قال الدكتور شوقي علَّام، -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن العقل هبة الله تعالى للإنسان، فبه تميز عن سائر المخلوقات، وعليه يكون مناط التكليف وتحمل المسئولية، ومن خلاله تتميز صفات الأشياء من كمال أو نقصان، ومن حيث كونه طيبًا أو خبيثًا، مع الترتيب بين المصالح في الأولوية.

جاء ذلك خلال لقائه الرمضاني اليومي في برنامج "اسأل المفتي" مع الإعلامي حمدي رزق، الذي عُرض على فضائية صدى البلد، مضيفًا أن المقصود الشرعي من "حفظ العقل" هو بالأساس حفظ نظام الأمة الإنسانية واستدامة صلاحها باتباع طريق النجاة والفلاح والاستقرار والعمران، وهذا مرهون بحسن استغلال العقل باعتباره الوسيلة الأصيلة للإنسان في تحقيق ذلك.

وأشار إلى أن الشرع الشريف أباح للإنسان كل ما يَكْفل سلامته وتنميته بالعلم والمعرفة، وسدَّ أي طريق يؤثر في إفساده أو إضعاف قوته كتناول الخمر ونحوه، وأمَّنه من المخاطر التي تقوده إلى الخلل أو الفوضى أو الهوى الفكري، وأوجب العقوبة الزاجرة على من يتناول شيئًا من ذلك، فيضمن بذلك حفظ العقل الذي هو مناط التكليف.

وشدَّد مفتي الجمهورية على أن العلماء نصوا على تحريم كل ما يسبب فقدان الوعي بدرجات متفاوتة؛ حتى نَقَل الإجماع على هذه الحرمة كثير من العلماء، ويَحْرُم كذلك كل الأسباب المؤدية إلى تداولها.

وأكد المفتي أن حفظ العقل من مقاصد الشريعة الضرورية، حيث وضع الإسلام منهجًا للبناء العقلي من خلال التأمُّل في الكون الفسيح ونواميسه التي تتجلَّى فيها حكمة الخالق.

وأوضح أن القرآن حافل بالآيات التي تحضُّ على النظر، وتدعو إلى التفكر بأساليب شتَّى وصور متنوعة، والمراد بالنظر: النظر العقلي، وهو الذي يستخدم الإنسان فيه فكره بالتأمل والاعتبار؛ كما حرَّم الإسلام الاعتداء على العقل واجتناب ما يؤدي إلى إتلافه؛ فقال تعالى:  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90].

وشدَّد المفتي على أنه إذا تم إنكار بعض الغيبيات فسوف يحدث خلل في الإيمان؛ ولذا ينبغي التسليم بالغيبيات، كما أن التكليفات الشرعية في القرآن والسنة على العموم تشمل الرجل والمرأة، إلا إذا دل دليل على أن هذا الخطاب خاص بفئة معينة فيبقى خاصًّا بها كبعض التكليفات الخاصة بالمرأة نظرًا لطبيعتها الخاصة الأنثوية ويظهر هذا الأمر أكثر في جانب العبادات".

وردًّا على سؤال عن حكم الجماع في نهار رمضان شدد مفتي الجمهورية على أنه إذا جامع المسلم الصائم زوجته في نهار رمضان بطل صومه ووجب عليه القضاء والكفارة؛ لما ورد أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهُ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ بِهِ رَقَبَةً؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: لَا، ثُمَّ جَلَسَ الرَّجُلُ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِكْيَالٌ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا»، قَالَ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا -طَرَفَيْهَا- أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنِّي، فَضَحِكَ النَّبَيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ«.

وأما اعتقاد البعض بتحمل المرأة التي شاركت في الجماع للكفارة، فقال: الحديث الصحيح الذي جاء فيه الصحابي يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه وقع بأهله في نهار رمضان قد ورد فيه حكمُهُ صلى الله عليه وآله وسلم بالكفارة عليه وحده، ولم يخبره بكفارة على امرأته، وهذا وقت الحاجة إلى إظهار الحكم، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فلم يجب على المرأة إلا القضاء فقط.

واختتم حواره بالرد على سؤال يستفسر عن حكم رخصة الفطر في  السفر أثناء نهار رمضان في السفر غير المرهق قائلًا إن الشرع الشريف قد ربط رخصة الفطر في السفر بتحقق قطع مسافة قصر وجمع الصلاة وهي 85 كم، دون نظر إلى ما يصاحب السفر عادة من المشقة؛ فإذا وُجد السفر وُجِدَت الرخصة، وإذا انتفى انتفت. أمَّا المشقة فهي حكمة غير منضبطة؛ لأنها مختلفة باختلاف الناس، فلا يصلح إناطة الحكم بها، ولذلك لم يترتب هذا الحكم عليها ولم يرتبط بها وجودًا وعدمًا؛ قال تعالى ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة 185].

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مفتى الجمهورية الإفتاء مقاصد الشريعة الإيمان مفتی الجمهوریة نهار رمضان وآله و س ل ى الله على أن

إقرأ أيضاً:

هل الزهد يعني التخلي عن المال؟.. مفتي الجمهورية يوضح الحقيقة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، أن الزهد يعد من الصفات السامية التي يتحلى بها الصالحون، مشيرًا إلى أهمية الحديث عن هذه الفضيلة في ظل التضارب والاختلاف في النظرة إليها.

وخلال لقائه الرمضاني اليومي مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "اسأل المفتي" على قناة "صدى البلد"، أوضح المفتي أن الزهد يُنظر إليه على أنه أحد الآداب المهمة التي تقود الإنسان إلى محبة الله ومحبة الناس، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه رجل يسأله عن طريق لمحبة الله ومحبة الناس، فقال له النبي: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس".

وبيّن أن الزهد هو السبيل للوصول إلى هذه المحبة، إلا أنه ليس مجرد التخلي عن متاع الدنيا ماديًا، بل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بزهد القلب.

وأشار المفتي إلى أن الزهد الحقيقي ليس في الحرمان من الدنيا أو رفضها، وإنما في قناعة القلب ورضاه، موضحًا أن بعض الأشخاص قد يحرمون من متاع الدنيا، لكنهم يحملون قلوبًا مطمئنة وراضية، بينما قد يمتلك آخرون المال الوفير إلا أنهم لا يشعرون بالرضا، بل يسعون إلى المزيد دون ضابط أو قناعة، وهو ما يُعرف بالطمع، مؤكدًا أن القناعة من أهم آثار الزهد، فمن لا يقتنع بما أنعم الله عليه، يظل يسعى وراء الدنيا دون أن يجد الاكتفاء. 

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية: كل ما في حياة الإنسان أمانة يُسأل عنها يوم القيامة
  • حكم الطلاق عبر الهاتف ووسائل التواصل الحديثة .. مفتي الجمهورية يجيب
  • مفتي الجمهورية: قصة سيدنا إبراهيم نموذج قرآني للتفكر في الكون والتوصل إلى الإيمان
  • مفتي الجمهورية: دراسة الفلسفة ليست حرامًا فهي من ألوان إعمال العقل والاجتهاد
  • هل يمكن تكرار العمرة في السفر الواحد؟.. مفتي الجمهورية يوضح| فيديو
  • هل هناك علاقة وثيقة بين الصوم والزهد؟.. مفتي الجمهورية يجيب| فيديو
  • هل هناك علاقة وثيقة بين الصوم والزهد؟.. مفتي الجمهورية يجيب
  • هل الزهد يعني التخلي عن المال؟.. مفتي الجمهورية يوضح الحقيقة
  • مفتي الجمهورية ينعى ضحايا اصطدام قطار ركاب القنطرة
  • مفتي الجمهورية: حكم نقل الزكاة من بلد إلى آخر مختلف عليه