مفهوم الذات القديمة «عسكريون وأطباء فى مصر الصاوية» للدكتور حسين عبدالبصير
تاريخ النشر: 26th, July 2023 GMT
دوافع وأسباب وأهداف النبلاء من خلال تصويرهم فى العديد من الأعمال الأدبية والفنية فى العصر الصاوى.. العديد من المعلومات عن الحياة السياسية والتغيرات المختلفة فى المجتمع المصرى القديم فى تلك الفترة.. مفهوم الذات المصرية القديمة، وكيف تم التعبير عنها فى مصر القديمة.. هذا ما ناقشه مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية الدكتور حسين عبد البصير فى كتابه «عسكريون وأطباء فى مصر الصاوية»، الصادر عن مكتبة الإسكندرية من خلال متحف الآثار التابع لقطاع التواصل الثقافى.
أخبار متعلقة
«أسرار الآثار- توت عنخ آمون والأهرامات والمومياوات».. كتاب جديد للدكتور حسين عبدالبصير
د. حسين عبد البصير يكتب: الماركتريه فى مصر القديمة
د. حسين عبد البصير يكتب: «الفقى» يكشف أسرار «دهاليز السياسة وكواليس الدبلوماسية»
تناول حسين عبد البصير فى كتابه مفهوم السيرة الذاتية فى مصر القديمة بشكل جديد ومختلف. ويوضح دوافع وأسباب وأهداف النبلاء من خلال تصويرهم فى العديد من الأعمال الأدبية والفنية فى العصر الصاوى، أو عصر الأسرة السادسة والعشرين (526-664 قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام)، أو بداية العصر المتأخر فى التاريخ المصرى القديم. ويقدم الكتاب لنا العديد من المعلومات عن الحياة السياسية والتغيرات المختلفة فى المجتمع المصرى القديم فى تلك الفترة. كما ناقش مفهوم الذات المصرية القديمة، وكيف تم التعبير عنها فى مصر القديمة، من خلال التماثيل والآثار العديدة التى تركها النبلاء فى ذلك العصر، والتى يمكن أن تطبق على نفس المواد لموظفين آخرين فى فترات أخرى فى مصر القديمة.
ويوضح حسين عبد البصير: تسعى دراسة تلك الظاهرة، أى ظاهر تمثيل الذات الخاصة بنبلاء العصر، إلى تفسير كيف ولماذا عبر النبلاء فى ذلك العصر عن أنفسهم بتلك الطريقة، وكيف عبروا عن دورهم فى تاريخ الفترة الزمنية، وكيف كانت علاقاتهم مع الملوك الذين عاشوا فى عهودهم. وتوضح أيضًا أنه كان يتم التعبير عن «الذات» فى مصر القديمة نصيًا وفنيًا من خلال الوسائل الفنية البصرية والأدبية، والتى كانت من ضمن الأدوات المهمة التى تظهر الفرد متفاعلًا مع الآخرين، والآلهة، والمجتمع ككل.
وتقوم الدراسة كما يؤكد حسين عبد البصير: على منهج دراسى شامل متعدد التخصصات لهذا الموضوع الذى كان الوسيلة المثلى التى تم من خلالها دراسة التعبيرات المصرية القديمة عن الذات فى مصر القديمة. ومن خلال هذا المجال الجديد فى علم المصريات، وهو دراسة «تمثيل الذات المصرية القديمة»، يمكن إجراء دراسات تقوم على تحليلات متعددة التخصصات ومقارنة بين ثقافات متنوعة فى الأدب والفن وعلوم الآثار والتاريخ والسير. ويمثل الفن ونصوص السير الذاتية والثقافة المادية المكونات الأساسية التى تبلور تمثيل الذات والنبلاء كمجتمع خاص بصفوة المجتمع فى مصر القديمة.
وفى استعراض لمحتوى الكتاب يوضح حسين عبد البصير: يتكون الكتاب من مقدمة وثمانية فصول. وجاءت المقدمة تحت عنوان «نافذة على تقليد تقديم الذات المصرية القديمة». وتناول الفصل الأول المعنون بـ«الصورة والصوت» استراتيجيات وديناميات تقديم الذات الفردية فى مصر القديمة. وتناول الفصل الثانى العصر الصاوى، أو عصر الأسرة السادسة والعشرين، فى العصر المتأخر فى تاريخ مصر القديمة فى شكل تاريخى مبسط وموجز. بينما تناول الفصل الثالث السير الذاتية الخاصة بالموظف الشهير نسحور فى العصر الصاوى. وقام الفصل الرابع بتحليل السير الذاتية الخاصة بذلك الموظف الكبير. وقام الفصل الخامس بتقديم السير الذاتية الخاصة بالموظف الشهير باى إف تشاو إم عاوى نيث. وقام الفصل السادس بتحليل السير الذاتية الخاصة بذلك الموظف المعروف. وقام الفصل السابع بإلقاء الضوء على الموضوعات التى ظهرت فى السير الذاتية الخاصة بالموظفين الشهيرين نسحور وباى إف تشاو إم عاوى نيث. وقام الفصل الثامن بتقديم الاستنتاجات التى توصلت إليها الدراسة.
الدكتور حسين عبدالبصير ثقافةالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: زي النهاردة شكاوى المواطنين ثقافة زي النهاردة العدید من من خلال
إقرأ أيضاً:
قراءة تفكيكية في كتاب “التصوف والسياسة في السودان” للدكتور عبد الجليل عبد الله صالح
حين أرسل إليّ الصديق العزيز، الأستاذ صلاح شعيب، هذه النسخة الإلكترونية من كتاب "التصوف والسياسة في السودان"، وجدت نفسي مأخوذًا منذ اللحظة الأولى بموضوعه. كنا قد خضنا نقاشًا مطولًا حول التصوف في السودان ودوره في السياسة، وعندما وصلني الكتاب، شرعتُ في قراءته بشغف عجيب، مدفوعًا برغبة في الغوص في هذا التداخل المعقد بين الروحي والسياسي في تاريخ السودان. ومنذ الصفحات الأولى، بدا لي أن الكاتب يطرح رؤى تتطلب قراءة تفكيكية تتجاوز السطح النصي إلى بنيته العميقة، محاولًا تحليل الخطاب الكامن وراءه.
يقدم الكتاب تحليلًا موسعًا للتفاعل بين التصوف والسياسة في السودان، بدءًا من دولة الفونج (1504) وحتى الفترة الانتقالية (2022). يعتمد المؤلف على سرد تاريخي يُظهر كيف شكلت الطرق الصوفية، مثل السمانية والختمية والقادرية، قوة اجتماعية وسياسية، لا سيما في مقاومة الاستعمار وبناء الهوية الإسلامية. لكن رغم شمولية الإطار الزمني، يمكن ملاحظة تركيز الكاتب على الفترات الإسلامية المبكرة دون التعمق الكافي في التحولات الحديثة، مثل دور الصوفية في مواجهة الأنظمة العسكرية، خاصة في عهد النميري وبعد انقلاب 1989. كما أن الكتاب لم يتوسع في تحليل تأثير العولمة والحركات السلفية على تراجع النفوذ الصوفي، وهي عوامل كان من شأنها أن تثري النقاش حول طبيعة التحولات الصوفية في العصر الحديث.
يُجادل الكتاب بأن الصوفية لم تكن "دمى في يد الأنظمة"، بل كانت ضمانة لحماية الدين من الاستغلال السياسي. ويستشهد المؤلف بمواقف شيوخ الصوفية الذين رفضوا الانخراط في الصراعات السياسية المباشرة، مع الحفاظ على دورهم كوسطاء اجتماعيين. لكن هنا يظهر التناقض في الطرح، حيث يناقش الكاتب أيضًا تحالف بعض الشيوخ مع الأنظمة العسكرية، مثل حكومة الإنقاذ، لكنه يفسر ذلك كـ"استثناء" ناتج عن استغلال السلطة لهم. غير أن هذا التفسير يبدو قاصرًا، إذ لم يتناول الكاتب آليات هذا الاستغلال بشكل معمق، كما لم يحلل كيف قاومت الطرق الصوفية هذا النفوذ السياسي، أو إن كانت بالفعل قد نجحت في تحييد نفسها عنه.
على مستوى المنهجية، يعتمد المؤلف على مزيج من المصادر الأولية، مثل المقابلات مع شيوخ الصوفية، والمصادر الثانوية كالأدبيات التاريخية. هذا الأسلوب يضفي طابعًا توثيقيًا على الكتاب، لكنه في ذات الوقت يطرح تساؤلات حول الحياد البحثي، إذ أن المقابلات مع الصوفيين قد تعكس تحيزًا ذاتيًا، بينما يغيب في الكتاب صوت المعارضين أو النقاد الخارجيين. كما أن غياب المراجع الأرشيفية الداعمة، مثل الوثائق الحكومية أو المراسلات التاريخية، يجعل بعض الاستنتاجات بحاجة إلى تدعيم إضافي.
يرى الكاتب أن التصوف يشجع التعددية ويرفض الإقصاء، مشيرًا إلى أن كل شيخ يمتلك طريقته الخاصة في التعبد والممارسة. ويذهب أبعد من ذلك بمقارنته مع الليبرالية، حيث يُصور المسيد أو الزاوية كنموذج مصغر لدولة المواطنة التي تذوب فيها الانقسامات القبلية. هذه المقاربة تفتح أفقًا جديدًا لفهم التصوف، لكنها قد تكون مبالغًا فيها. فبعض الطرق الصوفية تعاني من مركزية شديدة في السلطة الروحية للشيخ، وقد تكرس الانقسامات بين مريديها بدلًا من إذابتها. كما أن فكرة "التصوف الليبرالي" تتعارض مع الممارسات الصارمة لبعض الطرق، حيث لا يزال بعض الشيوخ يفرضون طقوسًا متشددة لا تترك مجالًا كبيرًا للفردانية أو التعددية الفكرية.
عند مناقشة علاقة الصوفية بالأنظمة العسكرية، يفند الكتاب الادعاء بأن الطرق الصوفية كانت دائمًا حليفة لهذه الأنظمة، مشيرًا إلى أن هذا الاستقطاب السياسي أضر بسمعتها في بعض الفترات. يوضح كيف استخدمت حكومة الإنقاذ الصوفية كأداة لتقويض الأحزاب التقليدية، مثل الأمة والاتحادي. لكن رغم أهمية هذه الإشارة، فإن التحليل يظل ناقصًا، إذ لم يناقش الكاتب الأسباب الهيكلية التي جعلت الصوفية عرضة للاستغلال، مثل ضعف التنظيم المؤسسي للطرق الصوفية واعتمادها على الزعامات الفردية، مما سهّل على الأنظمة السياسية استقطاب بعض رموزها.
على مستوى الإسهامات، يبرز الكتاب دور الصوفية في بناء السلام الاجتماعي، حيث استخدمت الطرق الصوفية كوسيط في حل النزاعات القبلية، وساهمت فيما يمكن وصفه بـ"الدبلوماسية الشعبية" من خلال نشر الإسلام بطريقة سلمية في مناطق متعددة. لكن في المقابل، يغيب عن الكتاب تحليل الصوفية في جنوب السودان، رغم وجود ممارسات صوفية هناك قبل انفصال الجنوب. كما أن البعد الاقتصادي لم يحظَ بالاهتمام الكافي، رغم أن بعض الطرق الصوفية كانت تسيطر على شبكات اقتصادية واسعة، مما أثر على علاقتها بالسلطة والمجتمع.
إعادة قراءة النص من زاوية تفكيكية تكشف أن الكتاب ليس مجرد سجل تاريخي محايد، بل هو خطاب يحمل رؤية ضمنية عن التصوف ودوره في السودان. ثمة تردد واضح بين تقديم التصوف كفاعل مستقل عن السياسة، وبين الاعتراف بأنه كان جزءًا من اللعبة السياسية في فترات متعددة. هذا التوتر بين الرؤيتين يعكس تناقضًا لم يُحسم بالكامل داخل النص، وهو ما يجعل القراءة النقدية ضرورية لفهم مآلاته الفكرية. لكن هذا ليس بالعيب أو النقصان من قيمة هذا السفر، بل هي ملاحظات وتأملات قارئ يحاول فهم دقائق الأشياء، ويبحث عن مقاربة نقدية تضيء النص من زوايا متعددة.
يبقى الكتاب، رغم هذه الملاحظات، إضافة مهمة للمكتبة السودانية، حيث يفتح بابًا واسعًا للنقاش حول علاقة الدين بالسياسة. لكنه في نهاية المطاف ليس نصًا مغلقًا، بل نص قابل لإعادة التأويل، وهو ما يجعله محفزًا لحوارات أعمق حول التصوف والسياسة، ليس فقط في السودان، بل في العالم الإسلامي عمومًا.
zuhair.osman@aol.com