وسط كل الظروف الصعبة التى واجهت مصر فى أعقاب هزيمة 1967 من سياسية واقتصادية مثل الانخفاض الشديد فى موارد العملات الأجنبية، وارتفاع الديون الخارجية، وتراجع الصادرات، وانخفاض معدل النمو وتدهور المرافق العامة والبنية الأساسية، وتراجع مستوى المعيشة، وانخفاض الأجور، وتدهور ميزان المدفوعات وانخفاض إيرادات السياحة، وتخريب معامل تكرير البترول فى السويس، وفقدان آبار البترول فى سيناء، إلا أنه لم يكن أمام مصر غير خيار واحد هو خيار الحرب لاسترداد الكرامة، ومحو عار الهزيمة، ورفع الرأس من جديد، لذلك لم يكن انتصار السادس من أكتوبر 1973 العاشر من رمضان مجرد نصر عسكرى أو سياسى، ولكن كان انتصاراً فى مواجهة الظروف المعاكسة وضعف التنمية وتراجع مستوى المعيشة وتعنت وحصار اقتصادى من دول الغرب والولايات المتحدة.
ولكن كيف استعدت الحكومة المصرية فى ذلك الوقت باقتصاد ضعيف فى مواجهة حرب كبيرة؟.. مع بدء العد التنازلى للحرب، بدأت الحكومة برئاسة الدكتور عزيز صدقى رئيس وزراء مصر فى ذلك الوقت فى تطبيق خطة اقتصادية هدفها ترشيد الإنفاق الحكومى لتوجيه الناتج لصالح القوات المسلحة وتم تشكيل اللجنة العليا للمعركة لتحديد الإجراءات المطلوب تطبيقها في جميع المجالات استعدادا للحرب والتى أعلنت فى 19 يناير أى قبل الحرب بتسعة أشهر وتخصيص مليار جنيه سنوياً للقوات المسلحة.
وفى فبراير 1973 وأمام مجلس الشعب أعلن الدكتور عزيز صدقى رئيس الوزراء ما أسماه بـ«ميزانية المعركة» وتتضمن إجراءات التعبئة الاقتصادية التى سيتم تطبيقها حال نشوب الحرب، وتتمثل فى تحويل الموازنة العامة إلى موازنة المعركة لتوفير جميع طلبات القوات المسلحة خلال الحرب، مع الحفاظ على سرية البيانات الخاصة بالجيش، وتمويل كل المتطلبات الناتجة عن الحرب، مثل المطالب الصحية، والتهجير، والأمن، والنقل، والمواصلات وإعادة التطرق لخطة التصدير والاستيراد وتوفير النقد الأجنبى، مع العمل على إحلال المنتجات المحلية بديلاً للمستوردة وتخفيض الاستثمارات مع تأجيل تنفيذ المشروعات التنموية طويلة الأجل.
وبعد قيام الحرب طرحت الحكومة «سندات الجهاد» وهى شهادات استثمارية الهدف منها دعم الدولة والقوات المسلحة فيما يخص الحرب والمتطلبات الناتجة عنها، وتم طرحها للمواطن، تحت شعار «شارك فى ملحمة النضال الوطنى» فى البنك المركزى وفروعه وجميع البنوك التجارية، وبلغت حصيلة السندات بعد شهر واحد فقط من بدء الحرب 7 ملايين جنيه.
إن الإجراءات التى اتخذتها مصر فى اقتصاد حرب 1973 تصلح للاستخدام فى إصلاح الأوضاع الاقتصادية الحالية عن طريق التفاف جميع شرائح المجتمع والمواطنين حول القيادة السياسية لزيادة العمل والإنتاج وشراء المنتج المحلى، إن الجميع لا بد أن يدرك أننا فى أزمة اقتصادية، والأزمات تتطلب إجراءات صارمة للخروج منها فى أسرع وقت ممكن، وهو كما حدث فى أثناء فترة حرب 1973، حيث العمل والاتحاد وتجاوز الأزمة هو ما يعزز مفهوم «اقتصاد الحرب» حاليا فى الفترة الحرجة التى تمر بها مصر اقتصاديا، على الجميع أن يدفع الثمن الآن لإصلاح الاقتصاد، بدلاً من أن تتفاقم الأزمة، وندفع الثمن باهظاً فى المستقبل.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: محمود غلاب حكاية وطن الظروف الصعبة مصر فى مواجهة
إقرأ أيضاً:
الجاليات العربية في بريطانيا تحيي يومها السنوي.. دعمت غزة في مواجهة الإبادة
أحيت الجاليات العربية في بريطانيا يوم أمس السبت يومها السنوي، الذي خصصته هذا العام للإشادة بصمود المرأة الفلسطينية وللتضامن مع قطاع غزة وفلسطين التي واجهت حرب إبادة على مدى ما يقارب والعام والنصف.
واجتمعت عشرات العائلات العربية في قاعة بايرون هول شمال لندن بدعوة من المنتدى الفلسطيني في بريطانيا في أجواء ثقافية وتراثية لإحياء الهوية الفلسطينية وتعزيز التضامن مع الفلسطينيين.
وحول الهدف من يوم الجاليات العربية في بريطانيا قال رئيس المنتدى الفلسطيني في بريطانيا زاهر البيراوي: "اليوم السنوي للجاليات العربية الذي ينظمة المنتدى، يهدف إلى إظهار الهوية والتراث الوطني للأقطار المشاركة، كما يهدف إلى تعزيز معاني الوحدة والمحبة والترابط بين أوساط الجاليات العربية فيما بينها، وكذلك تقوية وتعزيز حالة التضامن العربي مع أهلنا في فلسطين ودعم الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ومع قضية الأمة المركزية".
وأضاف: "يكتسب هذا اليوم أهمية خاصة في هذا العام وخاصة بعد حرب دامية على أهلنا في غزة العزة ارتقى فيها ما يزيد عن 60 ألفا من الشهداء وجرح وأصيب ما يزيد عن مائة ألف من أهل غزة وتشرد معظم أهلنا في القطاع. كما يكتسب أهمية خاصة لأنه يأتي في ظل حملة مسعورة من صهاينة العالم وصهاينة دولة الاحتلال (صنيعة الاستعمار) لتفريغ غزة من سكانها الأصلين وترحيلهم إلى دول عديدة"..
وأشار بيراوي إلى أن هذا النشاط يأتي بعد الانفراجة بوقف هذه الحرب المجنونة (ولو مؤقتا) في غزة. وبعد أن انسحبت قوات الاحتلال واندحرت من مواقع تقدمها في القطاع.
كما يأتي يوم الجاليات لهذا العام أيضا بعد تحول تاريخي في سوريا وانتهاء حقبة سوداء من الظلم والديكتاتورية والفساد، وانتصار المظلومين الذين عانوا من النظام المخلوع على مدار العقود الماضية".
ولفت بيراوي الانتباه كذلك إلى ما يجري من إرهاصات وصفها بـ "الإيجابية" في السودان.. وقال: "نحن اليوم نطمح أن نرى حالة من التغيير الإيجابي في كل عالمنا العربي، تغييرا يحقق للإنسان العربي حريته ويحقق له كرامته ويقدم له مقومات الحياة الكريمة، ويجعل الأمة كلها على قلب رجل واحد ويحدد اتجاه بوصلتها نحو تحرير أرضها ومقدساتها وعلى رأسها أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي ومعراجه للسماء"، وفق تعبيره.
من جهتها أشادت الناشطة الفلسطينية هبة شنار في كلمة لها ضمن فعاليات يوم الجاليات العربية، بصمود المرأة الفلسطينية في غزة، وقالت: "سلام على نساء غزة، صانعات الأمل، وعلى عجائزها اللواتي تغزل أرض فلسطين تضاريسها على وجوههن.. سلام على صباياها اليافعات اللواتي تلتصق أرجلهن بتراب غزة وتحلق وجوههن نحو سمائها التي لا تغيب شمسها. سلام على فتيات غزة، اللواتي يتزنرن بالمجد بدلا من مراييل المدارس التي هدمها القصف".
وأكدت أن "هذه الحرب لم يكن فيها شيء جميل، ولكن شدة المعاناة تحت إبادة جماعية مستمرة لأكثر من خمسة عشر شهرا أخرجت أجمل ما في نساء غزة. كانت المرأة الغزاوية في هذه الحرب شريكة بقسوة الحرب، وخساراتها.. شريكة بالموت، ولكنها أيضا كانت شريكة بالحياة، وبالصمود".
وأضافت: "لقد كشفت هذه الحرب عن العديد من البطلات الغزاويات. كان من حظنا أن التقطت الكاميرات والإعلاميون بعض قصصهن، ولكن من لم يعرفن أكثر بكثير".
وأكدت شنار أن "الحرب في غزة كشفت عن بطلة اسمها الطبيبة الفلسطينية، أو الممرضة الغزاوية، التي عملت في ظروف قاسية وخطيرة، في مستشفيات تحت القصف، تفتقد أبسط مقومات الحياة. عالجت هؤلاء البطلات المرضى في هذه الأوضاع القاتلة، وضمدن جراحا دون أدوية و"شاش" وقطن كاف، وطبخن وخبزن في المستشفيات، وخرجن بدون شيء -إلا الكرامة- عند اقتحام جيش الاحتلال للمستشفيات، وركضن تحت القصف، كالطبيبة أميرة عسولي، لإنقاذ جريح لا يعرفن اسمه، واستقبلن شهيدا يتبين لاحقا أنه من أفراد عائلاتهن. فكم من "أميرة العسولي" لم تصلها كاميرات الإعلام؟".
وأضافت: "في هذا اليوم، تحتفي نساء بريطانيا من كل الجاليات بالمرأة الغزاوية، بوجهها الذي صار وشما على قرص الشمس فزاده نورا، بجمالها الذي لا تسرق من خضرته السنوات، بصمودها الذي يعلم الكون معنى الصمود، بعلمها وعملها ورعايتها للعائلة في أحلك الظروف، بجراحاتها التي لا تندمل، بصبرها الذي يشبه صبر أيوب، بكرامتها التي لا تنقص منها الطائرات والدبابات والسفن الحربية، بعبقريتها في صناعة الأمل وسط الألم، والبناء وسط الدمار، والحياة رغم علو رائحة الموت الكثيف".
ثم عقدت ندوة نسائية تناولت صمود نساء غزة في مواجهة الإبادة، تحدثت فيها جيهان سيد عيسى وهي أديبة وكاتبة سورية، وحلا حنينة ناشطة حقوقية وابنة غزة، وخديجة أبو نجم ناشطة من فلسطينيي الشتات، والصحفية الفلسطينية نسرين خوالد.
وتضمن برنامج اليوم السنوي لمهرجان الجاليات العربية في بريطانيا مأكولات تراثية تعكس غنى المطبخ الفلسطيني والعربي ومعروضات شعبية تسلط الضوء على الحرف والفنون التقليدية ومبادرات لدعم غزة عبر مشاريع إنسانية وخيرية، كما تضمن جناحا خاصا للأطفال بأنشطة ترفيهية وتعليمية.
وضمن الفقرة الفنية غنى الفنان خيري حاتم للهوية الفلسطينية وفي مقدمتها المرأة التي صمدت في مواجهة حرب إبادة غير مسبوقة في التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر.
ودأب المنتدى الفلسطيني في بريطانيا على تنظيم يوم سنوي للجاليات العربية، في سياق دعمه لأواصر الوحدة والترابط بين المكونات العربية في المملكة المتحدة وتعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية بين مختلف الجاليات العربية.
وتزامن مهرجان الجاليات العربية في بريطانيا مع المظاهرة الوطنية الكبرى التي نظمها أنصار فلسطين في العاصمة لندن شارك فيها مئات الآلاف رفضا لخطة ترامب تهجير الفلسطينيين من غزة ورفضا للحرب.
وفي 4 فبراير/ شباط الجاري، كشف ترامب في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالبيت الأبيض، عن عزم بلاده الاستيلاء على غزة بعد تهجير الفلسطينيين منها.
ومنذ 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، يروج ترامب لمخطط تهجير فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة، مثل الأردن ومصر، وهو ما رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى ومنظمات إقليمية ودولية.
وفي 19 يناير الماضي، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى يشمل 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، على أن يتم التفاوض في الأولى لبدء الثانية، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.
وبدعم أمريكي ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة خلفت نحو 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.