محاكاة حرير العنكبوت.. اختراق صيني يكشف سرّ الصنعة
تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT
مثل الطاهي المحترف الذي يملك وصفات خاصة به تجعل طعامه شهيا ولذيذا، فإن العناكب تستخدم محسّنا جزيئيا طبيعيا لتقوية حريرها، وكان التنافس بين الباحثين في الوصول إلى هذه الوصفة الخاصة وتنفيذها بطريقة صديقة للبيئة، وهو ما يزعم فريق بحثي صيني أنهم نجحوا فيه.
وكانت إحدى الطرق الفعالة التي اقترحها الباحثون في الماضي لإنتاج ألياف شبيهة بحرير العنكبوت، هي إدخال عناصر مكونة لبروتين "الأميلويد" مع بروتينات حرير العنكبوت (السبيدروين)، مما أعطى نتائج إيجابية في إنتاح حرير يشبه في قوته ومتانته ما ينتجه العنكبوت.
ولكن من ناحية أخرى كانت له آثار بيئية وصحية سلبية، وهي المشكلة التي عالجها الفريق البحثي من معهد كارولينسكا وجامعة سوتشو بالصين في الدراسة الجديدة المنشورة بدورية " أدفانسد فانكشنال ماتريال".
وبروتينات حرير العنكبوت المعروفة أيضا باسم "السبيدروين"، هي اللبنات الأساسية لحرير العنكبوت، ويتم تصنيعها وتخزينها داخل غدد متخصصة في بطن العنكبوت، وتسمى بـ "الغدد الحريرية"، ولدى العناكب عدة أنواع منها، وينتج كل منها نوعا مختلفا من الحرير لأغراض مختلفة مثل التقاط الفرائس أو بناء الشبكة أو تكوين الشرنقة.
وتتضمن عملية إنتاج حرير العنكبوت عدة خطوات هي:
النسخ والترجمة الجينية: داخل الغدد الحريرية تُنتج الخلايا المتخصصة بروتين الحرير "السبيدروين" من خلال عمليات النسخ والترجمة الجينية، ويتم تصنيعه عادة على شكل سلاسل بروتينية طويلة ومتكررة تحتوي على مناطق ذات تسلسلات مختلفة من الأحماض الأمينية، وتحدد هذه التسلسلات خصائص الحرير الناتج مثل قوته ومرونته والتصاقه. التخزين: بمجرد تصنيعه يُخزّن السبيدروين بشكل مركز داخل الغدد الحريرية لحين الحاجة إليه، وتعمل الغدد الحريرية كخزانات، حيث تحتفظ به في شكل سائل. البثق: عندما يحتاج العنكبوت إلى استخدام الحرير، فإنه يضغط على غدده الحريرية للضغط على السائل، مما يجبره على المرور عبر قناة ضيقة تسمى المغزل، وعندما يمر عبر المغزل فإنه يخضع للتحول من السائل إلى الألياف الصلبة من خلال عملية تُعرف باسم "الغزل"، وتتضمن هذه العملية محاذاة وترتيب جزيئات السبيدروين في بنية منظمة للغاية، مما يؤدي إلى تكوين ألياف الحرير. التصلب: بمجرد إخراجها من المغزل تتصلب ألياف الحرير من خلال عمليات مثل الجفاف أو التعرض للهواء، وتشكل خيوطا قوية ومرنة.بدأت محاولات إنتاج حرير العنكبوت معمليا، بالوصول إلى طريقة لإنتاج بروتينات حرير العنكبوت "السبيدروين" باستخدام تكنولوجيا الحمض النووي المؤتلف، وذلك عبر ما يلي:
عزل الجينات: فقد عزل الباحثون الجينات المسؤولة عن تشفير بروتينات حرير العنكبوت من جينوم العناكب، وتحتوي هذه الجينات على تعليمات إنتاجه. تقنية الحمض النووي المؤتلف: فباستخدام تقنية الحمض النووي المؤتلف، يُدخل العلماء جين حرير العنكبوت في كائن حي مضيف، مثل البكتيريا أو الخميرة أو أنواع أخرى من الخلايا، وهذا يسمح لهم باستخدام الآلية الخلوية للكائن المضيف لإنتاج بروتينات حرير العنكبوت. التعبير والتنقية: يقوم الكائن المضيف بعد ذلك بتجميع بروتينات حرير العنكبوت بناء على الجين المدرج، ويمكن للعلماء هندسة الكائن المضيف لإنتاج كميات كبيرة من بروتينات حرير العنكبوت المرغوبة، وبعد الإنتاج تُنقّى البروتينات من الخلايا المضيفة لإزالة أي ملوثات. المعالجة والغزْل: بمجرد تنقيتها، تُعالج بروتينات حرير العنكبوت لتكوين سائل، ويمكن بعد ذلك غزل هذا المحلول إلى ألياف باستخدام تقنيات مختلفة، مثل الغزل الرطب أو الغزل الجاف، وأثناء الغزل يجري بثق السائل من خلال مغزال لتشكيل ألياف متواصلة، والتي تتصلب إلى خيوط حريرية عند سحبها.كان الحرير الناتج من بروتينات حرير العنكبوت "السبيدروين" التي أُنتجت معمليا، ليس قويا بالدرجة التي تتطابق مع ما يحدث بشكل طبيعي، وظل لدى العناكب "سر الصنعة" الذي حاولت فرق بحثية الوصول له.
ووجدت محاولات سابقة أن إدخال عناصر مكوِّنة لبروتين الأميلويد إلى بروتين الحرير، يساعد في إنتاج حرير طبيعي بنفس كفاءة حرير العنكبوت في قوته، ولكن من ناحية أخرى كانت المشكلة أنه عند إدخال هذه العناصر في بروتينات حرير العنكبوت "السبيدروين"، كان هناك خطر توليد مواد وسيطة سامة أثناء عملية التجميع الذاتي.
ويشرح بيان أصدره معهد كارولينسكا الصيني أن الإنجاز الذي تحقق في الدراسة الجديدة، يكمن في وصف طريقة تحقق هدف محاكاة قوة حرير العنكبوت الطبيعي دون توليد أي مواد سامة وسيطة، حيث استخدموا نوعا من المعززات الجزيئية التي تسمى "المجالات الفاصلة"، والتي تتجمع ذاتيا في ألياف تشبه الأميلويد من خلال مسارات تتجنب تكوين مواد وسيطة سامة.
و"المجالات الفاصلة" هي أجزاء من البروتينات تعمل بمثابة "فواصل" بين المجالات الوظيفية أو المناطق داخل بنية البروتين، بحيث تساعد على تخلص البروتين من بعض عيوبه، مع الحفاظ على بنيته العامة ووظيفته، وصُممت المجالات المستخدمة في هذه الدراسة لتتجمع ذاتيا في ألياف ليفية تشبه الأميلويد دون إنتاج مواد وسيطة سامة، وهذا يعني أنها توفر نفس التأثير المقوّى دون آثار جانبية ضارة.
ومن خلال دمج هذا المجالات الفاصلة في بروتينات حرير العنكبوت، تمكنوا من زيادة القوة الميكانيكية للألياف الشبيهة بالحرير، ليبدو الأمر كما لو أنهم توصلوا لسر الصنعة التي يجيدها العنكبوت، وهو ما تأكدوا منه عبر تجارب المقارنة بين حرير العنكبوت الطبيعي والحرير الذي أنتجوه باستخدام بروتين حرير العنكبوت "السبيدروين" والمجالات الفاصلة.
واستخدم الباحثون في هذه التجارب "الفحص المجهري" الذي يعتمد على المجهر الإلكتروني الماسح، والذي يوفر صورا عالية الدقة لألياف الحرير، وتتضمن هذه التقنية مسح شعاع مركز من الإلكترونات على سطح عينة الحرير. ومن خلال الكشف عن التفاعلات بين الشعاع وسطح العينة، يمكن للباحثين إنشاء صور مفصلة توضح شكل وتضاريس ألياف الحرير على مستوى النانو.
جواز مرور للتطبيقات.. 3 شروطويَعِد نجاح الباحثين في التخلص من مشكلة السمّية عند محاولة تقليد حرير العنكبوت، بإتاحة استخدامه في العديد من التطبيقات التي يشير إليها أستاذ هندسة المنسوجات بجامعة أسيوط (جنوب مصر) خالد الخولي.
يقول الخولي في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت"، إنه يمكن استخدامه في العديد من الصناعات بما في ذلك المنسوجات والفضاء والهندسة الطبية الحيوية، فعلى سبيل المثال يمكن استخدامها لإنشاء مواد أقوى وأكثر خفة في الوزن للملابس أو المظلات أو الغرسات الطبية.
ويضيف أن الطبيعة المتوافقة حيويا لحرير العنكبوت تجعله مناسبا للتطبيقات الطبية الحيوية، فيمكن استخدامه لإنشاء سقالات لهندسة الأنسجة، أو أنظمة توصيل الأدوية، أو الغرز الجراحية التي تتطلب قوة عالية وتوافقا حيويا.
ولكن قبل أن يحصل هذا المنتج على جواز مرور لتلك التطبيقات، يحدد الخولي ثلاثة شروط يجب أن يعمل عليها الباحثون في دراسات لاحقة، وهذه الشروط هي:
أولا: إجراء مزيد من الدراسات لتقييم التوافق الحيوي وسلامة ألياف الحرير المحسنة بشكل كامل لمختلف التطبيقات، لا سيما في السياقات الطبية الحيوية. ثانيا: رغم النتائج الإيجابية، يحتاج الباحثون للتأكد من أنهم وصلوا إلى أقصى درجة من المتانة، ولذلك لابد من إجراء دراسات لاحقة قد تقود إلى زيادة القوة، وذلك عن طريق إجراء تعديلات في تركيبة المجالات الفاصلة، أو استكشاف تعديلات إضافية على بروتينات الحرير. ثالثا: سيتطلب توسيع نطاق إنتاج ألياف حرير العنكبوت للتطبيقات التجارية عمليات تصنيع تتسم بالكفاءة والفعالية من حيث التكلفة، ويجب أن تصف الدراسات اللاحقة كيفية التصنيع على نطاق تجاري.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات من خلال
إقرأ أيضاً:
صورة مذهلة لوكالة ناسا توثق اختراق طائرة لحاجز الصوت
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- كشفت صورة منشورة حديثًا مشهد اختراق حاجز الصوت في 10 فبراير/شباط عندما أكملت أول طائرة مدنية أسرع من الصوت رحلتها الثانية بسرعة تتجاوز 1 ماخ.
استخدمت فِرَق "ناسا" الموجودة على الأرض التصوير بطريقة "شليرين" (Schlieren photography) لالتقاط موجات الصدمة حول طائرة "XB-1" التجريبية من شركة "Boom Supersonic" أثناء اندفاعها عبر الهواء.
وأفاد مؤسس شركة "Boom Supersonic" ورئيسها التنفيذي، بليك شول، في بيان صحفي: "هذه الصورة تجعل ما هو غير مرئي مرئيًا".
وبهدف الحصول على هذه الصور، وضع الطيار التجريبي الرئيسي للشركة، تريستان براندنبورغ، طائرة "XB-1" في موقع محدد خلال وقت محدد فوق صحراء "موهافي".
وأثناء تحليق الطائرة أمام الشمس، وثّق فريق "ناسا" سرعات الهواء المتغيرة، مثل السرعات التي تجاوزت 1 ماخ، وهي تعادل سرعة الصوت (1،225.1 كيلومترًا في الساعة).
والتُقِطت الصور من خلال مناظير أرضية بمرشحات خاصة تكشف عن تشوهات الهواء.
انعدام الصوتجمعت فِرَق "ناسا" أيضًا بيانات عن مستوى الصوت الذي أحدثته طائرة "XB-1" في مسار الرحلة.
ووجد تحليل "Boom Supersonic" أنّه لم يصل أي صوت مسموع إلى اليابسة أثناء الرحلة، بحسب ما ذكرته الشركة.
وكان تقليل دوي اختراق حاجز الصوت إلى أدنى حد هدفًا رئيسيًا للمهندسين المشاركين في السباق للسعي وراء إنعاش السفر الجوي التجاري الأسرع من الصوت.
وتعني الأصوات العالية الناجمة عن دوي اختراق حاجز الصوت أنّ الحكومات الدولية حظرت حدوثها فوق المناطق المكتظة بالسكان، أو قيدتها بالطيران فوق البحر فقط.
في 28 يناير/كانون الثاني من هذا العام، قامت طائرة "XB-1" بأول رحلة أسرع من الصوت.
وتُعد الطائرة الخطوة الأولى نحو تطوير الطائرة التجارية الأسرع من الصوت لشركة "Boom Supersonic"، وتُدعى "Overture".
عودة طال انتظارهالقد مر حوالي 55 عامًا منذ أن حلق نموذج "002" لطائرة "كونكورد" بسرعة 1 ماخ لأول مرة في 25 مارس/آذار من عام 1970، كما مضى أكثر من 21 عامًا منذ انتهاء قطاع السفر التجاري الأسرع من الصوت، مع تحليق الرحلة الأخيرة للطائرة الأنجلو-فرنسية في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2003.
ولا تزال طموحات "Boom Supersonic" كبيرة.
وقال شول لـCNN العام الماضي إنّه يتوقع أن تحل الطائرات الأسرع من الصوت محل الطائرات التجارية التقليدية في هذا الجيل.
وتتمثل خطة الشركة في أن تدخل طائرة "Overture" الخدمة قبل نهاية العقد، لتحمل ما بين 64 و80 راكبًا للسفر بسرعة 1.7 ماخ، ويعادل ذلك ضعف سرعة الطائرات التجارية من دون سرعة الصوت اليوم.
كما تأمل الشركة أن تخدم الطائرة أكثر من 600 مسار حول العالم يومًا ما.
تقنيات جديدةاستُخدِمت طائرة "XB-1" التجريبية لإثبات التقنيات الجديدة التي طورتها شركة "Boom Supersonic".
وتمامًا مثل طائرة "كونكورد"، تتمتع كل من "XB-1" و"Overture" بأنف طويل وزاوية مواجهة عالية للإقلاع والهبوط، ويؤثر ذلك على قدرة الطيارين في رؤية المدرج.