كتيب سياسي ثوري يحلل صراع الطبقات ومشاكل الرأسمالية، نشره الفيلسوفان الألمانيان كارل ماركس وفريدريك إنغلز عام 1848 بلغتهما، ليصبح من أهم الوثائق السياسية على الإطلاق، إذ كان الملهم للعديد من الثورات حول العالم، وله ثاني أكثر الكتب مبيعا في العالم بعد الكتاب المقدس.

السياق

شهدت أوروبا بين عامي 1789 و1848 ما عرف بـ"الثورة المزدوجة"، فسياسيا كانت فرنسا بين عامي 1789 و1799 على موعد مع ثورتها الكبرى، التي أنهت النظام الملكي وأعلنت الجمهورية الأولى يوم 21 سبتمبر/أيلول 1792، كما كان من أبرز نتائجها إقرار المساواة وحرية التعبير حقا لكل فرنسي.

في الوقت ذاته خلفت الثورة الصناعية التي شهدتها أوروبا نهاية القرن الـ18 وبداية القرن الـ19 طبقة دنيا من العمال الذين عاشوا في ظروف عمل مضنية، في حين حقق أصحاب المصانع أرباحا طائلة.

أدت كل هذه العوامل لحالة استقطاب حاد داخل المجتمع نشأت عنها طبقتان متعارضتي المصالح هما: البرجوازية (أصحاب رأس المال) والبروليتاريا (العمال).

ونتيجة لكل هذا، ومع ازدياد أعداد عمال المصانع وتعاظم معاناتهم برزت إلى الوجود حركة عمالية منظمة للدفاع عن حقوق العمال والمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية تدعى الاشتراكية، وكانت المؤسسة لمفهوم النضال العمالي بدعوتها إلى الانتقال من مجتمع رأسمالي تتركز فيه الثروة في أيدي أقلية، إلى مجتمع تتوزع ثرواته بشكل عادل، ويعيش فيه الجميع في مساواة ورفاه.

كما تبلورت الشيوعية في الوقت ذاته كشكل من أشكال الاشتراكية مع وجود اختلاف بينهما، فالاشتراكية تهدف فقط إلى إضفاء الطابع الاجتماعي على الإنتاج، في حين أن الشيوعية تهدف إلى إضفاء الطابع الاجتماعي على كل من الإنتاج والاستهلاك.

إحدى ترجمات كتاب "البيان الشيوعي" إلى اللغة العربية (الجزيرة) ظروف ألمانيا

كانت ألمانيا في ذلك الوقت تشهد عهدا ذهبيا في مجال العلم والفلسفة، رغم تأخرها الاقتصادي عن بقية الدول الأوروبية إضافة إلى ضعفها السياسي، وكان جورج فريديريش هيغل هو الاسم الفلسفي الأبرز فيها، فتأثر بفلسفته كل من إنغلز وماركس اللذين تعرفا على بعضهما في العاصمة الفرنسية باريس عام 1844.

وتوطدت علاقة الشابين لنشاطهما ونضالهما المشترك في سبيل نصرة العمال وتحقيق الشيوعية، فانضما لعصبتها وتشاركا في كتابة بيان الحزب الشيوعي، وقدما مسودته إلى المناقشة في المؤتمر الأول للشيوعيين الذي عقد بالعاصمة البريطانية لندن في يونيو/حزيران 1847.

طُلب منهما اعتماد هذه المسودة من أجل صياغة وثيقة نهائية نظرية وعملية يلتزم بها جميع الشيوعيين، وتقرر تسميتها خلال المؤتمر بـ"البيان الشيوعي".

كما تم الإعلان عن الهدف الجديد للعصبة الشيوعية متمثلا بـ"الإطاحة بالبرجوازية وإقامة سلطة البروليتاريا وإلغاء النظام الاجتماعي البرجوازي القائم على التناقضات الطبقية، واستبداله بنظام اجتماعي تزول فيه الطبقات والملكية الفردية".

وقررت في مؤتمرها الثاني في 28 نوفمبر/تشرين الثاني إلى الثامن من ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته إصدار بيان بأهدافها وكلفت ماركس وإنغلز بصياغته.

فقرر الأخير التخلي عن مشروعه الذي سُمي لاحقا "تعاليم الماركسية" أو "تعاليم الشيوعية"، وكتب إلى ماركس قائلا "فكر قليلا في إعلان مبادئ العصبة، الأفضل -برأيي- التخلي عن شكل التعاليم وتسميته "البيان الشيوعي"..، سأحمل معي النص الذي أعددت، لكنه سردي محض، ومصوغ بطريقة بائسة ومكتوب على عجل"، وبناء عليه، وضع ماركس منفردا الصيغة النهائية للبيان في فبراير/شباط 1848، ليعد تعريفا جديدا للشيوعية.

البيان ظل مرجعا أساسيا للشيوعيين على مدار السنين وكان ممن اتخذه دليلا الروسي فلاديمير لينين (رويترز) الهدف من البيان

هدف البيان لشرح المعتقدات الشيوعية الجديدة، فخلص إلى أن الرأسمالية لا تقدم للإنسانية إمكانية تحقيق الذات، بل تضمن بدلا من ذلك أن يعاني البشر من التقزم والعزلة بشكل دائم.

وأشار إلى أن الصراع الطبقي ينشأ في المجتمعات الرأسمالية بسبب التناقضات بين المصالح المادية للبروليتاريا المضطهدة والمستغلة، والبرجوازية الحاكمة التي تمتلك وسائل الإنتاج، ويؤدي إلى فترة من الأزمات قصيرة الأمد، وفي فترات الأزمات العميقة يمكن لمقاومة المضطهدين أن تبلغ ذروتها بثورة بروليتارية تؤدي حال انتصارها إلى إنشاء نمط الإنتاج الاشتراكي القائم على الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج "كل حسب مساهمته".

كما رأى أن الرأسمالية من الممكن أن تتدمر وتندثر حال توحدت البروليتاريا، وتنبأ بثورة وشيكة في أوروبا ستؤدي إلى ظهور الشيوعية، وهو مجتمع غير طبقي يكون فيه "التطور الحر لكل فرد هو شرط التطور الحر للجميع".

واقترح البيان الشيوعي السياسات الانتقالية التالية:

إلغاء الملكية الخاصة في الأرض والميراث. إدخال ضريبة دخل تصاعدية. مصادرة ممتلكات المتمردين. تأميم قطاعات الائتمان والاتصالات والنقل. التوسع والتكامل بين الصناعة والزراعة. إنفاذ الالتزام العالمي بالعمل. توفير التعليم الشامل وإلغاء عمالة الأطفال.

وانتهى بدعوة للتضامن بين البروليتاريين، تحت الشعار المعروف "يا عمال العالم اتحدوا، ليس لديكم ما تخسرونه سوى قيودكم"، كونهم جميعا أصحاب مصلحة واحدة.

صورتا ماركس وإنغلز في بكين بميدان تيانانمين يوم 29 أبريل/نيسان 1986 قبل يومين من احتفالات عيد العمال (الفرنسية) النتائج

دخل البيان الشيوعي إلى وجدان القوى العاملة كما لم يفعل أي عمل أو خطاب سياسي آخر، إذ دبّت الروح الثورية في قلوبهم فور إعلانه، وتصاعدت تهديداتهم للطبقة البرجوازية في أوروبا، فنزلوا إلى الميادين للمطالبة بتحقيق كل ما ورد فيه، فأخذ نضال هذه الطبقة إلى مرحلة غير مسبوقة أرقت غيرهم.

كما تزامن مع فترة "الربيع الأوروبي"، وهي ثورات بدأت من شبه الجزيرة الإيطالية عام 1847 نتيجة لتراكم العوامل السياسية والاقتصادية الصعبة، فامتدت إلى باريس وفيينا وميلانو وروما والبندقية وبرلين وميونخ وكولن وفرانكفورت وكوبنهاغن وبودابست وغيرها.

فشلت بعض الثورات بينما نجحت أخرى وقتيا، فتغير نظام الحكم في فرنسا، وأسقطت حكومة لويس فيليب الملكية، ثم تم تشكيل حكومة مؤقتة، اختير بعدها لويس نابليون للحكم، كما أدت الثورة في ألمانيا والنمسا إلى تحرير العبيد، بيد أنهم استمروا في العمل بأجور زهيدة.

ورغم ذلك ضل البيان مرجعا أساسيا لكل الشيوعيين، ومنهم الروسي فلاديمير لينين، الذي آمن بالبيان (سمي لاحقا "النظرية الماركسية") وأسهم في تطويره، ورأى أن النظام الاشتراكي والقضاء على الملكية الخاصة هما الطريق الأنجع لتحقيق العدالة الاجتماعية، ثم قاد عام 1917 "الثورة البلشفية" التي أطاحت بالنظام القيصري في روسيا، ومهدت لتأسيس الاتحاد السوفياتي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات

إقرأ أيضاً:

اجتماع استثنائي للهيئة العامة للمجلس المذهبي.. هذا ما جاء في البيان الختامي

اجرت الهيئة العامة للمجلس المذهبي للطائفة اجتماعا استثنائيا في دار الطائفة في بيروت اليوم، بدعوة من شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابي المنى وحضور الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ونواب الطائفة والقضاة وأعضاء المجلس، وذلك للبحث في الأوضاع العامة والتطورات في البلاد.

واستهل الاجتماع بكلمة افتتاحية لأمين سر المجلس المذهبي المحامي رائد النجار، ثم القى شيخ العقل كلمة قال فيها: "في لبنانَ انطوى المشهدُ بالأمس القريب على دمٍ ودمار وما يُشبه الانهيار، ولكنّه أسفر عن اتّفاقٍ أوقفَ آلةَ الحربِ والقتل والتدمير؛ الأمرُ الذي يوجب على الدول الكبرى المعنية والأممِ المتّحدة الضغطَ على العدوّ الإسرائيلي لتطبيقِه وعدمِ خرقِه، وعلى الدولة اللبنانية وقيادةِ المقاومة الالتزامَ باحترامِه وعدمِ السماحِ بتجاوزِه، وعلى جميع القوى السياسية مؤازرةَ الدولة في نهوضِها وتحمُّلَ المسؤولية الوطنية في القيام بالواجب الدستوري لانتخاب رئيسٍ للجمهورية دون أي مماطلة، إيذاناً بالبدء بانطلاق ورشة استعادة قرار الدولة وبناء مؤسساتها". 

وتابع: "وفي سوريا انطوى المشهدُ أخيراً على انتصارٍ تاريخيٍّ على نظام القهر والتطاول على الشعب السوري الشقيق وعلى لبنانَ وشعبِه، انتصارٍ يوجبُ التهنئةَ والمبارَكة لأبناء سوريا الذين تحرّروا من السجن الكبير بعد سنواتٍ طويلة من النضال وسنواتٍ أطولَ من تحمُّل الظلمِ والإهانة، ولكنّ هذا الانتصارَ يحتاجُ إلى تعاونٍ وتبصُّرٍ من الجميع، وفي مقدَّمتِهم قيادةُ الثورة والمرجعياتُ الدينية وقادةُ المجتمع، من أجل استثمار هذا الإنجاز التاريخي في ما يخدمُ وحدةَ سوريا وتحقيقَ نهضتِها وتثبيتَ دورِها التاريخي في قلب الأمّة، بدءاً بمحاصرة الفوضى وإنجاز الفترة الانتقالية بأكبر قدرٍ ممكن من التفاهم والتعاون، وترسيخ أسس العدالة والمساواة واللاطائفية في دستور البلاد الذي نأمل أن تشتركَ في إعداده جميعُ مكوِّنات الشعب السوري دون استئثارٍ أو استبعاد، وكذلك في التأكيد على وحدة سوريا والتمسُّك بهويتها العربية التاريخية، وهذا ما بدت تباشيرُه المُطَمْئِنة من قبل قيادة الثورة، وما نرجو أن تستمرّ خطواتُه التالية بحكمةٍ وانفتاحٍ وجديّة في مسيرة إعادة قيام الدولة".

واردف: "وفي هذا الخضمِّ نؤكّد أنَّ إخواننا المسلمين الموحدين الدروز في جبل العرب وفي الغوطة والإقليم وجبل السُّمّاق هم جزءٌ لا يتجزّأُ من الشعب السوري، وقد كانوا دائماً طليعةَ المدافعين عن استقلال سوريا، والمطالبين دوماً بالوحدة الوطنية، والمتمسِّكينَ أبداً بانتمائهم العربيِّ، وقد أثبت أبناءُ السُّويداء في حراكهم السلمي وانتفاضتِهم الشعبية، أنّهم أحفادُ سلطان باشا الأطرش وأبطالِ جبل العرب الذين كانوا بُناةَ الاستقلال وحماةَ وحدةِ الوطن، وأنَّهم يتناغمون بالفعلِ معَ ثورة إخوانِهم المعارضين للنظام والمتصّدين له على امتداد البلاد، كيف لا؟ وهم المتشبّثُون بأرضهم وهويّتِهم، والمستعدُّون دائماً للشراكة الوطنية دون عِقَدٍ أو تردُّد، والمطالبُون بالعيش الكريم في أحضان دولةٍ ديمقراطيةٍ عصريةٍ جامعة، كما أكَّد ويؤكِّدُ بثقةٍ وحكمةٍ وإقدام قادةُ الجبل وأحرارُه الذين ناضلوا وجاهدوا ورفعوا الصوتَ عالياً منذ سنةٍ وأربعةِ أشهرٍ بالتحديد دون كللٍ أو ملل".

وتوجه الى الموحدين في سوريا وقال: "إخوانُنا الموحِّدون في سوريا هم ركيزةٌ أساسية من ركائز بلاد الشام، وركنٌ ثابتٌ من أركان سوريا، تغنّى بهم التاريخُ وأغنت تجربتُهم الصعوبات، وهم اليومَ جديرون بالانعتاق من قيود دولة الفساد والإفساد التي قبضت على الشعب السوري لمدّة نصفِ قرنٍ من الزمن، وقادرون على التفاعل مع الواقع الجديد بانفتاحٍ وكلمةٍ موحَّدة ومسؤوليةٍ مشتركة. خصوصيتُهم يجبُ أن تُحترَم، وتاريخُهم النضاليّ يجبُ أن يُؤخَذَ بعين الاعتبار من قِبل القوى المنتصرة ومن قِبل الدول المَعنيةِ بالواقع الجديد، فهم لا يُقاسون بالعدد، بل بالدور والتاريخ، وإذا كانت مشاركتُهم موجبةً وضرورية في مسيرة النهوض، فإنّ إشراكَهم في عمليّة صياغة الدستور الجديد وبناءِ الدولة الحديثة حقٌ وواجبٌ".

واضاف: "نعم أيُّها الأخوة، نلتقي اليومَ لنؤكِّدَ بأننا عائلةٌ توحيديةٌ معروفيّةٌ واحدة تمتدُّ فروعُها وأغصانُها من لبنانَ وسوريا إلى الأردن والكرمل والجليل والجولان، وإن كنَّا نتبادلُ المودَّةَ ومشاعرَ الأخوَّةِ في ما بيننا، وينتصرُ بعضُنا لبعضٍ في الملمَّات، ونحثُّ أنفسَنا وإخوانَنا على ضرورة صَون أصولِنا الإسلامية والعربية وهويّتِنا الروحية والتوحيديّة وإرثِنا العربيِّ والوطنيّ وتقاليدِنا الاجتماعية الشريفة، إلَّا أنّنا نأبى التدخّلَ في ما لا يَعنينا من سياسات الدول وما لا دورَ لنا فيه، ويتمسّكُ كلُّ مكوِّنٍ منّا بأرضه ووطنِه ولا نرضى بالانسلاخ عنها تحت أية ضغوطاتٍ أو مُغريات، ولنا في إخوانِنا وقادة مجتمعاتِنا في بلادِهم ملءُ الثقة باتّخاذ المواقفِ الصائبة التي يُمليها عليهم تاريخُ الآباء والأجداد وواقعُ الحالِ والبلاد وواجبُ الحفاظ على الأولاد والأحفاد".

وتابع: "أيُّها الأخوةُ أعضاءَ المجلس، أيُّها الحضورُ الكريم،اسمحوا لي أن أُحيّيَ باسمكم جميعاً وباسم مَن نُمثِّل المواقفَ المشرِّفة لمعالي الأستاذ وليد بك جنبلاط، حامدين الله على وجوده وسلامته، ومثمِّنين عالياً قيادته الحكيمةَ والشجاعة في جميع المراحل الدقيقة التي مررنا بها، وقد كانت المختارةُ دائماً صمَّامَ الأمان وقلعةَ الوطنية والعروبة، معَ زعيمِها نتبادلُ الرأيَ ونحمي الطائفةَ والوطن، ومن عمقِ تجربتِه نستقي المواقفَ الوطنية، وإلى جانبِه وجانب جميع المخلصين نسيرُ بثقةٍ واطمئنان، نواجهُ ونصالحُ ونصون العيشَ المشترك، وبخيط التوحيد والمعروف ننسجُ علاقة طيّبة مع جميع إخوانِنا الغيورين التوّاقين مثلَنا إلى صون الكرامة العامّة وحفظِ المجتمع ونهضة الطائفة والوطن. لقد مررنا بأصعب المراحل وحافظنا على وجودنا وكنّا الأمناءَ على تراثنا وبلادنا، وما المرحلةُ المصيرية التي تمرُّ بها المنطقةُ اليوم إلّا واحدةً من تلك المراحل التي تستوجبُ المزيدَ من الوعي ووحدة الموقف والثبات، أمّا المُغرِّدون خارجَ سرب الإرادة التوحيدية والوحدة الوطنية فلا يحقُّ لهم التلطّي تحت عباءاتِ المشايخ الأجلَّاء وشعارات الذَّود عن الأرض والعرض والكرامة".

وختم: "تحيةً لأهلِنا في سوريا ولكلِّ أحرار سوريا، وتحيةً للدول العربية الشقيقة وللدول الصديقة ولكل من نصر الحقَّ على الباطل، آملين أن يسودَ الحقُّ دوماً وأن يَزهقَ الباطلُ إلى غير رجعة: "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" صدق الله العظيم".


بدوره، قال جنبلاط: "منذ 16 آذار 1977، رفعنا الشعار الشهير سيبقى فينا وينتصر، واليوم انتصر كمال جنبلاط والشعب السوري وانتصرت الحرية في لبنان وسوريا، وسمير قصير الذي كان على تواصل دائم مع الأحرار في سوريا أيام الربيع العربي، وكان يقول لا مجال لاستكمال مسيرة الحرية إذا كانت سوريا أسيرة السجن الكبير".

أضاف: "لا يمكن إلاّ أن نتعاطى بإيجابية وانفتاح مع النظام الجديد، ولا بد من تصحيح بعض الأخطاء التاريخية عند البعض، نريد سوريا ديمقراطية ومتعددة ومتنوعة يقرر أهلها مستقبلها، نحترم الخصوصيات السورية ونساعد من بعيد ومن قريب عند الضرورة".

وتابع: "ذكر المبعوث الدولي غير بيدرسون أمراً غريباً وهو تطبيق القرار 2224 وكأنه يقول فلنعود ونعيد بشار ثم نسهم في الحكم، وأعتقد أن هذه بدعة يريدها بعض الأجانب وبعض المستشرقين لأغراضهم الخاصة المشبوهة، وقبل أن نحكم على النيات فلنحكم على الواقع، ولنتقدم في لبنان بمذكرة توضح كيف نتصور سوريا المستقبل وكيف نرى سوريا المستقبلية والعلاقات اللبنانية والسورية، وكيف نعيد النظر بمعاهدة الأخوة والصداقة وحققنا في الماضي بعد 14 آذار مطلب السفارات باعتراف رسمي وهناك مهمّة ترسيم الحدود أي شبعا وكفرشوبا ومهمات أخرى، ثم بلدين سياديين مستقلين".

ولفت جنبلاط إلى أنَّ "الطريق طويل جداً لكنّه سهل ولست متخوّفاً مثل بعض الصحافة الأجنبية التي تقول إن هذا الحكم أصولي إسلامي، فلا أوافق على هذا الامر، فلنعطِ الشعب السوري الذي خرج بعد 61 عاماً من السجن الكبير فرصة التنفس فإلى الأمام في نصح ودعم الشعب السوري حين نستطيع في مستقبله ومستقبلنا".


وفي الختام صدر البيان الختامي، وفيه: "عقدت الهيئة العامة للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز اجتماعاً استثنائياً برئاسة سماحة شيخ العقل الشيخ الدكتور سامي أبي المنى وحضور معالي الأستاذ وليد بك جنبلاط وأصحاب المعالي والسعادة والفضيلة الوزراء والنواب والقضاة وأعضاء المجلس، وذلك لتدارس الأوضاع العامة والمستجداتِ المتسارعة في البلاد وتبادل الرأي حول واقع الحال وآفاق المستقبل.

وإذ رأى المجلسُ أن المشهدَ في لبنانَ وما خلفه العدوان الإسرائيلي قد انطوى على دمٍ ودمار وما يُشبه الانهيار، لكنّه أسفر عن اتّفاقٍ أوقفَ آلةَ الحربِ والقتل والتدمير، ما يوجبُ على الدول الكبرى المعنية والأممِ المتّحدة الضغطَ على العدوّ الإسرائيلي لتطبيقِه وعدمِ خرقِه، وعلى الدولة اللبنانية وقيادةِ المقاومة الالتزامَ باحترامِه وعدمِ السماحِ بتجاوزِه، وعلى جميع القوى السياسية مؤازرةَ الدولة في نهوضِها وتحمُّلَ المسؤولية الوطنية في إنجاز الواجب الدستوري بانتخاب رئيسٍ للجمهورية دون أي مماطلة إيذاناً بانطلاق ورشة استعادة قرار الدولة وبناء مؤسساتها.

كما رأى المجلس أن المشهدَ في سوريا ينطوي على انتصارٍ تاريخيٍّ على نظام القهر والذل والتطاول الذي كان قابضاً على الشعب السوري الشقيق والذي أصابَ بسهامه القاتلة لبنانَ وشعبَه، مباركاً لأبناء سوريا تحرّرَهم من السجن الكبير بعد سنواتٍ طويلة من النضال وسنواتٍ أطولَ من تحمُّل الظلمِ والإهانة، ومؤكداً أن هذا الانتصارَ يحتاجُ إلى تعاونٍ وتبصُّرٍ من الجميع، وفي مقدَّمتِهم قيادةُ الثورة والمرجعياتُ الدينية وقادةُ المجتمع، لاستثمار هذا الإنجاز التاريخي وتحقيق الغاية منه، بدءاً بضبط الأمور ومحاصرة الفوضى وإتمام الفترة الانتقالية بأكبر قدرٍ ممكن من التفاهم والتأكيد على وحدة سوريا والتمسُّك بهويتها العربية التاريخية وترسيخ أسس العدالة والمساواة واللاطائفية في دستور البلاد الذي نأمل أن تشترك في إعداده جميعُ مكوِّنات الشعب السوري دون استئثارٍ أو استبعاد، وهذا ما بدت تباشيرُه المُطمْئِنة، وما نرجو أن تستمرّ خطواتُه التالية بحكمةٍ وانفتاحٍ وجديّة في مسيرة إعادة قيام الدولة.

وفي الختام أكَّد المجلس على ما يلي:

- توجيه التحية والتهنئة والمباركة للشعب السوري على الإنجاز الوطني التاريخي الذي تحقَّق بإصرارٍ قلَّ نظيرُه ونضالٍ طويلٍ وتكاتفٍ متين بين أبناء سوريا، ودعوة الأشقّاء السوريين إلى التطلع بأمل كبيرٍ إلى مستقبل واعدٍ لسوريا جديدة متطورةٍ وآمنة وحاضنة لجميع أبنائها، ومحافظةٍ على وحدة شعبها وأرضها ومؤسساتها، سوريا الدولة الشقيقة للبنان ولباقي الدول العربية، والمحورية الفاعلة في تحصين الموقف العربي وتوحيده إزاء القضايا الوطنية والإقليمية والدولية، ولا سيما قضية الشعب الفلسطيني والاعتراف بحقوقه المشروعة التي نصّت عليها القرارات الأممية، وإنشاء دولته السيِّدة المستقلّة.

- التأكيد على أنَّ إخواننا المسلمين الموحدين الدروز في جبل العرب وفي الغوطة والإقليم وجبل السُّمّاق هم جزءٌ لا يتجزّأُ من الشعب السوري، بل هم طليعةُ المدافعين عن استقلال سوريا، والمطالبين دائماً بالوحدة الوطنية، والمتمسِّكينَ أبداً بانتمائهم العربيِّ، وهم الجديرون بالتمسك بهويتهم العربية والحفاظ على إرثهم والوطنيّ والتجذّر بأرضهم الحاضنة لتراثِهم الروحي والجهادي والاجتماعي، والمعتزُّون بنضالهم التاريخي المشرّف في مواجهة كل أشكال الاحتلال والانتداب، وقد قدّموا على الدوام أفضل نموذج لتعلُّقهم بالعروبة وبالوحدة الوطنية، خصوصاً إبّان الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الاطرش، رغم كل الظروف والإغراءات، وهو ما سطّره التاريخ بفخرٍ واعتزاز في معظم المراحل والمحطات المفصلية. - ⁠التأكيد على الالتزام بنهج الأسلاف من قادة الجبل والطائفة الذين ⁠رفضوا محاولات سلخهم عن محيطهم العربي وتقسيم وطنهم وتجزئته تحت أيِّ شعار، وبالتالي السعي للحفاظ على هذا النهج وعلى إقامة أفضل العلاقات مع جميع مكوّنات الشعب السوري وأطيافه، والانخراط مع قوى الثورة والمجتمع في العملية السياسية من أجل بناء سوريا المستقبل كدولةٍ ديمقراطيةٍ عصريةٍ جامعة.

- التأكيد بأنّ الموحدين الدروز في بلاد الشام عائلةٌ توحيديةٌ معروفيّةٌ واحدة تمتدُّ فروعُها وأغصانُها من لبنان وسوريا إلى الأردن والكرمل والجليل والجولان، وأنهم، إن كانوا يتبادلون مشاعرَ المودَّةِ والأخوَّة في ما بينهم، وينتصرُ بعضُهم لبعضٍ في الملمَّات، ويَحثُّون أنفسَهم وإخوانَهم على ضرورة صَون أصولِهم الإسلامية العربية وهويّتِهم الروحية والتوحيديّة وإرثهم العربيِّ والوطنيّ وتقاليدِهم الاجتماعية الشريفة، إلَّا أنّهم يأبَون التدخّلَ في ما لا يَعنيهم من سياسات الدول، ويتطلّعون بعين الأمل والثقة إلى قياداتِهم الوطنية لاتّخاذ المواقفِ الصائبة التي يُمليها عليهم تاريخُ الآباء والأجداد وواقعُ الحالِ والبلاد وواجبُ الحفاظ على الأولاد والأحفاد.

- التأكيد بأنّ إخوانَنا الموحِّدين في سوريا ركيزةٌ أساسية من ركائز البلاد، وركنٌ ثابتٌ من أركان سوريا، تغنّى بهم التاريخُ وأغنت تجربتُهم الصعوبات، وهم اليومَ محتفلون كأخوانهم السوريين بالانعتاق من قيود دولة الفساد والإفساد والاستبداد التي قبضت على الشعب السوري على مدى خمسين سنةً ونيِّف، وقادرون على التفاعل الإيجابي مع الواقع الجديد بانفتاحٍ ومسؤولية، وإذا كانت مشاركتُهم موجبةً وضرورية في مسيرة النهوض، فإنّ إشراكَهم بفعالية في العمليّة السياسية والعمل الحكومي، وفي صياغة الدستور الجديد، وفي إدارات الدولة هو حقٌ وواجب، مع التأكيد على وحدة الموقف الوطني واعتماد سياسة التسامحِ والانفتاح، والتمسك بمبادئ العدالة والمساواة، وتبنّي النهج الديمقراطيِّ الحرّ.

- الإعلان عن تشكيل وفد رسمي لزيارة سوريا لتقديم التهنئة لقيادة الثورة باسم طائفة الموحّدين الدروز في لبنان تأكيداً على العلاقة التاريخية الطبيعية الدائمة بين البلدين، وعلى دور طائفة الموحّدين الدروز الطليعي في جميع مراحل النضال من أجل التحرّر والاستقلال وبناء الوحدة الوطنية وتأكيد الانتماء العربي والإسلامي".

مقالات مشابهة

  • ننشر نص البيان المشترك بين الرئيس السيسي ونظيره الإندونيسي
  • ‎ نص البيان المشترك الصادر عن مصر وإندونيسيا
  • عاجل - نص البيان المشترك الصادر عن مصر وإندونيسيا
  • نص البيان المشترك بين مصر وأندونيسيا
  • بين الطموح والواقع: قراءة نقدية لمبادرة الحزب الشيوعي السوداني لوقف الحرب واسترداد الثورة
  • اجتماع استثنائي للهيئة العامة للمجلس المذهبي.. هذا ما جاء في البيان الختامي
  • ‏البيان الذي يعتقد أنه من الأسد: انتقلت إلى قاعدة حميميم في وقت مبكر يوم 8 ديسمبر
  • استمرار تأثر معظم المحافظات بالغبار والعوالق الترابية
  • بوتين: موسكو تبدأ في الإنتاج التسلسلي للصواريخ الباليستية «أوريشنيك»
  • الرئيس الصيني يقلل من خلافات الحزب الشيوعي الحاكم