إن الكذب لا يصنع أمة، ولا يقيم دولة، ولا يسهم فى تربية ولا يحقق تنمية، ولا يتناسب مع إيمان، ولا يوجد مع إسلام، فالإيمان قائم على الصدق، والإسلام مؤسس على الأخلاق، ومما يؤذن بخراب الديار وضياع الأوطان، وفقدان الثقات من الرجال أن يكون فى مقدمة الإعلام من أمتهن الكذب فصار له صناعة وكذب على ربه وعلى الناس، فما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا؛ لأنه يضر نفسه وغيره فى تزييف الواقع وتغيير الحقائق ، فالكاذب يرى البعيد قريبًا، والقريب بعيدًا؛ لأنه مغيب عن الواقع يعيش فى برج عاج لا يرى إلا نفسه، ولا يكلم إلا ذاته، ولا يصدق إلا غروره وعجرفته فيظهر النافع فى صورة الضار والضار فى صورة النافع، فهو يعكس الأمور؛ لأنه جاهل بالحقائق، فالكاذب رسول الجهالة، وبعيث الغواية، وظهير الشقاء، ونصير البلاء؛ لذلك كان الصدق ركنا ركينا للوجود الإنسانى، وعمادًا للبقاء الشخصى والنوعى، وموصل العلائق الاجتماعية بين آحاد الشعوب، فلا يجمع الله فى قلب إيمان وكذب، بل لا يكون المسلم كذابًا، فقد سأل النبى صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة فقال للنبى: أيكون المؤمن يا رسول الله بخيلًا.
فقال له: أيكون المؤمن يا رسول الله جبانًا.
فقال النبى صلى الله عليه وسلم: نعم.
فقال له: أيكون المؤمن يا رسول الله كذابًا.
فقال النبى صلى الله عليه وسلم: لا يكون المؤمن كذابًا.
لأنه إن دأب على الكذب سيكتب عند الله كذابًا، وكيف يصدق المؤمنون من دأبوا على الكذب فى كل أمور حياتهم؛ ولذلك توارثت الأمم من تاريخ قد لا يحد قدمًا، وإنما طبعها فى نفوسهم طابع الدين، فلقد افتقدت الأمم الصدق الذى كان خلق الرجال، وزينة الشباب، ومنجم الخيرات وحادى البشرية إلى النجاة، ويوم تخلت عنه صارت تعيش فى غابة القوى يأكل الضعيف ولا مكان فيه لفقير أو محتاج أو ضعيف أو صادق أمين فما تقدمت الأمم إلا بالصدق.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
حكم التهنئة بدخول شهر رمضان.. هل تجوز شرعا؟
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما حكم التهنئة بدخول شهر رمضان؟ وهل يجوز تقديم المعايدات بين الأفراد للتهنئة بقدوم شهر رمضان المبارك من خلال ألفاظٍ محددة؟
حكم التهنئة بدخول شهر رمضانوقالت دار الإفتاء في إجابتها عن حكم التهنئة بدخول شهر رمضان، إن يجوز شرعًا التهنئة بحلول شهر رمضان المعظم بكلِّ ما يفيد الدعاء بالخير والبركة وتعاقب الأزمنة من أيام وشهور وأعوام، وتقبل الطاعات من الألفاظ والعبارات، كما تجوز بتبادل الزيارة بين الأهل والأصدقاء والأحبة.
وأكدت أنه من المقرر شرعًا جواز الفرح والسرور بقدوم مواسم الخير والأعياد والمناسبات، خاصة الدينية لِمَا فيها من الطاعات والبركات والتذكير بأيام الله الطيبات، وذلك كالاحتفال بالأعياد والأعوام وقدوم بعض الشهور والأيام التي لها خصوصية دينية؛ لارتباطها بشعائر وأحداث عظيمة في الإسلام.
ومن بين تلك المناسبات الدينية المهمة والمعظمة في الشريعة الإسلامية والمستوجبة لإعلان الفرحة وعموم البهجة وانشراح الصدر وسكينة النفس حلول شهر رمضان المبارك؛ لِمَا فيه من تَنَزُل الرحمات والنفحات والمغفرة للذنوب والعتق من النيران، وكلُّ هذا من رحمة الله تعالى وفضله الذي يستدعي الفرح والسرور؛ امتثالا لعموم قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].
تهنئة النبي بدخول شهر رمضانوقد بيَّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه أنَّ هناك بعض الأزمنة كالأيام والليالي والشهور تتنزل فيها الخيرات، وتقبل فيها الدعوات، وترفع فيها الدرجات، ولذا ينبغي للمسلم اغتنامها بفعل الطاعات والدعاء لنفسه ولغيره بالخيرات، والدليل على ذلك: حديث محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْهَا فَلَا تَشْقَوْنَ بَعْدَهَا أَبَدًا» رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" و"المعجم الكبير".
وأوضحت أن من المظاهر المتعارف عليها بين المسلمين إعلان الفرحة والسرور بقدوم شهر رمضان المبارك، وتقديم التهاني للغير والدعاء له بالخير والبركة ودوام تعاقب الأيام والأعوام عليه وعلى أهله بالسعادة التامة.
كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يزف البشارة لأصحابه رضوان الله عليهم بقدومِ شهر رمضان المعظم؛ فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر يومٍ مِن شعبان فقال: «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيهِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ» رواه البيهقي في "شعب الإيمان".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما حَضَر رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قد جاءكم رمضان، شهرٌ مباركٌ، افْتَرَضَ الله عليكم صيامه، تُفْتَحُ فيه أبواب الجنة، ويُغْلَقُ فيه أبواب الجحيم، وَتُغَلُّ فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِمَ خيرها فقد حُرِمَ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند".
كيفية التهنئة بدخول شهر رمضانوذكرت دار الإفتاء أن التهنئة بحلول شهر رمضان تجوز بوجوه كثيرة ومتنوعة، منها ما هو لفظيٌّ يفيد معنى حلول البركة، وما يكون بلفظ الدعاء بتقبل الطاعات، ومنها ما يكون عن طريق المصافحة، ومنها ما يكون من خلال الزيارة والانتقال لأجل تقديم التهنئة، ومنها ما يكون بإرسال برقيات التهنئة عبر الرسائل الإلكترونية كالرسائل المكتوبة ومقاطع الفيديو ونحوها، أو تقديم ذلك عبر الاتصال الهاتفي وغيرها من الوسائل الحديثة.
وتابعت: والشأن في ذلك أنه من الوسائل والأسباب التي تؤدي إلى تقوية الروابط الاجتماعية والدينية والعلاقات الإنسانية، وقد تقرر في قواعد الفقه أن "للوسائل حكم المقاصد"، فما يتوصل به إلى الواجب فهو واجب، وما يتوصل به إلى مُحَرَّمٍ فهو مُحَرَّمٌ، وما يتوصل به إلى المندوب فهو مندوب.