موقع النيلين:
2025-03-17@15:08:23 GMT

محاولات محمومة لتفكيك السودان

تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT


أثناء الفعل الثوري، عند البعض، في ٢٠١٩، حدثت اختراقات كبرى لتدمير مؤسسات الدولة السودانية بتعمد تارةً ، وتارةً أخرى بعدم الكفاءة والخبرات لدى الناشطين الجدد الذين حكموا تلك الفترة. بينما البعض الآخر الذي يرى أن الثورة التي تفجرت ثورة مصنوعة، بات يضيع الزمن في لعق الجراح ومحاولة مراجعة مواقفه من كل الذي حدث .

. هذه الفترة الزمنية – رغم قِصرها – نالت من العصب الوطني الحي للدولة.

انفردت قوى سياسية محددة بعد التغيير في تشكيل الواقع السياسي الجديد، من الوثيقة الدستورية إلى حكم البلاد منفردة، ولمدة أربع سنوات كاملة، من غير وجود أي مؤسسات للعدالة أو المراقبة الشعبية مثل البرلمان أو نحو ذلك، بل قامت بدلاً عن ذلك لجان حزبية محضة تتشفى في المخالفين السياسيين، وتمارس كل أنواع القهر والظلم والدعاية السياسية التي غيّرت من ملامح الثورة التي رفعت شعارات سلمية (حرية وسلام وعدالة)،

وغيرت وتوغلت كثيراً في توسيع فراغات الروابط الإجتماعية والثقافية والسياسية، واستغلت كل الفجوات الممكنة لتزيد من مساحتها وتغذي فيها كل ما ينمي الشقاق والاختلاف والبغضاء بين مكونات المجتمع.

لا أحد بريء من هذه التهمة، صحيح أن هنالك من تولى كِبّرها تماماً مثل قوى الحرية والتغيير التي كان همها الأول أن تصفي حساباتها مع الإنقاذيين، واستعانت في ذلك بكل الأدوات الصدئة والمسمومة، والضرب تحت الحزام مثل (لجنة تصفية نظام الإنقاذ الحزبية) والتي فعلت الأفاعيل في ذلك الوقت فسقط شعار العدالة الذي هو من أقوى مسببات الثورة، ثم هرعت تلك القوى إلى السفارات والمنظمات والهيئات الأجنبية، تستعين بها وتخدم أجندتها.

وإذا مضينا سريعاً وقفزنا فوق الأحداث الماثلة في الذهن نجد أن الإتفاق الإطاري كان بمثابة المسمار الأخير في نعش الحوارات والورش التي تُحاك لتغير مفاهيم كبيرة في الدولة والمجتمع.

فالحرب الدائرة الآن كانت نتيجة حتمية لكل الذي مضى من تشاكس مريب بين بعض القوى المدنية والمؤسسة العسكرية.

بعد الحرب انحازت ما تبقى من قوى الحرية والتغيير للدعم السريع، كنتيجة حتمية لواقع التحالفات الجديدة. وصمتت عن انتهاكاتها وأعمالها الخطيرة وجرائمها التي تعرض لها الشعب السوداني مما يورطها تماماً في هذه الجرائم برغم بعض التغريدات والبيانات الخجولة من أحزابها و قياديها .

خطأ إنشاء قوة مساعدة للقوات المسلحة ومن جهة قبلية واحدة يعود لزمن الإنقاذ ، وفي اعتقادي أن هذا الفعل من الأخطاء الكبيرة للإنقاذ، رغم مايُقال من تبريرات من قادة الحكم آنذاك،

فقد شهدت فترة الإنقاذ منذ بدايتها حصاراً دولياً شديداً على السودان ذلك لإختلاف وجهات النظر في القضايا الاقليمية بين القوة الدولية الواحدة متمثلة في أمريكا وبين حكومة السودان، حاول الإنقاذيون إجراء تكتيكات عديدة وتحالفات مختلفة لتجاوز ذلك الحصار فنجحوا تارةً وفشلوا تارةً اخرى، وظل الحال كذلك حتى نهاية الإنقاذ.

وكانت قوات الدعم السريع محدودة العدد والعتاد ومحددة الأهداف من وجودها ولكن بعد التغيير والفوضى التي لازمت تلك الفترة وماجاء بعدها من فترات انتقالية حكمت فيها قوى بعينها تمددت هذه القوات واتسعت في العدد والعتاد حيثُ تحالفت تلك القوى الحاكمة الجديدة مع الدعم السريع لتحقيق أهداف تكشفت أسرارها بعد اندلاع الحرب الحالية.

قد يلقى اللوم على كاهل الجيش في هذه النقطة بالذات لأن له أجهزة استخبارية محترفة وعليمة بهذه التطورات الخطيرة ولكن كانت هناك حملة عنيفة ومنظمة وقوية تنتاش من الأجهزة الأمنية قاطبة مما أضعف بعض قدراته في اتخاذ القرارات الحازمة الحاسمة في ذلك الوقت، وبعد قيام الحرب في 15 ابريل 2023 تكشفت المؤامرة كلها، وشهد على ذلك من أهلها حيث أفاد الأستاذ أمجد فريد أحد مستشاري دكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء الانتقالي السابق أنه سمع من عبد الرحيم دقلو قائد ثاني للدعم السريع أنهم بصدد تغيير البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة بالقوة !!

هذا غير العديد من الورش والتصريحات المتكررة والمتواترة عن إصلاح المؤسسة العسكرية و رميّها وصبغها بالفلول مع سبق الإصرار والترصد، وذلك لإحلال الدعم السريع بعتاده الجديد وعدد قواته ليكون بديلاً للجيش.

انهارت هذه الخطط في أول يوم للإنقلاب بعد فشل إغتيال الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وعدد من قادة الجيش، وتحولت الحرب تحولاً درامياً مذهلاً حيث قامت بانتظام وترتيب في ضرب البنية التحتية للدولة ومكتسبات الأمة السودانية.

وفي وقتٍ وجيز تغيّر وجه العاصمة المثلثة لشكل كالح ومدمر بفعل الميليشيا المتمردة لتلك البُنى.

ثم انتقلت الحرب نُقلة نوعية أخرى بالدخول إلى بيوت ومنازل المواطنين والسكن فيها وطرد أهلها و من ثم سرقة ممتلكاتها واغتصاب ماشاء لهم من حرائرها ، هذه الأفعال مورست ( بالكربون ) في ايي منطقة اعتدوا عليها ودخلوا فيها، وكان من الواضح أنها ضمن مخطط إستيطاني جديد !!

الذين يعلمون ببواطن الأمور يعرفون أن السودان في السنوات الأربع قبل الحرب حدث فيه خلل كبير حيث استهدفت المنظومة الأمنية استهدافاً حاداً ومباشراً ، ولم يهتم الحكام الجدد ببقية السودان من حيث الأمن والاستقرار والخدمات ومعالجة النسيج الاجتماعي في تلك المناطق مما أغرى قوات الدعم السريع في زيادة الهوة و العمل بمعاول ثقيلة على هدم ما تبقى من رابط اجتماعي خاصةً بين حواضن تلك المناطق التي تمتاز بالفوضى والاضطرابات القبلية، فعندما تنظر للسودان لاتجد روابط عميقة تؤثر تأثيراً حيوياً على التماسك الوطني، ولذلك فإن أي هزة في تلك الروابط يصيب المنظومة بالكثير من التمزق والشتات.

وبعد مرور اكثر من عشرة أشهر على الحرب عملت كل تلك القوى السياسية التي تناصب العداء للقوات المسلحة بإعتبارها ( فلول )

على محاولة إصابة تلك القوات لأنها تعلم علم اليقين أنها تمثل العمود الفقري الذي يربط كل البلاد برباطٍ وثيق .

لذا نجد أن بعض القوى السياسية السودانية تعمل مع بعض الجهاتٍ الإقليمية والدولية على تفكيك وحدة السودان، ويبدو هذا الأمر واضحاً في عقد الورش العديدة التي تبحث في ما يسمونه “إصلاح المنظومة الامنية”.

هذا الشعار الفضفاض دونه الكثير من المؤامرات والمنكرات، ويعني بصريح العبارة استبدال الجيش السوداني بمليشيا قبلية وعنصرية محددة.

قيادة الجيش تعلم علم اليقين أن المنظومة الأمنية تحتاج إلى إصلاح ودمج وتسريح لقوات الكفاح المسلحة وبناء من كل هذه الحركات جيش قومي واحد يتكأ على الإرث الكبير والعظيم لقوانين وممارسات الموسسة العسكرية السودانية،

بعض الناس يتجاوز حقائق أن السودان بعد سنوات التيه أصبح هشاً للغاية وممسكاته الوطنية ضعيفة وغير راسخة

هذا ليس قولاً عارضاً إنما حقائق تسندها المعلومات والواقع .

الوضع بائس ومزري ومحزن للغاية ويحتاج من كل أبناء السودان للإلتفاف بقوة وتجاوز كل الخلافات والأجندة الحزبية الضيقة وصولاً إلى تسوية سياسية معقولة تنتهي بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، هذا الحديث سهل حين يُقال ولكنه صعبُُ للغاية ويحتاج إلى تنازلات كبيرة وصبر شديد وإعلاء للقيم الوطنية العليا لأن أي محاولات للإقصاء وفتق الجراح أو الاستعلاء أو العزة بالإثم قد تؤدي بالبلاد إلى ما لا يحمد عقباه.

في زمن التيه الوطني وخلال الأربع سنوات وما تلتها حدثت فوضى في مواقع التواصل الإجتماعي أسهمت في تمزيق عرى النسيج الإجتماعي السوداني، وبرز خلالها متحدثون يعززون من نشر خطاب الكراهية وعدم قبول الآخر، الأمر الذي أضر بالنسيج الوطني والتنوع الذي يمثل ثراءً للسودان .

مما سبق كله هنالك حرب شاملة يواجهها السودان تحاول بضراوة أن تقسم البلاد إلى عددٍ من الأقسام ثلاث أو خمس مستهدفة إمكانات البلاد القومية ممثلة في تنوع إنسانها وغزارة إنتاجها القومي مما يتطلب وقفةً وصموداً يناسبان هذا الاستهداف الخطير .

عادل عبد الرحمن عمر

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

هل دخل السودان عصر الميليشيات؟

هناك أكثر من سردية لبداية الحرب في السودان، ومن هو صاحب المصلحة في إشعال الحرب، لكن السردية الحكومية الرسمية تقول إن ميليشيا «قوات الدعم السريع» تمردت على سلطة الدولة وحاولت الاستيلاء على السلطة، فاضطر الجيش للتصدي لها. لكن حتى من يقول بتلك السردية يعترف بأن «قوات الدعم السريع» تكونت في عهد حكومة الإنقاذ الإسلامية، وكانت مهمتها هي القيام بالأعمال التي لا يمكن للجيش أن يقوم بها، بخاصة في دارفور التي كانت مشتعلة. وصدر قانون «الدعم السريع» في ظل حكومة الإنقاذ، وتم السماح لها بالتمدد من ناحية العدد ونوعية التسليح حتى صارت تشكل خطراً حقيقياً، ثم جاء الفريق عبد الفتاح البرهان وعدّل قانون «الدعم السريع» ليمنحها مزيداً من الصلاحيات، ويعطيها قدراً من الاستقلالية عن القوات المسلحة السودانية.

إذا افترضنا حسن النية في كل ما حدث، إن كان ذلك ممكناً، فالطبيعي أن يتعلم الناس من التجربة، ويمتنعوا عن تكرارها، على الأقل في المستقبل القريب، ويتجهوا ناحية تقوية الجيش الرسمي، وإعادة تأهيله وتسليحه وتدريبه ليكون القوة الوحيدة الحاملة للسلاح، ولكن ما حدث عكس ذلك تماماً.

أعلنت الحكومة الاستنفار، وكان المفهوم هو قبول متطوعين من المدنيين للالتحاق بالجيش. وفعلاً بدأ هذا العمل في عدد من الولايات، لكن في الوقت ذاته ظهرت «كتيبة البراء بن مالك» التابعة للحركة الإسلامية، وبدأت من جانبها فتح باب التجنيد وسط الشباب، واتخذت لنفسها شعاراً وراية مختلفين، وأدبيات مستوحاة من تاريخ الحركة الإسلامية وفصائلها المسلحة في العهد الماضي، ثم أعلنت حركات دارفور المتحالفة مع الحكومة تخليها عن الحياد وانضمامها لصفوف الجيش، مع فتح معسكرات للتجنيد والتدريب داخل وخارج السودان، وبالتحديد في دولة إريتريا المجاورة، ثم ظهر نحو خمسة فصائل من شرق السودان فتحت معسكراتها في إريتريا وبدأت تخريج المتطوعين. وكان الملمح الظاهر لكل هذه المجموعات المسلحة، بما فيها حركات دارفور وشرق السودان، هو الطابع القبلي للحشد والتعبئة والتجنيد.

الاختلاف الوحيد ظهر في منطقة البطانة، شرق الجزيرة، وولايتَي سنار والنيل الأزرق، حيث ظهرت مجموعات مسلحة انضمت لـ«الدعم السريع»، بقيادة أبو عاقلة كيكل في منطقة البطانة، والبيشي في منطقة سنار، والعمدة أبو شوتال في النيل الأزرق. وبالطبع كان الطابع القبلي لـ«قوات الدعم السريع» أظهر من أن يتم إخفاؤه؛ فقد اعتمدت بشكل أساسي على القبائل العربية في ولايات دارفور.

كانت التحذيرات تتردد من دوائر كثيرة، ليست فقط بين المجموعات المدنية التي وقفت ضد الحرب، ولكن حتى من بين صفوف السلطة والقوات المسلحة، واتفقت كلها على أن تمرد ميليشيا لا يمكن محاربته بتكوين عشرين ميليشيا أخرى لا تخضع بشكل مباشر لسلطة القوات المسلحة، وإنما لسلطة القبيلة.

بعد الانقلاب الكبير الذي قاده أبو عاقلة كيكل في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وانضمامه للقوات المسلحة مع قواته المسماة «درع السودان»، شنت «قوات الدعم السريع» حملات انتقامية على مدن وقرى منطقة البطانة وشرق النيل، وقتلت المئات من المدنيين، وشردت مئات الآلاف من قراهم، ونهبت متاجرهم وممتلكاتهم. ورغم السخط الكبير على كيكل باعتبار أنه كان مسؤولاً عن استيلاء «قوات الدعم السريع» على ولاية الجزيرة، فإنه استفاد من التعبئة القبلية في المنطقة وضاعف حجم قواته، واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة ضد «الدعم السريع».

مع تقدم الجيش وتحقيق الانتصارات سرعان ما بدأ صراع الفصائل يظهر على السطح، بخاصة من خلال صفحات «السوشيال ميديا»، بين مجموعات «القوات المشتركة» المكونة أساساً من حركات دارفور المسلحة، وقوات «درع السودان» التي تمددت في منطقتَي شرق وغرب الجزيرة حتى غطت على ما عداها، ومجموعات الكتائب الإسلامية التي أحست بوجود منافسة مبنية على الأساس القبلي والمناطقي تحد من تمددها في المناطق المختلفة. وتحولت الانتقادات إلى اتهامات بالفساد وارتكاب الجرائم والتصفيات، ووصلت لمرحلة تبادل اتهامات الخيانة والعمالة. وتزامن ذلك مع تبني البرهان وأركان الحكومة لما يُعرف بـ«خريطة الطريق» لمرحلة ما بعد الحرب، والتي أعدتها قوى سياسية ومسلحة متحالفة مع البرهان لم تشرك الحركة الإسلامية في إعدادها. وتضمن «الخريطة» للبرهان حكماً مطلقاً خلال فترة انتقالية قادمة، رأت فيها بعض الفصائل إنكاراً لدورها في الحرب.

الخطر الذي يخشاه السودانيون هو تحول هذه الصراعات الإسفيرية إلى صراعات ميليشيات مسلحة على الأرض، وهو ما بدا ظاهراً الآن؛ إذ تحول السودان إلى «كانتونات» تدخل البلاد في دوامة لا يعرف أحد حدودها وخطوط نهايتها.

فيصل محمد صالح
نقلا عن الشرق الأوسط  

مقالات مشابهة

  • تجربة درع السودان وتجارب كل التشكيلات العسكرية التي ساهمت (..)
  • حديث أركو مناوي ..الذي نفذ في خضّم المعركة ورغم مرارات الحرب
  • ارتفاع أسعار المنتجات الأميركية بسبب الحرب التجارية التي أطلقها ترمب
  • عادل الباز يكتب: الخطة (ط): التطويق (1)
  • اختفاء 2000 شخص فى السودان منذ بدء الحرب
  • ???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • هل دخل السودان عصر الميليشيات؟
  • السلاح والغذاء في حرب السودان
  • الدول التي تدرس إدارة ترامب فرض حظر سفر عليها