كاتب مصري: ليست المشكلة أن حميدتى يتاجر فى الإبل، أو أنه لم يدخل كلية عسكرية!
تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT
المشكلة السودانية شديدة التعقيد على نحو لا يسهل تفكيكه. من ضمن الخيوط خيط القوات التى ذهبت للحرب فى اليمن دون أن يوافق المجتمع السودانى على قرار إرسالها، ودون أن يستطيع أحد أن يمنع حميدتى، قائد قوات الدعم السريع، من التصرف فى جنوده، بعيداً عن قيادة الجيش السودانى!. ومن المعروف أن العدد الأكبر من ضحايا الحرب فى اليمن لم يكن من اليمنيين، ولا من السعوديين أو الإماراتيين، وإنما كان من السودانيين وغيرهم من الجنود الأفارقة الذين ذهبوا للحرب دون أن يعرفوا موقف الجانب الذى يقاتلون لأجله ومدى اختلافه عن موقف الجانب الذى يقاتلونه.
ليست المشكلة أن حميدتى يتاجر فى الإبل، أو أنه لم يدخل كلية عسكرية، ولا أنه لم يلتحق بالجيش كمجند من الأساس، وإنما أن يكون بالدولة جيش رسمى وميليشيا تأتمر بأمر شخص بخلاف قائد الجيش!. ترتب على هذا الوضع أن سعى كل طرف مسلح إلى كسب ثقة هذه الدولة الخارجية أو تلك، وتوالت الوفود الرائحة إلى إسرائيل والغادية فى محاولة إقناع تل أبيب بالجدارة والموثوقية وأصبح البلد الطيب يلهث لنيل رضا الإسرائيليين الذين عاش العمر كله يراهم أعداء!.
الكارثة أن هذه الحرب ستطول ولن تتوقف حتى يتم سحق أحد أطرافها سحقاً نهائياً، لأن التمثيلية التى خاضها الطرفان منذ عام 2019 لم يعد فى الإمكان المضى فيها إلى أبعد مما وصلت إليه. فى السابق كان الطرفان يتظاهران بالتحالف، ويقدمان نفسيهما للشعب السودانى على أنهما طرف واحد، واليوم تم إسدال الستار وهدم المسرح وانكشف العرض الردىء أمام الناس فى الشارع. وما يجعل وقف إطلاق النار مستبعداً هو كيف سيجلس الطرفان مع بعضهما فى المستقبل بعد أن أعلن كل منهما رأيه فى الآخر؟، وكيف يستطيع أى منهما أن ينال ثقة الشارع السودانى وهما اللذان جعلا من شوارع المدن ساحة لضرب النار، أصيب وقتل فيها من المدنيين أكثر مما قتل من الطرفين المتحاربين!. إن ما يجرى اليوم فى السودان يمس الأمن القومى المصرى فى الصميم، وحسناً فعلت السياسة المصرية بوقوفها على مسافة واحدة من طرفى الصراع، ورغم هذا فالمهتمون بأمان السودان وسلامته يتطلعون إلى الدور المصرى القادر على إعادة التماسك إلى المجتمع الذى يتفكك بفعل مجازر المعارك التى تطال المدنيين وتخرب حياتهم. ولا يمكن إنكار أن هناك محاولات تجرى لتهميش مصر وإبعادها عن الملفات الحيوية فى المنطقة، مثل ملف غزة، إلى جانب الملف السودانى، ومن الغريب أن تدير الولايات المتحدة محادثات مع أطراف عربية وأخرى أجنبية بشأن الحرب المحتدمة فى السودان، متجنبة الطرف المصرى الذى هو فى حقيقة الأمر الطرف الأول المعنى بالموضوع والقادر على التأثير فى الأحداث لصالح الشعب الشقيق، فضلاً عن كون مصر معرضة للتأثر بما يجرى هناك.
نسأل الله أن يحفظ السودان وأهله من مؤامرات الداخل والخارج.
أحزان سودانية – أسامة غريب
المصري اليوم
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
من أين نبدأ؟ الحرب والخسائر وإعادة الإعمار في السودان
O.Sidahmed09@gmail.com
المقدمة
منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، والتي تدخل الآن عامها الثالث، يعيش السودان مأساة إنسانية واقتصادية كبرى. مع استمرار القتال واتساع رقعته، تحولت حياة الملايين إلى كارثة حقيقية. في هذا المشهد المظلم، بدأت تظهر تصريحات وتحركات تتحدث عن إعادة الإعمار، رغم أن الحرب لم تتوقف بعد.
من بين هذه التصريحات، ما نقلته تسجيلات متداولة عن اتفاق مزعوم بين القيادة العسكرية السودانية وبعض الجهات المصرية، أشار فيه متحدث مصري إلى أن تكلفة إعادة الإعمار قد تفوق المائة مليار دولار، وأن شركات مصرية ستتولى تنفيذ المشروعات مقابل الحصول على الذهب السوداني.
الحديث عن إعادة الإعمار قبل وقف الحرب بشكل نهائي، يبدو ضربًا من العبث. لا سلام، لا استقرار، ولا بناء حقيقي طالما أن صوت الرصاص يعلو فوق صوت الحياة. كما أن الشركات المصرية المُروَّج لها، تفتقر إلى الخبرة الفنية اللازمة لإدارة مشروعات بهذا الحجم [1].
الخسائر الاقتصادية والإنسانية: أرقام مرعبة
القطاع الزراعي: العمود الفقري المحطّم
كانت الزراعة توفر سبل العيش لنحو 70% من السكان [2]. ومع استمرار الحرب، خرج أكثر من 50% من الأراضي الزراعية عن دائرة الإنتاج، خاصة في مناطق الجزيرة، سنار، النيل الأبيض، كردفان، ودارفور [3]. أدى توقف مشروع الجزيرة، الذي يعد أهم مشاريع الزراعة المروية في إفريقيا، إلى شل إنتاج القطن، الفول السوداني، والقمح. وقدرت الخسائر المباشرة للقطاع الزراعي بأكثر من 20 مليار دولار [4].
القطاع الصناعي: انهيار شامل
تركز النشاط الصناعي في السودان سابقًا في الخرطوم وعدد من المدن الرئيسية. ومع تصاعد العمليات العسكرية، تعرض أكثر من 60% من المنشآت الصناعية إلى الدمار الكامل أو الجزئي [5]. قدرت الخسائر المالية للقطاع الصناعي بحوالي 70 مليار دولار، إضافة إلى تفكك سلاسل التوريد وهجرة الكفاءات الصناعية، ما فاقم أزمة البطالة وأدى إلى تعميق الانهيار الاقتصادي [6].
القطاع الصحي: منظومة تنهار
شهد السودان انهيارًا شبه كامل للنظام الصحي، إذ توقفت أكثر من 70% من المستشفيات والمراكز الصحية عن العمل أو تعرضت للتدمير [7]. وسط هذا الانهيار، تفشت الأمراض المعدية مثل الكوليرا، الملاريا، وحمى الضنك [8]. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية [9]، فإن السودان يواجه اليوم واحدة من أسوأ الكوارث الصحية في تاريخه الحديث، مع خسائر مادية للقطاع الصحي تتجاوز 13 مليار دولار.
تفشي الأوبئة: كارثة صحية موازية
تسبب الانهيار الصحي في تفشي واسع النطاق للكوليرا، الملاريا، وحمى الضنك [9]. أدى غياب الرقابة الصحية، وانهيار البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، وتوقف حملات التطعيم، إلى انفجار وبائي حاد، تضاعفت معه معدلات الوفيات خصوصًا بين الأطفال وكبار السن.
قطاع التعليم: جريمة ضد المستقبل
على صعيد التعليم، فقد أكثر من 18 مليون طفل وشاب فرصتهم في التعليم بسبب استمرار الحرب [10]. دُمرت آلاف المدارس أو تحولت إلى معسكرات للنازحين، مما جعل العملية التعليمية مشلولة في معظم أنحاء السودان، مع مخاطر جسيمة بضياع جيل كامل.
القطاع المصرفي: ضربة قاتلة
تركزت نحو 70% من المراكز الرئسية للمصارف والفروع في الخرطوم قبل الحرب، وقد تم تدمير معظمها أو تعرضها للنهب [11]. أدى هذا إلى شلل النظام المصرفي، وانتشار الاقتصاد الموازي، وانهيار قيمة الجنيه السوداني.
قطاع الصادرات: نزيف بلا توقف
انخفضت الصادرات الزراعية والحيوانية بنسبة تفوق 80% [12]، بينما ازداد تهريب الذهب والمحاصيل عبر الموانئ السودانية بتواطؤ بعض القيادات العسكرية [13].
الفقر والمجاعة: وجه آخر للخراب
تجاوزت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر 70% [14]. كما يواجه نحو 17.7 مليون شخص خطر انعدام الأمن الغذائي الحاد [15]، وسط تفشي المجاعة الصامتة في عدة مناطق وانعدام الاستجابة الإنسانية الكافية.
معاناة النازحين واللاجئين
أدى النزاع إلى تهجير أكثر من 10 ملايين سوداني داخليًا [16]، يعيشون في معسكرات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة. كما فر نحو 2 مليون لاجئ إلى دول الجوار مثل مصر، تشاد، جنوب السودان، وإثيوبيا، وسط ظروف قاسية وانعدام للخدمات الأساسية.
الإعلام المأجور: صناعة الزيف وتضليل الناس
بموازاة الدمار العسكري، ينشط إعلام النظام السابق عبر قنوات ممولة بشكل ضخم لتزييف الحقائق، تغذية الكراهية العرقية، وتشويه الحركات المدنية السلمية [17].
التجارب الدولية في إعادة الإعمار: الجدول الزمني والدروس المستفادة
أثبتت تجارب الدول التي مرت بكوارث وحروب مدمرة أن إعادة الإعمار تتطلب جهودًا ضخمة تمتد لعقود، وتستلزم إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة.
في ألمانيا، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، بدأت عملية إعادة الإعمار عبر تنفيذ “مشروع مارشال”، وهو برنامج دعم اقتصادي ضخم موّلته الولايات المتحدة. استمرت فترة التعافي نحو 10 إلى 15 عامًا، وشملت إصلاح العملة، إعادة بناء البنية التحتية، والمصالحة المجتمعية. ونتيجة لذلك، تحولت ألمانيا إلى أقوى اقتصاد في أوروبا خلال جيل واحد [18].
أما اليابان، فقد استغرقت نحو 20 عامًا لإعادة بناء نفسها بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية. ركزت الإصلاحات اليابانية على تطوير التعليم، تعزيز الصناعات التكنولوجية، وبناء بنية تحتية حديثة. بحلول منتصف الستينات، أصبحت اليابان ثالث أكبر اقتصاد عالمي، مع زعامة صناعية وتكنولوجية واضحة [18].
وفي رواندا، الدولة التي شهدت واحدة من أفظع الإبادات الجماعية في العالم عام 1994، ركزت القيادة على تحقيق المصالحة الوطنية، مكافحة الفساد، وتحقيق الحكم الرشيد. استمرت عملية إعادة الإعمار نحو 15 إلى 20 سنة، وتميزت بالاستثمار المكثف في التعليم والصحة، مما ساعد رواندا على تحقيق نمو اقتصادي مستدام واستقرار سياسي طويل الأمد [18].
تجربة فيتنام، التي خرجت من حرب مدمرة عام 1975، تقدم نموذجًا آخر ناجحًا. عبر إصلاحات اقتصادية وزراعية متوازنة، وانفتاح محسوب على الاستثمارات الأجنبية، تمكنت فيتنام خلال 20 عامًا من التحول إلى أحد أسرع الاقتصادات نموًا في آسيا [18].
أما الصين، فقد استغرقت نحو 30 عامًا من الإصلاحات المتدرجة، بدأت في أواخر السبعينات، لتحول اقتصادها من نظام مركزي جامد إلى اقتصاد سوق منفتح تدريجيًا. استثمرت الصين بشكل ضخم في البنية التحتية، وأدخلت إصلاحات مؤسساتية عميقة، مما جعلها اليوم ثاني أكبر اقتصاد عالمي [18].
وفي البرازيل، تطلب الأمر نحو 20 عامًا من الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتكاملة منذ منتصف الثمانينات. ركزت البرازيل على تعزيز السوق الداخلية، وتحديث قطاع الزراعة، مما أدى إلى استقرار اقتصادي ونمو في الإنتاجية الزراعية [18].
تجمع كل هذه التجارب الناجحة دروسًا مشتركة واضحة: لا يمكن تحقيق إعادة إعمار فعّالة دون وقف الحروب نهائيًا، وتحقيق مصالحة وطنية شاملة، ومحاربة الفساد بكل صرامة، والاستثمار المكثف في الإنسان عبر التعليم والصحة والبنية الأساسية.
التدخلات الأجنبية المشبوهة
كشفت تقارير عدة عن محاولات عقد اتفاقات مشبوهة بين جهات إقليمية والقيادة العسكرية السودانية لتولي عمليات الإعمار مقابل الحصول على الذهب السوداني، ما يشكل استغلالًا صارخًا لمعاناة الشعب السوداني [19].
الخلاصة
أي حديث عن إعادة الإعمار قبل وقف الحرب هو عبث وهروب من مواجهة الحقيقة المرة.
لا يمكن للسودان أن يُبنى من جديد دون سلام شامل، وإقامة دولة وطنية مدنية ديمقراطية حقيقية.
أما محاولات بيع البلاد عبر اتفاقات مشبوهة فهي خيانة لدماء الشهداء ومعاناة النازحين.
المطلوب الآن وبشكل عاجل: إيقاف الحرب فورًا.
المراجع
[1] تقرير رويترز عن مشاريع البنية التحتية المصرية، 2024.
[2] برنامج الأغذية العالمي WFP، تقرير السودان الزراعي 2024.
[3] منظمة الأغذية والزراعة FAO، تقرير تأثير الحرب، 2024.
[4] برنامج الأغذية العالمي WFP، التقييم الطارئ للسودان، 2024.
[5] البنك الدولي، تقرير الأثر الاقتصادي للحرب السودانية، ديسمبر 2024.
[6] البنك الدولي، نشرة السودان الاقتصادية، 2024.
[7] منظمة الصحة العالمية WHO، السودان، تقرير 2024.
[8] منظمة الصحة العالمية WHO، تقرير تفشي الأوبئة، 2024.
[9] منظمة الصحة العالمية WHO، نشرة الطوارئ الصحية، 2024.
[10] اليونيسف UNICEF، تقرير التعليم في السودان، 2024.
[11] صندوق النقد الدولي IMF، تقرير النظام المصرفي السوداني، يناير 2025.
[12] وزارة التجارة السودانية المؤقتة، أكتوبر 2024.
[13] منظمة الشفافية الدولية، تقرير السودان، 2024.
[14] برنامج الأغذية العالمي WFP، تقرير الأمن الغذائي، 2024.
[15] مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية OCHA، السودان، 2024.
[16] المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR، تقرير النزوح السوداني، 2024.
[17] مراسلون بلا حدود RSF، تقرير السودان الإعلامي، 2024.
[18] البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، مراجعات إعادة الإعمار، 2020-2024.
[19] الشبكة العربية لمراقبة حقوق الإنسان، تقرير التدخلات الأجنبية، 2024.