من منا لم يشعر بالحنين لذكريات رمضان زمان؟ فقد تتعاقب الأجيال وتختلف التفاصيل؛ لكن يبقى الحنين؛ حنين للأيام، وحنين للأشخاص، وحنين لتجمعات عائلية رحل عنها من رحل، وحنين لأوقات عبادات صادقة رسخت فى القلوب، إذ ارتبط شهر رمضان بالذهاب إلى صلاة التراويح فى الساحات والمساجد مع الأهل والأصدقاء، وختم قراءة القرآن الكريم، وحفظ ما تيسر منه، والدعاء بقلوب صادقة بكل ما نرجوه من الله عز وجل، والدعاء لكل من فقدناهم وكانو يقضون معنا هذا الشهر الكريم.
ومن هنا كثيرًا ما نستمع وبخاصة من الآباء والأجداد عن رمضان زمان، وكيف كانت التجمعات والعلاقات والأجواء أجمل من الأجواء فى الوقت الحالى، فيسترجعون الذكريات التى مهما مر عليها من الزمن لم تزل محفورة فى وجدانهم بدايةً من ليلة استطلاع الهلال وأول تجمع للسحور، إلى لحظات توديع الشهر الكريم؛ أجمل شهور السنة.
لقد ارتبط رمضان زمان بذكريات راسخة فى وجدان كل شخص منا، وتختلف هذه الذكريات من جيل إلى آخر، وذلك لاختلاف أسلوب الحياة ومظاهر التطور، إلا أن هناك تفاصيل واحدة تتوارثها الأجيال لا تمحى مهما تغيرت الحياة، إذ يرتبط رمضان فى الأذهان بأن يكون لدى كل طفل فانوس خاص به، ويتجمع الأطفال ويقوموا بغناء (وحوى يا وحوي) و(حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو) فضلا عن تحضير الزينة وتعليق الفوانيس فى حالة من البهجة تشهدها الشوارع والأحياء فى مصر.
وكذلك شراء ياميش رمضان؛ من المكسرات بأنواعها المختلفة وجوز الهند والزبيب، والفاكهة المجففة لتحضير أطباق الخشاف الرمضانية التى ارتبط مذاقها برائحة ليالى شهر رمضان الكريم، كذلك خيم صناعة الكنافة والقطائف التى تمثل بهجة خاصة فى نفوس الكبار والصغار، فكانت تعم البهجة فى الشوارع والأحياء عندما يجد الناس الشوادر أمام المحلات مكانا لوضع الصينية الكبيرة الخاصة بالكنافة. بالتأكيد هذه الظاهرة موجودة الآن، لكن فى الزمان الماضى لم يكن يوجد الجهاز الآلى، وكان كل شيء يُصنع يدويًا.
وكان الراديو والتليفزيون فى رمضان زمان مهماً جدًا، فقد كانا وسيلتى ترفيه أو تسلية فى المنزل. ومن مظاهر رمضان زمان حكايات ألف ليلة وليلة، حيث كان يأتى مسلسل ألف ليلة وليلة يوميًا، ليتابع الناس شهرزاد وهى تحكى لشهريار كل يوم قصة وكأنهم يعيشون المشهد أوالقصة التى ترويها له. وكانت لا تُذاع حلقات ألف ليلة وليلة إلا فى رمضان، وكذلك متابعة الفوازير الرمضانية بعد موعد الإفطار مباشرة، ولا ننسى صوت المسحراتى وطبلته (اصحى يا نايم وحد الدايم… رمضان كريم).
وفى النهاية مهما مرت السنون سوف يظل صوت الفنان الراحل محمد عبدالمطلب، وهو يشدو (رمضان جانا) يضوى ويعيد ذكريات رمضان زمان فى مصر، وسوف يبقى (رمضان فى مصر حاجة تانية.. والسر فى التفاصيل) كما أبدع الفنان حسين الجسمى فى أغنيته الشهيرة فى رمضان عام ٢٠٢١.
أستاذ الإعلام المساعد بكلية الآداب- جامعة المنصورة
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جامعة المنصورة د أحمد عثمان رمضان زمان شهر رمضان صلاة التراويح رمضان زمان
إقرأ أيضاً:
ضجيج بلا طحين
قديما قالوا "سمعنا ضجيجا ولم نر طحينًا، كثيرًا من الصخب قليلًا من الأثر"، هذا هو حال المجتمع المصري فى هذه السنوات العجاف، فهل يأتى قريبًا عام الفرج الذى يُغاث فيه القوم ويُرزَقون؟
سنوات تمر والفجوة تتسع رويدًا رويدًا بين الشعب المصرى والنخب وسط حالة مثيرة للتساؤلات عن أسباب الاختفاء الواضح للرموز والمبدعين فى ظاهرة تستحق الدراسة، فمصر التى عرفناها دائمًا (ولادة) ورائدة فى كل مجالات الثقافة والسياسة والرياضة والفن يبدو أنها قد بلغت سن اليأس فجأة وتوقفت عن الإنجاب بلا أى مبرر منطقى.
أين ذهبت الرموز الوطنية الذين طالما التفت حولهم الجماهير لتتعلم وتقتدى بهم وتسير فى نور إبداعهم نحو الأفضل؟ ما الذى منع ظهور أجيال جديدة من المبدعين بعد رحيل أو اختفاء آخر أجيال العملاقة فى شتى المجالات، كان لدينا قبل فترة قريبة أسماء خلدها التاريخ استطاعت أن تجر قاطرة الوطن نحو الريادة والتميز، وأن تشكل وجدان المصريين بكل ما هو محترم وراقٍ، فلماذا لم يتسلم الجيل الجديد هذه الراية منهم.
أين تلامذة هؤلاء؟ وهل ماتوا دون أن ينجبوا للوطن أجيالا جديدة على نفس مستوى الإبداع والتميز؟ هل وصل الحال إلى أن يصبح المتصدرون للمشهد بهذا السوء والفقر والخواء الثقافي والعلمي في مصر الرائدة التى علّمت الجميع معنى الإبداع والفن والحضارة عبر آلاف السنين؟ فكيف تصل إلى هذه الحالة من الضحالة الفكرية والفنية؟ وكيف يتصدر مشهدها الثقافى والفنى والإعلامى بعض معدومى الموهبة وفقراء الإبداع؟!
حالة مؤسفة من اختفاء الرموز المضيئة ربما لم تشهدها مصر عبر تاريخها، وظاهرة تستدعى أن ينهض مثقفو هذه الأمة ومبدعوها من كبوتهم وسباتهم العميق سريعًا فعجلة الزمان لا تتوقف، ومن يسقط لا ينهض مجددًا، ليست مشكلة دولة فحسب ولكنها مشكلة شعب بأسره ارتضى مرغمًا أو تحت وطأة السنوات العجاف بهذه الحالة المزرية من الانحطاط الأخلاقي والثقافى والفنى دون أدنى محاولة لتغيير الواقع والعودة إلى الجذور والثوابت التى تربت عليها أجيال سابقة، فهل فات الأوان، أم أن أبناء هذه الأمة مازالوا يستطيعون قلب المعادلة وإحياء تاريخ الأجداد وإعادة مصر لمكانتها وريادتها فى شتى مجالات الفكر والعلم والفن والثقافة؟!!