كل الدول لديها سياسيات لغوية
تبدأ هذه السياسة من اختيار لغة البلد في الدستور.
هذا الفعل القانوني يذهب باللغة إلى ابعد من مسألة تواصل. يصل بها إلى ان تكون عمود بناء الأمة/الدولة.
ثم تتشكل مع اللغة حالة طهورية تلازم بناء الدولة . تقوم الدولة بالانضباط وعليه تُجر كل مقومات الدولة /الامة بالانضباط بما فيها اللغة.
يمتاز الخطاب الرسمي بصرامه وقيافة وعلو في التركيب واختيار الألفاظ لانه يجسد سلطة رمزية ولأنه تعبير عن انتماءات طبقية ايضا كما انه خطاب شامل ويستقصد قوننة مدلولاته.
ناهيك عن ان الغاية من اعتماد مستوى خطاب معين في اطار اللغة التي وقع اختيارها كلغة للامة يهدف إلى توسيع قاعدة التواصل وتشكيل لغة وطنية جديدة جامعة هي التجسيد الرمزي للسيادة.
لا يهمني الجدل في نشاة الفصحى من العامية ثم ما هي مستويات الفصحى . هذا شأن متخصصي علماء اللغة.
الخوض في هذا الجدل يكون بدراية واحترام لقواعد النقاش مثل التعزيز الأمثلة والاطلاع على ما سبق وإسباغ الفكرة بالحجج لا بالأحكام المسبقة وصيغة التجريم او الإطلاق كما يفعل بعض المثقفين الذين يظنون ان اقامة الحجة والبت في المسائل يكون بمنشور فيسبوكي.
تهمني نقطة اخرى حوّل اللغة العربية وهي ان اللغة العربية اكبر من وضعها في اطار ضيق هو اطار الدولة القطرية لانها سابقة عليها ولانها ليس لغة اثنية انما فضاء ثقافي واسع يتجاوز الاثنيات والأديان والمذاهب ولم تكن تشبهها إلا القليل من اللغات حتى مكّن الاستعمار الاوروبي بعض اللغات من الوصول إلى وضع اللغة العربية.
بهذا المعنى يصبح العمل الادبي جزء من فضاء عربي واسع وغايته ان يصل إلى متلقي يقع هنا او هناك في رقعة اللغة هذه.
لان النص تفاعلي بطبعه وموجه واللغة التي يُكتب بها تحدد سلفا المتلقى .
ومثله العمل الفني السينمائي.
تدرك الامم هذه الخاصية وتتراوح بين معضلة الانتاج باللغة الوطنية او الوصول إلى فضاءات ثقافية اوسع.
بعض الامم تتمنى لو انه لها ميزة ان لغتها تعبر بيسر الحدود والآفاق. ولن تحتاج إلى ترجمة او جوازات سفر لغوية او التلاعب على الحدود بإنتاج اعمال مشتركة او بلغتين.
يمتلك المغرب العربي قامات فنية لا نظير لها لكنها حصرت أعمالها بلهجة دارجة وتقوقعت ولم تسع إلى استعمال الدراما التاريخية بالفصحى او الذهاب نحو منطقة لغوية وسطى.
ولن تجد بداً إذا اشتهت ان تحقق نجاحا ماديا وثقافيا اوسع يخرج بها من الاطار القطري -الذي اكن له كل الاحترام والتقدير – من هذا. لانها لن تجد مكانتها في فضاءات لغوية اخرى وليس اسهل لها من الاستثمار في الفضاء اللغوي العربي.
حققت السينما المصرية والتلفزيون المصري رأسمال كبير لأنهما استثمرا في تقديم اعمال تهدف إلى تجاوز الاطار القطري. وكانت أسهل الطرق هي الدراما التاريخية.
وربما محدودية وسايل التلفزية ومؤسسات الانتاج منحت مصر وبلهجة مصر امتيازا لم يعد متاحا اليوم بعد ان انتقل ثقل الانتاج التلفزيوني والفني الغنائي إلى مربعات عربية اخرى.
البقاء طور المنافسة والفوز يقتضي الاستجابة إلى هذه التحديات وعدم التقوقع انما استهداف فضاء اوسع. وهذا لن يكون إلا بتوسل الانتاج في الدراما التاريخية وبلغة تجمع.
ليس بالضرورة اللجوء إلى التقعير والحديث بالشاذ والمتنطع . بل يكفي الحديث بلغة سليمة البناء والتركيب صادقة في المعنى.
ورغم الاستثناء في الحالة المصرية مع هذا لم يخدمها الاستثناء إذا تمكنت الدراما التاريخية السورية من انزال نظيرتها المصرية من العرش لانها اعتمدت عربية افصح واستهدفت جمهورا اعرض وقدمت اعمالاً مميزة رغم ما يثار حوّلها من جدل في السردية التاريخية..
اكتب هنا من منظور براجماتي بعيدا عن التعصب نحو لغة مقدسة وأخرى مدنسة كما يفعل انصار العربية وانصار العاميات على السواء.
لا اقصد هجران الانتاج باللهجة العامية او اللهجات العامية لكن يجب التفكير في الجمهور المستهدف والتنافسية. ثم ان الموضوع هو الذي يضع شروطاً في اختيار المستوى اللغوي.
اللجوء إلى استخدام العامية في مواضيع تاريخيّة هو دليل تقوقع وسياسية لغوية تحبذ العزلة في احسن الاحوال وهروب من المنافسة.
على ان الدراما التاريخية تملك حساسية خاصة. فالمواضيع التي تقدم للمتابع في الأصل مستوحات من سرديات مكتوبة بخطاب فصيح رفيع التركيب. والنزول بالنص إلى العامية يعني ترجمة وكل ترجمة خيانة يضيع في ثناياها روح النص.
اذهب برأي إلى أن الدعوة لتقدم دراما تاريخيّة بالعامية ليست مجرد راي حول اللغة بل توجه ايديولوجي يريد تحقيق العزلة القطرية في الشعوب العربية وعدم تجسير المشترك واغلاق ابواب اللقاء.
من لديه مصلحه من هذه الدعوة يا ترى، على الاقل على ضوء الصراع الراهن ومشكلة كل شعوب العرب.
من يثير النعرات المناطقية والإثنية واللغوية وصولا بها إلى مستوى اللهجات غير طرف يرى في هذا التشتيت تحقيقا لهدف.
الدعاة العرب لهذا النزوع صنفان اما لا يعون مخاطر تهدد ثقافتهم بالتالي كيانهم او متماهون مع ادوات الصراع دون خجل او وازع .
نقلاً من صفحة الكاتب على فيسبوك
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: كتابات مصطفى ناجي يمن مونيتور الدراما التاریخیة
إقرأ أيضاً:
نادى أدب أسيوط يحتفل باليوم العالمي للغة العربية
شهد قصر ثقافة اسيوط ملتقى ثقافى ادبى بعنوان جماليات اللغة العربية ضمن الإحتفال باليوم العالمي للغة العربية،بمقر القصر،ضمن برامج وزارة الثقافةوجاء ذلك تحت رعاية الدكتور احمد فؤاد هنو وزير الثقافة والكاتب محمد ناصف نائب رئيس الهيئة،ضمن باقة من الفاعليات الثقافية والفنية التي يقدمها إقليم وسط الصعيد الثقافي بفرع ثقافة أسيوط،ونفذها قصر ثقافة اسيوط برئاسة صفاء حمدان ضمن برنامج الإبداع لنادى أدب قصر ثقافة أسيوط برئاسة الدكتور سعيد أبو ضيف
وحاضر فيها كلا من عبد الحفيظ السيد رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة أسيوط،وسعيد حامد استاذ البلاغة والنقد بكلية الآداب بجامعة أسيوط واسماء عبدالحميد قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة أسيوط وبحضور عبدالناصر البدرى،و الشاعر محمد جابر المتولى، والشاعر اشرف الخطيب والشاعر الدكتور أحمد النمكى،والاديب ايمن رجب،والدكتورة وئام عصام،والاديب رأفت عزمى ونخبة من أدباء وشعراء ومثقفى أسيوط
وبدأت فعاليات الملتقي بالسلام الوطني،بينما رحب الأديب الدكتور سعيد أبو ضيف بالحضور،منوها بدور الأدب في نشر الوعي،واهمية الاحتفاء باللغة العربية،وابراز جماليات اللغة العربية
وأدارات الملتقى حنان ابو القاسم بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة أسيوط
وقال عبد الحفيظ السيد أبرز جماليات اللغة العربية هو غناها اللفظي موكدا أنها تمتلك اللغة العربية معجمًا ضخمًا يتيح التعبير عن أدق الأحاسيس وأعقد الأفكار بكلمات محددة ودقيقة وأن هذا الغنى اللفظي يمنح المتحدث مرونة كبيرة في التعبير، ويظهر بشكل خاص في الشعر العربي، حيث تتنوع المفردات المستخدمة لتعبر عن نفس المعنى بظلال مختلفة.
ومن جانبه أشار سعيد حامد حول بلاغة اللغة العربية،صعيد البلاغة، فاللغة العربية غنية بالصور البيانية والمحسنات البديعية فنون مثل التشبيه، والاستعارة، والجناس، والطباق، تضيف عمقًا وجمالًا للنصوص، وتمنح المتلقي تجربة لغوية فريدة فهذه الجماليات جعلت اللغة العربية وسيلة مثالية لسرد القصص ونقل المشاعر وتصوير الطبيعة
واضافت اسماء عبد الحميد ان اللغة العربية ليست مجرد لغة، بل هي إرث ثقافي وحضاري يعكس روح الأمة وتاريخها،منوهة جمالياتها لا تنحصر في جانب واحد، بل تمتد إلى كافة عناصرها، مما يجعلها مصدرًا للفخر والإلهام لكل من يتحدث بها أو يدرسها.
وبينما اختتمت فعاليات الملتقى بمداخلات ثرية،القى خلالها نخبة من الأدباء باقة من القصائد الشعرية التي تنوعت ما بين الفصحى والعامية كما شاركت المواهب الأدبية الشابة بباقة من القصائد الشعرية الوطنية التى نالت إعجاب الحضور