أوكرانيا وغزة.. تهديد للزعامة الأميركية
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
للمواجهات العسكرية في أوكرانيا والحرب في غزة تأثير أكثر دراماتيكية على التحالفات العالمية والسياسة الأميركية مقارنة بتأثير الحروب في فيتنام والعراق في عصر كل منهما - حتى من دون مشاركة أي قوات أميركية بشكل مباشر في أي من الصراعين. فقد اندلعت الحرب في فيتنام في ذروة الحرب الباردة عندما كانت التحالفات العالمية راسخة إلى حد كبير، وانتهت دون حدوث أي تغييرات مهمة في هذه التحالفات.
وكان للحرب على العراق في فترة ما بعد 11 سبتمبر تأثير محلي أقل. وعلى الرغم من تكلفتها في الأرواح والأموال، إلا أنها لم تغير الثقافة السياسية، ولم يكن لها تأثير كبير على النقاش الوطني. وأصبح غالبية الأميركيين يشعرون بالقلق من نشوب حروب جديدة بعد الجهود الفاشلة والمكلفة في أفغانستان والعراق، ولكن لم تكن هناك مساءلة عن الأكاذيب التي قادتنا إلى هذه الحروب أو سلوك القوات الأميركية أو وكالات الاستخبارات في القتال أو «الحرب على الإرهاب». إن كان هناك أي شيء، فهو أن خسائر حرب العراق كانت محسوسة على المستوى الدولي. وكانت النزعة الأحادية المتغطرسة لإدارة بوش سبباً في نفور بعض الحلفاء الأوروبيين ودفعت دولاً أخرى إلى التشكيك في سلوكيات الولايات المتحدة القسرية. لقد أهدرنا رأسمالنا السياسي الذي حصلنا عليه في نهاية الحرب الباردة والتعاطف مع أهوال 11 سبتمبر.
فبدلاً من كونها دولة مثيرة للإعجاب، أصبح يُنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها دولة متنمرة مخيفة. أما الوقت الحاضر، فإن الحروب في أوكرانيا وغزة تؤثر سلباً على مكانة الولايات المتحدة العالمية على الرغم من أن بذور هذا التفكك سبقت هذه الحروب، فالضرر الذي أحدثته المغامرات الفاشلة في أفغانستان والعراق، ونهج السياسة الخارجية الفوضوية من بوش إلى أوباما إلى ترامب إلى بايدن، ومراعاتنا المستمرة لمصالح إسرائيل على السعي لتحقيق سلام إسرائيلي فلسطيني عادل – كل ذلك أثر على احترام الدول الأخرى لنا. وساهم كل ذلك أيضاً في تعزيز دور الصين وتشجيع الاستقلال المتزايد للدول الأخرى عن الولايات المتحدة في الشؤون العالمية. لقد أصيب حلفاء أميركا الأوروبيون بالصدمة إزاء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فأبدوا دعمهم إلى حد كبير للجهود التي تقودها الولايات المتحدة لمعاقبة روسيا ودعم السيادة الأوكرانية. واتفقوا على توسيع حلف شمال الأطلسي، وتبنوا العقوبات الأميركية ضد روسيا، وقاطعوا الواردات الروسية.
لكن الدعم يتلاشى الآن. تساءل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً عما إذا كان الاستمرار في اتباع قيادة الولايات المتحدة في الشؤون الخارجية أمراً حكيماً، وقد توصل استطلاعنا للرأي الذي أجريناه في سبع دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي إلى أن الأغلبية في كل مكان تتفق على أن بلدانها لا ينبغي لها أن تفعل ذلك. ومع عجز الكونجرس الأميركي عن إقرار حزمة مساعدات جديدة لأوكرانيا، فإن بعض الدول الأوروبية تشعر بالقلق إزاء استمرار مستويات الدعم التي تقدمها. وفي الوقت نفسه، وجدت روسيا حلولاً للعقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، والتي اعتقدت إدارة بايدن أنها ستجعل البلاد تجثو على ركبتيها. وبدلاً من ذلك، عززت روسيا علاقاتها الاقتصادية مع الصين وإيران الخاضعتين للعقوبات الأميركية، ومع دول الجنوب العالمي غير الراغبة في السماح للإملاءات الأميركية بالتغلب على مصالحها الذاتية. وكان لتعامل إدارة بايدن مع الحرب الإسرائيلية على غزة تأثير أكبر على القيادة الأميركية. وقد أهدرت إسرائيل دعماً واسع النطاق في أعقاب الهجوم الذي شنته «حماس» يوم 7 أكتوبر، عندما شنت هجوماً فظيعاً على السكان الفلسطينيين. لقد منعت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً النداءات الدولية لوقف إطلاق النار، وعلى الرغم من دعواتها الضعيفة لإسرائيل لحماية المدنيين، فقد قاومت التدابير الرامية إلى كبح جماح التصرفات الإسرائيلية، مما أدى إلى عزلنا بشكل متزايد عن الجنوب العالمي والعديد من الحلفاء الأوروبيين المقربين.
تتباين ردود الفعل المحلية على الدور الأميركي في هاتين الحربين. وفي حين أن أقلية كبيرة من «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» تقاوم التمويل لمزيد من تسليح أوكرانيا، فإن دعم إسرائيل يحظى بدعم «الجمهوريين» ولكنه يؤدي إلى انقسام الديمقراطيين. وبدا واضحاً أن معارضة سياسات الإدارة الأميركية امتدت إلى ما هو أبعد من المجتمع العربي، حيث انضم العديد من الشباب وذوي الأصول الأفريقية واليهود التقدميين إلى المعركة، مما خلق احتمالاً حقيقياً لاندلاع احتجاجات جماهيرية في مؤتمر شيكاغو «الديمقراطي» هذا الصيف، مثل تلك التي هزت مؤتمر عام 1968.
خلاصة القول: إن الزعامة الأميركية في العالم تتعرض للتقويض، كما يتصدع تماسكها السياسي الداخلي بسبب اتجاه تدخلنا في أوكرانيا وغزة. وفي حين أن هذه التحولات لها جذور في الإخفاقات الأميركية الماضية، فإن هذه الحروب لم تؤدي إلا إلى تسريع المسار السلبي لموقفنا في العالم وسياساتنا.
(الاتحاد الإمارتية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة امريكا غزة اوكرانيا مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی أوکرانیا
إقرأ أيضاً:
لماذا يمكن أن تتقدم الولايات المتحدة في حرب التعريفات الجمركية؟
ترجمة: أحمد شافعي -
يستعد العالم الآن لتعريفات دونالد ترامب مستبعدًا أن تكون محض خداع.
في رحلاتي إلى بكين خلال السنوات الأخيرة، كان المسؤولون الصينيون يبدون في كثير من الأحيان واثقين من قدرتهم على العمل مع شخص هو في جوهره رجل أعمال، ويبدو أن هذه الثقة باتت الآن ماضيًا لا أثر له في الحاضر، فقد تحول كلا الحزبين السياسيين في الولايات المتحدة إلى العداوة، ويبدو أن مزاج الرئيس ترامب أبعد ما يكون عن المصالحة. فقد تعهد بإضافة 10% إلى التعريفات الجمركية المفروضة على الواردات من الصين وبفرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك، وهما أكبر شريكين تجاريين للولايات المتحدة.
ربما لأن لديه اليد العليا؛ إذ يترك له الرئيس بايدن اقتصادا قويا في الوقت الذي يعاني فيه أغلب العالم من حالة فوضى اقتصادية عميقة، بما يجعل الولايات المتحدة في وضع أفضل لإدارة تداعيات حرب تعريفات جمركية، ومهما يكن لهذه السياسات من فضائل، فمن الممكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى إلحاق ضرر بدول أخرى يفوق كثيرا ما تلحقه من ضرر بالمستهلكين الأمريكيين، بما يجعل الولايات المتحدة تبدو وكأنها المنتصرة.
يمثل أداء سوق الأوراق المالية الأمريكية المقياس الذي يبدو أن الرئيس ترامب يعتمد عليه في المقام الأكبر لقياس مدى نجاح سياساته، وقد كان ممتازا، وتجاوز بكثير أداء معظم البلاد الأخرى. ومن المرجح أن تؤدي التعريفات الجمركية، بجانب تشديد سياسات الهجرة، إلى عودة التضخم في الولايات المتحدة. ولكن الولايات المتحدة تنعم بنمو قوي في الإنتاجية، برغم هزال الإنتاجية في بلاد أخرى، وإذا استمر الوضع على هذا الحال، بما قد يؤدي إلى انخفاض التضخم على نطاق أوسع، فسوف يتم تقليل الألم الناجم عن التعريفات الجمركية بالنسبة للمستهلكين والشركات الأمريكية.ومن المرجح أن يعني فرض الرسوم الجمركية ازدياد قوة الدولار الأمريكي، بما سيزيد من تكلفة الصادرات الأمريكية. فيقوض هذا هدف ترامب المتمثل في خفض العجز التجاري، ولكنه سيجذب أيضًا المزيد من الاستثمارات من بقية العالم.
وقد طرأت على ميدان المعركة تغيرات أخرى أيضا، ففي بداية رئاسة ترامب الأولى، كان الاقتصاد الصيني يتقدم بقوة، بمعدل نمو سنوي بلغ نحو 7%. وفي هذا العام والعام المقبل، سيكون من الصعب على الصين تحقيق معدل نمو بنسبة 5%. وتزداد الأمور سوءًا في ظل تصاعد سوق العقارات والمخاطر المحدقة بشؤون الحكومة المحلية المالية وتقلص القوة العاملة وهشاشة ثقة المستهلك. وفي ظل ضعف إنفاق الأسر الصينية مقارنة بإنفاق الأسر في بلاد أخرى، أصبحت الصين أكثر اعتمادا على الصادرات.
أما أوروبا، وهي الشريك التجاري الرئيس لكل من الولايات المتحدة والصين، فتعاني من ضائقة شديدة؛ إذ أن الدولتين الأكبر سكانا في منطقة اليورو، أي ألمانيا وفرنسا، محاصرتان بعدم الاستقرار السياسي والاقتصاد المتعثر، وفي أماكن أخرى، تعاني اليابان وبريطانيا من معدلات نمو منخفضة، بل إن الاقتصاد الهندي المزدهر بدأ يفقد قوته.
عندما ضربت تعريفات ترامب الجمركية العالم في ولايته الأولى، سعت الصين إلى اتفاقيات تجارية مع العديد من البلاد التي تأثرت، ولم يكن ببعيد عن التصور أن تحاول الصين وأوروبا مجتمعتين مواجهة تعريفات ترامب، والآن، في ظل ضعف الاقتصاد لديهما، فإن أوروبا واليابان، وهما الاثنتان من أسواق الصين الخارجية الرئيسية، حريصتان بكل تأكيد على تجنب التحول إلى مصرف للصادرات الصينية، ومن ثم فقد تفضي قيود سياسات ترامب التجارية إلى حلول عصر جديد من الحمائية العالمية، ودفع بقية العالم إلى تشكيل جبهة مشتركة ضد الولايات المتحدة.
وفي ولايته الثانية، هناك طرق أكثر يحصل بها ترامب على التعريفات التي يريدها. فقد أبقت إدارة بايدن التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الواردات الصينية. كما أن الرئيس بايدن قد سدد ضربات للصين في مواضع أشد إيلاما، مقللًا من عمليات نقل التكنولوجيا، والوصول إلى رقائق أشباه الموصلات وبعض الاستثمارات الأمريكية في الصين.
ومن المرجح أن يستمر الرئيس ترامب في هذه الإجراءات ويضيف إليها إجراءات جديدة. ومن المرجح أن يسد الثغرات التي ساعدت الصين على التهرب من التعريفات الجمركية، من قبيل تغيير مسارات التجارة لتمر عبر دول من قبيل المكسيك وفيتنام. يكاد يكون من المؤكد أن الأيام باتت معدودة للغاية بالنسبة لقيام شركات صينية من قبيل شين وتيمو بإرسال طرود إلى الولايات المتحدة بمشتريات فردية زهيدة الأسعار بما يكفي لتجنب التعرض للتعريفات الجمركية.
وفي يد الصين بطبيعة الحال الكثير من الأدوات الانتقامية. فهي تظل حلقة وصل مهمة في سلاسل التوريد العالمية وسوقًا مهمًا للشركات الأمريكية، وما أسهل تعطيل هذه وتلك!. ولقد قللت الصين بالفعل صادرات المعادن الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة، وهي تسيطر على ما يقرب من 90% من الإنتاج العالمي من هذه المعادن (اللازمة لإنتاج رقائق أشباه الموصلات، والسيارات الكهربائية، والهواتف، وأجهزة الحاسوب المحمولة، وأشياء أخرى كثيرة).
وهناك، من بعد، بطاقة إيلون ماسك القوية. فقد جاء أكثر من نصف عائدات تسلا في العام الماضي من الأسواق الخارجية، والصين أكبر أسواق تسلا الخارجية. فقد يقوم ماسك بدور الوسيط في إبرام صفقة مع الصين وغيرها من الشركاء التجاريين المهمين للولايات المتحدة.
وثمة بعض العوامل التي يمكن أن تحد من نطاق حرب التعريفات الجمركية الجديدة. فمن المرجح أن تضم إدارة ترامب المقبلة العديد من أصحاب مواقف الصقور السافرة تجاه الصين فيما يتصل بقضايا الدفاع والسياسة الخارجية، ولكن فريق ترامب الاقتصادي يضم عددًا قليلًا من الصقور المؤيدين للتعريفات الجمركية. والأرجح أن تكون المناصب الاقتصادية الرئيسية من نصيب رجال الأعمال، وخبراء في وول ستريت، واقتصاديين محافظين، وجميعهم يدركون فوائد التجارة وتكاليف التعريفات الجمركية. كما أن الصين في ظل تعثر اقتصادها لا تستطيع أيضًا أن تحتمل حربا تجارية شاملة.
ما الذي سوف يتطلبه الأمر حتى يعلن ترامب النصر ويتراجع عن الرسوم الجمركية؟ قد يكون كافيًا أن توافق الدول الأخرى على احتواء تدفق المخدرات غير المشروعة إلى الولايات المتحدة والهجرة غير الشرعية. ويبقى السؤال مفتوحا عن جدوى صفقة كهذه أو عدم جدواها، وأهم من ذلك، عن قدرتها على إرضاء الرئيس ترامب من عجزها عن ذلك. من المؤكد أن تعريفات ترامب سوف ترغم دولا أخرى على الإبداع في التعامل مع ترامب. ونظرًا للواقع الاقتصادي لهذه البلاد، فقد لا يكون أمامها سوى القليل من الخيارات الأخرى.
إسوار براساد أستاذ في كلية دايسون بجامعة كورنيل وزميل كبير في معهد بروكينجز.
خدمة نيويورك تايمز