“١٢” داخل مبنى المستشارية الأمنية، ذاك الذي بحيلة تأميمية أخذ مُسمى بُرج الدعم السريع، هنالك وسط الخرطوم، كانت الإضاءة مُنخفضة بتدرجات واهية، وقد بدت كذلك حين جلس اللواء عثمان محمد حامد_رئيس دائرة العمليات في الدعم_ بهيئة عسكرية صارمة، إلى يمين قائده محمد حمدان دقلو، وإلى يساره أيضًا في الدائرة الملاصقة عبد الرحيم، الشقيق المُتحمس بشدة للانقضاض على خصومه، وقد فاحت في دهاليز المبنى ذو الطوابق المتعددة رائحة الأبخرة والتعاويذ، بشكل يوحي بحجم المؤامرة الشيطانية، وتسارُع خطواتها، ما حدا بحميدتي للتساؤل باقتضاب عن الضمانات المبذولة لنجاح هذه المغامرة، وهو ما سيحيط به من وراء التنوير الآخير، بالرِهان المُطلق على الخطة “أ” دون الحاجة للخطة “ب” فيما ثمة رجل بشعر أشقر، أقرب إلى أن يكون من ضباط فاغنر أو من رجال الموساد، حرص عبد الرحيم على اصطحابه في هذا الاجتماع، المقرر فيه مراجعة التفاصيل السرية، وتحديد ساعة الصفر، والتي سيوافق عليها حميدتي مأخوذاً بهواجسه الشخصية، لطالما كان لا يريد أن يذهب في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، فهو يعلم عاقبة الهجوم على عرين الأسد، والكُلفة الباهظة، لكنه كان مُحتنكاً بشهوة السُلطة.

“١٣”
استل اللواء عثمان عمليات ورقة بيضاء (A4) من حقيبة صغيرة أسفل قدمه اليُمنى، رسم فيها صورة أفعى، وصوب نحو وجهها سهم قاتل، في مضاهاة لأهمية ضرب مقر بيت الضيافة والقيادة العامة، وشل كافة حركة وحدات الجيش، ثم مررها إلى عبد الرحيم، تلك الورقة، ليكتسي وجهه النحيف بضحكة مكتومة خبيثة، وتنهّد حميدتي في المقابل تنهيدة استعلائية، وهو يراقب نفسه مداعباً بالإبهام حبات سبحة اللالوب المتشبث بها تلقائياً، بينما لم ينبس الضابط الأشقر ببنت شفة.

“١٤”
كانت خطة اللواء عثمان قائمة على معركة خاطفة، لا تُبقِى ولا تذَر ، تدور رحاها في حي المطار تحديداً، وعلى وجه الدقة في المساحة الممتدة ما بين بيت الضيافة غرباً، والتخوم الشرقية للقيادة العامة، تلك التي سيحاصرها المقدم خلا تاج الدين التجاني، قبيل أن تتآكل قواته وتتقهقر لاحقًا، بعد صمود الضباط والجنود داخل أسوار القيادة، وقد أصبح بيت الضيافة أشبه بتختة الرماية، ولم يسلم حتى المسجد من لسعات الرصاص، واستحال طوب الأسقف الأحمر_تحت ضغط التدوين_ إلى كتلات دامية مُضطّربة.

من الأفضل السيطرة على مطار الخرطوم وكافة المهابط الحربية، وإغلاق الأجواء بعد اكتساب الأرض، ولذلك بدأت الحرب فعلياً في مطار مروي قبيل صباح السبت بأيام قليلة، فيما كان رتل السيارات العسكرية وناقلات الجند التابعة للدعم تجوب شوارع الخرطوم ظهر الخميس، مروراً بجسر الفتيحاب، وانتهاءاً بشارع المطار، وكانت المدينة الرياضية وطيبة ومعسكرات هيئة العمليات في الرياض وكافوري على أهبة الجاهزية، لتدعيم ذلك الهجوم، حيث تم توزيع تلك القوات يوم الجمعة، لوضع مقر قيادة الجيش تحت كماشة خانقة، وهو الحصار المضروب مُنذها حتى أُجهض رسمياً عقب مغادرة البرهان للقيادة نهايات أغسطس الماضي، بعملية جريئة ومعقدة، شاركت فيها وحدات عسكرية مختلفة، أهالت التراب كلياً على خطة ضرب رأس الأفعى.

“١٥”
سبق الهجوم على بيت الضيافة إعداد القائمة النهائية للضباط المطلوب اعتقالهم، رجال حول قائد الجيش، أو ما يعرف بالمكون العسكري في مجلس السيادة، أولهم البرهان نفسه، وبذات التراتبية، ثم يأتي لاحقًا شمس الدين الكباشي، ياسر العطا، محمد عثمان الحسين، إبراهيم جابر، واعفاء قادة الأسلحة والوحدات العسكرية لاحقاً بعد السيطرة عليها، وأولها سلاح المدرعات، ومن الأفضل أن تُشارك في الانقلاب تشكيلة خادعة من القوات النظامية، ويذيع البيان المفتش العام للجيش الفريق ركن مبارك كجو، بعد أسره، حتى ولو أُكره على ذلك، وأن تمثل قوى الاتفاق الإطاري الحاضنة الشعبية، التي ستؤيد الخطة وتباركها عبر مواكب مدفوعة تتدفق في شوارع الخرطوم تباعاً، لكن من مأمنه يؤتى الحذر، وكما عنّ لحميدتي ساعتها وقض مضجعه صوت طائرات “ميغ-29” والسوخوي، التي سوف تخرج من مكان ما وتغطس في الفضاء، ثم تهوي وتنسف برج العمليات بالكامل، ومعسكر سركاب، في توقيت تمام الجند الصباحي، وتشل حركة السيطرة على وحدات الدعم العسكرية، مرة واحدة، فيصبح الهجوم على بيت الضيافة غزوة يائسة بالذيل المقطوع.

“١٦”
وسط المدينة، فوق غابات الأسمنت التي حجبها دخان المعارك بحي المطار، كان الدكتور جبريل إبراهيم، المُنخرط في لجان الوساطة بين البرهان وحميدتي، قد أدرك خطورة الوضع، واشتم لتوه، رائحة انقلاب دموي، فحزَّ في نفسه موت أصدقاء كثر سيتم الغدر بهم، واحداً بعد الآخر، وشعر بمدى ما تنطوي عليه تلك المغامرة من فادح خسارات، وهنا يتعين عليه دون حاجة للتفكير المُلتبس، بعد اندلاع الهجوم على بيت الضيافة أن يتحرك لإنقاذ الفريق مالك عقار، العالق وسط النيران، كما أن بعض حرسه الشخصي في عداد الجرحي أو القتلى، بالقرب من بيت الضيافة، حيث يستبسل الحرس الرئاسي بفدائية لمنع كتائب الدعم السريع من الوصول إلى قائد الجيش، بقصد أسره أو قتله، وقام جبريل بداهة بتحريك قوة مهام خاصة بقيادة خليل أبو الرجال، من داخل بيته بالمنشية، كانت قد تلقت تدريباتها في معهد الإستخبارات العسكرية، الذي استولى عليه الدعم السريع أيضًا وخطف قائده، وتوغلت تلك القوة من نخبة جنود العدل والمساواة، إلى داخل حي المطار، بمحاذاة مبنى جهاز المخابرات العامة، ثم دلفت شرقاً تحت دخان المعارك العنيفة، وخفت بسرعة جنونية، على متنها مالك عقار، الذي سيحل محل حميدتي في مجلس السيادة لاحقاً، بيد أن عقار لم يكن مطمئناً إليهم في الأول، حتى وجد نفسه كفاحاً تحت ضيافة جبريل إبراهيم، في مكان آمن نسبيًا وبعيداً عن صندوق القتال.

“١٧”
خاضت مئات المركبات العسكرية في تلك المواجهة الحامية، وكان حميدتي موقناً أنها مسألة وقت، فإن نجأ غريمه من القتل، فهو لا شك يحاصره في (البدروم) بقوة انتحارية، وسوف يستسلم لا محالة، سيما وأن كل خطوط الإمداد مقطوعة، وذاك قبيل أن يفسد عليه يومه صوت البرهان، وهو يتحدث بطمآنينة إلى بعض القنوات الفضائية، كما لو أنه كسب المعركة، إذ كيف تسنى للبرهان أن يقاتل بسلاحه الشخصي، وينافح عن شرفه العسكري، إلى جانب الحرس الرئاسي، ورجال الدروع والاستخبارات، ثم يتلقى منهم بيعة الموت، التي كان يتطلبها الموقف، مع قادتهم الأبطال، وهى بيعة غالية، على طريقة عكرمة بن أبي جهل في معركة اليرموك.

عزمي عبد الرازق

نواصل
صحيفة الكرامة

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الهجوم على

إقرأ أيضاً:

فك الخلاف ما بين تحالف السودان التأسيسي و”الديمقراطيين السودانيين” والدعم السريع

بقلم: على كمنجة

تواصل معنا العديد من الأصدقاء بشأن الخطوة التي أقبلت عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ، بتوقيها على ميثاق السودان الجديد التأسيسي ، مع عدد من الأحزاب السياسية، والدعم السريع .
وأغلب المتواصلين كانو من المؤيدين للخطوة بقوة. بينما البعض ، وهم موضوع هذا المقال ، انتقدوا موقف الحركة الشعبية ، مقدمين بعض الحُجج ، أهمها حُجتين :
الحُجة الأولى : يقولون فيما معناه " أن الحركة الشعبية كان الأصح أن تحتفظ بتحالفاتها مع القوى الديمقراطية ، بدلا من تأسيها لتحالف جديد يتكون من عناصر مشكوك في ديمقراطيتها - حسب قولهم " .
اما الحجة الثانية : " لماذا تتحالف الحركة الشعبية مع الدعم السريع الذي يعتبر " حسب قولهم ايضا " مسؤولا عن الانتهاكات التي ارتكبت ضد المواطنين خلال حرب ١٥ ابريل الجارية.
وفي هذا المقال نريد ان نناقش هاتين الحُجتين بشئ من الحكمة ، وبعقل مفتوح ، عسى ولعل أن نضفي نوع من " الموضوعية " على النقاشات التي دارت حول هذا الأمر خلال الفترة السابقة
اولا : حسب ما درج في السودان ، فأن وصف " الديمقراطيين " يطلق على القوى التي قاومت شمولية الإنقاذ طوال فترة حكمها ، ابتداءا بالتجمع الوطني الديمقراطي ، الذي أُسس في تسعينيات القرن الماضي ، ومرورا بتحالفات الإجماع الوطني ، والفجر الجديد ، والجبهة الثورية ، ونداء السودان ، حتى تحالف الحرية والتغير .
وبالرغم من ان مصطلح " الديمقراطيين " يستخدم للاشارة الى القوى السياسية والمجتمعة التي تعمل من أجل تعزيز الديمقراطية في السودان ، لكن في حقيقة الامر هذه القوى يوجد بداخلها تباينات حول " تصور الديمقراطية " الذي يختلف من حزب لأخر .
الحركة الشعبية شمال مثلا ، تعتبر أنه لا وجود للديمقراطية بدون فصل الدين عن الدولة ( العلمانية ) ، بينما هناك قوى اخرى لم تحسم أمرها بعد بشأن هذه القضية .
وهناك العديد من القضايا الأخرى لا تزال غير متفق حولها ،كقضية العدالة الانتقالية / والعدالة التاريخية ، واسباب المظالم التاريخية التي وقعت ضد شعوب معينة في السودان ، وتماهي الدولة القديمة مع علاقات القرابة ، بدلا من علاقات المواطنة ، والكثير من التفاصيل الأخرى، التي ظلت محل خلاف بين " الديمقراطيين " طوال الثلاثين عاما الماضية .
وبالتالي فأن ادعاء أي طرف بأنه صاحب " الجلد والرأس " الوحيد للقوى الديمقراطية ، يعتبر ادعاء باطل ، وهذه ليست المرة الأولى التي تتباين فيها مواقف القوى الديمقراطية ، على سبيل المثال ، عقب اندلاع الثورة الشعبية الظافرة في ديسمبر ٢٠١٨ ، واطاحتها بنظام البشير ، اعتبرت الحركة الشعبية شمال أن سقوط نظام الأسلاميين في السودان يمثل لحظة تاريخية وفرصة لمعالجة أزمات الدولة ، التي تتجلى في العلاقة الملتبسة بين " الدولة والمجتمع " ، وعندما نقول المجتمع نعني بذلك الشعوب السودانية المتنوعة التي تقطن في داخل الحدود الجغرافية للسودان الحالي ، وايضا العلاقة الملتبسة بين الدين والدولة ، وبين القبيلة والدولة ، وبين الثقافة والدولة ، بين الحكومة والدولة ، وما تسببت فيه هذه الألتباسات من كوارث ، أدت إلى تعثر الديمقراطية في السودان ، واشعال الحروب الأهلية ، وتصدع لُحمة النسيج الوطني الذي يجمع بين السودانيين على أسس العدالة والمساواة .
لكن القوى المحسوبة على " الديمقراطيين السودانيين " والتي تشكلت في تحالف " الحرية والتغير " ذهبت في اتجاه مختلف تماما ، بقبولها للشروط التي وضعها المجلس العسكري حينها ، والتي اشترطت عدم المساس بطبيعة الدولة القائمة ، بالرغم من الاختلالات الفاضحة التي تقوم عليها هذه الدولة كما اسلفنا .
وقد رأئينا كيف سكتت اعداد كبيرة من " الديمقراطيين " عن الإجراءات الأنتقالية المهمة التي من شأنها أن تضع حدا " للدولة القديمة " القائمة على " اخضاع " الشعوب السودانية عبر العنف المفرط .
بالرغم من كل ذلك ، لم يحدث أن وصفت الحركة الشعبية شمال هذه القوى بأنها فارقت طريق الديمقراطية ، كما يصف الان البعض الحركة الشعبية بعد مشاركتها في تحالف السودان التأسيسي .
اضافة الى ذلك ، لا اعتقد اننا مضطرين بأن نُذًكر البعض " ان الشعب السوداني لم يعد في ذاك العصر الذي يمتلك فيه شخص واحد " مفاتيح التحالف الديمقراطي " في جيبه ... هذا زمانا ولى ولن يعود ".
أن تحالف قوى السودان التأسيسي يجمع في طياته قوى وطنية وديمقراطية وثورية لا تقل شأنا عن الديمقراطيين السودانيين الآخرين ، ولذلك فأن المزايدات والاتهامات العبثية ، والتشكيك في مواقف وتقديرات الأخرين ، لن تفيد بشئ ، وانما ما يفيد هو توجيه جهودنا نحو هدفنا المشترك كقوى تؤمن بضرورة تعزيز الديمقراطية في السودان ، بالرقم من التباين في المواقف ، التي يمكن ان نقلصها عبر معالجة قصورنا الذاتي ، و الاستمرار في الحوار فيما بيننا .
اما ما يتعلق بمشاركة الدعم السريع ، كعضو مؤسس في تحالف قوى السودان التأسيسي " تأسيس ) ، والحديث الكثيف الذي صاحب ذلك ، يجب أن نتفق اولا أن الدعم السريع حتى صبيحة ١٥ ابريل ٢٠٢٥ كان طرفا في حكومة السودان الانتقالية ، وقبل ذلك كان طرفا في الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس ٢٠١٩ ، وقبلها كان طرفا في تطورات الأحداث بعد إسقاط نظام البشير ، التناقض الوحيد الذي أثير وقتها ، هو وجود الدعم السريع كقوى منفصلة عن الجيش ، وهو ما تشكل على اثره توافق سياسي بضرورة مشاركة الدعم السريع في العملية السياسية المفضية إلى ادماجه في القوات المسلحة السودانية ، بالتالي فأن مسألة عزل الدعم السريع من العملية السياسية الانتقالية تعتبر قضية غير مطروحة من ضمن الاجندة ، على الاقل في حقل القوى الديمقراطية ، وهذا ما يهمنا .
ثانيا : الدعم السريع ليس حزب سياسي ، وهو بنفسه، لم يقول انه حزب سياسي ، وبالتالي فأن التسأولات التي يطرحها البعض حول ، كيف الحركة الشعبية شمال تعقد تفاهمات مع تنظيم ليس لديه رؤية سياسية معروفة ولا منفستو ولا هياكل تنظيمية ، تصبح تساؤلات لا مكان لها من الأعراب .
حقيقة الأمر هي أن الدعم السريع كان طرفا في حكومة الأمر الواقع في السودان ، التي تفاوضت معها الحركة الشعبية شمال حول السلام ، في عدد من الجولات منذ العام ٢٠١٩ ، والحرب التي اندلعت في ١٥ ابريل هي حرب بين طرفي المكون العسكري لحكومة الأمر الواقع ، وفي هذا السياق فأن الدعم السريع لا شك انه يلعب دور رئيسي في إيقاف الحرب وتحقيق السلام على مستويين ، المستوى الأول إيقاف حرب ١٥ ابريل المستمرة بينه وبين الجيش ، والمستوى الثاني إيقاف الحروب المستمرة في السودان منذ سنوات سبقت حرب ١٥ ابريل ، في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ، وكل هذه العمليات تتحرك ضمن اطار أوسع يعمل من أجل وقف الحروب وتحقيق السلام في السودان ، تشارك فيه بأشكال مختلفة قوى داخلية ، وقوى اقليمية ودولية .
في هذا السياق تتحاور الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ، مع الدعم السريع ، ومع جميع المكونات السياسية والمجتمعية الأخرى ، لأحلال السلام في السودان ، وللمعلومية أن الحركة الشعبية شمال ظلت منفتحة منذ العام ٢٠١٩ ، على الحوار مع المكونات التي ساهمت في ثورة ديسمبر المجيدة ، سوى كانت القوى السياسية الديمقراطية ، او المكون العسكرى ، او مجموعات المقاومة النقابية و الشعبية المستقلة ، إلى أن تتوج ذلك بميثاق قوى السودان التأسيسي " تأسيس " ، الذي خاطب القضايا الجذرية للأزمة في السودان .
هذا ما يتعلق بدور الدعم السريع ، وموقعه في العملية السياسية الانتقالية المقبلة في السودان ، والذي ذكرنا انه ليست محل اختلاف ، إلا لمن أراد ان " يختلق " اختلافا من العدم ، وبالتالي لا أحد يمكن ان يزايد على الحركة الشعبية شمال في هذا الأمر ، اما اؤلئك الذين يحاولون شن سهامهم تجاه تحالف قوى السودان التأسيسي عبر بوابة انتهاكات حرب ١٥ ابريل ، التي يحملون مسؤوليتها ( بضربة واحدة ) للدعم السريع ، فهؤلا إما خصوم ، ممن يهدد الميثاق التأسيسي امتيازاتهم غير المشروعة ، وهؤلا في الغالب هم كيزان او متملقين / انتهازيين مستفيدين من الحرب .
او إما ضحايا للخطاب السائد الذي تبثه الأجهزة الدعائية لجيش البرهان ، وهو خطاب مسموم ، مقصود به دق طبول الحرب تحت رايات العنصرية والكراهية التي ستحرق " البيت " على رؤوس الجميع .
هناك الكثير من " المسكوت عنه " .بشأن انتهاكات حرب ١٥ ابريل ، ومن مصلحة وطننا أن لا نغمض أعيننا عن ذلك . كما يعلم الجميع ، ان اغلب هذه الانتهاكات حدثت في ولايتي الخرطوم والجزيرة ، وهي من أكثر الولايات في السودان التي تظهر فيها تقسيمات المجتمع الطبقية متماهية مع التقسيمات الاثنية والقبلية في السودان بشكل صارخ ، وتظهر الفوارق في نوعية العيش بين الاحياء الفارهة التي تقطنها مكونات اجتماعية بعينها ظلت تتمتع بميزات اقتصادية وسياسية أفضل ، والحواري والكنابي التي تقطنها مجموعات مهمشة ظلت لسنوات طويلة يمارس ضدها ظلم شنيع تحت سمع ونظر الدولة ، فماذا يمكن ان نتوقع بأن يحدث بعد ان انهار الجيش والشرطة والأمن من أول طلقة .
الدعم السريع نفسه كان جزءا من مؤسسات حفظ الأمن وحماية ممتلكات المواطنين ، ولكن هذه المؤسسات بما فيها الدعم السريع والجيش وغيرها ، تشظت ودخلت في حرب فيما بينها .ولذلك من منظورنا أن مسألة الأنتهاكات التي تعرض لها المواطنين خلال حرب ١٥ اكتوبر كانت نتيجة لأزمة الدولة نفسها ، التي انهارت أجهزتها في غمضة عين ، في ظل وضع اجتماعي ملئ بالمظالم ، وقابل للانفجار في اي لحظة ، وليس كل من سرق ونهب هو من الدعم السريع ، هذه حقيقة بائنة للعيان ، الا من كان في عينه رمد .
شئ آخر ايضا ، ما يتعلق بالانتهاكات ونهب ممتلكات المواطنين التي حدثت في ولاية الجزيرة ، وسنار وسنجة هل المسؤول عنها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو " حميدتي " ، ام ابوعاقلة كيكل قائد قوات " درع السودان" التي كانت موالية للجيش عند اعلانها ، ثم اصبحت فيما بعد مع الدعم السريع ، و هزمت الجيش في هذه المناطق ؟؟ .
واين يصطف " كيكل " الآن؟؟ .
لذلك ، فأن المشلكة لم تبدأ مع الدعم السريع ، بل هي مشكلة قائمة في عضم الدولة القديمة منذ سنين خلت ، وعلينا ان نتذكر أن ممارسات النهب والانتهاكات ضد المدنيين ظلت ترتكب ضد السودانيين في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ، وقبلها جنوب السودان طوال السبعين عاما الماضية ، وحينها لم يكن الدعم السريع موجودا .
اغلب سكان هذه المناطق أخذتهم دوامة النزوح واللجوء اللعينة ، لا يتحدثون عن " منزل او مكان أقامة " من اساسه ، فذلك عندهم نوع من الترف .
هاولاء ايضا هم اُسر واطفال وأباء وامهات ، فقدوا كل شئ قبل اربعين وثلاثين عاما ، مثلما فقدت اُسر ومجتمعات وسط السودان " الخرطوم والجزيرة ، ممتلكاتهم ومنازلهم خلال حرب ابريل الجارية حاليا ، فكل هذه المآسي هي نتائج للحرب ، واذا اردنا معالجة ذلك يجب مخاطبة أسباب الحرب ، بدلا من البكاء على النتائج .
اخيراً وليس اخراً ، ان مشروع السودان الجديد التأسيسي " تأسيس " كما اسلفنا ، هو مشروع يستهدف " قلب قواعد اللعبة " chang the game ، وبالتالي فهو لا يتماشى مع اهواء عقلية " تكرار التجارب الفاشلة " the train track " ، لذلك فأن هذا المشروع ربما يأخذ وقتاً ، لكنه على أي حال لن يسرق سبعين عام أخرى من عمرنا .

ولنا عودة

aosman@alhagigasouthsudan.com  

مقالات مشابهة

  • السودان.. الجيش يقترب من القصر الرئاسي وهروب لقوات الدعم السريع
  • “السياحة” تنفذ أكثر من 1200 زيارة رقابية على مرافق الضيافة في مكة والمدينة
  • الجيش السوداني يسيطر على أهم مستشفيات الخرطوم.. والقصر الرئاسي مسألة وقت
  • السودان.. حميدتي يهدد بتصعيد جديد ويؤكد عدم نيته الخروج من القصر الرئاسي
  • فك الخلاف ما بين تحالف السودان التأسيسي و”الديمقراطيين السودانيين” والدعم السريع
  • ساعة الصفر وواقعة عجلت بالقرار..تفاصيل ضربات واشنطن للحوثيين
  • تحقيق الاحتلال عن هجوم 7 أكتوبر في “نير عوز”: فشل ذريع بكل المقاييس
  • الشيباني: المجلس الرئاسي يقدم مبادرات “باهظة وفارغة” لإطالة المرحلة الانتقالية
  • قيادي في حماس يحذر: “الخروج عن اتفاق وقف إطلاق النار يعيدنا إلى الصفر”
  • مجلس الأمن: مجموعة “أ3+” تدعو إلى وقف إطلاق النار في السودان