تصنف موسوعة غينيس للأرقام القياسية (Guinness world records)، جامعة القرويين في فاس المغربية كأقدم جامعة في العالم ما زالت عاملة إلى الآن دون انقطاع، رغم الجدل العلمي الذي يجعلها تنافس جامع وجامعة الزيتونة التونسية (التي بدأت دروسها منذ 737م/ 120هـ) على لقب أقدم جامعة في العالم.

ويُنسب فضل إنشاء "القرويين" إلى فاطمة الفهري التي أسست جامع القرويين في منتصف القرن التاسع الميلادي/منتصف القرن الثالث الهجري، لكن روايات المؤرخين الذين شهدوا عصر جامعة القرويين بعد عصر فاطمة مثل ابن خلدون وأبي الحسن علي بن أبي زرع الفاسي، لا توحي بأنها تأسست كجامعة، بل كمسجد جامع بنته فاطمة بمالها من الحجر والطين بعدما اشترت الأرض التي خُصصت للجامع والجامعة فيما بعد من ميراثها الكبير.

الجامع والجامعة

واعتبر جامع القرويين أقدم جامعة لكونها لم تمر بمراحل التعثر التي مرت بها معاهد الزيتونة والأزهر والمدرسة المستنصرية العلمية، وظلت "القرويين" بعيدة عن أحداث عواصم الشرق وتحولاتها الكبيرة، مما حفظ لها استمرار نظامها وتقاليدها، واستغنت بأوقافها وأراضيها الفسيحة عن دعم السلطات والدول التي مرت بها.

ولا تبدو الإجابة عن سؤال وقت بداية التدريس بالقرويين سهلة، لكنها بالتأكيد تشبه دراسة تواريخ المساجد الكثيرة التي جمعت بين وظيفة العبادة وإقامة الصلاة وبين كونها مركزا للتعليم والتدريس.

ويرى مؤرخ القرن الـ14 الميلادي علي الجزنائي في كتابه "جنى زهرة الآس في بناء مدينة فاس"، أن بداية تحول القرويين إلى جامعة جاء مع العلماء الذين وضعوا قبلة القرويين، وعرف عن الشاعر بكر التاهرتي والإمام يحيى الرابع عقدهما مجالس علمية في القرويين.

وبالنظر إلى تواريخ تأسيس الجامعات الأوروبية (بولونيا الإيطالية منتصف القرن الـ12، والسوربون أول القرن الـ13)، تبدو القرويين بالفعل أقدم جامعة في العالم، وتشبه قصة تأسيسها قصة جامعات السوربون وبولونيا وأكسفورد التي بدأت أيضا بتدريس اللاهوت من قِبَل الرهبان قبل أن تتطور تدريجيا إلى جامعات عريقة، بحسب المؤرخ المغربي عبد الهادي التازي مؤلف كتاب "جامع القرويين".

فاطمة الفهري أم البنين

لا توجد سوى مصادر محدودة عن حياة فاطمة الفهري وقصتها، ومنها ما دوّنه المؤرخ ابن أبي زرع الذي عاش في القرن الـ14 الميلادي في كتابه "روضة القرطاس"، ووصف الأرض التي اشترتها فاطمة وبنت فيها الجامع.

ويروي ابن أبي زرع رحلة وفد القرويين التونسي إلى الملك الإدريسي يحيى الأول واستقرارهم حول منحدر القرويين، بمن فيهم "المرأة المباركة فاطمة" ابنة الرجل التونسي العربي محمد بن عبد الله الفهري. وكانت فاطمة مع أختها مريم، وورثت ثروة طائلة أنفقتها على أعمال الخير وبناء المسجد.

ويذكر ابن خلدون في القرن الـ14 عن صنيع فاطمة بعد أن ينقل ما رواه ابن أبي زرع، مشيرا إلى انتقال خطبة الجمعة إلى جامع القرويين وازدحام المنطقة المحيطة به، ويعقب ابن خلدون "فكأنما نبهت عزائم الملوك بعدها".

ورأى المؤرخ عبد الهادي التازي في دراسته التي كانت بالأصل أطروحة دكتوراه عن جامع القرويين، أن بناء الجامع بدأ في عهد السلطان داود بن إدريس استنادا إلى وثيقة تاريخية تعود لزمن الأدارسة عثر عليها أثناء أعمال الترميم الحديثة، وربما كانت جهود فاطمة الفهري وفق هذه المعطيات هي أعمال توسعة واستكمال.

ورغم أنه لا يعرف الكثير عن حياة فاطمة من المصادر القديمة، فقد روى ابن أبي زرع وابن خلدون القصة بإيجاز، وشرح الأول قصة بناء المسجد من الطين والحصى والرمال الصفراء، وروى حفر البئر في فناء الجامع وإنفاق فاطمة الوفير على البناء حتى يكون عملا صالحا مستمرا تنال ثوابه في الدار الآخرة.

وبعد رحيلها، تعاقبت دول المرابطين والموحدين والمرينيين على العناية بالجامع وتوسعته وتجديد بنائه.

التحول إلى الجامعة

أسهمت هذه العناية التي بذلها الحكام للفوز بمكانة معنوية عبر دعم العلم والعلماء، في ازدهار الجامعة وإضفاء الطابع الرسمي على أنظمتها التعليمية العريقة، وبهذه الطريقة أنجب الجامع جامعة.

وبدأت الإشارة إلى المكانة العلمية الفريدة لجامع القرويين منذ القرن الـ12 الميلادي، ونمت مكتبته تدريجيا عبر الكتب والتبرعات والأوقاف وجهود الأمراء لزيادة مقتنياتها، وحافظ القرويين على قيمته كمركز للمعرفة الدينية والعلمية في العالم الإسلامي.

ورغم أنه يصعب العثور على تاريخ دقيق لتحول الجامع إلى جامعة، فإن بعض المؤرخين يعتقدون أن بداية التحول كانت في العهد المرابطي (1056-1147م)، بالتزامن مع تغيير شكل القرويين في عهد دولة المرابطين عن شكله السابق، إذ شيدوا منبرا جديدا للجامع مزخرفا بآيات القرآن، بينما يرى آخرون أن التحول الحقيقي جاء خلال عهد الدولة المرينية التي ارتأت إصلاح الجامع وبناء المدارس حوله وتعزيز حضورها، تمهيدا للتدخل في تعيين خطباء الجامع الذي كان الأعيان يشرفون على إدارته.

وعرفت جامعة القرويين نظام الكراسي العلمية، وخُصصت أوقاف للإنفاق عليها، ويعتبر الكرسي العلمي درجة عريقة عالية يمكن مقارنتها بالمناصب الأكاديمية الحديثة.

وجذبت الجامعة العديد من العلماء والفلاسفة، ومنهم ابن باجة (ت: 533هـ/1138م على أحد الأقوال)، والشريف الإدريسي (559هـ/ 1166م)، وابن رشد (ت: 595هـ/ 1198م)، وموسى بن ميمون (ت: 603هـ/ 1205م)، وابن خلدون (ت: 808هـ/ 1406م)، وكذلك بابا الفاتيكان الفرنسي "سيلفستر الثاني (940-1003) الذي درس العلوم بالعربية ويعتقد أنه نقل الأرقام العربية إلى أوروبا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: إلى جامع

إقرأ أيضاً:

محمد بن راشد يلتقي كلاوس شواب ويؤكد أهمية تمكين الحكومات من مواكبة التغيرات التي يشهدها العالم

دبي - وام
التقى صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بحضور سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، اليوم البروفيسور كلاوس شواب، رئيس مجلس أمناء المنتدى الاقتصادي العالمي 'دافوس'، وذلك ضمن أعمال اليوم التمهيدي للقمة العالمية للحكومات 2025 التي تنطلق غدا وتستمر حتى 13 فبراير الجاري تحت شعار 'استشراف حكومات المستقبل'.
ورحّب سموه بمشاركة البروفيسور شواب في أعمال القمة العالمية للحكومات 2025، مثمّناً سموّه دور منتدى 'دافوس' في تعزيز التعاون الدولي، وفتح آفاق جديدة أمام أصحاب القرار في العالم لتمكينهم من مواجهة التحديات التنموية والاقتصادية.
وجرى خلال اللقاء - الذي حضره سموّ الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي رئيس مجلس دبي للإعلام، وسموّ الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس دبي الرياضي، ومحمد عبد الله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، رئيس مؤسسة القمة العالمية للحكومات- استعراض سبل توثيق الشراكات بين حكومات العالم، وصياغة رؤى مشتركة عبر الحوار وتبادل التجارب والخبرات، وكيفية استثمار الفرص الكبيرة التي تتيحها التجمعات العالمية الكبرى مثل القمة العالمية للحكومات، ومنتدى 'دافوس' من أجل الارتقاء بالعمل الحكومي والأداء المؤسسي، بما ينعكس إيجابياً على الاقتصاد العالمي.
وأكد صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم التزام دولة الإمارات الدائم بالعمل على تطوير رؤية عالمية موحّدة لاستشراف التحديات المقبلة، واستكشاف الفرص الاستثمارية والاقتصادية، بما يضمن تحقيق المستهدفات التنموية في مختلف المجتمعات، وتعزيز ثقة الأجيال الجديدة بالمستقبل.وأشار سموّه إلى أن القمة العالمية للحكومات، تتزايد أهميتها من خلال دور محوري مؤثر في تمكين الحكومات لتكييف أدوارها وأدواتها لمواكبة التغيرات الجذرية التي يشهدها العالم، وتعزيز قدراتها على الاستفادة من هذه التغيرات للنهوض بواقع مجتمعاتها نحو الأفضل.من جانبه، أشاد البروفيسور كلاوس شواب بالدور الحيوي لدولة الإمارات في دعم التعاون الدولي وبناء جسور متينة بين حكومات العالم، بما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي على مستوى العالم.
ونوّه شواب بالمكانة المرموقة للقمة العالمية للحكومات، وقدرتها على حشد جهود الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية من أجل مواجهة التحديات التنموية، والقضايا المُلحّة التي تشغل العالم.ويشارك البروفيسور كلاوس شواب، في أعمال القمة العالمية للحكومات 2025 عبر جلسة رئيسية بعنوان: 'الحكومات في عصر الذكاء الاصطناعي'.وتجمع القمة العالمية للحكومات 2025 أكثر من 30 رئيس دولة وحكومة، وأكثر من 80 منظمة دولية وإقليمية، إضافة إلى 140 وفداً حكومياً ونخبة من قادة الفكر والخبراء العالميين، وبحضور أكثر من 6000 مشارك.
وتضم أجندة القمة 21 منتدى عالمياً تبحث التوجهات والتحولات المستقبلية العالمية الكبرى في أكثر من 200 جلسة رئيسية وحوارية وتفاعلية، يتحدث فيها أكثر من 300 شخصية عالمية من الرؤساء والوزراء والخبراء والمفكرين وصُنّاع القرار، إضافة إلى عقد أكثر من 30 طاولة مستديرة واجتماعاً وزارياً، بمشاركة أكثر من 400 وزير، فيما تُصدر القمة 30 تقريراً استراتيجياً بالتعاون مع شركاء المعرفة الدوليين.

مقالات مشابهة

  • نائب وزير الإدارة والتنمية المحلية ومحافظو حضرموت والمهرة وعدن يزورن جامع الإمام الهادي
  • جمعت بين الحرفية والجمال.. مهندسة معمارية تحول الزجاج إلى لوحات فنية ملونة
  • حمدان بن محمد: القمة العالمية للحكومات تمثل الإمارات التي تجمع العالم
  • "الثقافة والعلوم" تستضيف "رحلة في عمق اللون"ِ
  • روسيا: سلطات كييف «تتفاخر» بالأعمال الإرهابية التي تنفذها
  • محمد بن راشد يلتقي كلاوس شواب ويؤكد أهمية تمكين الحكومات من مواكبة التغيرات التي يشهدها العالم
  • مستشار تحول رقمي: قادة العالم يتعاونون في قمة باريس لرسم مستقبل الذكاء الاصطناعي
  • تراجع أنشطة الصيد الجائر لوحيد القرن في جنوب أفريقيا
  • تتجول بشوارع كركوك.. أقدم سيارة في العراق برقم ملكي (صور)
  • العثور على الفتاة التي أبكت المصريين أمام الفستان الأبيض