موقع النيلين:
2025-03-31@18:59:13 GMT

الدلالات القومية للدراما الرمضانية

تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT


في كل رمضان، تتابع الجماهير العربية الأعمال التلفزيونية المتنوعة، خاصة الدرامية منها، الأكثر تأثيرا بما تلتقي به مع تأثير القصص والروايات.

البداية كانت مع الدراما السينمائية التي عرضت في دور السينما التي تأسست في مراكز المدن العربية في أوائل القرن العشرين، ثم انتقلت إلى المدن والبلدات الأصغر، حتى إذا ما وصلنا حقبتي الستينيات والسبعينيات حتى وجدنا انتشارها كبيرا، في عرض الأفلام العربية والأجنبية.

أما الأفلام العربية، فكانت مصرية بشكل عام، شاركت بعض الدول كلبنان وسوريا والعراق، ولكن ظل النصيب الأكبر لمصر. وما يهم هنا هو أن السينما شكلت عاملا مؤثرا وجدانيا ونفسيا وفكريا قرّبت أبناء وبنات الأمة العربية.

فيما بعد، انتشرت الإذاعات حتى لم تظل عاصمة عربية إلا وامتلكت دار إذاعة، وقد كان لما سمي فيما بعد، بوسائل التواصل الجماهيري، دور وطني وقومي، سياسيا واجتماعيا وثقافيا وفنيا، خصوصا في الغناء والتمثيليات الإذاعية، والتي تم إنتاجها من الكثير من الدول العربية. ويمكن هنا تناول أم كلثوم كظاهرة فنية جذبت الملايين، إضافة إلى خطابات الوحدة والحرية.

ثم كان التلفزيون، والذي لم تأت بداية السبعينيات، حتى انتشرت التلفزيونات العربية، والتي بسبب الصورة والصوت سحرت الجماهير في كل مكان.

وهنا، نعود إلى ما بدأنا به، من إقبال الشعوب العربية على تكثيف مشاهدة التلفزيون في نهارات وليالي رمضان، مما شكل ما يشبه الوحدة الشعورية والفكرية لهذه الشعوب.

وبالطبع كان للدراما في مصر الدور الرئيسي؛ وبتتبع الدراما التلفزيونية من نمو وازدهار الدراما السورية والعراقية فالخليجية، والأردنية خاصة فيما تميزت به من الدراما البدوية، والمغاربية، بخصوصيتها، ثم انتشار ظاهرة الدراما التي تجمع شرائح سكانية عربية متنوعة، خاصة في الدراما الخليجية، فإننا إزاء ظاهرة عربية، تتعلق بتأثير عميق للدراما على الشعوب العربية.

يأتي الاهتمام بالدراما الرمضانية المصرية بشكل خاص، في جذور التحليل، في سياق ما نشأ في مصر من عادات وتقاليد رمضانية وغيرها اجتماعية وفنية زمن حكم الفاطميين، الذين اهتموا بهذه الجوانب الشعورية، والاقتصادية أيضا. وهكذا تم توظيف التلفزيون في حقبتي الستينيات والسبعينيات وما بعدهما، ليكون وسيلة إمتاع وترفيه وتسلية، وتوعية. وصار الإنتاج الرمضاني مميزا واكتسب قيمة اقتصادية حينما تمّ تسويقه ليعرض في التلفزيونات العربية الشقيقة. وكنا نسير في الوطن الواحد، والأقطار العربية، فنرى اجتماع الأسر والجيران على المشاهدة. وخلال ذلك راحت الدراما تقرّب الشعوب من بعضها بعضا نفسيا واجتماعيا ووطنيا وقوميا، خاصة مع الدراما التاريخية والعربية، خاصة تلك التي تعلقت بالصراع مع الاستعمار.

لقد كان تأثير الدراما في التوعية وتقريب المواطنين من قضاياهم المتنوعة، أكثر أثرا من المواعظ والخطابات، ونشرات الأخبار، وظل ذلك بشكل ظاهر حتى بداية الفتنة العربية أوائل التسعينيات، حيث بدأت التحولات القومية سياسيا، والتي أثرت سلبا على الشعوب. ولكن استمرت الدراما بشكل متفاوت، لكن ظلت تزدهر في شهر رمضان، ولعلنا نتذكر كيف كانت الشوارع العربية تخف من المواطنين، في فترة بث المسلسلات المشهورة، مثل ليالي الحلمية ورأفت الهجان.

عودا على بدء، فإننا في ظل ما نعانيه على المستوى الرسمي، لنجد أنفسنا مؤكدين على دور الفنون والثقافة في الوحدة، ولعل تطوير الدراما العربية، باتجاه تعميق تناول قضايانا الاجتماعية والوطنية والقومية، سيقوي الوحدة الشعورية والفكرية خاصة لدى الأجيال الجديدة.

عمقت الحرب الظالمة على أهل غزة وبيوتهم وشجرهم سؤال التضامن العربي، وراحت تعيد السؤال القديم الجديد عن الوحدة العربية، التي ما زالت تداعب أحلام الملايين، بالرغم من كل عوامل الفرقة والتشتت.

من المهم على المستوى القطري، بث مسلسلات تجمع ما تفرّق داخل الأقطار الواحدة، كذلك بث مسلسلات تجمع ما نفرّق بين الأقطار، بمراعاة التاريخ والجغرافيا، من باب الصدق الفني، في بناء النص، حيث ثمة خصوصيات مشرقية ومغاربية، وشامية ومصرية وخليجية وهكذا.

هو دور ورسالة، وهو مجال استثماري ناجح؛ فإن إنتاج مسلسل عربيّ سيجعل الفضائيات تقبل عليه، وبالرغم مما نعاني من فرقة، إلا أن العمل الفني يثبت نفسه، ويفرض حضوره على الفضائيات.

إن تأمل فعل الدراما، في سياق نشر الثقافة والفنون، سيعيد اللحمة الشعورية والفكرية لنا، بعيدا عن الأعمال المسطحة والفارغة من المضمون الحقيقي، تلك التي وجدت من يشجعها ويستثمر بها، إما جهلا من المستثمر أو تخريبا متعمدا.

علينا استثمار ساعات شعوبنا التي تلتئم الأسر فيها في رمضان، لجمعها على مشاعر نبيلة، وأفكار مستنيرة، في الوقت الذي يمكن بالطبع توعية الجماهير بما يبث فيها من غث وسمين، باتجاه زيادة إقبال الناس على الأعمال الجيدة لا الهابطة، مما يضطر المستثمر، خشية على الربح، من اختيار ما هو أفضل دراميا.

استعادة الجمهور العربي باتجاه نفسه، وقضاياه، ليكون له دور، ومشاعر تضامن حقيقية مع الذات والمجموع، سيعني الكثير في استئناف العمل العربي المشترك، فيما هو ممكن من خلال الفن والثقافة.

تفرقة الأمة ليس أمرا جاء بالصدفة، بل هو استمرار لمبدأ «فرّق تسّد»، والذي لم نجن منه غير الخسارات والانتهاكات، وعليه، فإن الكلمة المكتوبة، والتي يتم إنتاجها دراميا، هي مسؤولية الكتاب والأدباء وكتاب الأعمال التلفزيونية والإذاعية، دون الدخول في اصطدامات ونزاعات مع أصحاب المال ورجال السياسة المتنفذين، كوننا نسعى إلى نشر ما هو مجمع عليه إنسانيا وقوميا معا، بالتركيز على القضايا الحقيقية التي نحياها.

إن إنتاج أعمال تلفزيونية ذكية في جذب الجمهور بعيدا عن الثقل والمواعظ والخطابة، سيسهم في التلقي العميق لهذا الجمهور على اختلاف مراحله العمرية، بمراعاة ضمان الإمتاع الفني والوعي معا؛ لأن الجمهور حينما سيختار مسلسلا لمتابعته سيتابعه لجوانبه الإنسانية، والتي من الضرورة تضمينها التشويق والكوميديا.

وأختم بما يدور اليوم بين من هم في الأربعينيات والخمسينيات في العمر، من المواطنين داخل البلد الواحد، أو بين الأقطار العربية، وبين الفئات فيما هو دون ذلك، للمقارنة بين عمق الاهتمام والتضامن والوعي. وبالرغم ما فعلته وسائل التواصل من تأثيرات إيجابية في هذه الحرب الظالمة، إلا أن أثر الدراما هو كأثر الكتب، أكثر عمقا وتأثيرا وزمنا.

تحسين يقين – كاتب فلسطيني – صحيفة عمان

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

لإحياء الذاكرة القومية.. رئيس مدينة بورفؤاد يدشن مبادرة "حكاية شارع"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

دشن الدكتور إسلام بهنساوي، رئيس مدينة بورفؤاد بمحافظة بورسعيد، اليوم الأحد، مبادرة "حكاية شارع"، والتي تم تنفيذها بالتعاون مع الجهاز القومي للتنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة، وتهدف المبادرة إلى إحياء الذاكرة القومية والتاريخية للمجتمع البورسعيدي، وإبراز حكايات الشوارع وأسباب تسميتها، والتعريف بالشخصيات الهامة والأعلام التي أُطلقت أسماؤهم على بعض الشوارع.

 

لإحياء الذاكرة القومية.. رئيس مدينة بورفؤاد يدشن مبادرة "حكاية شارع" 

 

وأشاد رئيس مدينة بورفؤاد بمبادرة "حكاية شارع، مقدمًا الشكر إلى الجهاز القومي للتنسيق الحضاري على تنفيذ المبادرة.

وأوضح الدكتور إسلام بهنساوي أن هذا المشروع يهدف لإحياء الذاكرة القومية والتاريخية للمجتمع المصرى من خلال معرفة الأجيال الحالية بتاريخنا، حيث أن معظم الشوارع تحمل أسماء لأعلام شخصية فى مجالات مختلفة، والتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من تاريخنا القومي، مما دفع مسؤلي الجهاز القومي للتنسيق الحضاري إلى إيجاد طريقة مبسطة لتعريف المجتمع بأصحاب مسميات هذه الشوراع، بهدف تعزيز الوعى القومى للأجيال القادمة.

رافقه خلال تدشين المبادرة كل من: المهندسة رانيا منير، مديرة الإدارة الهندسية، والمهندسة مها ابراهيم، وكيلة الإدارة الهندسية، والمهندسة ريهام نجيب، مديرة إدارة المشروعات.

FB_IMG_1743337897579 FB_IMG_1743337548981 FB_IMG_1743337532786 FB_IMG_1743337545902 FB_IMG_1743337530618

مقالات مشابهة

  • الخرطوم هي العاصمة العربية التي هزمت أعتى مؤامرة
  • من أوكرانيا إلى فلسطين.. العدالة التي تغيب تحت عباءة السياسة العربية
  • لإحياء الذاكرة القومية.. رئيس مدينة بورفؤاد يدشن مبادرة "حكاية شارع"
  • بعد الخلافات الكثيرة... هل التحالف بين حزب الله والتيّار مستحيل؟
  • حمدان بن محمد يهنئ قيادة وشعب الإمارات وجميع الشعوب العربية والإسلامية بعيد الفطر
  • «القومية للأنفاق» تُطلق وسائل دفع متنوعة لتذاكر المترو والقطار الكهربائي الخفيف
  • الدول العربية التي أعلنت غدًا الأحد أول أيام عيد الفطر 2025
  • ما هي الدول العربية التي أعلنت الأحد أول أيام عيد الفطر المبارك؟
  • الرئيس يهنئ قادة الشعوب العربية والاسلامية بعيد الفطر
  • أبرز المباريات العربية والعالمية اليوم السبت