خالد فضل
أمضيت عاماً كاملاً بصفتي وافداً او نازح من الخرطوم رغم انني أعيش وسط أهلي في منزل العائلة الكبير, صفة نازح مصدرها أن مسار حياتي و اسرتي الصغيرة قد تشكل على مدى أكثر من ثلاثين عاماً تقريباً على العيش في الخرطوم حتى انني امتلك فيها منزلاً فيما لم اتبنى (قطعة) صغيرة في دار أبي في القرية.
معظم السودانيين الآن يحملون إحدى الصفتين, اما نازح او لاجئ, كل ذلك بسبب حرب 15 أبريل 2023 بين أطراف المكون العسكري السوداني كما أن معظم السودانيين في مناطق الحرب يعيشون الآن في الحقيقة على صدى ذكريات السودان.
من تلك الذكريات مثلاً في مثل هذه الأوقات من العام تعني نهاية العام الدراسي للمدارس الابتدائية وحتى الثانوية, و تكون مواعيد المراحل الثلاث قد تحددت سلفاً وربما ُعقد بعضها, الآن لا حديث عن المدارس في كل الولايات عدا واحدة او اثنين وحتى في تلك الولايات يبدو سقف المدارس مربوط بالسنة الثالثة من المرحلة الثانوية حيث الامتحان الأكبر “امتحان الشهادة السودانية” و قد صارت الان من ضمن ذكريات السودان .
في الولايات التي تنتشر فيها قوات الدعم السريع على وجه التحديد لا يوجد أي أثر لأجهزة الدولة , الحديث كله ذكريات عن رئاسة الولاية او مقرات الشرطة او النيابة او المحاكم او المحليات و الوحدات الإدارية , اختفى موظف الكهرباء عن مكاتبهم , وغاب الضباط الاداريون و حتى “عريف سوق الموانئ لم يعد موجوداً” و في الجزيرة كنموذج لا أثر لمفتش في الغيط أو محاسب في المكتب او غفير في مخزن الأسمدة و التقاوي , كما غابت أفرع البنوك , و حتى تطبيق بنكك المشهور اختفى مع قطع شبكة الاتصالات , ولا تسأل عن خدمات الأسواق ومحطات الوقود ,و عيادات الأطباء و المستشفيات العامة أو الخاصة و الصيدليات و المغالق , كل هذه اختفت من مناطق الجزيرة و صار الناس طلقاء من أي حكومة , يخضعون فقط لأرتال سيارات الدعم السريع عندما تجوب الانحاء و تنشر الذعر او تسلب الاشياء.
سودان الذكريات يتمدد مع حالة موات فمع قطوعات الكهرباء المستمرة لشهور لا توجد فضائيات أو مسلسلات , ولا توجد مكاتب بريد لتوصيل الرسائل و البرقيات مثلما تقطعت الطرقات , بارتكازات مسلحة تبع الحي هنا و تبع الدعم السريع هناك مع خنادق و حفريات أقامتها بعض القرى تحسباً من طوفان ذوات الدعم السريع و الدوشكات , و بالتالي صار التنقل بالدواب هو وسيلة الحركة و نشطت عربات الكارو التي تجرها الحمير والحصين هي وسيلة النقل عبر القرى وحتى في أحياء المدن, صارت السيارات ماركة اخر موديل في عداد سودان الذكريات.
لاحظ اناس كثيرون أن السودانيين شعب ماضوي تكتنفه حالة حنين و شعب دائم للماضي فهناك كان العمر الذهبي للكورة السودانية و عصر الشعر والغناء والموسيقى والمسرح وغيرها من أنشطة الإبداع , و زمان كانت السكة حديد ومشروع الجزيرة و الميناء و جامعة الخرطوم و القوات المسلحة “التي يملأ ضباطها قاشاتهم” ونقول للسيد “حميدتي” ذات عقبة!!, الماضي الخمسيني و الستيني الذي عشنا في كتفه نحن جيل الثمانينيات و الالفية الجديدة , صار بالترابت الزمني كأنه يعود الى العصر الحجري أو المروي أو عهود الفراعنة السودانيون اليوم في مناطق الحرب على الاقل يتلقون ليروا او يشعروا او يلمسوا أي أثر من آثار ما كان من دولتهم حتى يوم 15 أبريل 2023 , فلا يجدون ذلك الأثر , لقد تحولت الدولة إلى ذكرى , يختلف الناس حول كونها ذكرى حبيبة أم ذكرى بغيضة المهم ان السودان الأن “ذكرى” مع الأسف ولولا الذكرى مافي أسف ولا كان التمني وقف , كما صرح مصطفى سيد أحمد “عليه الرحمة” وهو من أعزب ذكريات السودان ولا حول ولا قوة الا بالله.
اوقفو الحرب الآن
الوسومخالد فضل
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: خالد فضل الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
كنداكة الثورة السودانية تتحدث عن الثورة والانقلاب وانتهاكات الدعم السريع
وتعود كلمة "كنداكة" إلى العهد الكوشي أو ما يعرف بالحضارة النوبية، وهي تعني الملكة أو السيدة الأولى، لكن آلاء صلاح، قالت لبودكاست "ملهمات" إن الكلمة تعني "المقاتلة" أو بمعنى آخر "الأيقونة".
ويمكن القول إن كنداكة الثورة السودانية ليست جديدة على النضال السياسي، فقد شاركت جدتها في حراك 1964، الذي أنهى حكم الفريق إبراهيم عبود، وشاركت والدتها في انتفاضة 1985، التي أطاح الجيش على إثرها بحكم جعفر النميري، فيما شاركت أختها في انتفاضة الطلاب عام 2013 التي خرجت ضد قرار رفع الدعم الحكومي عن الوقود.
وبسبب مشاركتها في الثورة على عمر البشير، فقدت آلاء دراستها بعدما تم فصلها من الجامعة، لكنها التحقت بإحدى الجامعات البريطانية بعد حرمانها من الالتحاق بجامعة محلية.
وظلت آلاء في السودان حتى انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، حيث غادرت خشية التعرض للاعتقال كما حدث لكثيرين ممن شاركوا في الثورة على البشير، وفق قولها.
وتعرضت لتهديد مباشر من قوات الدعم السريع، وتلقت اتصالا من مدير مكتب قائد هذه القوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي طلب منها لقاء سريًّا، لكنها رفضت ذلك بسبب مسؤوليته عن قتل الثوار في اعتصام القيادة العامة وحرقهم واغتصاب بعضهم، حسب قولها.
إعلان
السفر لبريطانيا
بعد ذلك، أصبح تهديد الدعم السريع للشابة صريحا، وقد ذهبوا إلى بيتها أكثر من مرة وحاولوا ترهيب عائلتها جراء رفضها مقابلة حميدتي، الذي قالت إنه كان يحاول الضغط على رموز الثورة لدعم انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، ووصفه بأنه "تصحيح للمسار".
وعندما توجهت قوات الدعم السريع لبيتها قبل انقلاب 2021 بـ3 أيام، قررت آلاء الاختباء عند بعض أقربائها حتى تمكنت من السفر إلى بريطانيا التي كانت ستسافر لها بعد أيام من الانقلاب على كل حال لإكمال دراستها، كما قالت.
وبعد 5 سنوات من الإطاحة بحكم عمر البشير، وما آلت إليه أوضاع السودان، لا تريد صلاح القول إنها تشعر بخيبة أمل، لأن هذا الأمل هو الذي ساعدهم على تحقيق بعض أهداف الثورة -كما تقول- لكنها تعترف بأنها ليست سعيدة بينما السودان يعيش حالة من القتل والاغتصاب والانتهاكات التي لا تتوقف، وفق تعبيرها.
وشاركت المرأة بشكل كبير بالثورة على نظام البشير في ديسمبر/كانون الأول 2018، رغم القيود الكبيرة التي كانت مفروضة عليها في ذلك الوقت، وكانت كل واحدة منهن تقوم بما تجيد القيام به سواء كان التصوير أو مخاطبة الجماهير أو الرأي العام أو إسعاف الجرحى أو إعداد الطعام والشراب، كما تقول صلاح.
وبعد أن كان السودانيون يحلمون بالديمقراطية وتداول السلطة، "أصبحوا اليوم يعيشون قمعا وتهجيرا وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان على يد قوات الدعم السريع التي تقاتل منذ عامين ضد قوات الجيش"، حسب كنداكة الثورة.
وإلى جانب الانتهاكات، يعيش السودانيون مجاعة فعلية وتراجعا حادا في الخدمات الصحية وقتلا خارج القانون فيما توزع "شباب الثورة" بين جائع ونازح وهارب، حسب وصف صلاح.
أما من نجحوا في الخروج إلى دول أكثر أمنا، تضيف صلاح، فيعملون على توثيق ما يتعرض له الناس من انتهاكات وجرائم وتعريف العالم بها من خلال مواقع التواصل، لكنّ مَن هم بالداخل يجدون صعوبة كبيرة في إيصال ما يتم توثيقه للخارج بسبب توقف الإنترنت.
إعلانبيد أنه في ظل حالة الفقر المدقع والحاجة الشديدة وانهيار الخدمات وتفشي الخوف، أصبحت غالبية النشطاء مشغولين بعائلاتهم وجيرانهم وزملائهم أكثر من انشغالهم بمحاولة إحياء الثورة التي لم تعد سهلة أبدا في ظل ما وصلت إليه البلاد من استحكام للقوة، برأي صلاح.
ومع ذلك، فإن الشباب قادرون على إحداث التغيير لكنهم بحاجة للحد الأدنى من الظروف التي قد تساعد على تحويل مسار البلاد من الحرب إلى السلم الأهلي، وهو مسار تقول صلاح إنه "صعب جدا".
24/12/2024