لن تكون فلسطين عندما تتحرر –وسوف تفعل- في عوز إلى الأسماء التي تطلقها على الشوارع، والميادين، والأزقة –بل وحتى البيوت المفردة. في كل عائلة ثمة شهيد على الأقل تتشرف به: “منزل عائلة الشهيد...”. وسوف تتزاحم الأسماء التي ربما ليس لدى أي بلد في العالم مثلها لتسمّي كل مَعلم في فلسطين الحرة: من القادة التاريخيين العظماء الذين خاضوا على أرضها معارك تحرير الأمة، إلى إلى أسماء الأنبياء في مهد الديانات السماوية الذين مروا بها أو ولدوا فيها.
في العام 2010، أعادت مدينة رام الله تسمية أحد شوارعها تخليدا للناشطة الأميركية، راشيل كوري، التي سحقتها جرّافة إسرائيلية حتى الموت في 2003 وهي تحاول منع جيش الاحتلال الوحشي من هدم المنازل في غزة. وقبل أيام، أطلقت مدينة أريحا الفلسطينية اسم شهيد فلسطين، الاميركي أرون بوشينل، لتسجله إلى الأبد في التاريخ الفلسطيني. وقال رئيس بلدية أريحا عن آرون: “لقد ضحى بكل شيء من أجل القضية الفلسطينية.. لم نعرفه، ولم يعرفنا. لم تكن هناك روابط اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية بيننا. ما نتشاركه هو حب الحرية والرغبة في الوقوف ضد تلك الهجمات (على غزة)”.
”اسمي آرون بوشنيل”، قال آرون لكاميرا هاتفه في لحظاته الأخيرة يوم 25 شباط (فبراير). “أنا عضو في الخدمة الفعلية في القوات الجوية الأميركية ولن أكون متواطئا في الإبادة الجماعية بعد الآن. أنا على وشك الانخراط في عمل احتجاجي متطرف، لكنه بالمقارنة مع ما يعيشه الناس في فلسطين على أيدي مستعمريهم، ليس متطرفا على الإطلاق”.
وكتب في وصيته: “أعتذر لأخي وأصدقائي لمغادرتكم هكذا. بالطبع، لو أنني آسف حقًا، لما كنتُ أفعل هذا. لكن الآلة تتطلب الدم. لا شيء من هذا عادل.
”أتمنى أن تُحرق رفاتي. لا أريد أن يُنثر رمادي أو أن تدفن رفاتي لأن جسدي لا ينتمي إلى أي مكان في هذا العالم. إذا جاء وقت يستعيد فيه الفلسطينيون السيطرة على أرضهم، وإذا كان السكان الأصليون للأرض منفتحين على هذه الإمكانية، فأنا أحب أن ينثر رمادي في فلسطين حرة”.
سوف تتشرف فلسطين بأن تحتض رفات آرون وبأن ينام على صدرها إلى الأبد، كما ينبغي لابن لم تلده، لكنه فعل لأجلها ما لا يفعله الكثير من أبنائها العاقين. ولكن، ما أكثر الذين انتسبوا إلى فلسطين ولم تلدهم!
لن تنسى فلسطين فرانكو فونتانا؛ أو باسمه الحركي جوزيف إبراهيم، أو “الرفيق جوزيف”، الإيطالي الذي تبنى القضية الفلسطينية وترك بولونيا حيث ولد في العام 1933، لينضم إلى صفوف المقاومة الفلسطينية في لبنان ضد الكيان الصهيوني، وظل هناك حتى توفي في بيروت في العام 2015. وهو أيضًا كتب وصية: “قد أموت ولا أشهد تحرير فلسطين، لكنَّ أبنائي أو أحفادي حتمًا سيرون تحريرها، وعندها سيدركون قيمة ما قدمته لهذه الأرض الطيبة ولهذا الشعب الصلب”.
وثمة المناضل الياباني الذي لا يعرفه الكثير من الجيل الجديد، كوزو أوكاموتو، الذي لُقِّب بـ”أحمد الياباني”، بعد أن أعلن إسلامه في لبنان لاحقاً، والذي نفذ مع رفيقيه اليابانيين، ياسويوكي ياسودا وأوكادابرا تسويوشي، عملية مطار اللد الشهيرة في العام 1972. وقد استشهد رفيقاه في العملية، وأمضى “أحمد” معظم حياته من أسر إلى سجن. وقال أثناء محاكمته في محاكم الكيان الصهيوني: “إنني بصفتي جنديًا في الجيش الأحمر الياباني أحارب من أجل الثورة العالمية، وإذا متُ فسأتحول إلى نجم في السماء”. وسوف يكون كوزو الياباني، أو أحمد العربي، بالتأكيد نجمًا أبديًا هاديًا في تاريخ فلسطين وسماء الحرية العالمية.
لن يتسع مقال لأسماء المناضلين العرب والأممين الذين ساندوا ويساندون قضية فلسطين العادلة. وينبغي أن تخصِّص لهم فلسطين فصولًا في كتب التاريخ المدرسية وتحفر أسماءهم في ذاكرتها الجمعية. ومن حقهم على الفلسطينيين الحفاظ على قصصهم ونقلها عبر الأجيال كتذكير مستحق بالتضحيات التي بذلوها من أجل العدالة والحرية.
من واجب الفلسطينيين الالتزام بتحقيق المثل العليا التي ضحى هؤلاء المناضلون بحياتهم من أجلها. وينبغي أن تكون تضحياتهم سببًا للخجل لأولئك الذين يديرون وجوههم الآن عن واجب الانخراط في قضيتهم الخاصة. ولعل من عجيب المفارقات أن يسمح بإطلاق أسماء كوري وبوشنيل على الشوارع نفس الفلسطينيين الذين يقفون متفرجين على إبادة شعبهم التي احتج عليها بوشنيل بالتضحية الغالية بنفسه. لكن الأكيد هو أن بوشنيل ورفاقه الأمميين الذين ضحوا من أجل حرية الفلسطينيين سيسجلون أنفسهم في فئة مختلفة في التاريخ الوطني الفلسطيني؛ في صفحة المفارقة مع هؤلاء “الفلسطينيين” المستنكفين عن واجب الخدمة الوطنية –بل المتآلفين مع الاستعمار الاستيطاني الإبادي الوحشي المتناقض وجوديًا مع وجودهم نفسه إذا كانوا فلسطينيين حقًا.
لن تكون لهؤلاء شوارع بأسمائهم في فلسطين الحرة. وسيكون من الأفضل نسيانهم –إلا بقدر تعليم الدروس للأجيال عن الجوانب السوداء في تاريخ فلسطين، بينما تخلِّدُ الشرفاء شوارع فلسطينية لا نهايات لها، مسجلة بأسمائهم، نحو شمس حرية لا تنطفئ.
(الغد الأردنية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطين غزة آرون بوشنيل فلسطين غزة آرون بوشنيل مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی فلسطین فی العام من أجل
إقرأ أيضاً:
من هم المسؤولون الأميركيون الذين استقالوا رفضا لسياسة بايدن في غزة؟
سرايا - دفع دعم الرئيس جو بايدن لإسرائيل خلال حربها المستمرة منذ أكثر من 14 شهرا في غزة أكثر من عشرة مسؤولين في الإدارة الأميركية إلى الاستقالة، واتهمه بعضهم بغض الطرف عن الفظائع الإسرائيلية في القطاع الفلسطيني.
وتنفي إدارة بايدن ذلك مستشهدة بانتقادها لسقوط شهداء مدنيين في غزة، وجهودها لتعزيز المساعدات الإنسانية للقطاع حيث يقول مسؤولون بقطاع الصحة هناك، إن نحو 45 ألف شخص استشهدوا في الهجوم الإسرائيلي، فضلا عن انتشار الجوع على نطاق واسع.
وشنت إسرائيل هجومها على غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر، ولم تعلق الحكومة الأميركية على كل استقالة على حدة، لكنها قالت، إنها ترحب بالمعارضة. وفيما يلي المسؤولون الأميركيون الذين استقالوا:
في تموز، ترك مايك كيسي منصب نائب المستشار السياسي لوزارة الخارجية الأميركية لشؤون غزة، وكشف عن أسباب ذلك في مقابلة مع صحيفة الجارديان في كانون الأول الحالي. وقال للصحيفة: "سئمت جدا من الكتابة عن الأطفال القتلى... تعين علي أن أثبت لواشنطن باستمرار أن هؤلاء الأطفال ماتوا بالفعل، ثم أرى أن لا شيء يحدث".
تركت مريم حسنين التي كانت تعمل مساعدة خاصة بوزارة الداخلية الأميركية - المختصة بالموارد الطبيعية والإرث الثقافي- منصبها في تموز.
وانتقدت سياسة بايدن الخارجية ووصفتها بأنها "تسمح بالإبادة الجماعية" وتجرد العرب والمسلمين من إنسانيتهم.
وتنفي إسرائيل مزاعم الإبادة الجماعية التي وجهتها لها جنوب إفريقيا في قضية رفعتها أمام محكمة العدل الدولية والاتهامات المماثلة التي توجهها لها جماعات حقوق الإنسان مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية.
في منتصف عام 2024، أنهى محمد أبو هاشم، وهو أميركي من أصل فلسطيني، مسيرة مهنية استمرت 22 عاما في سلاح الجو الأميركي.
وقال، إنه فقد أقارب له في غزة في الحرب، بما في ذلك عمته التي استشهدت في غارة جوية إسرائيلية في تشرين الأول 2023.
قال رايلي ليفرمور، الذي كان مهندسا بسلاح الجو الأميركي، في منتصف حزيران الماضي، إنه سيترك منصبه. وأضاف لموقع إنترسبت الإخباري: "لا أريد أن أعمل على شيء يمكن أن يتغير (الهدف منه) ويستخدم لقتل الأبرياء".
غادرت ستايسي جيلبرت التي عملت في مكتب السكان واللاجئين والهجرة بوزارة الخارجية، منصبها في أواخر شهر أيار الماضي. وقالت إنها استقالت بسبب تقرير إلى الكونغرس قالت فيه الإدارة كذبا، إن إسرائيل لا تمنع المساعدات الإنسانية عن غزة.
استقال ألكسندر سميث، وهو متعاقد مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في أواخر أيار الماضي، بدعوى الرقابة بعد أن ألغت الوكالة نشر عرض له عن وفيات الأمهات والأطفال بين الفلسطينيين. وقالت الوكالة، إن العرض لم يخضع للمراجعة والموافقة المناسبة.
في أيار، أصبحت ليلي غرينبيرغ كول أول شخصية سياسية يهودية معينة تستقيل، بعد أن عملت مساعدة خاصة لكبير موظفي وزارة الداخلية الأميركية. وكتبت في صحيفة الجارديان: "باعتباري يهودية، لا أستطيع أن أؤيد كارثة غزة".
تركت آنا ديل كاستيلو، نائبة مدير مكتب الإدارة والميزانية بالبيت الأبيض، منصبها في نيسان وأصبحت أول مسؤولة معروفة في البيت الأبيض تترك الإدارة؛ بسبب السياسة تجاه غزة.
غادرت هالة راريت، المتحدثة باسم وزارة الخارجية باللغة العربية، منصبها في نيسان؛ احتجاجا على سياسة الولايات المتحدة في غزة، حسبما كتبت على صفحتها على موقع لينكدإن.
استقالت أنيل شيلين من مكتب حقوق الإنسان بوزارة الخارجية في أواخر آذار، وكتبت في مقال نشرته شبكة "سي.إن.إن" أنها لا تستطيع خدمة حكومة: "تسمح بمثل هذه الفظائع".
استقال طارق حبش، وهو أميركي من أصل فلسطيني، من منصبه كمساعد خاص في مكتب التخطيط التابع لوزارة التعليم في كانون الثاني. وقال، إن إدارة بايدن "تتعامى" عن الفظائع في غزة.
استقال هاريسون مان، الضابط برتبة ميجر في الجيش الأميركي والمسؤول بوكالة مخابرات الدفاع، في تشرين الثاني؛ بسبب السياسة في غزة، وأعلن أسباب استقالته في أيار.
غادر جوش بول، مدير مكتب الشؤون السياسية العسكرية بوزارة الخارجية، منصبه في تشرين الأول في أول استقالة معلنة، مشيرا إلى ما وصفه "بالدعم الأعمى" من واشنطن لإسرائيل.
رويترز
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
طباعة المشاهدات: 1069
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 20-12-2024 09:06 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...