ما دلالة خروج مصريين في مظاهرة نادرة تندد بالجوع وتطالب برحيل السيسي؟
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
ألقت قوات الأمن المصرية القبض على عشرات المواطنين الذين شاركوا في مظاهرة نادرة، الجمعة، في منطقة الدخيلة بمحافظة الإسكندرية على البحر المتوسط تندد بالجوع والفقر والغلاء، بحسب منظمات حقوقية مصرية مستقلة.
وذكرت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان (مستقلة) إن قوات الأمن فرقت المظاهرة التي رفعت شعار "جوعتنا يا سيسي" واعتقلت عددا غير معلوم من المشاركين بها، وأحالتهم إلى مقار الأمن الوطني في منطقة الدخيلة بحي العجمي غرب محافظة الإسكندرية لاستجوابهم.
وطالبت منظمات حقوقية السلطات المصرية بالإفراج الفوري عن المعتقلين الذين خرجوا بشكل عفوي للتعبير عن غضبهم وسخطهم الشديدين من تردي الأوضاع الاقتصادية التي تسببت بها سياسات النظام الخاطئة.
وقال سياسيون وحقوقيون إن تنديد المتظاهرين بالجوع والفقر لا يمكن فصله عن المطالبة بالحرية وإسقاط النظام الذي فرط في مقدرات البلاد حيث ردد المتظاهرون "ارحل يا عواد"، في إشارة إلى السيسي الذي تنازل ثروات المصريين.
واعتبر نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، زهدي الشامي، احتجاج مواطني الدخيلة "جرس إنذار"، وقال في منشور له على "فيسبوك" إن المواطنين أصبحوا عاجزين عن تحمل التدهور الهائل للأوضاع الاقتصادية.
وأظهرت لقطات فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي خروج مظاهرة نادرة في الإسكندرية، تندد بنظام السيسي وتتهمه بـ"تجويع المصريين".
ورفع أشخاص لافتات كتبت بخط اليد: "جوعتنا يا سيسي"، "ارحل يا عواد"، وتعني ذلك الذي باع أرضه.
#جوعتنا_ياسيسي
اللهم ثورة
مظاهرات الجوع في مااااسر والبس يا معلم pic.twitter.com/BT0IguYdCg
"كسر حاجز الصمت"
وتصدر وسم (#جوعتنا_ يا سيسي) مواقع التواصل الاجتماعي في اليوم التالي من انتشار صور وفيديو التظاهرة التي انتشرت بشكل واسع على منصات التواصل.
ويعاني المصريون من أوضاع معيشية كارثية بعد انهيار الجنيه مقابل الدولار وارتفاع كبير للأسعار، حيث وصلت أسعار المواد الأساسية إلى مستويات قياسية لم تشهدها مصر من قبل، فيما اختفت سلع أساسية مثل السكر.
ورغم أن السلطات المصرية تقدر عدد الفقراء بنحو 29.7 بالمئة من عدد السكان أو نحو 35 مليون مواطن، إلا أن الإحصائية تعود إلى عامي 2020/2021، ولا تتضمن آثار جائحة كورونا ولا تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ولا خفض الجنيه 4 مرات قبل تحريره.
وانخفض الجنيه منذ آذار/ مارس 2022 من مستوى 15.5 جنيها إلى نحو 50 جنيها، أي بنسبة انخفاض أكثر من 300 بالمئة، دفعت الأسعار إلى الارتفاع بنسب بلغت 500 بالمئة منذ ذلك الوقت؛ مثل اللحوم والدواجن والجبن والبيض والألبان والبقوليات والزيوت وغيرها من السلع الأساسية.
بأي حق الداخلية تعتقل مواطنين في مظاهرة سلمية تحتج على سياسات الدولة وغلاء الأسعار؟ pic.twitter.com/FPuo4vfA9r
— Ismail Hosny (@IsmailHosny1) March 16, 2024"لقمة العيش جزء من الحرية"
على المستوى الحقوقي، يقول مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، خلف بيومي، "ليست المرة الأولى التي يخرج فيها الناس منددين بالجوع والفقر وارتفاع الأسعار، فقد سبق وأن خرج الناس في مظاهرات في السبعينات بسبب ارتفاع الأسعار، وساعدهم وقتها الجو العام في مصر أن تكون مظاهرة ضخمة أرغمت النظام على التراجع، والتعامل الأمني مع التظاهرة جزء من فشل النظام".
وأضاف لـ"عربي21": "خروج الناس يؤكد حجم ما يعانوه وعدم قدرتهم على تلبية الحد الأدنى للمعيشة، وهذا أمر يتحمله النظام الذي أسرف في مشاريع وهمية وغير ضرورية، والتفت عن السعي لتحسين ظروف المعيشة، وغر النظام سكوت الناس، ولا يجب أن نربط بين خروجهم بسبب الغلاء وعدم سعيهم للخروج من أجل الحرية".
وأوضح بيومي: "الناس خرجوا مئات المرات من أجل الحرية و دفعوا أثمانا باهظة، ولعلنا لا ننسى أن من مطالب وهتافات الشعب في 25 يناير كان منها العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، الناس لم تخرج من أجل لقمة العيش فقط؛ لأن الحصول على الحرية حق وكذلك الحصول على العيش والشعور بالكرامة والعدالة أيضا حق".
وحمل بيومي النظام "المسئولية كاملة عن فشله وعدم قدرته على تحسين مستوى معيشة الناس"، مؤكدا دعمه "لكل تحرك من أجل حق مشروع".
"الثورة الفرنسية .. ثورة جياع"
من جهته، اعتبر السياسي المصري، حاتم أبو زيد، أن "السعي لتأمين الحياة الكريمة هو سعي في سبيل الحرية، فمن لا يملك لقمة عيشة، ولا يستطيع تأمينها لا يملك حريته، فهو تحت ضغط الحاجة والاضطرار ويمكن أن يبيع إرادته، ثم الثورة الفرنسية التي يعتبرونها ثورة حرية ورسخت لمفهوم العقد الاجتماعي وأنشئت الجمهورية كانت ثورة جياع".
ورأى في حديثه لـ"عربي21" أن "لدى الناس وعي سياسي، فهم رفعوا شعار "جوعتنا يا سيسي"، بما يعني أنهم يحملون مسؤولية ما هم فيه على المسؤول السياسي الأول في البلد، ثم رفعوا أيضا شعار "ارحل" بما يعنى أنهم يعلمون أن حل مشكلتهم المعيشية حل سياسي متعلق بتغيير السلطة".
وأوضح أبو زيد: "كما تعاملت السلطات مع هذه المظاهرات بمنتهى الجدية، يجب أيضا على من يسعى للتغيير في مصر أن يتعامل بنفس الجدية معها، فهذه بداية يمكن أن يعقبها أفعال مماثلة بعد أن فاض الأمر وطفح الكيل كما يقول المصريون، حالة الغضب لدى المصريين تمت، ولن تجدي أي محاولات لامتصاصها خاصة وهم يرون السلطة لا تأبه بهم ولا تراهم، كما أنه لا يفكر في امتصاص غضب الناس، بل لا يرى إلا مزيدا من الضغط في مواجهة أي محاولة للتمرد على الأوضاع السيئة القائمة".
"ثورة أم جوع على الأبواب"
في سياق تعليقه، يقول المحلل السياسي، عزت النمر، إن "الحرية والغذاء صنوان، والفقر المحض يجعل النهوض الروحي أمر غير ميسور، وربما تنكسر إرادة قطعان فقيرة من الشعوب فتنحسر إرادتها في المطالبة برغيف الخبز وليس شيء سواه، أو ربما هناك فئات قليلة الثقافة تحبس مطالبها فقط في الغذاء مخافة أن تصنف على أنها من الإخوان بعدما شيطن النظام الإخوان، وأقر أن كل من يطالب بالحرية أو الكرامة أو الحفاظ على الهوية ومقدرات الوطن هم من الإخوان".
وأضاف لـ"عربي21": "ومع كل هذا أعتقد أن مظاهرة الدخيلة ومن خلال الشعارات التي رفعت والهتافات التي قيلت، من غير الإنصاف أن نقول أنها فقط اعترضت على الجوع، إذ كان من بين الشعارات "ارحل يا عواد"، وهي كناية عن بيع مقدرات البلد وبالأخص التنازل عن تيران وصنافير، وهذا معنى وطني خالص يحسب على الحرية ولا يحسب على الجوع".
وأعرب النمر عن اعتقاده أن "المصريين لم يتوقفوا منذ 2013 عن المطالبة بالحرية، والشعب المصري دفع أثماناً باهظة في هذا السبيل من شهداء ومعتقلين ومطاردين يتجاوز عددهم مئات الألوف، وحينا نصل إلى الفئات البسيطة التي خرجت تندد بالجوع فإننا نكون أمام المنعطف الأخير الذي يجد الشعب نفسه لا ترهبه الآلة الأمنية والاعتقالات، وأنه لم يعد لدى هؤلاء البسطاء ما يخشوه، وهذا نذير أن الثورة الشاملة على الأبواب، وأن غباء السيسي وفساد نظامه وجنرالاته هو من سيدعو الشارع للانفجار بغض النظر عن الدوافع والأسباب".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية المصرية الجوع التظاهرة مصر الاسكندرية تظاهرة جوع المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من أجل
إقرأ أيضاً:
هكذا سخّر نظام الأسد الحواجز الأمنية لإرهاب السوريين وابتزازهم
للمرة الأولى منذ سنوات طويلة أصبح السوريون قادرين على التنقل في الشوارع والمدن بحرية ودون خوف، بعد أن كانت الحواجز العسكرية والأمنية المنتشرة في كل مكان بمثابة مصيدة للاعتقال والتعذيب أو محطة للابتزاز من قبل أجهزة أمن النظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
ويقول عمر -وهو سائق سيارة أجرة- إن الآلاف كانوا يُعتقلون عند الحواجز الأمنية في مدينة دمشق لمجرد الاشتباه بهم، فضلا عن تعرّض آخرين لصنوف من الإذلال والإهانة أو الابتزاز المالي، إذ أحالت الأجهزة الأمنية في عهد الأسد هذه الحواجز إلى مصدر تكسّب لها على حساب جيوب المواطنين وأمنهم.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بعد أسبوعين من توليه الحكم.. ترامب يزج بأميركا في أزمة قضائية غير مسبوقةlist 2 of 2الأسير المحرر ياسر الشرباتي: هذا ما سلبه السجن مني وهذا ما انتزعته منهend of listو"كانت الحواجز ونقاط التفتيش التابعة للنظام المخلوع تقطع أوصال مدينة دمشق وتفصلها عن بعضها، وتلاحق الناس في أرزاقهم ومصائرهم" كما أضاف عمر، شارحا لمراسل الجزيرة تامر الصمادي حجم المعاناة التي كان السوريون مجبرين على التعايش معها بسبب هذه الحواجز.
وفي دمشق وريفها فقط بلغ عدد الحواجز قرابة ألفي حاجز كانت موزعة في الأحياء الرئيسية وعلى الطرقات الحيوية.
أما الحواجز التي أقامها النظام المخلوع عند منطقة فرع فلسطين في دمشق فقد حفرت ذكريات مؤلمة في أذهان الكثير من السوريين، فلا تمر سيارة من الحاجز دون تفتيش، ومن كان حظه جيدا يخرج بعد ساعات من الاستجواب والتوقيف، أما الباقون فيكون الاعتقال مصيرهم وما يلحقه من شتى أصناف التعذيب والإذلال.
إعلانوأمام مبنى المخابرات الذي يعرف بفرع فلسطين تنتشر العديد من الغرف التي اتخذتها العناصر الأمنية بين مكاتب للتفتيش والتحقيق وأخرى لاستخداماتها الخاصة.
ويروي شهود عيان لمراسل الجزيرة كيف كانت العناصر الأمنية تنتشر بكثرة في هذه المنطقة وتمنع الناس العاديين من الوجود فيها.
وتنوعت الحواجز العسكرية واستخداماتها في عهد النظام المخلوع من أجل التضييق على السوريين، ويقول عمر "الناس كانوا يتعرضون للابتزاز على الحواجز وأخذ الرشى" تماما مثلما كان يحدث على حاجز "الكبّاس"، والذي يستهدف جميع من يمر عبر الحاجز، خاصة القادمين من العراق أو من دول الخليج أو غيرها.
أما قيمة الرشوة فتختلف حسب طبيعة السيارة، فهل هي خاصة أم عامة، وحسب طبيعة "حمولتها" كما يؤكد عمر.
وعند أحد الحواجز المؤقتة أو الطيارة كما يسميها السوريون سُرقت حرية محمد مرجان وزوجته وطفله الذي كان عمره 40 يوما وابنته التي لم تتجاوز سنة وشهرين، ويستذكر مرجان أهوال ذلك اليوم الثقيل، ويقول للجزيرة إنه تعرض للضرب أمام زوجته وأطفاله دون أن يعرف السبب.
ويروي مرجان أن عناصر النظام المخلوع ضربوه بقطعة من دولاب السيارة على رأسه أمام زوجته وطفليه الصغيرين، وظل 410 أيام رهن الاعتقال هو وعائلته، وسط معاناة يومية.
وتعبيرا عن ألمه وغضبه من ممارسات النظام السابق مزّق مرجان ملصقات خاصة بإدارة المخابرات العامة في أحد الشوارع، وهو يقول "إدارة المخابرات العامة هذه التي هدمتني، ونحن لا نقبل بالسماح"، في إشارة إلى رفضه التسامح مع من تسبب له ولعائلته بهذا الكابوس المرعب.
ورغم اختفاء الحواجز بعد سقوط نظام الأسد فإن ذاكرة السوريين ما زالت تحمل وجعها، وتأمل أن تتم معاقبة من تسبب في إرهابهم وإذلالهم طوال السنوات الماضية.
وكانت الجزيرة عرضت تقريرا عن "حاجز الرعب" على الطريق الواصل بين الحدود السورية والأردنية باتجاه دمشق، والذي تحول اليوم بعد سقوط نظام الأسد إلى حاجز مختلف يُعامل فيه السوريون معاملة طبيعية وإنسانية.
إعلانوانتقلت سوريا إلى مرحلة جديدة مع سقوط نظام بشار في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، وتعمل السلطات الجديدة على إزالة الحواجز العسكرية في عدد كبير من أحياء العاصمة دمشق وغيرها من المدن السورية بسبب عرقلتها تنقلات الناس.