هل تمنع موريتانيا الصدام بين الجزائر والمغرب؟
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
بقلم: نزار بولحية
البلد الذي اكتوى طويلا بلظى الحرب في السبعينيات، يبدو مصمما اليوم، أكثر من أي وقت مضى على أن لا تتكرر مأساة أخرى في المنطقة ويتواجه الجاران المغربي والجزائري هذه المرة على مرمى حجر من حدوده. ولأجل ذلك فهو يرتب أوراقه بحرص ويسعى جاهدا لكسب ثقة كل الأطراف، محاولا وبأقصى ما يستطيع أن يحافظ على توازن صعب ودقيق في علاقته بجارتيه الجزائر والرباط.
لقد طار وزير خارجيته محمد سالم ولد مرزوك مطلع العام الجاري إلى العاصمة الجزائرية، في وقت بدأت فيه بعض السحب في التراكم في سماء العلاقات الموريتانية المغربية، وحرص بعد لقائه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على أن يصرح للصحافة بأن مضيفه أكد له «حرص الجزائر شعبا وحكومة على دفع علاقات التعاون بين البلدين الشقيقين»، قبل أن يذكر أن «العلاقات بين الجزائر وموريتانيا هي علاقات ضاربة في القدم، ولها جذور مبنية على أواصر الدم والتاريخ بين الشعبين»، على حد وصفه.
لكن لم تمر سوى أيام قليلة فقط على ذلك اللقاء، الذي فتح باب التكهنات بتوتر مقبل بين نواكشوط والرباط، حتى وصل وزير الخارجية الموريتاني إلى العاصمة المغربية ليشيد منها «بحكمة المغرب والتنمية والتطور الذي تعرفه المملكة»، ويجدد «تأكيد الرغبة على مواصلة التعاون» معها، في الوقت الذي قال فيه نظيره المغربي ناصر بوريطة، إن علاقات بلاده بموريتانيا «خاصة ولا مثيل لها فرضتها الأواصر التاريخية والقرب الجغرافي ورابط الدم والروابط الروحية بين الشعبين».
لكن ومع أن دوافع الزيارتين والسياقات التي تمت فيهما بقيت مجهولة، إلا أنه بات من الواضح أن الموريتانيين يتعاملون بكثير من الحذر، ولا يرغبون رغم ما قد تدل عليه أحيانا بعض الشكليات، أو المظاهر في تخطي حاجز محدد لا في اتجاه الاقتراب أكثر من اللازم من هذا البلد، ولا في اتجاه الابتعاد بقدر واسع عن الآخر.
ولعل حدثين مهمين قد يلقيان الضوء على ذلك، فقد تعاملت نواكشوط بشيء من التحفظ مع المبادرة التي أطلقها العاهل المغربي محمد السادس حول تسهيل ولوج دول الساحل إلى الواجهة الأطلسية، مفضلة أن لا تسجل حضورها في دجنبر الماضي، في الاجتماع التنسيقي الأول لتلك المبادرة في مراكش. كما تجنب وزير خارجيتها التعليق على ما قاله نظيره المغربي في أعقاب لقائهما في الرباط من أن «موريتانيا جزء أساسي من مبادرة الأطلسي الملكية». ثم نظرت أيضا وبقدر مماثل من التحفظ إلى الاجتماع الثلاثي الذي عقد مطلع الشهر الجاري في الجزائر، على هامش قمة الغاز وضم كلا من الرئيسين الجزائري والتونسي ورئيس المجلس الرئاسي الليبي، وانتهى باتفاق الأطراف الثلاثة على الالتقاء كل ثلاثة أشهر «لتنسيق أطر الشراكة والتعاون» في ما بينهم. ورغم أنه كان موجودا في الجزائر، فقد فضل الرئيس ولد الغزواني أن لا يشارك فيه. وكان المغزى من وراء ذلك واضحا وهو أن موريتانيا، بقدر ما تحرص على الحفاظ على علاقات ثنائية جيدة بكل من الجزائر والمغرب، لا تريد أن تنخرط بالمقابل في أي اصطفاف في محور أو حلف في المنطقة.
إنها تفضل أن لا تضيق من خيارتها وأن تبقي هامشا واسعا للمناورة والتحرك بما يخدم مصالحها، ويحقق هدفها في الحفاظ على حد أدنى من الاستقرار، في محيط إقليمي عاصف ومضطرب من حولها. والجزائريون والمغاربة، رغم الضغوط الشديدة التي يمارسونها على جارتهم إلا أنهم واعون بأن سياسة الحياد التي تنتهجها هي أقصى ما يمكنهم الحصول عليه في الظرف الحالي على الأقل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو إن كانت نواكشوط، من خلال حرصها على الوقوف على مسافة واحدة من البلدين المغاربيين، تقوم بحماية مصالحها الوطنية بالدرجة الأولى، ألا يمكنها أن تضطلع وفي الوقت نفسه بدور ما في تطويق الخلافات العميقة بينهما، وفي تجنيب المنطقة ويلات حرب تدق طبولها بقوة من حين لآخر؟
ربما سيقول البعض هنا وما الذي تملكه موريتانيا من وسائل للضغط أو للتأثير في القرارات أو السياسات والتوجهات الخارجية للجزائر والمغرب؟ والجواب ببساطة هو أنها تملك الكثير. يكفي أنها البلد الوحيد في المنطقة تقريبا، الذي له علاقات جيدة لا بالبلدين فقط، بل بكل الدول المغاربية. كما أن الاهتمام الأوروبي والدولي المتزايد بها، خصوصا بعد التطورات التي حصلت في الساحل، وتفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية من سواحلها بشكل لافت، بالإضافة إلى الاكتشافات الطاقية المهمة التي تنبئ بتحولها قريبا إلى دولة منتجة ومصدرة للغاز الطبيعي، تجعلها قادرة على استثمار كل تلك العناصر لصالح القيام بمثل ذلك التحرك الذي سيصب بالنهاية في مصلحتها. فهي تدرك جيدا أن كل المشاريع والآمال بتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية كبرى بفعل تلك الاكتشافات الطاقية ستتبخر وتذهب سدى في حال نشوب نزاع مسلح على حدودها، وإنها ستدفع ثمن أي مغامرة عسكرية قد ينجر إليها جيرانها الجزائريون والمغاربة، ليس فقط بفعل التداخل الجغرافي وحتى الديمغرافي بينها وبين الصحراء، بل لأنها ستجد نفسها في تلك الحالة في موقف صعب، لأن بقاءها على الحياد سيوضع على المحك، ولن يكون من السهل عليها أن تحتفظ به لوقت طويل. كما أنها تدرك أيضا وبالمقابل أن هناك عدة قوى وأطراف إقليمية ودولية تتربص بالمنطقة، وتدفع نحو مزيد من توتير الأجواء بين الجزائر والمغرب، لدفعهما نحو خيار المواجهة العسكرية المباشرة.
لكن هل يصارح المسؤولون الموريتانيون نظراءهم في العاصمتين الجزائرية والمغربية بمثل تلك الهواجس والمخاوف؟ من المؤكد أنهم يفعلون ذلك. ومن الثابت أيضا أنهم حاولوا وأكثر من مرة أن يقوموا بوساطة لجمعهم إلى طاولة واحدة للتفاوض في شتى الملفات العالقة بينهما، غير أن العقبة التي كانت تعترضهم هي عدم قبول الجزائر بتلك الجهود. لقد كرر الرئيس الغزواني، أكثر من مرة، في حديثه قبل أكثر من عامين إلى مجلة «الاقتصاد والأعمال» اللبنانية شهورا قليلة بعد قطع الجزائر لعلاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، التأكيد على أن "بلاده على استعداد للعب دور في استعادة اللحمة بين دول المغرب العربي"، وأنها «يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في استعادة الروابط» مشددا على أنه «يجب أن نعتمد على حكمة هذين البلدين الشقيقين ـ أي الجزائر والمغرب – اللذين تربطنا بهما علاقات طيبة للغاية ونحن مستعدون إذا طلب منا ذلك – أي الوساطة بينهما».
ولعل هناك من سيرى أن موريتانيا فعلت أقصى ما تستطيع وأنه لم يعد بإمكانها أن تتحمل وزر خلافات مزمنة وقديمة، ما زالت تلقي ظلالها الكثيفة على علاقات جارتيها، لكن إن لم تصمم نواكشوط على تكرار المحاولة تلو الأخرى وطرق الباب مرة بعد مرة فمن غيرها سيقوم بتلك المهمة الصعبة وشبه المستحيلة؟ إن آمال كل المغاربيين تعلق عليها اليوم لمنع الصدام الذي لا يتمناه أحد بين الشقيقين التوأمين مثلما وصفهما العاهل المغربي ذات مرة.
كاتب وصحافي من تونس
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: الجزائر والمغرب أکثر من على أن
إقرأ أيضاً:
هل تمنع لجنة المراقبة الإسرائيلي من البقاء في القرى الحدودية؟
كتبت دوللي بشعلاني في" الديار": بدأ الجيش بانتشاره في بلدة الخيام- مرجعيون منذ أيّام، ولهذا دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمس من بلدة الخيام "لجنة المراقبة الى أن تقوم بالضغط على العدو "الإسرائيلي" لوقف خروقاته ووقف الدمار، والانسحاب من الأراضي التي توغّل فيها في الفترة السابقة".
وتثير مماطلة "الإسرائيلي" في تنفيذ الانسحاب، بعض الشكوك والمخاوف حول المستقبل الأمني والسياسي في المنطقة، على ما تضيف المصادر، سيما أنّ ثمّة أسبابا أمنية واستراتيجية عديدة، قد يتذرّع بها للبقاء في بعض القرى الحدودية، والقيام بانسحاب جزئي من بعض المناطق، على ما فعل في بلدة الخيام إذ بقي في قسم منها، الأمر الذي يخالف اتفاق وقف النار، والقرارات الدولية، والقانون الدولي. ومن هذه الأسباب:
1- أسباب أمنية: قد يدّعي "الإسرائيلي" أّنّ وجوده في بعض القرى الحدودية، قد يمنحه القدرة على الحفاظ على السيطرة على النقاط الحسّاسة، التي قد تشهد هجمات من جماعات مسلّحة، من وجهة نظره. ولهذا يتحدّث عن "المستند" الذي "شرّع" له "حرية التحرّك في لبنان".
2- التكتيك العسكري: قد يعتمد "الإسرائيلي" على سياسة "الضغط" أو "المناورة" على الأرض في إطار التكتيك العسكري، بحيث يهدف إلى الاستفادة من الوضع الميداني لتحقيق أفضل نتيجة في المفاوضات غير المباشرة المقبلة. ومن خلال تأخير الانسحاب، قد يسعى جيش الاحتلال إلى ممارسة ضغط على الجهات الدولية، أو على السلطات اللبنانية لتحقيق مكاسب ما على الأرض. وقد يكون هذا التكتيك جزءاً من استراتيجية "إسرائيلية" تهدف إلى تأخير أي تقدّم ديبلوماسي، يتطلب انسحاباً كاملاً من الأراضي اللبنانية المحتلّة، لا سيما من مزارع شبعا (التي قيل انّ رئيس الحزب "التقدّمي الاشتراكي" السابق وليد جنبلاط قد أهداها الى النظام الجديد في سوريا، خلال زيارته الأحد الى دمشق على رأس وفد درزي ديني وسياسي. علماً أنّها ليست ملكه بل ملك المواطنين اللبنانيين)، وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر، كونها أراضي لبنانية بحسب الاتفاقيات الدولية والخرائط المصحوبة بها.
3- الأبعاد الدولية والمفاوضات: قد يرتبط بقاء القوّات "الإسرائيلية" في بعض القرى الحدودية بمفاوضات أو ضغوط دولية، تتعلّق بانتظار مزيد من الضمانات الدولية بشأن استقرار الوضع الأمني في الجنوب اللبناني. ومن هنا، قد تكون عملية الانسحاب مشروطة بتفاهمات إقليمية ودولية مع الأطراف المعنية.
وجميع الأسباب التي تتذرّع بها "إسرائيل"، لا ينصّ عليها اتفاق وقف النار، على ما تؤكّد المصادر السياسية، ولهذا فإنّ "إسرائيل" ستكون مرغمة على تنفيذ بنوده، وصولاً الى تنفيذ الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلّة تطبيقاً للقرار 1701. وتلفت المصادر هنا، الى أنّ الوسيط الأميركي آموسهوكشتاين قد يزور لبنان والمنطقة، قبل تسلّم الرئيس المنتخب دونالد ترامب السلطة في البيت الأبيض في 20 كانون الثاني المقبل، لمواكبة تنفيذ اتفاق وقف النار الذي عمل عليه، قبل انتهاء مهامه الديبلوماسية والسياسية.