تصريحات قائد الفرقة 98 تعكس عمق الأزمات الداخلية الإسرائيلية
تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT
القدس المحتلة- عكست العاصفة التي شهدتها الحلبة السياسية الإسرائيلية -عقب التصريحات الاستثنائية لقائد الفرقة 98 بالجيش الإسرائيلي المقدم دان غولدفوس- حقيقة الوقائع الميدانية بالحرب على غزة، وتباين المواقف بين المستويين السياسي والعسكري بكل ما يتعلق بقضية "اليوم التالي للحرب".
وسبقت تصريحات غولدفوس أزمة تجنيد اليهود الحريديم، التي طفت على السطح مجددا بعد مناقشات الحكومة تمديد الخدمة العسكرية الإلزامية وفترة خدمة الاحتياط، بغية سد حاجة الجيش لمزيد من القوات للقتال على جبهتي غزة ولبنان، وهي الأزمة التي تشكل تهديدا لاستقرار حكومة بنيامين نتنياهو.
وحذر نتنياهو وزيره للدفاع يوآف غالانت بأنه يعرض استقرار الحكومة للخطر، وذلك في حال لم يعرض مشروع قرار إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية على الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء الأحد.
الفرقة 98 بالجيش الإسرائيلي بقيادة غولدفوس أوكلت لها مهام تفجير مداخل الأنفاق بخان يونس (الصحافة الإسرائيلية) توبيخ واعتذاردعا غولدفوس في تصريحاته القادة السياسيين إلى أن يكونوا "جديرين بالتضحيات التي أظهرها الجنود" وهو ما تضمن تعبيراً عن انشغال إسرائيل بالأزمات الداخلية وعمق الشرخ المجتمعي فيها، في ظل غياب تقدم حقيقي في تحقيق أي إنجازات إستراتيجية، سواء المعارك البرية في القطاع أو حول طاولة المفاوضات بشأن صفقة التبادل واستعادة المحتجزين.
وفي ظل ما تحمله هذه التصريحات من حقائق، اكتفى رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي بتوبيخ المقدم غولدفوس، دون اتخاذ أي إجراءات تأديب ضده، وسوغ هاليفي ذلك بالقول إن "تصرف قائد الفرقة أتى خلافا لما كان متوقعا منه، حيث استغل الثقة الممنوحة له بطريقة أضرت بمكانة الجيش، وبالحدود التي تحكم العلاقات بين الرتب السياسية والعسكرية" في إسرائيل.
وإلى جانب ذلك، قال رئيس الأركان لغولدفوس إنه يقدر "احترافيته ومساهمته العميقة في الجيش، وبالتأكيد خلال الحرب على غزة، لكن هذا لا يسمح له بالتصرف بالطريقة التي تصرف بها" بينما تقبل غولدفوس الملاحظات والتوبيخ، وأشار إلى أن "طريقة تصرفه كانت خاطئة، ومخالفة للأوامر" واعتذر عنها.
وبصرف النظر عن الانتقادات والإجراءات التأديبية، حصل غولدفوس على دعم أطراف مختلفة في النظام السياسي من كلا الطرفين، الائتلاف الحكومي والمعارضة، بما في ذلك عضو الكنيست عن الليكود إيلي دلال، ووزير المالية ورئيس تحالف "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش، وعضو الكنيست عن "هناك مستقبل" إليعازر شتيرن، وعضو الكنيست السابق من حزب "ميرتس" يائير غولان.
أجندة اليمينوفي قراءة لمعاني ودلالات تصريحات قائد الفرقة 98، والملاحظات والتوبيخ الصادر عن رئيس الأركان، يقول المحلل العسكري بصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل إن "كلمات غولدفوس التي دعا من خلالها إلى الوحدة بين الشعب، والتأكيد على أن الجيش الإسرائيلي لن يتهرب من المسؤولية، بدا وكأنه يعني ضمنيا أن المستوى السياسي سوف يتهرب من المسؤولية".
وعزا المحلل العسكري عدم اتخاذ إجراءات تأديبية صارمة بحق غولدفوس، وهو خريج وحدة الكوماندوز البحري، إلى أنه تم تصويره خلال الحرب على غزة على أنه "قائد يحمل سكينا بين أسنانه، ويقود بعناد وإصرار عملية كشف الأنفاق تحت خان يونس".
وأشار إلى أن إعجاب اليمين المتطرف بما يقوم به غولدفوس في القطاع، والترحيب برسائل الوحدة بالمجتمع الإسرائيلي التي حملتها تصريحاته، تخدم أجندة رواية اليمين بشأن سير الحرب، وتحجب الانتقادات بكل ما يتعلق بإخفاقات وفشل حكومة نتنياهو في تحقيق أهداف الحرب المعلنة.
وأوضح المحلل العسكري أن "التصريحات حظيت بردود فعل إيجابية ومتحمسة حتى في الصحافة الإسرائيلية، وهو ما يعكس الشرخ المجتمعي وتباين المواقف سياسيا وعسكريا بشأن سير الحرب، وهذا نمط إشكالي يشجعه الإعلام الذي يقع في فخ الشعبوية".
ويضيف "ومع ذلك، فمن المناسب لليمين المتطرف ترويج أن الفشل الذريع والإخفاق في منع الهجوم المفاجئ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول هو خطأ القيادة العليا بالجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك) مقابل إنجازات قادة الفرق التي قادت احتلال شمال القطاع ووسطه، وخصوصا أن بعضهم يأتي من خلفية دينية، في تأكيد على التناقضات بين المجموعتين".
يقول أيضا "يبدو أنه في ظل فوضى الحرب، يجد رئيس الأركان صعوبة في السيطرة على كل ما يتم تحت قيادته، وبعد مرور أكثر من 5 أشهر على القتال، لا يزال الجيش في حالة دوران، ووسائل الإعلام كثيرا ما تخرج للدفاع عنه، لأن كل شيء يقاس بمنظار نعم أو لا لنتنياهو".
كاتب إسرائيلي: تصريحات غولدفوس صرخة تشهد شدة الإحباط وعمق القلق لدى الجنود (الصحافة الإسرائيلية) "صرخة محارب"تحت عنوان "صرخة غولدفوس" استعرض الكاتب الإسرائيلي آريه شابيت -في مقال له بصحيفة "مكور ريشون"- عمق الأزمة بين المستوى العسكري والحكومة، قائلا "على كبار الضباط أن يلتزموا الهدوء، وأن يديروا القتال، وأن يستعدوا للحرب، وأن يعيدوا بناء الجيش، ولكن على القادة السياسية أن يستيقظوا".
ويقول أيضا "لذلك، لا ينبغي النظر إلى كلام قائد الفرقة 98 على أنه خطاب تحد لضابط، بل صرخة مؤلمة لمحارب تشهد على شدة الإحباط وعمق القلق لدى الجنود من سير الحرب والتجنيد وتمديد الخدمة العسكرية، حيث لم يعد من الممكن تحمل الطريقة التي يعمل بها النظام السياسي" في إسرائيل.
وبحسب الكاتب الإسرائيلي فإن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول "كشفت عن حقيقتين متناقضتين، من ناحية البطولة وتضحية المقاتلين والمقاتلات الذين يفعلون كل شيء من أجل الحفاظ على وطن الشعب اليهودي، ومن ناحية أخرى الفشل والإخفاق وعدم كفاءة السياسيين الذين يواصلون طريقهم ويعرضون الوطن للخطر".
وحذر من مغبة أن يفضي هذا الشرخ والتناقضات إلى تمرد مدني وعسكري، داعيا القيادات السياسية للترفع عن الخلافات والسعي لوحدة المجتمع، قائلا إن "من لا يريد لنا أن نقع في تمرد عسكري كارثي، أو تمرد مدني مدمر خلال الحرب الوجودية، عليه أن يتحمل المسؤولية ويغير الاتجاه".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات قائد الفرقة 98 إلى أن
إقرأ أيضاً:
كيف نجت حماس من عام الحرب ضد إسرائيل؟
تساءلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، كيف تمكنت حركة حماس بعد عام من الحرب المكثفة من البقاء وإعادة تجميع صفوفها من جديد، موضحة أن الحرب بين إسرائيل وحماس التي بدأت في أعقاب 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، هي واحدة من أطول الحروب، التي واجهتها الحركة في تاريخها طيلة 40 عاماً.
وتقول جيروزاليم بوست إنه عندما بدأت الحرب، أرسلت حماس عدة آلاف من مقاتليها لمهاجمة إسرائيل، وقُدر عدد كتائب حماس في حينه بعد 7 أكتوبر، بنحو 24 كتيبة، أي حوالي 30 ألف مقاتل، بالإضافة إلى مجموعات مسلحة أخرى في القطاع، وعلى رأسها حركة الجهاد التي كان لديها آلاف المقاتلين أيضاً، وهذا يعني أنه عندما بدأت الحرب، ربما كان المسلحون قادرين على حشد ما يصل إلى 40 ألف رجل.وبعد الهجوم الأول على إسرائيل، والذي خسرت فيه حماس بعض المقاتلين، تراجعت الحركة إلى الأنفاق. وتقول التقديرات إن آلاف الفلسطينيين قتلوا في الهجوم على إسرائيل، ولكن من غير الواضح إذا كانت هذه التقديرات صحيحة.
ورأت الصحيفة أن انتظار الجيش الإسرائيلي حتى يوم 27 أكتوبر لبدء الحملة البرية، أعطى حماس الكثير من الوقت للاستعداد والتعافي، مستطردة "بالطبع كان على إسرائيل أن تتعافى حقاً، لكن كان على حماس أيضاً التعامل مع عدد غير مسبوق من الرهائن ومواجهة الغارات الجوية الإسرائيلية التي أعقبت 7 أكتوبر ".
حماس تستعرض قوتها في غزة: نحن "اليوم التالي"https://t.co/M8UTyibezz pic.twitter.com/PZZCvQ0yS9
— 24.ae (@20fourMedia) January 20, 2025مكاسب وخسائر حماس
في الفترة الأولى من العملية الإسرائيلية بقطاع غزة، استهدف الجيش الإسرائيلي شمال غزة، وهدف إلى قطعه عن الجنوب، كما لم تكن معظم التطورات الأولية في المناطق الحضرية، موضحة أن الفرقة 162 تحركت من زيكيم جنوباً على طول الساحل، بينما عبرت الفرقة 36 جنوب غزة في ممر نتساريم، واستولت على طريق صلاح الدين ومناطق رئيسية أخرى.
وبمجرد ربط الفرق، شنت قوات الجيش الإسرائيلي هجمات على شمال غزة، ووفقاً للتقديرات فإن العمليات الأولية هناك هزمت 10 أو 12 من كتائب حماس في شمال غزة، ولكن ثبت لاحقاً أن هذا غير صحيح، ومع ذلك، خسرت حماس آلاف المقاتلين في الشمال.
وحسب الصحيفة، لم تدخل القوات الإسرائيلية العديد من الأحياء المحيطة بمدينة غزة، وحتى عندما دخلت القوات إلى أماكن مثل جباليا أو بيت حانون، لم تطهيرها بالكامل، حيث ابتعدت حماس واختلطت بالمدنيين وانتظرت، وفي كثير من الحالات لم يمنع الجيش الإسرائيلي المدنيين من الفرار من مدينة غزة إلى الجنوب، ولذلك كانت حماس قادرة على المغادرة إذا أرادت ذلك.
وفي يناير (كانون الثاني)، وفبراير (شباط) 2024، أصبحت الحملة الإسرائيلية أقل كثافة، فقد حول الجيش تركيزه إلى خان يونس، وقضت الفرقة 98 أشهراً في العمل بهذه المنطقة الرئيسية لحماس. وبحلول أبريل (نيسان)، انتهت الفرقة 98 وغادرت، ثم قرر الجيش الإسرائيلي الدخول إلى رفح، بعد توقف طويل.
وتقول الصحيفة إن حماس حصلت على نوع من وقف إطلاق النار بحكم الأمر الواقع في غزة في مارس (آذار) وأبريل (نيسان)، ما مكنها من إعادة تجميع صفوفها، وكان هذا هو الوقت الذي كانت تضغط فيه الولايات المتحدة لبناء رصيف عائم متصل بممر نتساريم، ولكنه فشل.
وعندما دخل الجيش الإسرائيلي أخيراً إلى رفح وممر فيلادلفيا على الحدود مع مصر في مايو (أيار) 2024، تمكنت حماس من العودة إلى خان يونس لأن الفرقة 98 غادرت، وأصبحت مهمة الفرقة 162 هي إبعاد حماس عن رفح، وهي العملية التي استغرقت ثلاثة أشهر، وربما تم القضاء على 1000 مقاتل من حماس واعتقال المئات خلالها.
عودة جديدة
وأضافت الصحيفة أن حماس أعادت تجميع صفوفها في شمال غزة في الشجاعية وجباليا واستقرت في وسط غزة بالنصيرات والبريج ودير البلح والمغازي، مشيرة إلى أنها أنشأت دولة صغيرة واستمرت في الحكم، كما سيطرت على منطقة المواصي الإنسانية، ومن هناك فرضت نفوذها وقوتها من خلال الاستفادة من المساعدات القادمة إلى غزة.
التركيز على حزب الله
وفي سبتمبر (أيلول)، حول الجيش الإسرائيلي تركيزه إلى حزب الله في لبنان، حيث اتجهت الفرقة 98 شمالاً، ولم يتبق سوى عدد قليل من القوات في غزة. ووسع الجيش الإسرائيلي ممر نتساريم وقتل أيضاً زعيم حماس يحيى السنوار، وفي ذلك الوقت انتظرت حماس وراقبت.
وحسب الصحيفة، لم تعمل حماس في تلك الفترة إلا على السطح في مجموعات صغيرة. ونقلت معظم قيادتها وسيطرتها إلى المدارس، وانتقل العديد من أعضائها إلى المستشفيات للاختباء، وتكبدت خسائر، ولكنها واصلت هذه الممارسة المتمثلة في استخدام المناطق المدنية للاختباء، كما بدأت في استخدام المزيد من الأفخاخ ضد القوات الإسرائيلية.
انتشال جثامين 39 قتيلاً من مدينة رفح جنوب قطاع غزةhttps://t.co/ra3dRzZ14Q
— 24.ae (@20fourMedia) January 20, 2025تجنيد قوات إضافية
وبحلول أكتوبر (تشرين الأول)، كان الجيش الإسرائيلي مستعداً لشن هجوم جديد في شمال غزة، وأرسلت الفرقة 162 إلى جباليا، وفي النهاية إلى مناطق في بيت حانون وبيت لاهيا، وتابعت الصحيفة "في جباليا، كان لا بد من إخلاء 70 ألف مدني، ووجد الجيش الإسرائيلي آلاف المقاتلين من حماس، وقد ثبت أن هذه معركة صعبة، وأصبح العشرات من الجنود الإسرائيليين ضحايا، وأظهرت حماس أنها لم تُهزم وأنها جندت بالفعل وربما زادت قوتها في جباليا".
وبحلول الوقت الذي انتهى فيه الجيش الإسرائيلي من العمل في هذه المنطقة، وقعت صفقة الرهائن، والآن انسحب الجيش الإسرائيلي من شمال غزة، ونجحت حماس لأنها لم تُهزم قط في وسط غزة أو مدينة غزة، وعندما فقدت حماس وحدات، أعيد بناؤها، وعندما فقدت القادة، حل محلهم قادة آخرون.
وأشارت الصحيفة إلى أن فقدان المقاتلين والقادة، هو أسلوب حياة هذه الجماعات، فخلال حرب مايو (أيار) 2021، زعم الجيش الإسرائيلي أنه قضى على 25 من كبار قادة حماس، ومن المحتمل أن تكون هذه مبالغة، ولكن حتى لو لم تكن كذلك، فقد حل محلهم قادة آخرون، وتابعت "تسيطر حماس على مليوني شخص في غزة، وكل ما يتعين على حماس فعله هو تجنيد نسبة صغيرة من هؤلاء الرجال ويمكنها الاستمرار في تجديد صفوفها، سكان غزة شباب، أكثر من نصفهم تحت 18 عاماً، حماس لديها مجموعة جاهزة من المجندين".