العلاقات الإنسانية فن لا يجيده الكثيرون، خاصة أولئك الذين يتخيلون أنهم خُلقوا من طينة أخرى، وأن الله اصطفاهم ليسودوا الناس ويتحكموا فى أرزاقهم، وهم أبعد ما يكون، ولا يدركون أن هناك خللاً ما أصاب أعلى رؤوسهم فحولهم إلى كائنات ممسوخة لا يعلم مدى التشوه الداخلى الذى أصابها إلا الله وحده، وعند الله تجتمع الخصوم.
الحياة أقصر من أن يقضيها الناس فى بعد وهجر وخصام، فما هى إلا أنفاس معدودة لا يعلم متى تتوقف إلا مالك الروح وسيدها، ولكن هؤلاء لا يدركون من نعيم الدنيا الزائف إلا لسان يفوقهم طولاً ويحمل على عاتقه جبالاً من السيئات تنوء الأرض من حملها «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا» (سورة الْكَهْفِ: 103-104).
الأمراض التى تصيب قلوب بعض البشر خاصة أصحاب النميمة والوقيعة بين الناس أصابها غضب من الرحمن بعد أن نسيت الله «وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» سورة الحشر (19).
الأصل فى الحياة أننا عابرون ومكلفون «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ» سورة المدثر (38)، والله - سبحانه وتعالى- خلق الإنسان مسيراً مسؤولاً عما يفعل، ومهما طالت الحياة أو قصرت فالنهاية محتومة لا محال، ومكاننا بجوار أسلافنا محجوز مسبقا، ولن يحاسب على الفاتورة غيرنا، فلماذا لا نحسن بنياناً نخلد فيه؟ ولماذا نرفض أن نكون منعمين؟ ونحفر بأيدينا مقابرنا فى الدرك الأسفل من النار والعياذ بالله.
بأيدينا فقط نستطيع أن نبنى المدينة الفاضلة فالحياة فيها أجمل وأكثر نعيماً ورفاهية دنيا وآخرة.. الأمر بسيط، فلنخلص النوايا خالصة لوجه الله - سبحانه وتعالى- ونعمل على إرساء قواعد الدين والأخلاق في حياتنا، ويعامل كل منا غيره بما يتمنى أن يعامله به الآخرون، فى أجمل حياة أساسها الصدق والإخلاص وإيثار الخير للجميع بعيدا عن النميمة والكذب ولى الحقائق وتشويه الآخرين.
لكل منا فى حياته هفوات بعضها يمكن تداركه وإصلاحه والبعض الآخر للأسف الشديد يصعب حتى ترميمه، فاللسان أحيانا يطلق قذائف تدمر ولا تعمر وتحدث زلزالاً يصيب المجتمع كله بويلات لا تحمد عقباها، وصدق الرسول الكريم حين قال «وهل يكُبُّ الناسَ فى النار على وجوههم- أو قال: على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتهم»، فلنبعد الشيطان عن حياتنا جانباً ونطيب ألسنتنا بذكر الله وفضله لترتاح قلوبنا المتعبة من ويلات الحياة «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» سورة الرعد (28).
نذكر أنفسنا قبل غيرنا وندعو الله أن تكون كلماتنا سراجاً هادياً لكل من غلبه شيطانه ووجد فى طريقته سلاحاً لتدمير كل من تسول له نفسه أنه حجرة عثرة فى تحقيق أحلامه، والأصل أننا معاً نبنى وأن يد الله مع الجماعة، وأن البناء المتكامل الطيب المظهر الجميل الجوهر جهد لأيادٍ متشابكة متحدة، للوصول إلى مجتمع أفضل وغد مشرق من أجلنا ومن أجل أجيال قادمة تستلهم قدوتها منا لتترحم علينا بدلاً من أن تصب لعناتها وغضبها على من لوث صفو حياتها.
باختصار.. نسأل الله جل فى علاه فى تلك الأيام المباركة أن يشفى صدورنا من الغل والحقد والحسد والكراهية، وأن يعيننا على أنفسنا وعلى أمراض ابتلانا بها الزمان ففرقت جمعنا وشتتت وحدتنا وحولت حياتنا إلى صراعات من أجل دنيا فانية.
تبقى كلمة.. أمران اختص بهما الله نفسه ولم يدعهما فى يدى غيره وهما الروح والرزق، والاثنان أصل الحياة، وما داما فى يد من لا يغفل ولا ينام فلا يبقى فى الحياة ما يستحق الصراع ما دام كل شيء بقدر «مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ» سورة فصلت (46).
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: باختصار العلاقات الإنسانية سورة الحشر سورة ال
إقرأ أيضاً:
احتلال أرض فلسطين وصمةُ عار في جبين الإنسانية
مما لا ريب فيه أن من نصر الحق لم يُقهر، ومن خذله لم ينصر، ومَن أعرض عن سنن الله لم يظفر.
فمن أرضى سلطاناً جائراً أسخط رباً قادراً، ومَن أعان ظالماً كان شريكاً له في ظلمه.
ومن لم يعتبر بالأيّام، ولم ينزجر بالملام أهلكته ذنوبه، وفضحته عيوبه، وجعله الله عبرةً للأنام.
فالسنن الإلهية تقضي بهلاك الظالمين، قال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأرسلنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْرارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخرين).
فالطاعة لله طريق العزة والفلاح، وأقوى سند وأَسَاس، فمن اعتز بالله، وجاهد في سبيله لم يذله سلطان، ومَن يتوكل على الله لم يضره إنسان.
وهذا العدوّ الصهيوني يمارس في أرض العرب والمسلمين فلسطين فساداً وعربدة منقطة النظير، فمنذ احتلاله لأرض فلسطين عام ١٩٤٨م وهو يمثل نموذجاً فريداً في تأريخ الغزوات والحروب في العالم.
فلا يكاد يكون له مثيل حتى الاستعمار البريطاني في جنوب إفريقيا وروديسيا، والاحتلال الألماني إبان الحرب العالمية الثانية، فَــإنَّها رغم كبير جرمها لم تصل إلى ما وصلت إليه الصهيونية اليهودية في فلسطين، فقد تميزت بعدة خصائص من أبرزها تشريد السكان الأصليين، وتحويلهم إلى لاجئين في المنفى، ومنها: محو الهوية الثقافية، والحضارية لسكان الأراضي المحتلّة، ومنها: استعمال نظام الرهائن، ومنها: تفشي الاعتقالات، وإنشاء مناطق أمنية لا تخضع لقوانين تحدّد الحقوق والواجبات، ومنها الإبادات الجماعية في غزة، وعدم قبول وقف إطلاق النار.
فممارساته الإجرامية كثيرة ومتعددة الوجوه والأشكال، وكأن هدف هذا الاحتلال هو إحلال شعب يهودي صهيوني مكان الشعب العربي الفلسطيني، لا مُجَـرّد احتلال عسكري يهدف إلى إقامة دولة إسرائيلية يحلم بها.
ولعل ذلك ما عبَّر عنه بن غوريون: (سنقول للعرب ابتعدوا، فإذا لم يوافقوا وقاوموا أبعدناهم بالقوة).
والعجيب دوافع هذه الوحشية، فعرب فلسطين لم يسبق لهم الانتقام من اليهود بمثل هذه الوحشية، بل إن أكثر زعماء اليهود وساسة الصهيونية جاؤوا إلى فلسطين من بلدان أُخرى، فهذا مناحيم بيغن- رئيس حزب حبروت من مواليد بريست ليتوفسك (بولندا) والذي تخرج من جامعة (وارسو) والده صهيوني قتله الألمان، مارس أبشع الجرائم في حق الشعب الفلسطيني، وكان من أفظعها مذبحة دير ياسين الرهيبة، التي ذهب ضحيتها الكثير من الأطفال والنساء والشيوخ العرب، فمن أين أتى هذا الحقد؟ فالألمان هم الذين قتلوا والده وليسوا عرب فلسطين.
والكثير من الزعماء اليهود ساروا على نفس الطريق الهمجية الحاقدة، وكأن نتنياهو يريد أن يضرب رقمًا قياسيًّا في الإجرام والانتقام.
ترى هل الحركة الصهيونية أَو الماسونية التي ليس لعملها ضوابط أخلاقية، بل إنها تعمل ضد القيم والأخلاق، وتتوسل بالجنس والنساء، والخمرة والحلقات الماجنة للإيقاع بالأشخاص؛ مِن أجلِ الوصول إلى ما يحرص عليه اليهود منذ إنشائهم حركة الماسونية لإعادة تأسيس مملكة “إسرائيل”، واستئناف مجد يهوذا الزائل، قد أكسبتهم كُـلّ هذا الحقد وكل هذا العنف، فالطموح بالوصول إلى الصدارة ليس العنف والإبادة للآخرين، فذلك محض تخبط وانزلاق إلى الجرائم البشعة، فمن المستحيل إقامة العروش التي يتخيلونها بالولوغ في دماء الأطفال والنساء والشيوخ، فذلك إجرام شيطاني زواله قريب.
إن هذا الخلق المشين لن يعبر بهم إلا إلى هاوية الفناء، والهلاك، (سُنَّةَ اللَّـهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا)، (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا).
إن إعداد العرب والمسلمين لجهاد هؤلاء الظلمة والمجرمين، قد صار فرض عين، (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالآخرة وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).
إن المسلمين كافة، ومحور المقاومة خَاصَّة، وكلّ أحرار العالم، مدعوون إلى القتال، ورد هذا الخطر الداهم على الإنسانية، استجابة لقول الحق سبحانه: (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ).
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء.