القدس المحتلة- تعكس الاحتجاجات وتخوف الأوساط اليهودية الليبرالية والعلمانية من تعديل قانون النظام القضائي حجم الأزمات الداخلية وعمق الشرخ في المجتمع الإسرائيلي.

ويرى محللون أن الحالة الإسرائيلية -التي كانت توصف "بدولة يهودية صهيونية للعرب وديمقراطية لليهود"- باتت عقب التعديلات "دولة صهيونية متطرفة أكثر للعرب والفلسطينيين، وأقل ديمقراطية لليهود"، حسب وصف بعضهم.

وتسعى أحزاب الائتلاف الحكومي برئاسة بنيامين نتنياهو من خلال التعديلات القضائية إلى تمرير تشريعات وقوانين تعكس أيديولوجيتها المتطرفة، بالحفاظ على هوية الدولة اليهودية، وتكريس السياسات التي تزيد التهميش والتمييز والعنصرية ضد الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر.

نظام الحكم

في هذا السياق، يعتقد أستاذ القانون الدولي يوسف جبارين أن نجاح الائتلاف الحكومي في تمرير خطة التعديلات القضائية سيمس مبادئ أساسية في نظام الحكم بإسرائيل، ويمهد لإضعاف القضاء وأجهزة الرقابة العامة، لصالح توسيع متطرف لصلاحيات الحكومة، تقود نحو درجة من الاستبداد في الحكم.

وأوضح جبارين -الذي كان نائبا بالكنيست عن القائمة المشتركة- أنه إذا نجح الائتلاف الحكومي بتوسيع الصلاحيات الحكومية مستقبلا، فهذا يعني منح الحكومة صلاحيات واسعة من دون إمكانية الرقابة على نهجها وسياساتها وممارساتها، وهو النقاش الذي يعكس استقطابا سياسيا واجتماعيا ودينيا داخل المجتمع اليهودي.

وعن مدى تأثير تمرير التعديلات المقترحة على واقع الفلسطينيين في الداخل، قال جبارين للجزيرة نت إن الائتلاف الحكومي الحالي لديه خطط واضحة لسلب الحقوق المدنية للفلسطينيين داخل إسرائيل، وبالتالي التعديلات تمس كل ما يتعلق بالمواطنة لفلسطينيي 48 ومكانتهم في وطنهم وحقهم في الأرض والمسكن.


 

إعلان حرب وحسم صراع

وفي ما يتعلق بتأثير التعديلات القضائية على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، أكد جبارين أن الائتلاف الحكومي الحالي يعتمد على أحزاب المستوطنين والأحزاب اليهودية الدينية المتشددة، ويرتكز على الأيديولوجية اليمينية المتطرفة والفوقية اليهودية التي لا تعترف بوجود الشعب الفلسطيني.

وأوضح أن التعديلات القضائية بمثابة إعلان حرب على وجود الشعب الفلسطيني، سواء داخل الخط الأخضر بمواصلة سياسات التمييز والعنصرية وتجريدهم من حقوقهم الأساسية، أو في المناطق المحتلة عام 1967 بمواصلة التطهير العرقي ونهب الأراضي الفلسطينية لصالح توسيع المشروع الاستيطاني.

وتفضي التعديلات القضائية لحكومة نتنياهو -حسب تقديرات جبارين- إلى ترسيخ فكرة إقامة "دولة يهودية-إسرائيل الكبرى" على كل مساحة فلسطين التاريخية، ولتحقيق فكرة هذا المشروع الاحتلالي، فإن الحكومة بحاجة إلى إضعاف إضافي للمحكمة العليا والمستشار القضائي للحكومة وأجهزة الرقابة في إسرائيل.

وأكد أنه من خلال إضعاف هذه المنظومة والأجهزة القضائية، يتم تمهيد الطريق للائتلاف الحكومي إلى تنفيذ المزيد من الخطوات الاحتلالية الاستبدادية في أرض فلسطين التاريخية، مستذكرا محدودية دور الجهاز القضائي بإسرائيل الذي لعب دورا في شرعنة الاستيطان ودعم سياسات الاحتلال.

ولفت إلى أن الشعب الفلسطيني أمام مخاطر حقيقية، سواء في الداخل أو في المناطق المحتلة عام 1967، مضيفا "وهو ما يلزم ترسيم وحدة وطنية بين مختلف الحركات والأطر الأهلية والأحزاب والفصائل، وبناء جبهة عربية وفلسطينية موحدة لمواجهة الائتلاف الحكومي الذي يتجه نحو التصعيد واقتراف جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني".

لكن المخاطر في هذه المرحلة -يقول جبارين- "ستشهد تصعيدا في هذه الجرائم نحو تنفيذ مخططات ضم الأراضي الفلسطينية بالضفة للسيادة الإسرائيلية، ضمن مجالات لحسم الصراع ومنع إقامة دولة فلسطينية، والتوجه نحو فرض دولة يهودية صهيونية على كامل أرض فلسطين التاريخية".


مخطط الضم

الطرح نفسه يتبناه الباحث في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي، الذي يعتقد أن تعديل التشريع الأول بالحد من صلاحيات المحكمة العليا سيسهم في رفع الرقابة عن قرارات وسياسات الحكومة بشكل عام، وعندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.

وأوضح النعامي للجزيرة نت أن الجهاز القضائي كان دائما متواطئا وداعما لسياسات الحكومات تجاه الشعب الفلسطيني، مضيفا أن التعديلات القضائية والحد من صلاحيات الجهاز القضائي سيمكنان أحزاب اليمين المتطرف من المضي قدما في مخطط الضم وحسم الصراع، وهو ما تطرق إليه رئيس تحالف الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش في برنامج حزبه الانتخابي.

ويعتقد المتحدث أن التعديلات القضائية تعكس التحول والتغيير اللذين تعيشهما إسرائيل بالتعامل مع الملف الفلسطيني، الأمر الذي سيمكن من تشريع المزيد من القوانين العدائية للنضال الفلسطيني، والسعي لتقويض المقاومة ومنع تعاظمها بالضفة الغربية، وهذا يدخل ضمن البرنامج السياسي لأحزاب الائتلاف الحاكم.


جرائم حرب ونقاط ضعف

بعد التعديلات القضائية، يقول النعامي إن "إسرائيل باتت أكثر عدوانية تجاه الشعب الفلسطيني"، حيث سيترجم هذا العداء بالتشريعات التي سيسنها الكنيست للتضييق على الفلسطينيين في كافة مناحي الحياة، مقابل الإمعان في خطط الضم وتوسيع المشروع الاستيطاني.

ويرى أن هذه التعديلات وإلغاء الرقابة القضائية على قرارات وسياسات الائتلاف الحكومي من المفروض أن تمهد الطريق أمام السلطة الفلسطينية لملاحقة إسرائيل أمام المحاكم الدولية، ‏التي كانت ترفض الدعاوى ضد ارتكاب إسرائيل جرائم حرب، بزعم أن لديها جهازا قضائيا يمكنه التحقيق في هذه الدعاوى.

‏لكنه يعتقد أن المشكلة تكمن في أن السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس أثبتت أنها غير جادة في ملاحقة إسرائيل أمام المحاكم الدولية، إذ إن ‏سعيها لإحباط تقرير "غولدستون" حول جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في غزة خلال حرب 2008 شاهد على ذلك، تحت ذريعة منح الفرصة لمسار المفاوضات، حسب تعبيره.

ورغم ذلك، يرى النعامي أن هذه التعديلات والأزمات التي تعصف بإسرائيل فرصة لترتيب البيت الفلسطيني، وذلك من خلال طي ملف الانقسام والعودة إلى الوحدة من خلال برنامج وطني شامل يعتمد على المقاومة، إلى جانب استغلال نقاط الضعف في المشهد الإسرائيلي الداخلي، عبر توجيه أدوات المقاومة على مختلف المستويات والأصعدة.

وأشار إلى أن خطة التعديلات القضائية تعكس الأزمات الداخلية بإسرائيل وهشاشة النظام السياسي وضعف الحكومة، التي تفقد شيئا فشيئا شرعيتها من دون تمكينها من توفير الحلول، بل إن الائتلاف الحكومي بات سببا للأزمات وتعميق الشرخ المجتمعي والاستقطاب السياسي؛ الأمر الذي سيؤثر على المناعة العسكرية وحصانة الجيش والجهوزية لأي حروب مستقبلية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: التعدیلات القضائیة الشعب الفلسطینی من خلال

إقرأ أيضاً:

وسام العباسي زعيم خلية سلوان الذي حاكمته إسرائيل بـ26 مؤبدا

وسام العباسي أسير مقدسي انضم عام 2001 إبان انتفاضة الأقصى إلى خلية سلوان التابعة لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، تحت قيادة وائل قاسم أحد أبرز قادة المقاومة الفلسطينية في القدس أثناء الانتفاضة.

شارك في تنفيذ عمليات فدائية وتفجيرات عدة ألحقت أضرارا بشرية ومادية كبيرة بإسرائيل، اعتقل عام 2002 وحكمت عليه المحكمة المركزية في القدس بالسجن 26 مؤبدا و40 عاما، وهدمت سلطات الاحتلال بيته بعد 5 أشهر من اعتقاله، ثم سحبت منه الإقامة وبطاقة هويته المقدسية.

الولادة والنشأة

وُلد وسام سعيد موسى العباسي في 24 مارس/آذار 1977 في بلدة سلوان بالقدس.

توفي والده وعمره لم يتجاوز 13 سنة، مما اضطره إلى مغادرة مقاعد الدراسة للمساهمة في إعالة عائلته المكونة من 6 أفراد.

كان عمره 15 عاما عندما اعتقل لأول مرة، وسجن 5 أشهر بتهمة التخطيط لإلقاء قنبلة.

تزوج عام 2001 ورزق بابنته الوحيدة إيمان، وكان يعمل في مصنع "شيروت" للزجاج بمنطقة "ريشون ليتسيون" في تل أبيب.

المسار الدراسي

تلقى تعليمه الأساسي في مدرسة دار الأيتام، ثم انتقل بعدها إلى مدرسة راس العامود، ترك الدراسة في المرحلة الثانوية للعمل من أجل مساعدة عائلته.

تقدم بطلب استكمال دراسته في السجن، فدرس التوجيهي ثم التحق بالكلية الجامعية للعلوم التطبيقية والمهنية في غزة وحصل منها على دبلوم في الفقه، ثم اتجه لدراسة التاريخ في الجامعة نفسها.

التجربة النضالية

انضم إلى خلية سلوان القسامية عام 2001، ولم يتردد عندما عرض عليه وائل قسام أحد أبرز قادة المقاومة الفلسطينية في القدس أثناء انتفاضة الأقصى الانضمام إلى مجموعة عسكرية بهدف تنفيذ عمليات داخل إسرائيل ووافق فورا.

إعلان

أوكلت له مهمة اختيار أماكن تنفيذ العمليات والاستطلاع والاستكشاف، نظرا لمعرفته بالداخل المحتل بحكم سنوات عمله في أحد مصانع الزجاج بتل أبيب.

الأسير المقدسي وسام العباسي مع والدته (مواقع التواصل الاجتماعي)

 

كانت أول عملية شارك فيها هي تفجير "مقهى مومنت" في تل أبيب، والذي لم يكن يفصله سوى 75 مترا عن بيت رئيس وزراء إسرائيل حينها أرييل شارون.

كان دور وسام هو استكشاف مكان العملية والطريق المؤدي إليه، قبل أن يفجر الاستشهادي فؤاد الحواري نفسه داخل المقهى في 9 مارس/آذار 2002، مما أدى إلى مقتل 11 إسرائيليا وإصابة 65 آخرين.

بعدها اقترح وسام على مسؤول الخلية وائل قاسم تنفيذ عملية في أحد نوادي منطقة "ريشون ليتسيون" حيث كان يعمل، وشرع في رصد النادي واستطلاع محيطه برفقة الأسير علاء الدين العباسي، واستمر ذلك أياما عدة.

وفي 7 مايو/أيار 2002 نقل وسام منفذ العملية الاستشهادية محمد جميل معمر بسيارته إلى النادي وهناك فجّر نفسه، وأسفرت العملية عن مقتل 17 إسرائيليا وإصابة 60 آخرين.

بعد ذلك فكرت الخلية في تنفيذ عمليات تعتمد على التفجير عن بعد عوض التدخل البشري المباشر، وكان وائل قاسم قد طور في تلك الفترة تكنولوجيا للتفجير عن بعد بالهاتف المحمول.

نفذت المجموعة أول عملية بالمرحلة الجديدة في مايو/أيار 2002 عندما استهدفت صهاريج الوقود الإسرائيلية بالعبوات الناسفة وفجرتها عن بعد بهاتف محمول، وكان وسام العباسي ورفيقه محمد عودة مسؤولين عن تتبع هذه الصهاريج.

انتقلت الخلية بعدها إلى التخطيط لتفجير القطارات وسكة الحديد الإسرائيلية، وكان وسام يذهب مع أحد رفاقه إلى موقع السكة للاستطلاع وفحص مكان زرع العبوة، ثم يعطي الإشارة لتفجيرها عن بعد عند اقتراب القطار من مكان زرع العبوة.

وهكذا فجرت الخلية سكة الحديد في مدينة اللد في يونيو/حزيران 2002، وأسفرت العملية عن جرح 4 إسرائيليين وتخريب السكة والقطار، كما نفذت عملية مماثلة في منطقة "كفار غبيرون" الواقعة شمال بلدة "يبنا" جنوب الرملة في يوليو/تموز من العام نفسه.

إعلان الاعتقال والتبادل

اعتقل وسام العباسي عند حاجز عسكري في بلدة بيت أكسا فيما كان في طريق عودته إلى منزله بالقدس في 18 أغسطس/آب 2002، وفي اليوم نفسه اعتقل أعضاء خليته وائل قاسم وعلاء الدين العباسي، وبعدها بيومين اعتقل محمد عودة، وتعرضوا أثناء التحقيق معهم في مركز المسكوبية لشتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي.

وُجهت إلى وسام العباسي تهمة الضلوع في أعمال المقاومة بمدينة القدس المحتلة، والمشاركة في تنفيذ عمليات عسكرية كبيرة، وبعد 5 أشهر من اعتقاله هدمت السلطات الإسرائيلية منزله في بلدة سلوان.

أصدرت المحكمة المركزية في القدس حكما في حقه بالسجن 26 مؤبدا و40 عاما، كما أصدرت سلطات الاحتلال في القدس قرارا بسحب إقامته وبطاقة هويته المقدسية.

تعرّض في السجن لوعكة صحية فماطلت سلطات الاحتلال في علاجه، قبل أن تنقله إلى مستشفى الرملة وتسمح له بإجراء عملية جراحية في عينه.

رفض الاحتلال الإسرائيلي إدراج اسمه وأسماء أفراد خليته في قائمة التبادل بصفقة "وفاء الأحرار" عام 2011 حين بادل الجندي جلعاد شاليط مقابل 1027 أسيرا فلسطينيا.

وبعد اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل بداية 2025 تم الإفراج عن وسام العباسي وأُبعد إلى خارج فلسطين.

مقالات مشابهة

  • اليوم التالي لحرب غزة.. بوادر تفكك الائتلاف الحكومي الإسرائيلي
  • د. محمد خفاجى: 6 مبادئ كفيلة بحل الصراع الأبدى بين إسرائيل وفلسطين
  • "70 عامًا" السيسي يوضح الظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني
  • مجلس الأمن الدولي يناقش قرار منع عمل الأونروا بإسرائيل
  • الإماء في الإسلام: مرآة الصراع بين الحرية والتقاليد وموروث الجاهلية الذي يثقل كاهل الإسلام
  • السيسي يشدد على تعزيز دور القانون والمؤسسات القضائية للتصدي للتحديات التي تهدد كيان الدول
  • وسام العباسي زعيم خلية سلوان الذي حاكمته إسرائيل بـ26 مؤبدا
  • مهرجان الفن الفلسطيني في نيروبي.. الفن أداة للمقاومة والصمود
  • أستاذ علاقات دولية: الشعب الفلسطيني يسطر أسطورة جديدة من التضحية والصمود
  • أحزاب المشترك تدين التصريحات التي تدعو إلى تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة