حكم إفطار كبير السن.. الأزهر للفتوى يوضح
تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT
أجاب مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، عن سؤال ورد إليه عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مضمونه: “ما حكم من لم يستطع الصوم لكبر سنه أو عجزه؟”.
ليرد مركز الأزهر موضحًا: إن الشيخ الكبير -أو المرأة العجوز- إذا كان يجهده الصوم، ويشق عليه مشقة شديدة، ولا يستطيع الصوم لكبر سنه، وعجز عن القضاء، فله أن يُفطر، ويطعم عن كل يوم مسكينًا، قال تعالي: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184] أي الذين لا يطيقون الصوم… والله تعالى أعلم.
التيسير في العبادات والمعاملات هو أحد أهم سمات الشريعة الإسلامية، استنادًا لقول الله تعالى في سورة الحج: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)، وما جاء في السنة النبوية عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه) رواه مسلم، لذا حكم إفطار كبير السن من التيسير في الصيام الذي جعل الله فيه كبر السن والمرض من الرخص التي تبيح لصاحبها الإفطار في شهر رمضان، فقال تعالى في آيات الصيام في سورة البقرة: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر).
حكم كبير السن الذي لا يستطيع الصيام، كبير السن الذي لا يتحمل الصوم فله الحق أن يفطر، ويطعم عن كل يوم أفطره مسكينًا، استدلالًا بقوله الله عز وجل: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، اتفق الفقهاء في حكم كبير السن الذي لا يستطيع الصيام الذي يشق عليه الصيام ويتعبه تعب شديد، له أن يفطر لأن الصوم يجهده، إذا أفطر فعليه إخراج الفدية، الدليل على ذلك ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في شرح: (نزلت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينًا، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا).
كما يوجد بعض الاستثناءات التي تتيح لأصحابها أن تفطر دون أن يكون عليهم إثم ومنها: كبر السن أو المرض المزمن الذي لا يمكن صاحبه من الصيام، ويخرج فدية عن كل يوم يفطره ، الإجهاد الزائد عن المعتاد، مثل أن يشق على الشخص الصيام فله أن يفطر ويجب عليه القضاء.
-السفر المباح، وأن تكون مسافة السفر المقطوعة التي تبيح الفطر تقدر بحوالي 83 كيلو متر فأكثر، ويجب فيها قضاء ما أفطر الشخص من أيام، المرأة الحامل والمرضع في حالة خوفها على نفسها، فيجوز لها الإفطار ويجب القضاء.
أجمع العلماء أن كبير السن الذي يرهقه الصوم ويشق عليه، له أن يفطر في شهر رمضان، ويكون عليه وجوب إخراج الفدية عند جمهور الأحناف والحنابلة والشافعية، والدليل على ذلك استشهادًا بقول الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)، وقوله سبحانه: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ).
بعض أقوال العلماء في حكم كبير السن لا يستطيع الصيام منها ما ما ذكر الإمام النووي في كتاب “المجموع”: (قال الأمام الشافعي والأصحاب: الشيخ الكبير الذي يجهده الصوم أي يلحقه به مشقة شديدة، والمريض الذي لا يرجى برؤه لا صوم عليهما بلا خلاف، ويلزمهما الفدية على أصح القولين).
-ذكر الإمام بن قدامة في كتاب “المغني”: (وإذا عجز عن الصوم لكبر أفطر وأطعم لكل يوم مسكينًا)، وقول ابن عباس، أبي هريرة، وأنس، وسعيد جبير، وأبي حنيفة، والثوري: (الشيخ الكبير والعجوز إذا كان يجهدهما الصوم، ويشق عليهما مشقة شديدة فلهما أن يفطرا ويطعما لكل يوم مسكينًا).
والمالكية، وابن المنذر، وهو ما يقابل الصحيح عند الشافعية: قالوا إنه لا تجب الفدية، لأن الصيام سقط عن الشيخ الكبير بسبب العجز، فلذا لا تجب عليه إخراج الفدية، قياسًا على الصبي والمجنون، وأيضا المريض بسبب مرض مميت، إلا أن جمهور المالكية يروا أن إخراج الفدية مندوب.
الفدية المفروضة على كبير السن الذي يفطر في شهر رمضان هي صاع لكل مسكين من غالب القوت مثل القمح أو الأرز، كما ذهب الأحناف إلى أنه من صعب عليه إخراج صاع يجوز له إخراج مد والمد أقل من الصاع، ويساوي ربع صاع، وهو نفس ما ذهب إليه الشافعية، كما يجوز إخراج الحبوب نفسها في فدية الإفطار أو إخراج القيمة نقدًا، وهو ما يقدر بإطعام شخص مسكين، لذلك يجوز لكبير السن أن يفطر في شهر رمضان وأن يخرج الفدية عن كل يوم.
كبير السن أو العجوز الذي يصعب عليه الصوم فيجوز له الإفطار، ويطعم عن كل يوم مسكين، أو بإشراكه معه في الطعام، أو إعطائه نصف صاع من القمح أو التمر أو الأرز كل يوم وتقدر بالوزن كيلو ونصف، فإذا كان كبير السن مريض فيجوز له أن يفطر وليس عليه فدية، لأنها في هذه الحالة أفطر بسبب المرض وليس كبر السن، ففي حالة أنه شفي قضى ما أفطر من أيام، أما إذا عجز عن القضاء بسبب كبر السن أطعم عن كل يوم مسكين، وهذا قول بن عباس وغيره من أهل العلم.
لا يصوم الابن أو البنت عن الرجل الكبير أو المرأة الكبيرة، ولكن يدفعون عنهم الفدية أو مقدارها عن كل يوم، لأن الصوم يسقط عن الفرد في حياته بسبب كبره، فمن كان عليه الفدية ولم يخرجها، فيدفعها عنه أبنائه بعد موته، ودليله ما ورد في القرآن: (وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين)، ورجح هذا القول الإمام أبي حنيفة، والإمام أحمد، والشافعي، وكذلك ابن عمرو، وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس بن مالك رضي الله عنهم جميعًا.
وضع الفقهاء ضوابط للمرض والمشقة التي تبيح للشخص الفطر، وكذلك العجز بسبب السن، والذي يجعل الشخص يخرج فدية ولا يصوم، وهذه الضوابط لا تتعلق بعمر معين، فمن الممكن أن يكون المريض طفلًا صغيرًا ويفطر، ومن الممكن أن يكون كبير السن شخص يقدر على الصيام فيصوم، فنحن نرى الكثير من كبار السن يستمرون في العمل الشاق، أو لديه القدرة البدينة العالية على السفر والترحال، فليس شرطًا كل من يبلغ سن الستين أن يصبح الصيام مضرًا له، فليس السن من يحدد الفطر أو الصوم.
أوصانا الله عز وجل في القران الكريم بكبار السن فقال الله تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)، لذا يحتاجون معرفة حكم في كبير السن الذي لا يستطيع الصيام، خاصة في حال عجز كبير السن أو ما تلحقه من مشقة بسبب الصيام، أما كبار السن الذين يقدرون على الصيام فلا يوجد خلاف بين الفقهاء على حكم صيامهم والذي هو الوجوب، استنادًا لقول الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
صدى البلد
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الشیخ الکبیر فی شهر رمضان الله تعالى عن کل یوم
إقرأ أيضاً:
حكم حشو الأسنان أثناء الصيام عند الفقهاء
قالت دار الإفتاء المصرية إن حشو الأسنان ومعالجتها أثناء الصيام لا يُفطر الصائم ما لم يتعمد ابتلاع شيء ممَّا في فمه، وذلك إذا لم يستطع تأخير عملية الحشو إلى ما بعد الإفطار، فإن كان في استطاعته تأخيرها إلى ما بعد الإفطار فهذا أولى.
وأضحت الإفتاء أنه من المقرر شرعًا أنَّ الواصل إلى ظاهر الفمِ لا يؤثر في صحة الصيام ما لم يصل إلى الحلقِ؛ لأنَّ "للفمِ حكم الظاهر"، ويستدل على ذلك بمشروعية المضمضة للصائم، والتي هي إدارة للماء في داخل الفم ثُمَّ مجه، فإن وصل إلى الحلق مما يلزم عنه وصوله إلى الجوف فهو مؤثر في صحة الصيام حالة كون الصائم قاصدًا ذاكرًا للصوم مختارًا، وعلى ذلك تواردت نصوص الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
حكم حشو الأسنان أثناء الصيام ونصوص الفقهاء في ذلكوأضافت الإفتاء أن حشو الأسنان إجراء طبي علاجي يقصد به استعادة سلامة ووظيفة وشكل الأسنان، ويكون بإزالة الجزء المتضرر وتنظيف موضعه ثم حشو التجويف الناتج عنه بمادة طبية ثابتة تحل محل الجزء الذي تم تآكله من الأسنان.
وتابعت قائلة: كل هذه الإجراءات الأصل فيها ألا تجاوز منطقة الفم من الإنسان، فإذا لم تتجاوزها ولم يصل شيء إلى الحلق صح الصوم بلا خلاف بين الفقهاء، أما إذا تجاوزت الموادُّ المستخدمة في عملية الحشو منطقة الفم ووصلت إلى الحلق مما يلزم عنه وصولها إلى الجوف، فإنه يفرق فيها بين حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون الصائم قد احتاط وبذل جهده في عدم تجاوز هذه المواد المستخدمة في الحشو حد الظاهر من فمه، إلا أنه قد غلبه وصولها للحلق دون تعمد أو قصد منه، فصومه حينئذٍ صحيح، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» أخرجه ابن ماجه في "السنن".
الحالة الثانية: أن يتمكن الصائم من عدم وصول هذه المواد إلى جوفه فيتساهل في ذلك ولا يسارع إلى مجها من فمه مع تذكره لصومه، فإنه في هذه الحالة يفسد صومه، ويلزمه القضاء لدخول المفطر من منفذ مفتوح أصالة مع ارتفاع العذر عنه، وهو ما أفادته نصوص الفقهاء حين نصوا على أنه لا يفطر مما لم يمكنه الاحتراز عنه، فتبين أن ما أمكنه الاحتراز عنه ولم يحترز فوصل بسبب ذلك جوفه أفطر به.
وشددت الإفتاء على ضرورة التنبيه على الصائم الذي يقدم على حشو أسنانه ومعالجتها الاحتياط والتحرز من دخول شيء أثناء العلاج إلى جوفه، وأن يخرج ما بقي في فمه من علاج أو دم بالمضمضة، ويجب على الطبيب الانتباه إلى ذلك بحيث يساعد المريض على التخلص مما بقي في فمه أولًا بأول، فإن دخل شيء إلى جوفه بغير قصد المريض وإرادته فلا شيء عليه ما لم يكن مقصِّرًا في إخراجه.
وأما إذ ابتلع الصائم شيئًا من العلاج أو ما بقي في فمه من آثار الحشو حال كونه عالمًا مختارًا قاصدًا ويمكنه التحرز منه فصومه غير صحيحٍ؛ إذ اتفق الفقهاء على أنَّ تعمُّد تناول المفطِّرات مع تذكر الصيام ناقضٌ للصوم، كما في "مراتب الإجماع" للعلامة ابن حزم (ص: 39، ط. دار الكتب العلمية).