هشام عثمان الشواني: صورة السياسي
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
لابد من إصلاح صورة السياسي في ذهن السودانيين، فالسياسي اليوم رسخت صورته كونه انتهازيا باحثا عن السلطة، أو شخصا مراوغا يبيع كلاما لا معنى له، أو مريضا بالزعامة والرياسة أو جزء من شلة سرية خبيثة تنال مكانتها وتتحقق مصلحتها بالتعامل المفرط مع السفارات الأجنبية، تعامل من لا يُراعي حدود التفاعل الإيجابي مع الغير فيتجاوزها نحو الاستغراق التام في مشروعهم وتصوراتهم.
إن صورة السياسي يجب أن تعود لأصل نبيل لا لشيء سوى لأهميتها المركزية في نهضة الشعب، وضرورتها لإكمال تمام بناء الأمة وتأسيس الدولة، يجب أن تعود لأصل أخلاقي لأن السياسي مهمة وواجب ينطلقان من إرادة وطنية صافية ورغبة في الخير العام وإنتماء صادق لقضية نبيلة.
إن صورة السياسي الحقة تكثيف لمعارف ومهارات واستعدادات وصهرها من جديد في ممارسة وخبرة عملية في واقع معقيد، فالسياسة بلا فكر فوضى وتهريج كما قال منصور خالد رحمه الله يوما في بداية طريقه، وأظنه تنكب قليلا عن طريق الفكر بأكثر من طريق السياسة أو ربما كان ذلك مشروعه وقد نال توبيخ أستاذه جمال محمد أحمد على ذلك، وأظن جمالا يمثل هذه الصورة في أرقى معانيها وأكثرها سموا للحد الذي أبعدها عن ممارسة يومية في واقع مثل بلادنا، وربما لا أرجو للسياسي اليوم أن يكون مثله بل أرجو له أن يعرفه ويكون بعضا منه فقط.
إن محاربة الانتهازية في السياسة ليست مجرد خطاب أخلاقي ووعظ، بل هي عمل نضالي واجب ضد شروط كثيرة تصنع السياسي محدود الأفق الغارق في الانتهازية، فسواء كان هذا السياسي عميلا للسفارات أو مهرجا هزليا أو حرسا قديما لم يستوعب متغيرات التاريخ، فإن وجوده ليس وجودا عرضيا طارئا بل هو وجود متصل بشروط اقتصادية حيث الفقر واجتماعية حيث شيوع روح الزعامة والقبيلة وثقافة القفز بالزانة وفكريا حيث اعتزال القراءة والاجتهاد، إن الثقافة السياسية عندنا مريضة وعاجزة عن تربية سليمة لصورة السياسي وفق المثال المطلوب.
وبكل ما سبق يجب أن تناضل الأجيال الجديدة ومعها المفكرون والمثقفون العضويون من أجل ترسيخ صورة السياسي الحقة، والتي تتحرك بدوافع الوطن والحق والخير والجمال، ملتزمة بخط نزيه ونبيل بلا مساومة ولا تطرف، وبنفس تتعالى على الصغائر وتلامس حركة التاريخ.
هشام عثمان الشواني
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: صورة السیاسی
إقرأ أيضاً:
القوّات تفتح النار على عون… والسّجال يتخطّى حدود السياسة!
لم يعد التوتّر بين حزب “القوات اللبنانية” ورئاسة الجمهورية مجرّد تباين سياسي عابر، بل يبدو أنه تحوّل إلى صدام علني ومتكرر، وإن كان من طرف واحد. وقد بلغ ذروته مؤخراً مع تصريحات لاذعة صادرة عن مسؤولين في "القوات"، عكست موقفاً مُتشنّجاً من مبادرات الرئيس جوزاف عون، وخصوصاً تلك المتعلّقة بالدعوة إلى حوار وطني حول سلاح "حزب الله".
هذا التصعيد، الذي جاء على لسان شخصيات بارزة في القوات"، لم يكن مجرّد زلّة أو ردة فعل آنية، بل بدا كامتداد لنهج هجومي سبق أن مهّد له رئيس الحزب سمير جعجع حين وصف العهد الجديد بـ"أبو ملحم"، في تقزيم مقصود لمسار الرئيس جوزاف عون، ما دفع بالأخير إلى الرّد بشكل غير مباشر عبر بعض المواقف السياسية التي تؤكد استقلالية القرار الرئاسي وضرورة الحوار الوطني.
اليوم، يبدو واضحاً أن عون يدفع ثمن تمايزه السياسي وموقفه من سلاح "حزب الله" الذي يصرّ على مقاربته ضمن المؤسسات الشرعية. ولأن هذا الموقف لا يصبّ في مصلحة بعض القوى، وفي طليعتها "القوات" جاء الرد على شكل حملة تبدو منظّمة لإضعاف موقع الرئاسة وتسخيف مبادراتها.
لكن ما وراء السجال هو الأهم؛ فالقوات، التي تدّعي التمسك بالدولة وسيادتها، تجد نفسها في موقع المفارقة: تهاجم رئيس الجمهورية لأنه يريد حواراً تحت سقف الشرعية، وتلجأ إلى خطاب انفعالي لا يخدم إلا منطق الفوضى والتجييش.
في الجوهر، العلاقة بين الرئيس جوزاف عون و"القوات اللبنانية" تشهد تأزّماً مستحكماً مبنياً على الصراع على النفوذ داخل الدولة. فالرئيس الذي خرج من المؤسسة العسكرية يحظى بقاعدة احترام واسعة في الداخل والخارج، وهو ما يقلق "القوات اللبنانية" التي تعتبر نفسها القوة السياسية المسيحية المعارضة الأكثر تمثيلًا. ومن هُنا يمكن إرجاع التوتّر إلى التنافس على الساحة المسيحية في لبنان.
من جهة أخرى، فإنّ عون يشكّل لاعباً محورياً في الساحة اللبنانية، ساعياً إلى إعادة ترتيب التوازنات السياسية بين مختلف القوى اللبنانية، مستنداً إلى موقف وطني قد يكون بعيداً عن صراع المحاور السياسية التقليدية، في حين أن "القوات” تركّز على تقييد دور "حزب الله" وإضعاف تأثيره في السياسة اللبنانية. وهذا التباين في الرؤى السياسية يعمّق الفجوة بين الطرفين ويجعل التفاهم بينهما صعباً في ظل الانقسامات الحادة في المشهد السياسي اللبناني.
في المحصلة، ما صدر عن "حزب القوات اللبنانية" ليس مجرد رأي، بل سقوط سياسي يعكس أزمة خطاب لدى حزب يبدو مصرًّا على خوض معاركه من خلال التصعيد لا الحوار. لكن لبنان في هذه المرحلة الدقيقة بحاجة ماسة إلى مزيد من التفاهمات السياسية التي تتجاوز أطر التنافس والصراع، وتبحث عن حلول جذرية للأزمات المستفحلة التي يعاني منها. المصدر: خاص "لبنان 24" مواضيع ذات صلة "سجال السلاح" هدأ والحوار رهن التوافق على الإطار Lebanon 24 "سجال السلاح" هدأ والحوار رهن التوافق على الإطار