عالم غير قابل للعيش.. رسالة طوفان الأقصى التي لم تُقرَأ
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
هناك رسائل كثيرة أرسلها "طوفان الأقصى"، بعد مضي أكثر من خمسة أشهر عليه، لكنها لم تُقرأ جيدًا، وفي أحيان لم يتم التقاطها بالكلية.
تبلور مع الطوفان الاتجاه التاريخي المتصاعد بأن قضية الفلسطينيين لم تعد قضية العرب والمسلمين الأولى، بالرغم مما أظهرته استطلاعات الرأي من تعاطفهم ومساندتهم لها. هي مساندة تبدو ضعيفة وبلا فاعلية، في حين يبدو تحولٌ كبيرٌ لدى قطاعات من الرأي العام العالمي -خاصةً في الغرب- تجاه القضية، بالإضافة إلى مساندة كثير من دول الجنوب، مما يمكن معه القول؛ إنّ القضية الفلسطينية صارت قضية الفلسطينيين أولًا، وقضية العالم الآن.
هذا التحول سيكون له تداعيات إستراتيجية كبيرة في المستقبل القريب، خاصةً بعد أن تحولت الحرب على غزة إلى مرآة تعكس مجمل الأزمات التي تعاني منها قطاعات متّسعة من البشر في كوكبنا، مما يمكن معه القول؛ إن القوى والحركات التي تساند الفلسطينيين ضد حرب الإبادة يرون فيها -كلٌ من زاويته- معاناته الذاتية.
إن النزعة القومية المتطرفة، وعدم المساواة في الدخول والفرص والثروات، والعسكرة المفرطة، وانتشار الفساد، وتفشي العنصرية العابرة للحدود الوطنية، ومعاداة الأجانب، وتصاعد اليمين، وعدم المساواة بين الجنسين، وتراجع الحرية، وتزايد الهشاشة الاقتصادية لفئات عريضة من السكان، وغياب الشفافية والمساءلة، وتآكل النظام الدولي القائم على القواعد.. أصبحت سمات مثيرة للقلق في هذا القرن.
يؤثّر الوباء بشكل غير متناسب على الفقراء والمهمّشين، فإن الفساد يؤثر بشدّة على أولئك الذين لديهم أقلّ قدر من الوصول إلى الضروريات الأساسية، بينما تستغلّ النخبة أنظمة العدالة
الحرب آخذة في الارتفاع في كل مكان. عندما نشرَ المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن مسحه الرسمي للنزاعات المسلحة في أوائل ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي؛ أحصى 183 صراعًا على مستوى العالم في عام 2023، وهو أعلى مما تم تسجيله منذ 30 عامًا. إن العالم ككل أصبح مكانًا أكثر عنفًا مما كان عليه منذ 30 عامًا على الأقل. ووَفقًا لبعض المقاييس، أصبحت البلدان مليئة بالصراعات أكثر من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
الصراع بين الجماعات المسلحة غير الحكومية، مثل العصابات، زاد بأكثر من ثلاثة أضعاف، وفقًا لبرنامج أوبسالا السويدي لبيانات الصراع، منذ أدنى مستوياته في عام 2007. وقد تضاعف العنف الذي تمارسه القوات الحكومية ضد المدنيين منذ عام 2009، وتتزايد محاولات الاغتيال للسياسيين والمعارضين.
في عام 2011؛ كان هناك ما يقرب من 40 ألف حالة وفاة، بسبب الحروب في جميع أنحاء العالم، لكن وفقًا لتقديرات أوبسالا لعام 2022 فقد تجاوز العدد 238 ألفًا، أي بزيادة ستة أضعاف تقريبًا.
أصبحت الانقلابات أكثر شيوعًا: فقد استولت تسعة أنظمة على السلطة بالقوة منذ عام 2020. إن عدد الحكومات التي تسقط تحت سيطرة عسكرية في منطقة واحدة يفوق عدد الحكومات التي سقطت خلال الربيع العربي في 2011/2010، أو الثورات الملونة في العقد السابق، حيث سقطت في كل منهما أربع حكومات فقط.
وجد تقرير "الحرية في العالم" الأخير من فريدوم هاوس أن 80 بالمائة من سكان العالم لا يعيشون في بيئة بلد حر.
إن الأزمات العالمية مثل الوباء وتغير المناخ مدمِّرة في حد ذاتها، ولكنها تؤدي أيضًا إلى تضخيم مشكلاتنا الهيكلية المتأصلة، وخاصة عدم المساواة والعنصرية وتأثيرات الفساد واستيلاء النخبة والاستبداد في جميع أنحاء العالم.
يُظهر مؤشر مدركات الفساد (CPI) لعام 2023 أن الفساد العالمي آخذ في الارتفاع. وعلى مقياس من صفر إلى 100، يستقر المتوسط العالمي عند 43، مع عدم إحراز معظم البلدان أي تقدم؛ وتراجعت 23 دولة إلى أدنى درجاتها في العام الماضي.
وكما يؤثّر الوباء بشكل غير متناسب على الفقراء والمهمّشين، فإن الفساد يؤثر بشدّة على أولئك الذين لديهم أقلّ قدر من الوصول إلى الضروريات الأساسية، بينما تستغلّ النخبة أنظمة العدالة.
تزايدت فجوة التفاوت في الدخل في معظم الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات الناشئة الكبرى. وفقًا لتقرير "تزايد فجوة التفاوت" الصادر عن معهد بروكينغز في العام الماضي.
في جميع أنحاء العالم، يتصاعد القمع، ويستغل المستبدون التكنولوجيات الرقمية الجديدة لسحق المعارضة في الداخل، وزرع المعلومات المضللة في الخارج، وتصاعدت الصراعات العنيفة داخل الدول وبينها، مصحوبة بانتهاكات واسعة النطاق للقانون الإنساني الدولي، وإفلات مرتكبي جرائم الحرب من العقاب. وتكافح المؤسسات الدولية القائمة لحماية الحقوق الراسخة، وتكييف مبادئ الكرامة الإنسانية مع التهديدات العالمية الجديدة.
وتمتدّ هذه القضية إلى ما هو أبعد من دور المجمع الصناعي العسكري المتمثل في شركات السلاح وامتدادها في السياسة من خلال صنع القرار؛ بل يتعلق الأمر بالعنف الهيكلي الراسخ وهيمنة نموذج الدولة الأمنية.
العدوان على غزة كشف عن العطن والخلل في النظام الدولي لحقوق الإنسان، لكن هذا العطن ليس حديثًا وغير مرتبط فقط بوضعية إسرائيل. إن ترتيبات النظام الدولي منذ الحرب العالمية الثانية تحمل بداخلها تناقضات تصبح معها ازدواجية المعايير وتسييس حقوق الإنسان أمرًا حتميًا في العلاقات الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان تتعامل مع هذا الواقع بتناقضاته.
نفس الأطراف التي تدعم اليوم الحق الفلسطيني هي ذاتها التي شاركت من قبل في التغطية على جرائم أخرى أو حماية جلادين، على سبيل المثال، جنوب أفريقيا كانت من المعارضين للمحكمة الجنائية الدولية، ومذكرة التوقيف التي صدرت في حق عمر البشير، وكانت ترى أن المحكمة تستهدف أفريقيا.
أوضح بايدن أن أوكرانيا كانت الجبهة المركزية في "معركة أكبر من أجل.. المبادئ الديمقراطية الأساسية"؛ لذا فإن الولايات المتحدة ستعمل على حشد العالم الحر ضد "أعداء الديمقراطية اللدودين"
النظام العربي أيضًا تورط ويتورط في ممارسة ازدواجية المعايير عربيًا ودوليًا – كيف تعاملت الدول العربية مع الجرائم ضد الإنسانية في حق الإيغور في الصين، أو المجاعة الحالية في السودان؟ روسيا والصين مارستا حق الفيتو أكثر من 14 مرة في عامين ضد أي قرار يتعلق بحقوق الإنسان في سوريا، كما قام النظام العربي بالمصالحة مع بشار الأسد، برغم ما اقترفه ولا يزال يقترف في حق السوريين من جرائم.
ما فعلته إسرائيل سبق أن مارسته البلدان العربية وبعض أنظمة الحكم فيها، لكن الجديد هو التواطؤ الغربي الواضح وغير الخفي المتمثل في مجمل النظام الغربي بمؤسساته وإعلامه وحكوماته.
بعد مرور 75 عامًا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أصبحت البشرية كلها في خطر. في جميع أنحاء العالم، يتصاعد القمع، ويستغل المستبدون التكنولوجيات الرقمية الجديدة لسحق المعارضة في الداخل، وزرع المعلومات المضللة في الخارج، وتصاعدت الصراعات العنيفة داخل الدول وبينها، مصحوبة بانتهاكات واسعة النطاق للقانون الإنساني الدولي، وإفلات مرتكبي جرائم الحرب من العقاب. تكافح المؤسسات الدولية القائمة لحماية الحقوق الراسخة، وتكييف مبادئ الكرامة الإنسانية مع التهديدات العالمية الجديدة.
أسقطت الحرب على الفلسطينيين المقولة التي استخدمت لفترات طويلة للترويج للنظم الليبرالية وهي: أن مزيدًا من انتشار هذه النوعية من الأنظمة من شأنه أن يزيد من شيوع السلام في العالم. فها هي إسرائيل "الديمقراطية" وداعموها في الغرب من حكومات ليبرالية ترعى الإبادة الجماعية في غزة.
عزز الغزو الروسي لأوكرانيا هذه الأطروحة؛ فقد قُدمت باعتبارها دراسة حالة عن العدوان الاستبدادي والفظائع، وتحذيرًا من أن العالم الذي تقوده دول غير ليبرالية سيكون عنيفًا بشكل قاتل، وخاصة بالنسبة للديمقراطيات الضعيفة القريبة.
أوضح بايدن أن أوكرانيا كانت الجبهة المركزية في "معركة أكبر من أجل.. المبادئ الديمقراطية الأساسية"؛ لذا فإن الولايات المتحدة ستعمل على حشد العالم الحر ضد "أعداء الديمقراطية اللدودين".
حشدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي القواعد والمؤسسات والأعراف العالمية لمقاومة العدوان الروسي. وفي غزة تم انتهاك هذه القواعد جميعًا، وتقويض مؤسسات الأمم المتحدة من قبل نفس الحكومات، وفي حين يتمسك الجنوب بالنظام القائم على القواعد، تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها من الحكومات الغربية بتقويض هذه القواعد.
إن الصراعات الجيوسياسية الآخذة في التوسع، والحروب الأهلية، والتراجع الديمقراطي في الديمقراطيات الكبرى، وتزايد الاستبداد، وكراهية الأجانب، وزيادة العنف السياسي، والتمييز المتزايد ضد الأقليات، كلها تشكل صورة العالم الذي سنشهده فيما تبقى من سِنِي هذا القرن.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات فی جمیع أنحاء العالم الولایات المتحدة العالم ا أکثر من فی عام
إقرأ أيضاً:
معركة طوفان الأقصى.. كتابٌ يحمل رؤية تخرج من ضغط الحاضر لما وراء الأحداث
عبر 137 صفحة، يقدم الدكتور محسن صالح في كتاب “معركة طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.. تحليلات سياسية واستراتيجية” في عام 2024م إجابات عن كثير من الأسئلة المتعلقة بالمعركة والحرب المستمر على غزة بطريقة تحليلية معمقة ورؤية استراتيجية تخرج من ضغط الحاضر لرؤية ما وراء الأحداث.
ويرى الكتاب الصادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، أن عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023م مثلت حدثًا استراتيجيًا غير مسبوق، وقفزة نوعية كبيرة في الصراع ضدّ الاحتلال الإسرائيلي.
ويخلص إلى أن هذه المعركة أسقطت نظرية الاحتلال الأمنية، وأثبتت مركزية الأقصى والقدس في الوجدان الفلسطيني والعربي والإسلامي وفشل تطويع الإنسان الفلسطيني، وكرَّست عملياً مشروع المقاومة، وأسقطت فرضية إمكانية إغلاق الملف الفلسطيني، وتركت أثراً عميقاً في المسار الفلسطيني.
تداعيات غير مسبوقة
ويعد أن للمعركة تداعيات غير مسبوقة فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا وإسرائيليًا ودوليًا ما تزال متدحرجة ومتفاعلة حتى يومنا هذا، وفي المقابل، كان العدوان الإسرائيلي الذي تلاها هو الأشرس والأكثر وحشية وتدميراً في تاريخ الكيان، وما تزال غزة تعيش إبادة غير مسبوقة وحربًا تتوسع شيئًا فشيئًا.
ولقد واكب مركز الزيتونة العديد من جوانب هذه المعركة وتداعياتها، بما في ذلك المواقف الفلسطينية والعربية والإسرائيلية والدولية؛ وأصدر هذا الكتاب الذي ضمّ بين دفّتيه ثمانية وثلاثين عنوانًا لمواضيع تحليلية سياسية واستراتيجية للدكتور محسن محمد صالح، من تأليف وإعداد الدكتور محسن صالح؛ المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات منذ العام 2004م، وهو أيضًا رئيس قسم التاريخ والحضارة في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا سابقًا.
وسلَّط الكاتب الضوء على الكثير من النقاط التي تشغل اهتمامات المتخصصين والمتابعين؛ بما يجعله كتابًا مرجعيًا فيما يتعلق بالفهم السليم والعميق للمعركة وتداعياتها فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا وإسرائيليًا ودوليًا.
الدلالات الاستراتيجيّة لطوفان الأقصى
وبعد المقدمة الموجزة التي عبّرت عن أهميّة ما جرى في “طوفان الأقصى” وتأثيرات المعركة المستمرة يأتي العنوان الأول “الدلالات الاستراتيجيّة لطوفان الأقصى” الذي استعرض فيه المؤلف ستّ دلالات استراتيجيّة، وهي:
أولى الدلالات الاستراتيجية لعملية طوفان الأقصى هي سقوط نظرية الأمن الإسرائيلي القائمة على مبادئ الردع والإنذار المبكر والقدرة على الحسم؛ والتي أضيف إليها مبدأ رابع سنة 2015 هو مبدأ الدفاع.
والدلالة الاستراتيجية الثانية هي مركزية الأقصى والقدس في الوجدان الفلسطيني والعربي والإسلامي.
أما الدلالة الاستراتيجية الثالثة فهي التكريس العملي لمشروع المقاومة، بعدّه الأداة الفعالة الصحيحة لانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني ودحر الاحتلال.
والدلالة الاستراتيجية الرابعة هي فشل المشروع الصهيوني في تطويع الإنسان الفلسطيني.
والدلالة الاستراتيجية الخامسة هي فشل “إسرائيل” في تقديم نفسها كشرطي للمنطقة.
والدلالة الاستراتيجية السادسة سقوط فرضية إمكانية إغلاق الملف الفلسطيني بينما تتم عملية التطبيع مع البلدان العربية والإسلامية.
فلسفة القوة واليوم التالي
ثم يأتي العنوان الثاني “طوفان الأقصى.. التعامل مع اليوم التالي للعملية” ويناقش كل من السلوك الإسرائيلي وسلوك المقاومة بعد السابع من أكتوبر ليصل إلى نتيجة مفادها “إن الاحتلال الإسرائيلي بقدر ما هو راغب في الانتقام وسحق المقاومة في غزة، بقدر ما يتملكه الرعب من الفشل. ولذلك، سيسعى بكل قوته لتحقيق انتصار أو “صورة انتصار”؛ ولكن احتمالات فشله ليست قليلة؛ وهو ما قد يعني أن 7 تشرين الأول/ أكتوبر سيسجل في التاريخ، سواء كإنجاز نوعي للمقاومة، أم كمحطة مهمة في مسار هزيمة “إسرائيل”، بحسب الكتاب.
ويأتي العنوان الثالث “جرائم الحرب في غزة.. هل تفلت “إسرائيل” مرة أخرى؟” ويناقش العنوان فلسفة القوة عند الاحتلال الإسرائيلي متحدثًا على سبيل المثال عن فلاديمير جابوتنسكي “فيلسوف العنف” في الأيديولوجية الصهيونية، والأب الروحي لمناحيم بيغن ولحزب الليكود الحاكم، الذي كان يقول إن “السياسة هي القوة”، وإن “ما لا يؤخذ بالقوة، يؤخذ بمزيد من القوة”، وإن المشروع الصهيوني يرتبط تقدمه بقوة سلاحه. وتبنى جابوتنسكي فكرة “الأنانية المقدسة” التي تعني حتمية التضحية بالآخرين، لإنجاز المشروع الصهيوني، بحسب الكتاب.
أما العنوان الرابع “المقاومة الفلسطينية.. وجدلية التسبب بضحايا مدنيين من شعبها!” فينطلق المؤلف لمناقشة الفكرة مستبقا استعراض تجارب التحرر في العالم من قوله: “ما أغلى قطرة الدم، وفي الفهم الإسلامي، فإن هدم الكعبة المشرفة حجرًا حجرًا أهون عند الله من إراقة دمِ امرئ مسلم. والشعب الفلسطيني شعب متفتحٌ محبٌّ للحياة، كما يحب أرضه ويعشقها، كما أن بنيته النفسية والاجتماعية مجبولة بالشرف والعزة والكرامة، ولكنه وُضع تحت الاحتلال وتحت اختيارات قاسية، ففُرض عليه التهجير، واغتصبت أرضه ومقدساته، وضوعفت معاناته، وسعى العدو لإذلاله ولإفقاده حريته وكرامته، فكان لا بدّ من الثورة؛ لأن الحياة تفقد معناها والإنسان يفقد إنسانيته بلا وطن ولا أرض ولا عزة ولا كرامة”.
ثم يأتي العنوان الخامس ليجيب عن سؤال “لماذا يجنح السياسيون الغربيون لتجاهل المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين؟” مستعرضًا خمسة عوامل تدفع السياسيين الأمريكيين والغربيين، بدرجات متفاوتة، إلى تجاهل مجازر الاحتلال الإسرائيلي الفظيعة في حق الشعب الفلسطيني وتبرئته منها.
مشروع التحرير
أما العنوان السادس “استئناف مشروع التحرير.. وليس العودة لحظيرة التسوية” يتحدث فيه المؤلف عن أن أبرز المظاهر السياسية الغربية والإسرائيلية التي يُتابعها المراقب باشمئزاز من النقاش حول المشاريع والحلول المفترضة لمستقبل قطاع غزة في حالة التخلص من “حكم حماس”.
وبين أن العقل الغربي منشغلٌ في كيفية إعادة الفلسطينيين إلى “الحظيرة” وليس في كيفية تحريرهم منها، منشغلٌ في كيفية إطالة أمد معاناتهم، وتجاهل أبسط حقوقهم، وفي كيفية إطالة أمد الاحتلال والقهر، وفي شرعنته وتوسيعه وترسيخه، ويناقش المشروعات المطروحة ليخلص إلى أنّ الشعب الفلسطيني ومعه الأمة مصمّمون على تحرير فلسطين، وإن كل محاولات تطويعهم أو إخضاعهم أو وضعهم في “حظيرة التسوية” مصيرها إلى مزبلة التاريخ، على حد وصف الكتاب.
الموقف العربي
ثم يأتي العنوان السابع “الموقف العربي من العدوان على قطاع غزة.. حضيض جديد” يناقش فيه المؤلف تحول المقاومة من عبء على الأنظمة العربيّة إلى خصم لها مبينًا عوامل ذلك فيقول مثلًا: “في العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين، برزت ثلاثة عوامل ضغطت باتجاه التقهقر العربي والتراجع عن دعم المقاومة.
أوّلها: النزاعات والصراعات والاضطرابات الداخلية في ظل الموجات المضادة للربيع العربي، والانشغال بالهموم والملفات الداخلية.
وثانيها: أن الأنظمة العربية التي تابعت السيطرة، بعيدًا عن إدارة شعوبها، أصبحت أكثر ضعفًا في مواجهة الضغوط، وأكثر احتياجًا للدعم الخارجي الإقليمي والدولي، خصوصًا الأميركي والغربي. وهو ما سهَّل على الأميركيين – خصوصًا في عهد ترامب- الضغط باتجاه تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، بحسب وصف الكاتب.
أمّا ثالثها، فهو أنَّ المقاومة الفلسطينية المسلحة تتشكل بنيتها الأساسية من حركتين إسلاميتين، هما: حماس والجهاد الإسلامي. فاجتمع عليهما معارضة الأنظمة لخط المقاومة وعداء هذه الأنظمة أيضًا للتيارات الإسلامية التي تصدَّرت الربيع العربي في بلدانها؛ وهو ما زاد من صعوبة العمل المقاوم، وعدم وجود بيئة إستراتيجية حاضنة في البلاد العربية. وتسبّب ذلك في أن تلجأ المقاومة لبناء علاقة قوية بإيران التي دعمت المقاومة ماليًا وعسكريًا، وهو ما زاد من توتير العلاقات مع عدد من الأنظمة العربية؛ وأصبحت تنظر للمقاومة من خلال علاقتها بإيران، وليس من خلال واجبها تجاه القدس والمقدسات وفلسطين، ومسؤولياتها القومية والإسلامية وأمنها القومي”.
ترتيبات نهاية الحرب
ويتحدث العنوان الثامن بتفصيل “من القسام إلى القسام” والعنوان التاسع يناقش باستفاضة “دلالات الهدنة وصفقة تبادل الأسرى بين حماس والكيان الإسرائيلي” ثمّ يأتي العنوان العاشر متحدثا عن “معايير حول ترتيبات اليوم التالي لانتهاء العدوان على قطاع غزة” ويضع فيه ستة معايير على النحو الآتي:
المعيار الأول هو أن الشعب الفلسطيني شعبٌ ناضجٌ، وقادرٌ على أن يُقرّر مستقبله بنفسه، ولا يجوز لأحد أن يضع الوصاية عليه أو يُقرّر بالنيابة عنه. ولا يمكن للمشاريع الدولية والإسرائيلية أن تُفرض عليه مهما كانت (وصاية دولية، قوات عربية إسلامية، حكومة رام الله بمعايير إسرائيلية، حكومة تكنوقراط محلية مَرضيٌ عنها إسرئيليا ودوليا..).
والمعيار الثاني هو أن أي اقتراحات لحلول يجب ألا تكون حلولا لمشاكل الصهاينة، الناتجة عن الاحتلال واغتصاب الأرض والمقدسات وقهر الشعب الفلسطيني؛ وإنما إنهاء للاحتلال وإنهاء لمعاناة الشعب الفلسطيني.
والمعيار الثالث هو أن أي حلول لمستقبل قطاع غزة (ولمستقبل القضية) ليست مرتبطة بمجرد تحسين حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال أو تحت الحصار.
وأما المعيار الرابع أن على القوى الكبرى أن تكفَّ عن توفير الغطاء لإسرائيل لتظل “دولة فوق القانون”.
والمعيار الخامس هو حق الشعب الفلسطيني الأصيل في أرضه ومقدساته، وبالتالي الوقوف في وجه محاولات تهجيره وتشريده، ومنع إيقاع نكبة جديدة به استجابة للغرور والعجرفة والوحشية الإسرائيلية.
والمعيار السادس هو أن الإجراءات المستعجلة المطلوبة تتلخص في: وقف العدوان، وفتح المعابر وفك الحصار عن قطاع غزة، ومنع التهجير، وإعادة إعمار قطاع غزة، والسعي لتدفيع الاحتلال أثمان جرائمه في قتل المدنيين، وأثمان تدميره للبيوت والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس والبنى التحية وغيرها.
والعنوان الحادي عشر “عالم بلا حماس” يتعامل مع فرضية التخلص من حماس بهدوء، وفي إطار موضوعي. مجيبا عن أسئلة أولئك الذين عبَّؤُوا العالم ووسائل الإعلام ضد حماس.
والعنوان الثاني عشر “مشروع تهجير فلسطينيي غزة على سيناء.. لماذا وما مصيره؟” يجيب عن الأسئلة المطروحة في هذه القضية؛ هل كان الاحتلال حقا جادا في ذلك؟! أم أنه كان نوعا من رفع سقف أهداف العدوان إلى أعلى مدى ممكن، ليحصل ما يمكن تحصيله بحسب الأداء الميداني للحرب؟ أم أنه عبّر عن حالة الهستيريا والجنون بعد الضربة القاصمة التي تلقاها في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث أراد من خلال هجومه الوحشي الشرس، مستفيدا من الغطاء الأمريكي الغربي، الوصول إلى أفضل حالة أمان ممكنة لمستوطنيه خصوصا في غلاف غزة، بحيث يتم تهجير أكبر عدد ممكن من أبناء القطاع، لتوفير شريط أمني عازل على طول خطوط التماس مع القطاع؟
أما العنوان الثالث عشر فيفصل القول في “الشعب الفلسطيني يصوت للمقاومة” والعنوان الرابع عشر يستعرض بالتحليل “استشهاد العاروري.. مزيد من الوقود لحماس والمقاومة” ويأتي العنوان الخامس عشر ليقدم فيه المؤلف “قراءة في المأزق الإسرائيلي في قطاع غزة” إذ يطرح فيه ثمانية من أبرز معالم المأزق الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة، وأما العنوان السادس عشر فيتحدث عن “الصهيونيّة وإسرائيل.. واحتكار الضحيّة” وفي العنوان السابع عشر يقدم المؤلف إجابات عن “استهداف الأونروا.. لمصلحة من؟” والثامن عشر حول “التدافع السياسي قبل الهدنة في قطاع غزة”.
الأمة وغزة
أما العنوان التاسع عشر فيفصل الحديث عن “الأمة وغزة.. من الانفعال الموسمي على العمل المنهجي” وفيه يقول المؤلف: “إن أحد أبرز التحديات التي تواجه الأمة هي كيفية تحقيق حالة التفاعل المنهجي المستمرّ والمتصاعد، بما يتناسب مع عظمة التَّحدي بخطورة المعركة.
فقد اعتدنا منذ عشرات السنوات على التفاعل الآني مع الحدث، وبحسب مدى سخونته وخسائر إسرائيل والمجازر والشهداء والدمار تكون درجة التفاعل، وهو سرعان ما يخبو مع توقف الحدث أو اتخاذه نسقًا مستمرًا معتادًا “رتيبًا”. إذ تضعف تدريجيًا المظاهرات والفعاليات وحملات جمع التبرعات وحملات المقاطعة… إلى أن تتوقف.
وربما كان ذلك طبيعة بشرية، خصوصًا مع وجود أنظمة عربية وإسلامية فاسدة ومستبدّة، يهمّها صرف انتباه جماهيرها عن هكذا معارك وانتفاضات وأحداث؛ لأنّها تكشف وتفضح عورات هذه الأنظمة وضعفها وخذلانها وتقصيرها، وتكون عنصر تثوير للشعوب ضدّ أنظمتها العاجزة أو المتواطئة.
وفي المقابل، فإن إسرائيل وحلفائها يعملون بشكل منهجي متواصل، وضمن رؤية محددة تلقى دعمًا غربيًا عالميًا لإغلاق الملف الفلسطيني، وإفراغ انتصارات المقاومة ومنجزاتها من محتواها، وتشويه نماذج البطولة والتضحية، وتحميل المقاومة مسؤولية معاناة الشعب وظروف القهر والدمار تحت الاحتلال؛ مع المراهنة على ضعف ذاكرة الشعوب، والمراهنة على “منظومات التّفاهة” السائدة في عالمنا العربي والإسلامي”.
والعنوان العشرون فيتساءل عن “استقالة حكومة اشتية.. قفزة للوراء؟!” ثم يأتي العنوان الحادي والعشرون محللا “الرصيف الأمريكي في غزة والإنسانية المتوحشة” وأما العنوان الثاني والعشرون “فتح وحماس.. وسؤال الانفصال عن الواقع” فيناقش بيان حركة فتح الذي صدر في 15 مارس / آذار 2024، والذي وزَّعته وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، اتهامُ حركة حماس بأنّها “مفصولة عن الواقع”، بينما ينقش العنوان الثالث والعشرون “قرار مجلس الأمن وتزايد العزلة الإسرائيلية” أما العنوان الرابع والعشرون فيستعرض “ثلاثة عشر مؤشرًا على دخول الحرب الإسرائيليّة على غزة في الوقت الضائع” بينما يتناول العنوان الخامس والعشرون بالتحليل “الاحتلال الإسرائيلي وترتيبات اليوم السابق لانتهاء الحرب على غزة” والعنوان السادس والعشرون “الهجوم الإسرائيلي على رفح محكوم بالفشل” يتحدث عن تقييم للعملة الإسرائيلية المستمر في رفح.
نتنياهو والهروب إلى الأمام
أما العنوان السابع والعشرون فيتحدث عن “نتنياهو والهروب إلى الأمام” ليأتي العنوان الثامن والعشرون مجيبًا عن سؤال “لماذا استمرار التصلب العربي الرسمي تجاه حماس والمقاومة؟” ثم يناقش العنوان التاسع والعشرون “ظاهرة التكامل والتآكل ومستقبل الكيان الصهيوني” ليأتي العنوان الثلاثون “طوفان الأقصى وتعزيز المشروع الإسلامي لفلسطين” وفيه يقول المؤلف: “وإن الذين انتفضوا لصالح فلسطين من دولٍ وشعوب من شتى القوميات والأديان والاتجاهات، يعرفون المقاومة وطبيعتها، وقد لمسوا الجانب الإنساني الذي نجحت المقاومة في تقديمه، كما لمسوا الوجه الصهيوني البشع للاحتلال والعدوان. ونحن عندما نركز على المشترك الإنساني، فلا حاجة لإلغاء هويتنا، كما لا حاجة لتغيير الآخرين لهويتهم، ففي القيم الإنسانية الكبرى ما يكفي لجمعنا وتحشيدنا ضد المشروع الصهيوني، الذي يسير ضد الإنسان وضد حركة التاريخ، ويهدّد السلم والاستقرار العالمي”.
ثم يناقش العنوان الحادي والثلاثون “الاحتلال الإسرائيلي وحالة التخبط في الحرب على غزة، أما العنوان الثاني والثلاثون فيستعرض “ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني.. فرصة متجددة للانطلاق” والعنوان الثالث والثلاثون “حماس ونزع العباءة الأيديولوجية” يناقش الدعوة المتكررة لحماس لـ”نزع العباءة الأيديولوجية” والتخلي عن طرحها الإسلامي، وأن تصبح حركة “تحرّر وطني”، لأنه بحسب ما يرى هؤلاء فإن “القيد الأيديولوجي” يُعيق حماس، ويُضيع عليها فرصة تحقيق إنجازات في البيئات السياسية العربية والدولية ذات الحساسية السلبية تجاه الإسلاميين. ثم إن نزع العباءة هذا يُسهّل على العديد من الأطراف التعامل المنفتح مع حماس، وبالتالي تسهيل المشاركة السياسية الفاعلة لحماس في الساحة الفلسطينية، والقيام بالدور والتأثير المطلوب.
ثم يأتي العنوان الرابع والثلاثون ليفصل القول في مسألة “مشاركة قوات عربيّة في إدارة قطاع غزة بعد الحرب” بينما يتناول العنوان الخامس والثلاثون بالتحليل “خطاب نتنياهو ومنظومات الاستكبار والتفاهة”.
وفي العنوان السادس والثلاثون يتحدث المؤلف عن “حماس إذ تودع هنيّة” ثم يتحدث بالتفصيل في العنوان السابع والثلاثين عن “حماس والتصعيد القيادي” ليختم الكتاب بالعنوان الثامن والثلاثين بتقديم إجابات عن سؤال “المفاوضات حول إنهاء الحرب على غزة.. إلى أين؟”
يذكر أن الكاتب محسن صالح شغل منصب المدير التنفيذي لمركز دراسات الشرق الأوسط بعمَّان سابقًا، وهو أستاذ مشارك في الدراسات الفلسطينية، ومُحرِّر التقدير الاستراتيجي الفلسطيني، الذي صدرت منه ثمانية مجلدات. وقد صدر له أكثر من خمسة عشر كتابًا، كما قام بتحرير أكثر من ستين كتابًا، معظمها في الشأن الفلسطيني.
اقرأ المزيد عبر المركز الفلسطيني للإعلام:
https://palinfo.com/news/2024/11/02/923262/