لجريدة عمان:
2024-10-06@21:29:46 GMT

كيف نحفظ التضامن الاجتماعي؟

تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT

يشكل التضامن الاجتماعي الرابط الأساس لاستدامة بقاء الجماعة الاجتماعية، وكبح أشكال الصراع الاجتماعي الناشئة، أو التقليل من احتماليات حدوثها؛ ذلك أنه ينطلق من فهم موحد للقيمة الاجتماعية، وقبول مشترك لها، واتفاق عام على ضرورة ترجمتها في السلوك الاجتماعي. وليس بمحدث القول: إن بدايات تفتت المجتمعات إنما تنشأ من خلال تقلص مساحة التضامن الاجتماعي، وعلو قيم «التنسيب»، و«الأنانية الفردية»، أو «أنانية المجموعة الاجتماعية» على المصلحة العامة للمجتمع.

وهذا يقودنا إلى محاولة فهم (هندسة التضامن الاجتماعي). في المنطلق لا بد من حصر العوامل التي تسهم في وجود التضامن الاجتماعي وديمومته؛ فالتضامن الاجتماعي إنما تتحكم فيه ثمانية عوامل رئيسة: (الفهم والقبول العام للقيمة الاجتماعية المشتركة وتأريخية التنوع والتعايش في المجتمع ووجود المعنى الاجتماعي المتوافق عليه ودور السياسات العامة في تحقيق العدالة الاقتصادية وكبح عدم المساواة ووجود نظم لرعاية الفئات الأشد احتياجًا وتحسين أحوالها ودور البناء السياسي في تدعيم احتضان الشمول ونبذ العنصرية والتمييز والخطاب العام الداعم للتضامن الاجتماعي والمأسسة والتنشئة على قيم التضامن الاجتماعي وطبيعة انفتاح المجتمع على المجتمعات الأخرى). وبالنظر إلى هذه العوامل نجد أنها تنقسم إلى عوامل نابعة من أصل المجتمع، وعوامل ترتبط بتدبير المجتمع (دور الحكومات والسياسات والتشريعات والانتظام المدني). والواقع أن وجود «الفهم والقبول العام للقيمة الاجتماعية المشتركة» هو الأساس في ديمومة التضامن الاجتماعي في المجتمع؛ ذلك أنه كلما كان أفراد المجتمع يحملون الفهم ذاته ويضعون الأهمية ذاتها ويلتزمون بالسلوك ذاته لقيمة اجتماعية معينة، كلما كانوا أكثر قدرة على الالتئام بمحيطهم الاجتماعي، وتحقيق السعي الاجتماعي المشترك مع بقية أفراد المجتمع، ومحاولة تحقيق طموحاتهم وإشباع حاجاتهم الذاتية عبر القيمة ذاتها وفي حدودها، واضعين في الاعتبار عدم المساس بها.

ومن هنا فإن ما يُعرف بـ«الهيمنة الثقافية»، أو محاولة بعض المجتمعات تصدير منتجاتها الثقافية حاملة قيمها، والأسس الفكرية التي تؤمن بها، ومحاولة تسويقها وترويجها إنما يحمل في طياته محاولة لتفتيت الفهم المشترك للقيمة الاجتماعية التي يؤمن بها مجتمع/ جماعة ما. فنصير إلى حالة «تنسيب القيم»، أي جعل معناها ومغزاها ومضامينها خاضعة لتفسير الأفراد المتباين، وحاملة للتأويلات، دون اتفاق جمعي عليها. فتنشأ حالة «المفهوم غير المتفق عليه»، التي هي في الحقيقة ليست نتيجة نسبية المفهوم/ القيمة نفسها، وإنما نتيجة التعرض لشكل جديد من تفسيراتها، أو السلوكيات المنبنية عليها، وحينها لا يستطيع المجتمع تحقيق التوافق الجمعي، الذي هو الأصل لبقاء القيمة من ناحية، وبالتالي حفظ التضامن الاجتماعي من ناحية أخرى. لذلك حين الحديث عن «قيم تحاول ترويجها مجتمعات معينة» أو «حملات إعلامية وثقافية معينة» لابد من فهم الهندسة الجديدة التي يمكن أن تضرب القيم الاجتماعية القائمة في المجتمع نتيجة ذلك، وكيف ستتأثر؟ وكيف ستكون عرضة للتفسيرات المتعددة، وكيف ستتغير السلوكيات والممارسات الاجتماعية التي تقوم عليها؟

وأهمية هذا العامل لا تنفي أو تقلل دور العوامل الأخرى؛ فالقوانين والسياسات والنظم الداعمة للعدالة الاجتماعية والاقتصادية كفيلة بجعل أفراد المجتمع على خط واحد؛ وبالتالي تحقيق القبول المعني للقيم المشتركة، والشعور بالوحدة الاجتماعية تجاه الحفاظ على التضامن الاجتماعي. ولحفظ هذا التضامن في حالتنا الراهنة نعتقد بضرورة «مأسسة التضامن الاجتماعي»، بمعنى تحويل مبادئه وصيغه وقيمه إلى نماذج في عمل المؤسسات الاجتماعية ومؤسسات الدولة القائمة. فوجود منظومة فاعلة للتطوع، ومحوكمة، وذات أثر مستبين للمجتمع هو عنصر عصري يعبر عن قوة التضامن الاجتماعي، وتعكس مؤشراته مدى الترابط الاجتماعي عبر مرور السنوات، وربط ذلك التطوع باستحقاقات أخرى، مثل أفضلية التنافس على الوظائف، أو الأفضلية الأكاديمية، أو أفضلية الترقي في مؤسسات العمل، أو أفضلية الترشح والترشيح للمجالس المنتخبة، من شأن ذلك أن يعزز دافعية المجتمع نحوه، ويضمن استدامته، وبالتالي تعزيز التضامن الاجتماعي. وتعزيز مساحة «المجتمعية» في وسائل الإعلام على حساب «الفردية» من خلال مجمل المضامين والبرامج والأعمال الدرامية من شأنه أن يدفع بالتضامن الاجتماعي إلى الديمومة والبقاء. كما أن بناء السياسات الاجتماعية على أساس مركزية التضامن الاجتماعي، وتعزيز حيزه في برامج التنمية الاجتماعية من شأنه أن يضمن قبول المجتمع لتلك البرامج من ناحية، وتعزيز التضامن الاجتماعي من ناحية أخرى. كما أن مأسسة نظام للاقتصاد التضامني الذي يعكس في أشكاله وجود مؤسسات تقوم بتقديم الخدمات الاجتماعي التي تقدمها الدولة، ولكن بصورة تضامنية، كالجمعيات التعاونية، والخدمات المقدمة عبر مؤسسات المجتمع المدني، ومنصات تسويق منتجات الأسر المنتجة، كلها تصب في اقتصاديات التضامن التي تعززه وتستديمه وتحيله إلى شكل مؤسسي قائم.

وإذ يتميز المجتمع في سلطنة عُمان بحالة متسقة من التضامن الاجتماعي تاريخيًا؛ فإن التحدي الراهن والمستقبلي هو في القدرة على صون هذا التضامن، نتيجة تعدد المؤثرات ومنها اشتباك المفاهيم العالمية للقيم، وتنسيب تلك القيم في الخطاب العالمي. وهو ما يستدعي النظر إلى كافة منظومة العوامل التي تسهم في تعزيز هذا التضامن، فحتى تخطيط المدن وأنماط إسكان الناس، وحتى أنماط التنقل وتصاميمها والعمليات التي نعتقد أنها تخاطب الجانب المادي في التنمية المجتمعية هي تؤثر بطريقة غير مباشرة إما إيجابًا وإما سلبًا على نمط التضامن الاجتماعي. فعلى سبيل المثال الأفكار التي يقوم عليها الاقتصاد التشاركي (وإن كانت قادمة من منظورات اقتصادية / تجارية صرفة) إلا أن جوانب منها إذا ما استطعنا تطويعها ومحورتها وفق مبادئ وثقافة المجتمع قد تكون محركًا حديثًا لفعل التضامن الاجتماعي.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التضامن الاجتماعی الاجتماعی ا من ناحیة

إقرأ أيضاً:

«تنمية المجتمع» تختتم النسخة الأولى لمنتدى الرعاية الاجتماعية

أبوظبي: ميرة الراشدي
اختتمت الخميس، فعاليات النسخة الأولى من «منتدى الرعاية الاجتماعية 2024» الذي نظمته دائرة تنمية المجتمع أبوظبي، بالشراكة مع ديلويت الشرق الأوسط، تحت شعار لتعزيز الابتكار والتعاون في مجال الرعاية الاجتماعية، والذي استقطب نخبة من صنّاع القرار والخبراء والمعنيين في مجالات الرعاية الاجتماعية.
وشهد فعاليات اليوم الثاني، الدكتور مغير الخييلي، رئيس دائرة تنمية المجتمع-أبوظبي، وحصة بوحميد مدير عام هيئة تنمية المجتمع، دبي، والدكتورة بشرى الملا، مدير عام هيئة أبوظبي للدعم الاجتماعي، وسلامة العميمي، مدير عام هيئة الرعاية الأسرية، وعبدالله الحميدان، الأمين العام لمؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم، وحصة تهلك وكيل الوزارة المساعد لشؤون التنمية الاجتماعية في وزارة تنمية المجتمع، وعدد من المسؤولين في مختلف الجهات المحلية والدولية.
وافتتح المنتدى فعالياته لليوم الثاني بكلمة رئيسية من حصة بوحميد، والتي ركزت من خلالها على أهمية تطوير القوى العاملة في القطاع الاجتماعي باستخدام الابتكارات الحديثة، مشيرة إلى عدد من الوقائع والتحديات وأطر التدخل الاستباقي وكيفية تحويل التحديات إلى فرص للابتكار والتقدم.
كما تضمنت الفعاليات كلمة رئيسية ثانية، حول المنظور العالمي للتحديات الرئيسية التي تواجه القوى العاملة، وأهمية وجود قوة عاملة وموهوبة، إلى جانب تنظيم ورش نقاشية متنوعة ومنها، جذب واستدامة المواهب في القطاع الاجتماعي، حيث تم استعراض استراتيجيات جذب المواهب وتطوير المهارات، مع تسليط الضوء على التحديات التي تواجه القوى العاملة في القطاع الاجتماعي، كما تناولت الجلسات أهمية تقديم الخدمات الرقمية وكيفية تحسين الكفاءة والوصول.
وشهد اليوم الثاني، جلسات تفاعلية حول «تقديم الخدمات الاجتماعية رقمياً، وأخرى حو النماذج الحديثة للرعاية الاجتماعية المرتكزة على الأسرة، فيما تم تقديم جلسة تعليمية حول التوعية بالصحة النفسية، وأخرى حول تقييم الإعاقة وبرامج الرعاية الاجتماعية لأصحاب الهمم.
وفي الكلمة الختامية للمنتدى، تحدث مبارك العامري، المدير التنفيذي لقطاع الترخيص والرقابة الاجتماعية، في دائرة التنمية الاجتماعية – أبوظبي، عن أهمية المنتدى الذي يعتبر فرصة لتبادل الآراء والأفكار والخبرات، واستقطب نخبة من الخبراء والمختصين من جميع أنحاء العالم، بهدف استشراف مستقبل الرعاية الاجتماعية وتطوير استراتيجيات جديدة.
وأضاف العامري: «نخطط لإثراء الحدث مستقبلاً وجذب المزيد من الخبراء والمختصين لإيجاد حلول مبتكرة ومستدامة للتحديات الاجتماعية، لتحسين السياسات الاجتماعية في الإمارة، خاصة أن فوائد المنتدى تجلت في استشراف مستقبل الرعاية الاجتماعية من خلال جمع الخبراء والمختصين».
وأشار إلى أن المنتدى يمثل نواة لمنتدى عالمي مقبل، ليصبح حدثاً دولياً مستمراً يُعقد بشكل دوري في أبوظبي، بهدف تعزيز الحوار العالمي حول الرعاية الاجتماعية والابتكار في تقديم الخدمات الاجتماعية.
وأوضح أن أبوظبي تمثل نموذجاً ناجحاً في تحقيق التوازن بين التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وذلك بفضل بنيتها التحتية المتقدمة، والبرامج التي تدعم الرعاية الصحية والتعليم، وتعد الإمارة واحدة من أفضل الأماكن للعيش والعمل.

مقالات مشابهة

  • المتغير الاجتماعي.. دلالات البناء
  • تتويج بنك مسقط بجائزة محافظة شمال الباطنة للاستثمار الاجتماعي
  • كيف لعبت وزارة التضامن الاجتماعي دورا بارزا في حرب أكتوبر 1973؟
  • الشباب والرياضة تواصل تنفيذ فعاليات مبادرة "أحسن صاحب"
  • استعراض خدمات التنمية الاجتماعية بجنوب الباطنة
  • نائب يتقدم بطلب إحاطة بشأن خلل إجراءات برامج «التضامن» للحماية الاجتماعية
  • طلب إحاطة بشأن وجود خلل في إجراءات برامج الحماية الاجتماعية
  • التضامن الاجتماعي: تسليم 801 وحدة سكنية في 12 محافظة
  • مقررة أممية تطالب الجامعات بـ مراجعة السياسات القمعية التي تستهدف التضامن مع فلسطين
  • «تنمية المجتمع» تختتم النسخة الأولى لمنتدى الرعاية الاجتماعية