الشكر هو العرفان والامتنان والإقرار ومجازاة صاحب الفضل والنعمة بالثناء الجميل.
وهو علامة على النُبل وسمو الطبع ورفعة الخُلق: (إن إبراهيم كان أُمَّةً قانتا لله حنيفاً ولم يك من المشركين، شاكراً لأَنعُمه اجتباه وهَدَاه إلى صراط مستقيم).
ورغم أن شكر الله واجب تفرضه كثرة العطايا والنِّعم اللامحدودة: (وإنْ تَعُدوا نعمة الله لا تحصوها).
فهى أقسام ثلاثة:
١. دنيوية كالصحة والعافية والمال الحلال والأولاد والأزواج والمنصب والحسب والنسب.
٢. دينية كالعمل الطيب والعلم والتقوى والمعرفة بالله.
٣. أخروية كالثواب على العمل القليل بالعطاء الجزيل.
كما يستوجبه العدل والمنطق والبداهة وطبائع الأمور: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)
لكن كثُر الجاحدون وقَلَّ الشاكرون، وذلك لأسباب:
أولها: الطغيان القارونى الذى يسيطر على البشر إزاء النعم فيظن كل منهم: (إنما أُتيته على عِلمٍ عندى) باستحقاق وجدارة وأهلية.
الثانى: الغفلة عن ماهية النعم وحقيقتها بسبب الاعتياد عليها:(والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون).
الثالث: الانشغال بالنعمة عن المنعم.
الرابع: الاغترار بزهو النعمة وبقائها: (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا).
الخامس: عدم يقين الإنسان بجزاء الشكر وبعقوبة كفر النعم: (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد).
السادس: ظن الكثيرون أن الفضل فى النعمة للأسباب التى كانت وراءها جريانها سواء البشر أم الجدية والاجتهاد أم الذكاء.. الخ
السابع: أن شكر الله على نعمائه يتطلب عونا من الله وبذلك دعا سليمان:(ربّ أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمتَ على وعلى والديّ)، وبذلك كان النبى صلى الله عليه وسلم يدعو عقب كل صلاة: (اللهم أعنى على ذٍكْرك وشكرك وحسن عبادتك).
فإذا جاء المدد بالشكر استوجب شكرا جديدا وهكذا.
الثامن: يتوهم أغلب الناس أن شكر النعمة مجرد الإقرار بها باللسان.
بينما شكر النعمة له أركان ثلاثة:
١. الاعتراف باطناً بالنعمة عطاءً ومنّةً بلا سبب وبالله واهباً ورازقاً.
٢. التحدث بها ظاهرا: (وأما بنعمة ربك فحدِّث).
٣. تصريفها فى طاعة الله.
٤. شكرها بالعمل الصالح من الخيرات: (اعملوا آل داود شكراً).
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
كأسك يا وطن
لست بخير كالعادة منذ سنوات.. نشرات الأخبار العربية الحزينة باتت بالنسبة لى مكمن المرض اللعين الذى نخر فى أعصابى وتفكيرى.. ولم يعد يفلح فيها مسكنات الأمل وأدوية المستقبل المشرق وحبوب الوحدة العربية.. فلن تكفى أدوية العالم الشحيحة من العدل والرحمة ان تعالج حالات الخذلان المتكرر التى تنتابنى حالياً بشكل يومى.
فى فترة الثمانينيات من القرن الماضى كنت طالبة بجامعة القاهرة وكانت مسرحية «كأسك ياوطن» للكاتب السورى الكبير «محمد الماغوط» تكتسح مسابقات الفرق المسرحية المتنافسة على مستوى الجامعات المصرية، لا أتذكر بالضبط كم مرة شاهدتها أو شاهدت عدد البروفات التى كانت تقام على مسرح كلية تجارة أو مسرح كلية حقوق.. فى كل مرة مع انتهاء العرض لا بد أن تدمع عيناك باللاشعور، حتى أن أحد النقاد قال ممازحاً ما معناه أنَّ الماغوط يقدم لك صحن البصل المقشر طازجاً مع كل سطر تقرأه.
أو كما تحدث الكاتب خضر الماغوط أبن عمه قائلاً: «عندما تقرأ محمد الماغوط تدمعُ عيناك لأنك ستضحك أولا وأنت تقرأ السخرية من الوضع القائم من حولك، ثم سرعان ما ستبكى عندما تكتشف أنك أنت المعنى شخصياً فى كتاباته، أنت الإنسان المهزوم دائماً الذى يتراقص من حولك الأقزام الذين هزموك سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً حضارياً، إلى كلّ مجالات الانهزام».
هل تحررت سوريا حقاً بعد سقوط نظام بشار الأسد ؟ لا أدرى كيف تكون إجابة هذا السؤال وتركيا مسيطرة وروسيا متداخلة وإسرائيل اللعينة نصبت الشرك على الحدود!!
فعلى الرغم من بصيص النور الذى انفتح على سجن «صدنايا» المرعب فخرج على أثره آلاف المسجونين ليروا السماء ولسيستنشقوا الهواء لأول مرة منذ سنوات بعيدة كانوا فيها رهائن قبورهم وزنازينهم تحت الأرض، تجسدت حجم الخسائر الروحية فى تلك الشابة السورية التى دخلت المسلخ البشرى «صدنايا» فى عمر التاسعة عشرة وخرجت وهى فى الثانية والثلاثين من عمرها وفى يدها ثلاثة أطفال لا تعرف من والدهم من كثرة تعرضها للاغتصاب.
أتذكر ما كتبه الشاعر الكبير «محمد الماغوط» فى نص «سياف الزهور»: آه يا وطن الأسلاك الشائكة والحدود المغلقة.
والشوارع المقفرة
والستائر المسدلة
والنوافذ المطفأة
أما من حل وسط بين الكلمة والسيف
بين بلاط الشارع وبلاط السجن
سوى بلاط القبر؟
أيتها الأمة الكذوبة
أين اجدادى الصناديد الكماة
وما الذى يؤخرهم؟
أشارات المرور؟
هل تحررت سوريا حقاً بعد سقوط نظام بشار الأسد؟ يطمئننى التاريخ بحكاياته ويؤكد لنا دوماً ان الطغاة يرحلون وتبقى الشعوب تقاوم الظلم والقهر وتنتصر فى النهاية، فهناك فى ريف دمشق وحماة واللاذقية وحمص وحلب أغنية للحرية بين الدروب وعلى شرفات المنازل المزينة بزهور الياسمين، أو كما يصدر الشاعر السورى الكبير «نزار قبانى» القدرة على الصمود فى قصيدته الشهيرة «آخر عصفور يخرج من غرناطة»:
أعجوبةٌ أن يكتب الشعراء فى هذا الزمان.
أعجوبةٌ أن القصيدة لا تزال
تمر من بين الحرائق والدخان
تنط من فوق الحواجز، والمخافر، والهزائم،
كالحصان
أعجوبةٌ.. أن الكتابة لا تزال..
برغم شمشمة الكلاب..
ورغم أقبية المباحث،
مصدراً للعنفوان...