صفا

أفتى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور علي محيي الدين القره داغي بأن تصرف الأموال المخصصة للعمرة المستحبة أو الحج المستحب على الفقراء والمحتاجين في غزة واليمن وسوريا والصومال والروهينغا.

جاء ذلك في الحلقة الخامسة من برنامج "الشريعة والحياة في رمضان"، والتي ركزت على أهمية إنفاق المال في ظل الغلاء وتعدد الابتلاءات وعديد المسائل الفقهية المرتبطة بالمال وحركته في المجتمع.

وأشار القره داغي إلى أن الناس في غزة أو اليمن أو سوريا يموتون جوعا و"قلوبنا تقشعر من هول ما يجري بغزة، فالأطفال والنساء يموتون، والإنسان مطالب بأن يؤثر هؤلاء على آخرين أقل حاجة".

وشدد على أنه "إذا مات شخص من المسلمين من الجوع فإن المسلمين كل بحسب نسبته وقربه مسؤولون أمام الله، والشخص الذي لم يؤدِ حق الله فهو محاسب يوم القيامة".

وأوصى القره داغي بصرف الأموال وإنفاقها على هؤلاء المحتاجين، لكنه أشار إلى إشكالية في كيفية توصيلها إلى الفقراء، كاشفا في الوقت نفسه عن اقتراح قُدم إلى الدول المطلة عبر البحر الأبيض المتوسط لإيصالها بحرا.

وبشأن توقيت إنفاق المال كارتباطه بزمان ومكان، يقول الداعية الإسلامي "عندما تكون الحاجة للمال أعظم يكون وقتها الأجر أعظم، فشهر رمضان ومكة المكرمة والمعطى إليه لهم دور كبير في زيادة الأجر".

ويضيف موضحا "الأفضلية للحاجة، فعندما ينفق الإنسان على شخص محتاج وينقذه بهذه الصدقة يكون أفضل عند الله من الصدقة في رمضان أو بمكة المكرمة، ولكن إذا جمعت الصدقة في رمضان وبين من تنفق عليهم وتنقذهم فهي الأفضل".

ويبين القره داغي أن الفقهاء رتبوا أولوية الإنفاق في الحالة العادية، بدءا من الأقارب المحتاجين ثم أهل المنطقة ثم الأقرب فالأقرب، فيما الحالة غير العادية مثل اليوم يتم نقل الزكاة مما زاد على حد الكفاف إلى المناطق التي يتعرض أهلها للمجاعة والموت.

الزكاة وأولويات الإنفاق

ويقول رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إن الإشكالية اليوم في أن الموارد قليلة والمحتاجين كثر، والخلل هنا يعود إلى خلل أكبر، موضحا أن الله أنزل الزكاة كمؤسسة، بمن فيها العاملون عليها.

ويضيف أنه "من واجبات الدولة أن تجمع جميع أنواع الزكاة والأموال الظاهرة والباطنة، ووضع خطة إستراتيجية لصرفها"، مبينا أنه يمكن ترك نصف الزكاة للمزكي يتصرف فيه لأقاربه، فيما يوجه النصف الآخر لعموم الدولة".

ويبين أن الخليفة الأموي عمرو بن عبد العزيز وضع خطة إستراتيجية لمدة 3 سنوات واستطاع إنقاذ الأمة، إذ نقلها من مرحلة الفقر المدقع إلى الكفاف بالسنة الأولى، ثم من مرحلة الكفاف إلى الكفاية، وصولا إلى مرحلة الكفاية إلى تمام الكفاية (الرفاهية).

وكشف القره داغي أنه جمع مرتين أموال المسلمين عامي 2007 و2018، حيث بلغت زكاة المسلمين في 2018 -بعيدا عن صناديق السيادة وزكاة البترول والغاز- بين 400 و500 مليار دولار، مضيفا أنه "لو وجدت خطة إستراتيجية فلن يبقى فقير، ولكن هناك سوء بجمع الأموال وسوء بالتوزيع".

أهمية الإنفاق

ويقول رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إن الإنفاق في الإسلام يقابله الاستهلاك بالمصطلح الرأسمالي وغير الرأسمالي، ويعد الإنفاق -من الناحية الاقتصادية- أحد أهم الأسباب لزيادة الإنتاج، وبدون الإنفاق لا يوجد إنتاج.

ويبين أن الإسلام يؤصل الإنفاق ويربطه بالعقيدة والإيمان "فالمال مال الله، والإنسان وكيل على هذا المال، والمفروض تنفيذ أمر الله لأن الإنفاق في الإسلام عظيم جدا".

ويؤكد أن التأصيل العقدي يجعل إنفاق المال سهلا، و"الله سهل الإنفاق لأننا ننفق من مال الله على الفقراء"، مبينا أن هناك درجات للإنسان على قدر الإنفاق.

ويوضح هنا أن الله ينجي الإنسان من النار بسبب المال ومجموعة من الأسباب عند إخراج حق المعلوم وهي الزكاة، فيما يستحق الإنسان الجنات والنعيم عندما لا يعطي الفقراء بمقدار الزكاة وإنما بمقدار الحاجة، ويكون الفردوس الأعلى لمن يتصرف ويؤثر أمواله ويسارع في الخيرات.

ويضيف أن القاعدة تقول "كلما زادت العقيدة بالله وزاد الإيمان به سهل على الإنسان أن ينفق هذه الأموال".

المصدر : الجزيرة

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: طوفان الأقصى القره داغی

إقرأ أيضاً:

الهند وأوقاف المسلمين.. انتهاك لحقوق الأقليات

عباس المسكري

 

في الديمقراطيات الحقيقية، لا يُقاس عدل القانون فقط بما ينص عليه؛ بل أيضًا بالسياق الذي يصدر فيه، والآثار التي يتركها على المكونات المختلفة للمجتمع، ومن هذا المنطلق، يثير التعديل الجديد لقانون الأوقاف في الهند مخاوف مشروعة وعميقة لدى المسلمين، لا لأنه ينظم إدارة الأملاك فحسب؛ بل لأنه يُدخلها في إطار وصاية قد تفرغها من معناها الأصلي وتحوّلها إلى أداة خاضعة لمركز سياسي لا يُمثّلها.

الأوقاف الإسلامية في الهند ليست مجرد ممتلكات تُدار؛ بل هي امتداد لهوية تاريخية وثقافية ودينية، نُسجت عبر قرون من التفاعل والعيش المشترك، وارتبطت بأنشطة التعليم والرعاية الاجتماعية والدينية، وهذه المؤسسات كانت دائمًا تعبيرًا عن قدرة المجتمع المسلم على تنظيم شؤونه وممارسة مسؤولياته الخيرية والدينية دون الحاجة إلى تدخل الدولة.

لذلك، فإنَّ نقل الإشراف على هذه الممتلكات من داخل المجتمع إلى جهة حكومية لا تعبّر عن طبيعته الثقافية والدينية، يُنظر إليه بحقٍ كخطوة تفتقر إلى الحساسية السياسية وتخالف روح التعددية التي يُفترض أن تقوم عليها الهند الحديثة، وتبرير الحكومة بأنَّ التعديل يستهدف تعزيز الشفافية ليس كافيًا؛ بل وربما يفتقر إلى المصداقية، عندما نضعه في سياق سياسي أوسع يتّسم بتقليص متزايد لمساحات التعبير الذاتي للمسلمين، وتزايد واضح في مركزية السُلطة وغياب التمثيل المُتوازِن للأقليات في اتخاذ القرار.

لقد زاد في تعميق المخاوف المتعلقة بتعديل قانون الأوقاف في الهند، السياق السياسي الذي تتخذه الحكومة الحالية بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، والتي تُعد في نظر كثيرين حكومة يمينية متشددة في مواقفها تجاه الأقليات، خاصة المسلمين، فعلى الرغم من أن التعديل جاء تحت شعار تعزيز الشفافية، فإنَّ اشتراط تعيين مواطن من الطائفة الهندوسية على رأس إدارة أوقاف المُسلمين يُنظر إليه كإجراء يستهدف تقويض الهوية الثقافية والدينية للمسلمين، وهذا التعيين يُعد بمثابة تجاوز فاضح لحقوق المسلمين في إدارة شؤونهم الدينية والاجتماعية، مما يعزز الشكوك حول نوايا الحكومة في تحويل الأوقاف الإسلامية إلى أداة لفرض السيطرة الثقافية والدينية، بدلًا من تعزيز التعددية واحترام الحقوق المتساوية لجميع الطوائف.

الشفافية لا تُفرض من أعلى؛ بل تُبنى من داخل المؤسسات، بالشراكة، وبتمكين المجتمعات من إصلاح ذاتها، لا بمصادرة حقها في إدارة شؤونها، وما يزيد من عمق الإشكال أن هذا القانون أُقر رغم الاعتراضات السياسية الواسعة، ورغم التحفظات التي عبّر عنها ممثلو الطائفة المُسلمة وغيرهم من الأطياف السياسية، وهذا التمرير السريع يعكس خللًا في آلية التشريع حين يتعلق الأمر بحقوق الأقليات، وكأنَّ أصواتهم ليست معتبرة بما يكفي للتأثير في القرار النهائي، ما يعيد إنتاج شعور الإقصاء والتهميش.

إن أي صمت مستقبلي من قبل المنظمات الإسلامية والحقوقية الدولية تجاه ما تسعى إليه حكومة مودي اليمينية، لن يكون مبررًا؛ بل قد يُفهم كتواطؤ يشجّع على المضي في مزيد من الانتهاكات. ما يتم الترويج له في الهند اليوم ليس مجرد تعديل قانوني؛ بل توجه سلطوي خطير يمكن أن يتحوّل إلى نموذج عالمي في قمع الأقليات المسلمة تحت غطاء "الإصلاح" و"الشفافية". وغياب ردّ فعل دولي حازم، ربما يُشكّل سابقة خطيرة قد تُغري حكومات أخرى بانتهاج المسار نفسه، مما يُهدد مستقبل الحقوق الدينية والثقافية للمسلمين في عدد من الدول، والسكوت في هذه المرحلة لن يُقرأ إلا كضعف، أو رضًا ضمنيًا عن نهج قمعي يتسع نطاقه.

إنَّ الدفاع عن استقلالية الأوقاف ليس قضية فقهية ولا إدارية فقط؛ بل هو دفاع عن الحق في التنظيم الذاتي، عن التعددية الحقيقية، عن توازن العلاقة بين الدولة ومواطنيها من خلفيات مختلفة. فحين تفرض الأغلبية رؤيتها على مؤسسات الأقلية، دون حوار حقيقي، فإنَّ ذلك لا يحقق العدالة؛ بل يرسّخ الهيمنة، ويغذي الانقسام.

الهند اليوم أمام لحظة فارقة، ليس فقط في مسار تشريعي؛ بل في اختبار جدي لمدى التزامها بالمبادئ التي قامت عليها بعد الاستقلال، فإمَّا أن تُثبت أنها قادرة على احتضان تنوعها بمسؤولية وإنصاف، أو تنزلق إلى نموذج تُهيمن فيه رؤية واحدة على حساب البقية، وتُدار فيه الدولة بمنطق الوصاية لا الشراكة.

مقالات مشابهة

  • بيت الزكاة يطلق حملة لدعم حفظة القرآن الكريم بـ 5 محافظات
  • «بيت الزكاة والصدقات» يطلق حملة لدعم حفظة القرآن الكريم في 5 محافظات
  • «بيت الزكاة والصدقات» يطلق حملة لدعم حفظة القرآن الكريم في 5 محافظات.. وشيخ الأزهر يتفقد الاستعدادات
  • هل يجوز دفن المسلم في مقابر غير المسلمين؟.. الإفتاء تجيب
  • وظائف شاغرة بهيئة الزكاة والضريبة والجمارك
  • دعاء لأهل الأردن
  • هل يجوز صرف أموال الزكاة في إصلاح أسقف بيوت الفقراء؟.. الإفتاء تجيب
  • الهند وأوقاف المسلمين.. انتهاك لحقوق الأقليات
  • موقع بريطاني يكشف.. هكذا يمكن تدمير حزب الله
  • شرطة بلدية طرابلس صادرت عوائق كانت تعيق حركة المرور