تقنيات الذكاء الاصطناعي تقود العالم إلى عصر جديد من اكتشاف واستغلال الفضاء
تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT
الرؤية- سارة العبرية
يمثل سوق الذكاء الاصطناعي الفضائي واحدا من أكثر المجالات تقدما في القرن الحادي والعشرين، وهو يجسّد التكامل بين علم الذكاء الاصطناعي ومحاكاة الذكاء البشري، وهو ما يفتح آفاقًا جديدة لاستكشاف الفضاء واستخدامه.
ولقد شهدت السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا في هذا المجال لنشهد تطور الأقمار الصناعية المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتي تجمع بيانات دقيقة عن الأرض، بالإضافة إلى المركبات الفضائية التي تتنقل بذكاء في الفضاء دون تدخل بشري مباشر، وصولًا إلى الروبوتات المستقلة التي تستكشف أسطح الكواكب الأخرى، وهو ما يجسد البصمة القوية لقدرة الذكاء الاصطناعي.
ويعزز الذكاء الاصطناعي فرص استكشاف المزيد من المعلومات عن الفضاء، مما يجعل العمليات أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة، كما أنه يفتح الباب أمام إمكانيات جديدة كانت في السابق محض خيال علمي، مثل تحليل البيانات الضخمة القادمة من الفضاء للكشف عن أسرار الكون، وتطوير أنظمة دعم الحياة المستدامة للبعثات الطويلة الأمد، إذ يُعد الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في العصر الجديد للفضاء.
ومع ذلك، يأتي توسع سوق الذكاء الاصطناعي الفضائي مصحوبًا بتحدياته الخاصة، بما في ذلك قضايا الأمان والخصوصية، والحاجة إلى تطوير معايير وأخلاقيات مستدامة تحكم استخدام هذه التكنولوجيا، لكن ورغم التحديات يبقى الإثارة والتفاؤل بالإمكانيات الواسعة التي يقدمها هذا المجال سائدة، مع توقعات بأن يسهم بشكل كبير في مستقبل استكشاف الفضاء واستغلاله.
وبالنظر إلى المستقبل الواعد للذكاء الاصطناعي في الفضاء الخارجي، فإن من تطبيقاته المثيرة هو استخدامه في تحقيق هبوط ذاتي للمركبات الفضائية، ونجد مثالًا بارزًا على ذلك في تكنولوجيا الملاحة المعتمدة على التضاريس (TRN)، التي كانت جزءًا من مهمة ناسا إلى المريخ في عام 2020، مثل تقنية TRN التي مكّنت المركبة من تحقيق هبوط دقيق على سطح المريخ، مع تفادي المناطق الخطرة بكفاءة، وهذه العملية استفادت من تحليل الصور بالزمن الفعلي، تقنيات ليدار (LIDAR)، واستخدام خرائط مدمجة للملاحة وتعديل المسار أثناء الهبوط.
والهبوط الذاتي يسهم في خفض تكاليف المهام الفضائية، مما يساعد على جعل إعادة استخدام الصواريخ خيارًا أكثر فعالية من حيث التكلفة، وهذا التطور يجعل من استكشاف الفضاء نشاطًا ذا جدوى اقتصادية أكبر، وهذا الأمر بمثابة لمحة عن الإمكانيات الواسعة التي يمكن أن يقدمها الذكاء الاصطناعي في مجال الطيران والفضاء في المستقبل، وبفضل الجهود المستمرة في مجال البحث والتطوير عالميًا، فإن الفرص المتاحة أمام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال تبدو بلا حدود.
وقد أعلنت الصين أنها ستستفيد من تقنية متقدمة لمراقبة الفيديو مدعومة بالذكاء الاصطناعي من نظام "تانفان" الوطني، للإشراف المستمر على الأحداث المحيطة بمحطتها القمرية الدولية المزمع إنشاؤها.
ووفقاً لما ذكرته صحيفة South China Morning Post الصينية، استناداً إلى بيانات من الإدارة الوطنية الصينية للفضاء، يُعتزم تأسيس وتطوير نظام المراقبة البصرية للمحطة القمرية استناداً إلى الخبرات المكتسبة من نجاح مشروع Skynet الصيني، إذ تؤكد الإدارة الوطنية للفضاء الصيني أهمية تطبيق نظام المراقبة بالفيديو في المرافق القمرية لضمان الأداء الفعال لهذه المنشآت الفضائية.
ويمثل أن مشروع "تانفان" (Skynet Project) أكبر شبكة عالمية لكاميرات الفيديو المجهزة بالذكاء الاصطناعي، شاملاً 600 مليون جهاز رصد بصري، وهذا النظام قادر على التعرف على الأفراد بناءً على ملامح الوجه وطريقة المشي من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي.
وتخطط الصين لنشر مجموعة من الكاميرات الصغيرة، التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء والموجات البصرية، بوزن لا يتجاوز 100 جرام، مزودة برقائق الذكاء الاصطناعي، بعمر تشغيلي متوقع يصل إلى 10 سنوات، وهذه الكاميرات مصممة لتحمل تغيرات درجات الحرارة الشديدة من +100 إلى -180 درجة مئوية، بالإضافة إلى مقاومتها للإشعاع الكوني، كما يمكن لهذه الكاميرات التعرف على الأجسام المشتبه بها وتحديد مواقعها وتتبع حركتها، حيث ترسل إشارات تنبيه فورية عند رصد أي شذوذ، متخذة الإجراءات اللازمة على الفور.
وفي مارس 2021، وقعت الصين ووكالة الفضاء الروسية "روس كوسموس" مذكرة تفاهم وتعاون لإنشاء المحطة القمرية الدولية، وضمن خطة البرنامج القمري، تعتزم الصين إرسال ثلاث محطات أوتوماتيكية إلى القمر لاختبار التكنولوجيات الأساسية، مما يمهد الطريق لبناء مجمع قمري تجريبي يمكن التحكم به عن بُعد.
ومن المقرر إطلاق أول بعثة فضائية إلى القمر في عام 2026، بخطة لإتمام المشروع بحلول عام 2028، وقد انضمت إلى هذا المشروع دول مثل باكستان، الإمارات العربية المتحدة، منظمة آسيا والمحيط الهادئ للتعاون، أذربيجان، والشركة السويسرية Nano-SPACE.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي في صناعة الطيران
ويعتبر الذكاء الاصطناعي مظلة واسعة تغطي تكنولوجيات متقدمة متنوعة مثل الرؤية الحاسوبية، الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتحليل اللغات الطبيعية، وغيرها، ومؤخرًا شهدنا تبني هذه التقنيات عبر أقسام متعددة في صناعة الطيران لتعزيز الفعالية وتحسين الأداء ورفع مستوى الأمان، إذ إن الدفع الرئيسي وراء توسع سوق الذكاء الاصطناعي ضمن هذا القطاع يعود إلى المزايا الملموسة التي تحققت نتيجة لهذه الابتكارات.
كمثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في صياغة واختبار تصاميم وبُنى للطائرات بتحسينات ديناميكية هوائية متقدمة، حيث يمكن لشركات بارزة كإيرباص وناسا الاستفادة بشكل كبير من الذكاء الاصطناعي التوليدي لابتكار تصميمات طائرات أكثر كفاءة وصديقة للبيئة.
وتظهر تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع الفضاء الجوي فوائد كبيرة يمكن قياسها بوضوح، وهذه الفعالية المثبتة تسهم في توقع نمو سوق الذكاء الاصطناعي في هذا القطاع بمقدار 4.694.7 مليون دولار أمريكي خلال الفترة من 2023 إلى 2028.
كما أن الزيادة في عدد المسافرين جوًا، والتي تعكس اتجاهًا نحو الاعتماد المتزايد على الطيران كوسيلة نقل، تعتبر دافعًا رئيسيًا لهذا النمو، ومع تصاعد حجم الحركة الجوية عالميًا، يبرز الطلب المتزايد على إدارة الحركة الجوية بشكل أكثر كفاءة وتحسين العمليات التشغيلية للرحلات الجوية، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي كحل فعّال.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ناشرون: الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً عن الإبداع الروائي
محمد عبدالسميع (الشارقة)
أخبار ذات صلةدائماً ما يُطرح موضوع الذكاء الاصطناعي وأثر هذا الذكاء كقنية جديدة وثورة معلوماتية نوعية وإضافية، وخطيرة في الوقت ذاته، على أوجه الحياة.
ولم يكن الأدب ليخلو من هذا التأثّر، فقد أعرب عدد من الكتاب وممثلي دور النشر المشاركين في معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025، عن تخوّفهم وقلقهم من تدخل الذكاء الاصطناعي بالأعمال الأدبية وصياغة هذه الأعمال، بل وكل المؤلفات العلمية والثقافية بشكلٍ عام.
كما كان ثمّة تأكيد بأنّ الذكاء الاصطناعي لا يمكنه الإقناع بإنجاز رواية حقيقيّة دون بصمة صاحبها، وإن كان سهّل كثيراً على الروائيين والكتاب والقراء، وبالتالي فقد دخل إلى هذه الصناعة الأدبية المميزة التي كانت تأخذ حضورها وعنفوانها من داخل الكتّاب أنفسهم، في حين أنّ من الروائيين من قالوا بأنّ مرحلة الذكاء الاصطناعي هي مرحلة مفيدة للبشرية، في حضور المعلومة والسرعة في استقدامها والحصول عليها.
يقول هشام عبدالله، مدير دار الرواق للنشر، إنّ الذكاء الاصطناعي جعل كثيراً من المؤلفات الأدبية ذات طعم آلي، لدرجة أنك تستطيع اكتشاف أنّ هذا العمل ليس فيه روح صاحبه الكاتب، اعتماداً على أنّ كتّاباً وأدباء وروائيين باتوا يذهبون إلى الذكاء، فيستلّون منه ويجمعون مادتهم، فهي مرحلة وعلينا أن نتعامل معها، وعلينا أن ندرك أنّ الكتّاب المعروفين لهم شهرتهم وأسماؤهم التي لا يمكن أن يغامروا بها عن طريق الاستعانة بالذكاء الاصطناعي.
وتقول رقية كنعان، من دار جبرا للنشر، إنّ الأمر مختلف في مرحلة ما قبل الذكاء الاصطناعي وما بعده بالنسبة لترويج الكتاب، فقبل الذكاء الاصطناعي كان الترويج قليلاً وفيه تراجع ملحوظ، ولذلك علينا أن نتعامل بشكل إيجابي مع هذه التطبيقات وبرامج الذكاء الاصطناعي. لافتةً إلى «الاقتباس»، كتقنية، سابق للذكاء الاصطناعي.
وتنوّه كنعان بأنّ لمسة الأديب وروحه وإحساسه وبصمته هي الأهم، ويجب أن تكون حاضرة في أعماله، أمام سرعة اكتشاف العمل المنسوب إلى الذكاء الاصطناعي والتحقق منه في مجال الروايات، على صعوبة ذلك في الحقول الأخرى، وهو ما يستوجب تقنيات جديدة للتعامل مع هذا الأمر.
من جهتها، تقول الروائية نهى محمود إنها تشعر على المستوى الشخصي والأدبي بخوف شديد من الذكاء الاصطناعي والحياة التكنولوجية والرقمية الجديدة وانعكاسها على الأدب، فبرامج المساعدة الشخصية استولت على كثير من العقول والناس الذين باتوا يرون في هذه التطبيقات ما ينوب عنهم في مختلف أوجه الكتابة والمعرفة، فكانت حياتهم أسهل في البحث والتحليل وإيجاد الحلول.
وتدعو إلى مواجهة هذه الهجمة وأن نكون على حذر أمام منافسة الآلات والبرامج لأعمالنا الأدبية ومواهبنا التي تخرج من روحنا، على صعوبة فصل التكنولوجيا عن عالمنا الذي نعيش.
ويقول منذر الساسي، من دار المتوسطية، إنّه ليس قلقاً من الذكاء الاصطناعي في الأدب والتأليف، بل على الحياة بأجمعها، لافتاً إلى أنّ هناك فيديوهات عن طريق الذكاء الاصطناعي باتت تستعيد أطياف الموتى وتربطهم بالحاضر وما إلى ذلك، فالقلق الأدبي على الأدب لا يمثل بالنسبة له سوى 10% من القلق العام أمام واقع حياتي أشمل.
أخيراً، يرى الروائي والمترجم أحمد عبد اللطيف أننا يجب أن نخاف من تطور الذكاء الاصطناعي، باعتبار هذا الذكاء يقلّل من حضور الإنسان، بل ويُلغي دوره على الساحة. ومن وجهة نظر أخرى، فإنّ الذكاء الاصطناعي مفيد في النواحي العلمية، أمّا في الأدب والكتابة، فهو ضارّ جداً، حتى إنّ العالَم اليوم في موضوع الترجمة بدأ يضع قيوداً على الأعمال المترجمة بالذكاء الاصطناعي، باعتبار هذا يضرّ بالنص ويجعله آلياً وخالياً من حضور الإنسان، فالتطوّر ليس مفيداً في كلّ الأحيان.