بقلم : د. عبدالرحيم المنار اسليمي ،رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني .

يستدعي التفسير السيكولوجي للجنون الجزائري ،الذي تكشفه السلوكات المضطربة لقادة الجزائر مع دول الساحل والمملكة المغربية عن عجز جزائري عميق في فهم التحولات الجارية في النظام الدولي والمحيط الإقليمي للجزائر .كما تكشف هذه السلوكات عن تأزم الوضع الداخلي الجزائري الذي يحتاج معه النظام العسكري الحاكم في كل مرة إلى استعمال فكرة « العدو الخارجي « وشيطنة دولة الجوار المملكة المغربية .

ولا أحد يمكنه أن يتصور وصول نفسية النظام العسكري إلى هذه الدرجة من الجنون بعد خطاب الملك محمد السادس في السادس من نونبر الماضي،ذكرى المسيرة الخضراء ، لما أعلن عن مبادرة الأطلسي الإفريقي التي تضم الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي وتفتح أمام دول الساحل الإفريقي واجهة بحرية ، درجة من الجنون تجعل الوزير أحمد عطاف يطوف في ساعات على تونس وليبيا وصولا إلى موريتانيا حاملا معه مخطط تدمير إتحاد المغرب العربي والدعوة لمشروع جديد ،يطلب فيه الإبتعاد عن المغرب ،وإدخال مليشيات البوليساريو في تنظيم يحل محل الإتحاد المغاربي .

يكشف هذا السلوك ،أن كل مافعله النظام العسكري الجزائري منذ سنة 1963 بدأ يرتد عليه ،فالنظام الذي حاول بعد حرب الرمال مع المغرب إبرام تحالف مع إسبانيا فرانكو أنداك يجد أمامه اليوم تكاملا إقليميا بين المملكتين الإسبانية والمغربية ، والنظام العسكري الجزائري الذي جعل من دولة مالي حديقة خلفية تخرج إليه اليوم الحكومة الإنتقالية المالية لتتهم بالحجج والأدلة بالأعمال العدائية واحتضان مكاتب لتنظيمات إرهابية تضرب الإستقرار في مالي ،والنظام العسكري الجزائري الذي حرس نفوذ فرنسا في النيجر يجد أمامه اليوم السلطات النيجرية تطرد السفير الفرنسي وترد على أكاذيب عطاف حول مبادرة الوساطة بين النيجر ودول الايكواس ،والنظام العسكري الذي تحالف مع القدافي في صناعة البوليساريو يجد أمامه الأطراف الليبية تتمسك باتفاق الصخيرات وبوزنيقة ويجد أمامه المشير حفتر الذي يطالب بأبار نفطية ليبية استولت عليها الجزائر، ويهدد قادة الجزائر من الإقتراب من الحدود الليبية .

ويبين هذا المشهد، أن النظام العسكري الجزائري بعد إثنين وستين سنة يجد نفسه وسط سيناريو العقرب الذي يلدغ ذيله ،ويبدا في إفراز سلوكات إنتحارية بعد اشتعال النيران من حوله ، ذلك أن الضغط على تونس قيس سعيد بجنون وصل إلى حد وصف دولة بورقيبة ب »الولاية الجزائرية » والضغط على موريتانيا من أجل الحصول على منفذ بحري على المحيط الأطلسي لعرقلة المبادرة الأفريقية الأطلسية المغربية وتفسير كل الفشل الجزائري في الداخل والخارج ب »مؤامرات مغربية » هي تعبيرات سيكولوجية عن وصول النظام العسكري الجزائري لدرجة بداية الإنتحار .

ويبدو أن حكام الجزائر لم يفهموا لحد اليوم ،أنهم بعد إثنين وستين سنة من نشر الفوضى في محيطهم بدؤوا في حصاد نتيجة هذه الفوضى وارتداداتها الداخلية عليهم في حراك انطلق في سنة 2019 ولازال حيا يستعد للعودة في سنة 2024 سنة محاولة العسكر الإطاحة بتبون وتنصيب رئيس جديد محله ،وأن حكام الجزائر لم يفهموا بعد نصف قرن من صناعة البوليساريو لتجزئة المملكة المغربية أ،ن هذا البوليساريو بات قنبلة قابلة للإنفجار داخل الجزائر ،فكيف يريد حكام الجزائر هؤلاء أن يحملوا قنبلة البوليساريو للبناء بها تنظيما إقليميا جديدا بديلا لاتحاد المغرب العربي ؟

والثابت اليوم ،أن دول المحيط الأطلسي الإفريقي ،وهي تتابع الطريقة التي تأخذ بها المملكة المغربية الريادة وتحول المحيط الأطلسي إلى مجال حيوي جديد في النظام الدولي الانتقالي ،وكيف تستعد لربط شمال الأطلسي بجنوب الأطلسي الإفريقي ومد شبكات العلاقات الأطلسية نحو ضفة الأمريكيتين ،وكيف أن المملكة المغربية تبني بشراكة مع نيجيريا مشروع أنبوب الغاز الذي يمتد على الأطلسي الإفريقي نحو أوروبا ،وأن دول المحيط الأطلسي الإفريقي تتابع المقاربة الجديدة التي يعمل بها المغرب مع دول الساحل ،وينقلها من منطقة ينظر إليها العالم من زاوية الحروب والصراعات وموطن التنظيمات الإرهابية إلى نظرة جديدة تعيد إحياء تاريخ مالي والنيجر وغيرها من دول الساحل التي ظلت إلى حدود المنتصف الأول من القرن العشرين ممر عبور التجارة البرية نحو إفريقيا، وطريق حج المسلمين نحو الديار المقدسة ،هذه هي الصورة التي يعيد المغرب إحيائها بمقاربة إقتصادية تنموية تفتح لدول الساحل الطريق نحو معبر الكركرات للذهاب نحو أوروبا أو غرب إفريقيا الأطلسية ونحو موانئ المحيط الأطلسي .

ولن يستطيع حكام الجزائر، أمام قوة هذه المبادرة الأطلسية الإفريقية شيطنة صورة المغرب .كما أن الرد على هذه المبادرة بالشروع في التحريض ضد إتحاد المغرب العربي ،وتقديم عرض بتأسيس تنظيم جديد يضم البوليساريو، يبدو أنه رد مجانين ولن يقبل به إلا مجنون .

ومع الإعلان عن المبادرة الأطلسية الإفريقية ترتفع درجة الجنون الجزائري إلى مراحلها القصوى ،جنون السياسة والإقتصاد والإعلام وكرة القدم وصولا إلى محاولة إعادة إنتاج نسخة لبوليساريو ثان ،وهي سلوكات تكشف الحالة النفسية التي وصل إليها النظام الجزائري الذي يتحرك منذ نصف قرن بملف واحد يشرح كل سلوكاتهم في مجلس الأمن والإتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والإتحاد الأوروبي وروسيا والصين … إنه ملف البوليساريو وإعادة استنساخ البوليساريو ،دبلوماسية جزائرية تحمل ملفا واحدا يقوم على شعار فليمت الجزائريون من أجل بقاء البوليساريو ونسخ جديدة في شكل “مكاتب للإنفصال” ،وإذا مات البوليساريو يعاد إحياء بوليساريو جديد ،فالنظام العسكري لايمكنه حكم الجزائريين بدون وجود البوليساريو ،وتزداد الصعوبة النفسية لقادة النظام العسكري بأن يستقطبوا كل شخص تائه في أوروبا ويعملون على تحويله إلى “مكتب انفصالي” ويخرجون أيتاما جزائريين إلى الشارع ،ويحولون دار أيتام إلى مقر ” لمكتب انفصالي” ،فكم عدد دور الأيتام ومستشفيات المرضى النفسانيين الذين سيفرغهم جبار مهنا لاحتضان “مكاتب انفصالية” ضد المغرب ، وهل تحولت دولة الجزائر العسكرية إلى تنسيقية للتدريب على كيفية صناعة المكاتب الإنفصالية في خمسة أيام ؟

المصدر: زنقة 20

كلمات دلالية: النظام العسکری الجزائری الأطلسی الإفریقی المملکة المغربیة المحیط الأطلسی الجزائری الذی حکام الجزائر دول الساحل

إقرأ أيضاً:

لوبوان الفرنسية تنشر تحقيقاً حول شبكات تحريض ممولة من النظام الجزائري

زنقة 20 | الرباط

تحت عنوان “شبكات النظام الجزائر التي تريد زعرعزة استقرار فرنسا”، نشرت مجلة “لوبوان” الفرنسية، تحقيقا حول شبكة من العملاء و المؤثرين الجزائريين المجندين من قبل النظام الجزائري لزعزعة استقرار فرنسا و دول أخرى انطلاقا من الاراضي الفرنسية.

وجاء في تحقيق المجلة الفرنسية المفضلة لدى الرئيس الفرنسي، نقلا عن شهادات العديد من المعارضين و المجندين الجزائريين السابقين ، أن النظام الجزائري يشكل اليوم تهديدا حقيقا للعديد من الدول بسبب نهجه العدواني باستخدام جميع الأسلحة “الإرهابية”.

الأسبوعية الفرنسية، قالت أن الحملة التي قامت بها فرنسا مؤخرا بطرد عدد من المؤثرين الجزائريين على شبكات التواصل الإجتماعي، كانت مدروسة لأن هؤلاء كانوا تحت المراقبة و يتلقون الدعم من التمثيليات الدبلوماسية الجزائرية بفرنسا.

و تسائلت “لوبوان” ، كيف أمكن لفرنسا أن تسمح بهذا يحدث طوال السنوات الماضية، مشيرة الى أن التحقيقات الأولوية كشفت عن أمور خطيرة يرتكبها النظام الجزائري على الاراضي الفرنسية من قبيل تجنيد مؤثرين و الدفع لهم مقابل خدمات يسدونها له و كل ذلك عبر القنصليات الفرنسية المنتشرة بالتراب الفرنسي.

و يورد تحقيق لوبوان ، أن النظام الجزائري الذي كمم أفواه شعبه ، يحاول بنشر دعايته في الخارج باستعمال عملاء و حاول جعل فرنسا قاعدة خلفية لهذه الأعمال القذرة.

و بحسب تحقيق لوبوان، فإن اختيار فرنسا ليس أمرا اعتباطيا ، بل إنه مدروس بدقة على اعتبار أن فرنسا تضم جالية جزائرية كبيرة تبلغ 2.5 مليون شخص تتكون من ثلاثة أجيال.

التحقيق يكشف أن نحو خمسين عميلاً جزائرياً ينشطون في فرنسا، بمساعدة شبكة تضم نحو عشرين قنصلية، بالاضافة الى المسجد الكبير في باريس وشبكته التي تضم 400 موظف.

ومن هنا يتم وفق التحقيق، حشد شبكة من المحرضين (وهي طريقة جربها أردوغان للسيطرة على الجاليات التركية في الخارج).

مقالات مشابهة

  • مئات القتلى بحوادث مختلفة حول العالم.. وعاصفة ثلجية وفيضانات بالجزائر
  • ماذا نعلم عن اللاعب الجزائري محمد عمورة الذي برز بقوة أمام بايرن ميونخ؟
  • زعيم اليسار الفرنسي ينتقد ماكرون: “لا نريد الحرب مع الجزائر”
  • علماء روس يقيّمون احتمال انتقال مرض “زومبي الغزلان” إلى البشر
  • التنسيقية تعقد جلسة نقاشية علىإكس عن نظام البكالوريا الجديد
  • وزير البحرية الأمريكي يعترف: هذا الأمر “يضعف وجودنا العسكري” في البحر الاحمر..!
  • طقس العرب.. مُنخفض جوي يعصف بالجزائر والدول المجاورة
  • لوبوان الفرنسية تنشر تحقيقاً حول شبكات تحريض ممولة من النظام الجزائري
  • ألمانيا تعتقل انفصالياً أعلن ولائه للنظام الجزائري بتهمة “التجسس لصالح المغرب”
  • نيبينزيا: موسكو ترى أن الولايات المتحدة وبريطانيا هما وراء الهجوم على “السيل التركي”