احتجاز 665 شهيدًا في مقابر الأرقام وثلاجات الاحتلال، بعضهم منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وآخرهم شهداء مخيم الفارعة"، مساء أمس الأربعاء.

وأكدت الحملة أنه "من بين الشهداء المحتجزة جثامينهم: 259 شهيدًا منذ بداية العدوان في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، و67 شهيدًا من الحركة الأسيرة، و59 شهيدًا من الأطفال تقل أعمارهم عن 18 عامًا، و9 شهيدات من النساء".

وختمت الحملة بالقول إن "هذه الأرقام لا تشمل الشهداء المحتجزة جثامينهم في قطاع غزة ، حيث لا تتوفر معلومات دقيقة حول أعدادهم. ومع ذلك، ذكرت مصادر عبرية أن الاحتلال يحتجز جثامين أكثر من 1500 شهيد في معسكر سدي تيمان".

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين عبور أول دفعة من المنازل المتنقلة لمعبر كرم أبو سالم "مرحلتان تشملان إعادة التوزيع السكاني".. تفاصيل خطة مصر لإعمار غزة خلفا لحسين الشيخ.. الرئيس عباس يعين أيمن قنديل رئيسا للشؤون المدنية الأكثر قراءة صحة غزة: وصول مستشفيات القطاع 17 شهيدا آخر 24 ساعة التنمية في غزة تصدر إعلانا مهما للعائدين إلى شمال القطاع إذاعة الجيش الإسرائيلي: دخول الكرفانات والمعدات الثقيلة إلى غزة "مسألة وقت" توجه لعقد مؤتمر دولي لدعم خطة الحكومة الفلسطينية بشأن غزة عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • بينهم تلميذ عياش..إسرائيل تفرج عن 602 أسير فلسطيني
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم
  • محلل سياسي فلسطيني: رؤية عباس بالقمة العربية تركز على تمكين السلطة في غزة
  • حماس: من المتوقع أن تفرج إسرائيل عن 602 فلسطيني غدًا
  • إسرائيل تفرج السبت عن نحو 800 أسير فلسطيني
  • محلل سياسي فلسطيني: الرؤية المصرية المدعومة عربيا ستشكل فارقا في موقف الرئيس الأمريكي
  • ريال بات رمزا لعملة السعودية.. ما الذي نعرفه عن رموز عملات العالم؟
  • محلل سياسي: القضية الفلسطينية تمر بمفترق طرق مصيري
  • الكشف عن عدد الجثامين التي تحتجزها إسرائيل
  • كيف ولماذا طرح الفلسطينيون حل الدولة الواحدة؟ قراءة في كتاب