يمن مونيتور:
2025-02-03@23:09:29 GMT

‏بين العامية والفصحى

تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT

‏بين العامية والفصحى

‏كل الدول لديها سياسيات لغوية

‏تبدأ هذه السياسة من اختيار لغة البلد في الدستور.

‏هذا الفعل القانوني يذهب باللغة إلى ابعد من مسألة تواصل. يصل بها إلى ان تكون عمود بناء الأمة/الدولة.

‏ثم تتشكل مع اللغة حالة طهورية تلازم بناء الدولة . تقوم الدولة بالانضباط وعليه تُجر كل مقومات الدولة /الامة بالانضباط بما فيها اللغة.

‏يمتاز الخطاب الرسمي بصرامه وقيافة وعلو في التركيب واختيار الألفاظ لانه يجسد سلطة رمزية ولأنه تعبير عن انتماءات طبقية ايضا كما انه خطاب شامل ويستقصد قوننة مدلولاته.

‏ناهيك عن ان الغاية من اعتماد مستوى خطاب معين في اطار اللغة التي وقع اختيارها كلغة للامة يهدف إلى توسيع قاعدة التواصل وتشكيل لغة وطنية جديدة جامعة هي التجسيد الرمزي للسيادة.

‏لا يهمني الجدل في نشاة الفصحى من العامية ثم ما هي مستويات الفصحى . هذا شأن متخصصي علماء اللغة.

‏الخوض في هذا الجدل يكون بدراية واحترام لقواعد النقاش مثل التعزيز الأمثلة والاطلاع على ما سبق وإسباغ الفكرة بالحجج لا بالأحكام المسبقة وصيغة التجريم او الإطلاق كما يفعل بعض المثقفين الذين يظنون ان اقامة الحجة والبت في المسائل يكون بمنشور فيسبوكي.

‏تهمني نقطة اخرى حوّل اللغة العربية وهي ان اللغة العربية اكبر من وضعها في اطار ضيق هو اطار الدولة القطرية لانها سابقة عليها ولانها ليس لغة اثنية انما فضاء ثقافي واسع يتجاوز الاثنيات والأديان والمذاهب ولم تكن تشبهها إلا القليل من اللغات حتى مكّن الاستعمار الاوروبي بعض اللغات من الوصول إلى وضع اللغة العربية.

‏بهذا المعنى يصبح العمل الادبي جزء من فضاء عربي واسع وغايته ان يصل إلى متلقي يقع هنا او هناك في رقعة اللغة هذه.

‏لان النص تفاعلي بطبعه وموجه واللغة التي يُكتب بها تحدد سلفا المتلقى .

‏ومثله العمل الفني السينمائي.

‏تدرك الامم هذه الخاصية وتتراوح بين معضلة الانتاج باللغة الوطنية او الوصول إلى فضاءات ثقافية اوسع.

‏بعض الامم تتمنى لو انه لها ميزة ان لغتها تعبر بيسر الحدود والآفاق. ولن تحتاج إلى ترجمة او جوازات سفر لغوية او التلاعب على الحدود بإنتاج اعمال مشتركة او بلغتين.

‏يمتلك المغرب العربي قامات فنية لا نظير لها لكنها حصرت أعمالها بلهجة دارجة وتقوقعت ولم تسع إلى استعمال الدراما التاريخية بالفصحى او الذهاب نحو منطقة لغوية وسطى.

‏ولن تجد بداً إذا اشتهت ان تحقق نجاحا ماديا وثقافيا اوسع يخرج بها من الاطار القطري -الذي اكن له كل الاحترام والتقدير – من هذا. لانها لن تجد مكانتها في فضاءات لغوية اخرى وليس اسهل  لها من الاستثمار في الفضاء اللغوي العربي.

‏حققت السينما المصرية والتلفزيون المصري رأسمال كبير لأنهما استثمرا في تقديم اعمال تهدف إلى تجاوز الاطار القطري. وكانت أسهل الطرق هي الدراما التاريخية.

‏وربما محدودية وسايل التلفزية ومؤسسات الانتاج منحت مصر وبلهجة مصر امتيازا لم يعد متاحا اليوم بعد ان انتقل ثقل الانتاج التلفزيوني والفني الغنائي إلى مربعات عربية اخرى.

‏البقاء طور المنافسة والفوز يقتضي الاستجابة إلى هذه التحديات وعدم التقوقع انما استهداف فضاء اوسع. وهذا لن يكون إلا بتوسل الانتاج في الدراما التاريخية وبلغة تجمع.

‏ليس بالضرورة اللجوء إلى التقعير والحديث بالشاذ والمتنطع . بل يكفي الحديث بلغة سليمة البناء والتركيب صادقة في المعنى.

‏ورغم الاستثناء في الحالة المصرية مع هذا لم يخدمها الاستثناء إذا تمكنت الدراما التاريخية السورية من انزال نظيرتها المصرية من العرش لانها اعتمدت عربية افصح واستهدفت جمهورا اعرض وقدمت اعمالاً مميزة رغم ما يثار حوّلها من جدل في السردية التاريخية..

‏اكتب هنا من منظور براجماتي بعيدا عن التعصب نحو لغة مقدسة وأخرى مدنسة كما يفعل انصار العربية وانصار العاميات على السواء.

‏لا اقصد هجران الانتاج باللهجة العامية او اللهجات العامية لكن يجب التفكير في الجمهور المستهدف والتنافسية. ثم ان الموضوع هو الذي يضع شروطاً في اختيار المستوى اللغوي.

‏اللجوء إلى استخدام العامية في مواضيع تاريخيّة هو دليل تقوقع وسياسية لغوية تحبذ العزلة في احسن الاحوال وهروب من المنافسة.

‏على ان الدراما التاريخية تملك حساسية خاصة. فالمواضيع التي تقدم للمتابع في الأصل مستوحات من سرديات مكتوبة بخطاب فصيح رفيع التركيب. والنزول بالنص إلى العامية يعني ترجمة وكل ترجمة خيانة يضيع في ثناياها روح النص.

‏اذهب برأي إلى أن الدعوة لتقدم دراما تاريخيّة بالعامية ليست مجرد راي حول اللغة بل توجه ايديولوجي يريد تحقيق العزلة القطرية في الشعوب العربية وعدم تجسير المشترك واغلاق ابواب اللقاء.

‏من لديه مصلحه من هذه الدعوة يا ترى، على الاقل على ضوء الصراع الراهن ومشكلة كل شعوب العرب.

‏من يثير النعرات المناطقية والإثنية واللغوية وصولا بها إلى مستوى اللهجات غير طرف يرى في هذا التشتيت تحقيقا لهدف.

‏الدعاة العرب لهذا النزوع صنفان اما لا يعون مخاطر تهدد ثقافتهم بالتالي كيانهم او متماهون مع ادوات الصراع دون خجل او وازع . ‏

 

نقلاً من صفحة الكاتب على فيسبوك

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: كتابات مصطفى ناجي يمن مونيتور الدراما التاریخیة

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية يؤكد عمق العلاقات التاريخية بين مصر وجنوب أفريقيا

أكد الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة، عمق العلاقات التاريخية بين مصر وجنوب أفريقيا.

جاء ذلك خلال الاتصال الهاتفي الذى أجراه وزير الخارجية، اليوم السبت، مع رونالد لامولا وزير خارجية جنوب أفريقيا، حيث تم بحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات.

وأستعرض عبد العاطي، خلال الاتصال سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين مصر وجنوب أفريقيا، ومتابعة تنفيذ مخرجات الدورة العاشرة للجنة المشتركة، وكذلك إعادة تشكيل مجلس الأعمال المشترك ليواكب التطور في أطر التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين.

وتناول الوزيران، التطورات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك لاسيما تطورات الأوضاع في قطاع غزة والتصعيد في منطقة شرق الكونغو.

كما بحثا سبل دعم التكامل الإقليمي والتعاون جنوب-جنوب، مؤكدين على أهمية التنسيق المستمر بين البلدين في المحافل الدولية حول قضايا الأمن والاستقرار في القارة، خاصة في ضوء التحديات التي تواجه القارة الأفريقية، بالإضافة إلى تبادل تأييد ترشيحات البلدين للمناصب الدولية بما يصب في صالح القارة الإفريقية.

اقرأ أيضاًوزير الخارجية يصل القصر الجمهوري ببعبدا للقاء الرئيس اللبناني

خلال زيارته لبلجراد.. عبد العاطي يجتمع مع رئيسة البرلمان الصربي

مقالات مشابهة

  • الوثيقة التاريخية لشهداء المقاومة عظماء الأمة إلى شبابها ومستقبلها
  • جامعة الدولة العربية تدعم السودان وتؤكد وحدة وسيادة أراضيه 
  • مناقشة التحضير لمشروع رصف مدينة زبيد التاريخية
  • عبد العاطي يشيد بخصوصية العلاقات التاريخية بين مصر والسودان
  • السعودية للكهرباء تُسوِّي جميع التزاماتها التاريخية للدولة
  • معرض القاهرة الدولي للكتاب يزخر بالمراجع والمجلدات التاريخية
  • ليبيا: نُدعم استقرار السودان وملتزمون بالحفاظ على علاقاتنا التاريخية
  • ندوة اللغة العربية والتقنيات تناقش التحديات والفرص في ظل الذكاء الاصطناعي
  • وزير الخارجية يؤكد عمق العلاقات التاريخية بين مصر وجنوب أفريقيا
  • "مصر تجسد القوة العربية الحقيقية".. تقرير يوضح الموقف المصري الثابت لدعم الفلسطينيين