لجريدة عمان:
2024-07-10@01:06:15 GMT

لماذا نفكر بالغرب حين نفكر بغزة؟

تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT

قد يشبه العنوان إلى حد ما أن نسأل: لماذا نفكر بروسيا حين نفكر بأوكرانيا؟ أو حتى لماذا نفكر بالنازية حين نفكر بالمحرقة؟ مع أن الأمر لا يبدو هكذا دائما في الحالة الفلسطينية، فعلاقة الغرب بحرب الإبادة الجماعية المستمرة في غزة ليست من قبيل السبب والنتيجة فقط، بل أيضا لأننا في العمق ما زلنا نرى أن العواصم الغربية هي جزء من الحل؛ رغم إيماننا بأنها جزءٌ من المشكلة، أو بأنها هي المشكلة، فلا يمكن أن ننسى بأن يد الاستعمار الغربي كانت وما زالت جذرا أساسيا مؤسسا للمأساة الفلسطينية برمتها منذ النكبة، وليس لمأساة غزة فقط.

يكفي استحضار صورة واحدة بعينها من صور الغرب المحتشدة بالأضداد والتناقضات في هذه الحرب؛ وهي صورة ليندا جرينفيلد التي استطاعت أن تكثف مشهد الانحياز الغربي لإسرائيل ببراعة شبه مسرحية في مجلس الأمن؛ حين رفعت المرأة السوداء كف النقض الأمريكي في وجه العالم الذي صمت للحظة، في الـ20 من فبراير الماضي، بانتظار الموافقة على مشروع القرار الذي تقدمت به الجزائر من أجل وقف فوري لإطلاق النار على غزة (أو «في غزة» كما صِيغ القرار، مع ضرورة الانتباه إلى مغبة حروف الجر وخطر السير الأعمى فوق ألغام اللغة).

لماذا، إذن، نفكر بالغرب حين نفكر بغزة؟ لماذا نفكر بالغرب حتى حين نفكر بمشاكلنا الشخصية في بلداننا العربية؟ باختصار شديد فإنني لا أجدُنا نتعامل مع الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، إلا انطلاقا من الشَطرِ الشهير لأبي الطيب المتنبي «فيكَ الخصامُ وأنتَ الخصمُ والحكم». وقد أذهب لما هو أبعد من ذلك حين أزعم بأن الثقافة الغربية، رغم عوراتها التي كشفتها غزة، ما زالت تمثل بالنسبة للكثير منا حلما لطالما ارتبط بقيم مثل الديمقراطية وحرية التعبير والحرية والعدالة والمساواة، حتى إن البعض ليتطلع في كثير من الأحيان للدول الغربية كخلاصٍ شخصي حينما يفكر بالهجرة أو فرص العمل والتعليم، وهنا يثبت المتنبي حضوره مرة أخرى حين يقول:

ومن نكد الدنيا على الحُر أن يرى

عدوا له ما من صداقته بدُّ

ولعل هذا التناقض في موقفنا من العالم الغربي والثقافة الغربية هو ما يفسر عدم قدرتنا على تعريف الغرب كعدو؛ فبينما نعترف بأننا مهزومون نكتشف في الوقت ذاته بأننا نعاني من التباس جارح في تعريف العدو، مثلما يلتبس تعريف الذات علينا؛ وهما حيرتان تتحاوران في عبارة شرطية واحدة: قُل لي من هم، أقل لك من نحن؟! ومن هذا الاضطراب في تعريف الأنا والآخر تبدأ المشكلة.

الملاحَظ أن التفكير بالغرب قد أصبح نقطة ارتكاز في أي نقاش نخوضه عن القضية الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر 2023؛ إذ لا يبدأ النقاش حتى ينصرف لتناول قضايا مثل التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وازدواجية المعايير الغربية، وإمكانية التعويل على تغيُّر الرأي العام في الغرب- إلخ، وكأن غزة قد دخلت لوحدها في مواجهة مباشرة مع الغرب منذ السابع من أكتوبر، أو لكأن غزة أصبحت موضوعا غريبا يرتهن مصيره لضغط المجتمعات المدنية على حكوماتها في الغرب.

أما نحن في العالم العربي فلا مهمة لنا هذه الأيام سوى أن نحمِّل الغرب المسؤولية في حين أننا نعول عليه في الوقت نفسه لكننا نهجوه هجاءً يتواضع إلى درجة الاستجداء لأن يفعل شيئا من أجلنا! وفي أثناء ذلك كله يوفر لنا هذا الشبح الغربي ما يلزمنا من ذرائع ومبررات لتبرير تقصيرنا وتخاذلنا وكسلنا عن استثمار أقصى حدود الممكن لفعل كل شيء ممكن لوقف المذبحة.

وإذا كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وطبعا إسرائيل، تمثل في هذه الحرب الاختصار المعبر عن وجه الغرب، فإن الزعم بأن غزة الآن هي جبهة الشرق لا يبدو مستغربا ولا مستهجنا، بل يذهب البعض إلى أن معركة غزة هي بالضبط معركة بين الشرق والغرب. وهو تصور لا يخلو من التهور المندفع وراء إغراء الثنائيات القاتلة التي تذكر بثنائية الخير والشر في كلاسيكيات الأدب التي تُقرأ على أَسرَّة الأطفال قبل النوم. ولكن من ذا الذي يستطيع مقاومة قوة الاختزال وإغراء الاختصارات في قلب هذا الطوفان؟ وكيف ننجو، في الوقت نفسه، من دُوار الجهات في عرض البحر حين نتذكر أننا نعيش في عالم ما بعد العولمة؛ حيث «لا الشرق شرق تماما، ولا الغرب غربٌ تماما» كما يقول محمود درويش في رثائه إدوارد سعيد؟!

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

السويد تشارك في قمة الناتو بعد انضمامها للحلف

واتفق الأعضاء خلال قمتهم في واشنطن على مواصلة دعم أوكرانيا خلال الحرب والعمل على توفير جسر يوصلها إلى عضوية الحلف.

تقرير: فادي منصور

9/7/2024مقاطع حول هذه القصةقصف إسرائيلي يستهدف مدرسة تؤوي نازحين شرقي خان يونسplay-arrowمدة الفيديو 01 minutes 16 seconds 01:16نقص بالكوادر والمعدات.. المستشفى الإندونيسي يعاني وضعا كارثياplay-arrowمدة الفيديو 02 minutes 36 seconds 02:36مستشفى العودة يستقبل عددا من المصابين بعد قصف عنيف على مناطق بغزةplay-arrowمدة الفيديو 02 minutes 03 seconds 02:03مجزرة بمخيم النصيرات راح ضحيتها عدد من الشهداء جلهم أطفال ونساءplay-arrowمدة الفيديو 02 minutes 32 seconds 02:32فرنسا.. ماكرون يتسلم استقالة أتال ويكلفه بحكومة تصريف أعمالplay-arrowمدة الفيديو 03 minutes 26 seconds 03:26هجوم صاروخي روسي على كييف خلف دمارا بمستشفى للأطفالplay-arrowمدة الفيديو 02 minutes 39 seconds 02:39بايدن يجدد التأكيد على عزمه خوض الانتخابات وهزيمة ترامبplay-arrowمدة الفيديو 02 minutes 38 seconds 02:38من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebook-f-darktwitteryoutube-whiteinstagram-whiterss-whitewhatsapptelegram-whitetiktok-whiteجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • السويد تشارك في قمة الناتو بعد انضمامها للحلف
  • مستشفى العودة يستقبل عددا من المصابين بعد قصف عنيف على مناطق بغزة
  • مهاتير محمد ينتقد موقف الغرب من الحرب على غزة ويدعو المسلمين إلى الوحدة
  • زعازع ديمقراطية كينيا “الاستثنائية”
  • الغرب هو نحن
  • سيناريو الغرب لما بعد الطوفان
  • الجريمة والثواب: توريث الجريمة للأبناء والأحفاد وبقية الأهل
  • تداعيات حرب غزة على الاقتصاد الإسرائيلي.. تعرف عليها
  • بعد انتخابه رئيسا.. إلى أي مدى يمكن أن يصل بزشكيان في الانفتاح على الغرب؟
  • الحضارة الضالة.. والعار الإنساني