مجزرة كبكب.. يوم أبادت فرنسا علماء المسلمين في تشاد
تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT
مجزرة ارتكبتها قوات الاستعمار الفرنسي في تشاد عام 1917، لقي فيها أكثر من 400 من العلماء والفقهاء وزعماء المسلمين المحليين مصرعهم، إذ تم قطع رقابهم بالسواطير. وقد مهدت المجزرة الطريق أمام المستعمر الفرنسي للاستبداد بالمنطقة، والقضاء على الدين الإسلامي واللغة العربية، وسلخ الناس من هويتهم، وإضعاف مقومات وحدتهم وقوتهم.
مع نهاية القرن الـ19 الميلادي، بدأ الاستعمار الفرنسي يغزو القارة الأفريقية، ويستولي على أقطارها، وكان من مطامعه الاستيلاء على المنطقة التي عرفت لاحقا باسم تشاد، والتي كانت في تلك الآونة تشتمل على شقين متمايزين، ففي الشمال قامت دولة إسلامية قوية عُرفت باسم "مملكة ودّاي"، وكانت العربية هي اللغة المتداولة فيها، فضلا عن كونها اللغة الرسمية ولغة العلم. أما جنوبا فقد انتشرت دويلات قبلية مفككة تسودها العبادات الوثنية.
أحكم الفرنسيون سيطرتهم على الجنوب دون عناء يُذكر، وتمكنوا من نشر اللغة والثقافة الفرنسية، وأسهمت البعثات التبشيرية بدور فعال في تحويل الناس إلى المسيحية، غير أن الطريق لم يكن ممهدا أمام الاستعمار الفرنسي لإخضاع الشمال المسلم.
واجه المستعمر تعسرا في التعامل مع الجبهة المتماسكة سياسيا بقيادة "رابح الزبير" حاكم مملكة ودّاي، وفي أعقاب استشهاده حمل ابنه "فضل الله" راية المقاومة، وكان علماء البلاد وفقهاؤها جبهة واحدة خلف المقاومة، يحثون الناس على الوقوف في وجه الاستعمار ودفعه.
وبعد سنوات من القتال والمعارك الدامية، وخسائر باهظة تكبدها الجانبان، تمكن الفرنسيون من بسط سيطرتهم على المملكة، وذلك عام 1911، وأطلقوا عليها اسم تشاد، وألغت فرنسا القوانين الإسلامية ونظام القضاء الشرعي، وفرضت القانون الفرنسي والدين المسيحي، وجعلت الفرنسية هي اللغة الرسمية للبلاد.
مدينة أبشي في تشاد التي تسببت المجزرة بانخفاض حاد في عدد سكانها خوفا من بطش الاحتلال (الجزيرة) سبب المجزرةبقي خطر المقاومة الشعبية قائما بالنسبة للفرنسيين، رغم سيطرتهم العسكرية على المنطقة، حيث لم يستطيعوا فرض ثقافتهم، ورفض الناس الرضوخ لهم وتلقي التعليم الفرنسي والتحول عن الإسلام، وتفاقم الأمر لا سيما بعد أن أُشيع عن بعض الفقهاء فتاوى بقتل الفرنسيين.
وفي غضون ذلك، قُتل ضابط فرنسي على يد أحد أبناء مدينة أبشي، إذ طُعن أثناء احتفالات عطلة الأسبوع، وأطلق زملاء الضابط الفرنسي النار على القاتل في الحين وأردوه قتيلا. وذُكرت روايات عديدة للحادثة تختلف فيها بعض تفاصيل الحادث وهوية كل من القاتل والمقتول.
وتذكر بعض الروايات أن عقيد قبيلة "المياقنة" قد وشى بالعقيد "محمد دكوم"، الذي عينه العقيد الفرنسي "هيلر"، لقائد الحملة الفرنسية في أبشي "جيرار"، وأخبره بأن دكوم لم يكن مخلصا للفرنسيين، وأنه يتآمر مع الفقهاء ضدهم، وقد أكد جواسيس الفرنسيين حضور الفقهاء أحيانا إلى دار العقيد دكوم، وهو الأمر الذي زاد من شكوك "جيرار".
التسميةسُميت تلك المجزرة "كبكب" وهو لفظ ليس عربيا، وإنما أخذ من اللفظ الفرنسي (coupe) الذي يعني "قطع"، وذلك لأن ضحايا المجزرة قتلوا عن طريق قطع رؤوسهم بالساطور، لذلك تطلق بعض المصادر على المجزرة أيضا اسم "مجزرة الساطور".
الوقائعأقلق التأثير البالغ الذي تمتع به علماء المسلمين في تشاد المستعمرين الفرنسيين، وتخوفوا من حركات تمرد مدفوعة بفتاوى الفقهاء وتحريضهم، فخططوا لخديعة كبرى بغرض القضاء على علماء تشاد دفعة واحدة، ومن ثم تسهيل القضاء على عناصر القوة في المجتمع وهي الدين الإسلامي واللغة العربية.
وبناء على الخطة دعا الفرنسيون العلماء من كافة مناطق تشاد إلى مدينة أبشي، التي كانت عاصمة البلاد آنذاك، وروج الفرنسيون أن الهدف من الاجتماع هو مناقشة أحوال البلاد، ومحاولة التوصل إلى حلول مرضية بخصوص إدارتها، والاحتفال بتتويج العقيد التشادي "محمد دكوم"، الذي عينته فرنسا سلطانا على المسلمين.
ضحايا المجزرة قتلوا بقطع رؤوسهم بالساطور لذلك سميت أيضا "مجزرة الساطور" (وسائل التواصل الاجتماعي)وقد استدعى "جيرار" الشاويش "سامبا ساموري"، وكان ذا أصل سنغالي، وأمره بأن يأتيه صباح اليوم التالي برأسي دكوم ونائبه بحرام، وقتل جميع من يكون حاضرا معهما، وزود الشاويش سامبا بـ40 جنديا مسلحين بالسواطير، ثم كلف "جيرار" الضابط "بولي" بتشديد الحراسة على مداخل المدينة.
وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 بعد صلاة الفجر، اجتمع في ساحة مسجد مدينة أبشي علماء الدين وتلاميذهم، والعديد من الزعماء المحليين، بمن فيهم السلطان الجديد دكوم ونائبه بحرام، وعلى حين غرة، أطلق الجنود الرصاص على رأس العقيد دكوم الذي خر صريعا، ثم قتلوا كل من كان حاضرا في ساحة المسجد بالأسلحة النارية والسواطير، وصدرت الأوامر كذلك، بقتل جميع الفقهاء الذين يسكنون حي " شق الفقهاء".
أسفرت المجزرة عن ذبح أكثر من 400 من العلماء وشيوخ القبائل والزعماء، ودفنوا في قبر جماعي بوادي "أم كامل" بأبشي، وصاحب المجزرة استيلاء على ممتلكات الضحايا وأسرهم، ونهب حي "شق الفقهاء".
ولم تكتف القوات الفرنسية بمذبحة أبشي، بل امتد القتل إلى المناطق الأخرى من ودّاي، واستمر عدة أيام، ما اضطر الكثير من العلماء والسكان للهجرة إلى الدول المجاورة، فضلا عن العشرات من أصحاب النفوذ التشاديين من العلماء والسياسيين الذين نفاهم الفرنسيون أنفسهم.
وفي أعقاب المجزرة، حققت السلطات الفرنسية في المأساة التي وقعت، واعتُبر القائد الفرنسي "جيرار" المسؤول المباشر عما حدث، فعُزل من منصبه وطُرد من الجيش عام 1922.
الآثار التي خلفتها المجزرةخلفت المجزرة آثارا مدمرة للمجتمع التشادي في النواحي السياسية والثقافية والاجتماعية والعلمية، أبرزها:
الآثار الثقافية والعلمية: حلت بالمنطقة انتكاسة ثقافية، إذ قُتل خيرة علماء البلاد في الفقه والتفسير والحديث واللغة العربية، وغيرهم من نقلة الحضارة الإسلامية، ونجم عن ذلك تراجع في مستوى التعليم الإسلامي واللغة العربية وانتشارهما، بسبب تضاؤل أعداد العلماء، وخاصة بعد هجرة كثير ممن نجوا إلى البلدان المجاورة، على إثر حملة المطاردة التي استمرت بعد المجزرة.
وقد عمد المستعمرون إلى حرق مصادر التراث الإسلامي من كتب ومخطوطات ووثائق علمية، ونهب بعضها وإرسالها إلى متاحف فرنسا، وتدمير الآثار الإسلامية التي أبدعتها سنوات طويلة من الحكم الإسلامي في المنطقة.
وتحولت المؤسسات التعليمية الدينية إلى مراكز تعليمية حكومية، وفُرض التعليم باللغة الفرنسية، وأُجبر المسلمون على إرسال أولادهم إلى المدارس المسيحية، ومنع استخدام اللغة العربية، وحرقت المساجد ودور القرآن، وذلك في حملة شرسة لسلخ الناس عن هويتهم الإسلامية وإضعاف مقومات قوتهم ووحدتهم الثقافية.
الآثار السياسية: روعت أحداث المجزرة السلاطين وشيوخ العشائر وعموم الناس في البلاد، فخَفَتَ صوت ثورتهم، ووهن فتيل المقاومة، واستتب الأمر للسلطات الفرنسية في حكم البلاد، وتمكنت من تثبيت قوانين الحكم الفرنسي، وفرض الديانة المسيحية واللغة الفرنسية على الناس، بعد أن واجهت قبل ذلك مقاومة عنيفة. ووفق مرسوم صدر في عام 1920، أصبحت تشاد مستعمرة مرتبطة مباشرة بحكومة المستعمرات الفرنسية العامة، التي عُرفت آنذاك باسم "أفريقيا الاستوائية الفرنسية".
وتسببت المجزرة بانخفاض حاد في عدد سكان مدينة أبشي، إذ هاجرت أعداد هائلة من الناس والعلماء والأمراء خوفا من بطش الاحتلال الفرنسي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات واللغة العربیة اللغة العربیة من العلماء فی تشاد
إقرأ أيضاً:
ليون مهدد بالهبوط لدوري الدرجة الثانية الفرنسي
باريس (أ ب)
أصبح فريق ليون، بطل الدوري الفرنسي لكرة القدم، سبع مرات سابقة، مهدداً بالهبوط لدوري الدرجة الثانية بنهاية الموسم الجاري، كما تم توقيع حظر انتقالات عليه بسبب مخالفات مالية.
جاء قرار الهبوط المؤقت لليون إلى دوري الدرجة الثانية بعد تدقيق في ميزانية النادي من قبل هيئة مراقبة حسابات أندية كرة القدم الاحترافية في فرنسا، المعروفة باسم «دي.إن.سي.جي».
وقررت هيئة مراقبة حسابات أندية كرة القدم الاحترافية في فرنسا أن موقف ليون المالي يجب أن يتحسن بنهاية الموسم، وأنه لا يمكنه إجراء أي صفقات خلال فترة الانتقالات الشتوية في يناير، وستقوم «الهيئة» أيضاً بمراقبة رواتب اللاعبين. ويمتلك رجل الأعمال الأميركي جون تيكستور نادي ليون، وأيضاً ناديي كريستال بالاس في إنجلترا، وبوتافوجو في البرازيل.
وظهر تيكستور واثقاً بعدما قدم قضية النادي لهيئة مراقبة حسابات أندية كرة القدم الاحترافية في فرنسا، مساء الجمعة، ونقلت تقارير صحفية تصريحات له قال فيها: «الاجتماع سار بشكل جيد، وأنا واثق من أرقامنا». وأفاد ليون، صاحب المركز الخامس في الدوري الفرنسي، في وقت سابق هذا الشهر أن لديه ديونا مالية بقيمة 505 ملايين يورو (6ر532 مليون دولار)، مما يعني أن الفريق، الذي وصل إلى الدور قبل النهائي بدوري أبطال أوروبا من قبل، قد يضطر إلى بيع بعض من أفضل لاعبيه، مثل لاعب الوسط الشاب رايان شرقي (21 عاماً)، في يناير، وقد يضطر أيضاً أصحاب الرواتب العالية، في الفريق، مثل ألكسندر لاكازيت وكورنتين توليسو، إلى مغادرة النادي.