فاطمة الفهري والقرويين.. رحلة تحول الجامع إلى أقدم جامعة في العالم
تاريخ النشر: 25th, July 2023 GMT
تصنف موسوعة غينيس للأرقام القياسية (Guinness world records)، جامعة القرويين في فاس المغربية كأقدم جامعة في العالم ما زالت عاملة إلى الآن دون انقطاع، رغم الجدل العلمي الذي يجعلها تنافس جامع وجامعة الزيتونة التونسية (التي بدأت دروسها منذ 737م/ 120هـ) على لقب أقدم جامعة في العالم.
ويُنسب فضل إنشاء "القرويين" إلى فاطمة الفهري التي أسست جامع القرويين في منتصف القرن التاسع الميلادي/منتصف القرن الثالث الهجري، لكن روايات المؤرخين الذين شهدوا عصر جامعة القرويين بعد عصر فاطمة مثل ابن خلدون وأبي الحسن علي بن أبي زرع الفاسي، لا توحي بأنها تأسست كجامعة، بل كمسجد جامع بنته فاطمة بمالها من الحجر والطين بعدما اشترت الأرض التي خُصصت للجامع والجامعة فيما بعد من ميراثها الكبير.
واعتبر جامع القرويين أقدم جامعة لكونها لم تمر بمراحل التعثر التي مرت بها معاهد الزيتونة والأزهر والمدرسة المستنصرية العلمية، وظلت "القرويين" بعيدة عن أحداث عواصم الشرق وتحولاتها الكبيرة، مما حفظ لها استمرار نظامها وتقاليدها، واستغنت بأوقافها وأراضيها الفسيحة عن دعم السلطات والدول التي مرت بها.
ولا تبدو الإجابة عن سؤال وقت بداية التدريس بالقرويين سهلة، لكنها بالتأكيد تشبه دراسة تواريخ المساجد الكثيرة التي جمعت بين وظيفة العبادة وإقامة الصلاة وبين كونها مركزا للتعليم والتدريس.
ويرى مؤرخ القرن الـ14 الميلادي علي الجزنائي في كتابه "جنى زهرة الآس في بناء مدينة فاس"، أن بداية تحول القرويين إلى جامعة جاء مع العلماء الذين وضعوا قبلة القرويين، وعرف عن الشاعر بكر التاهرتي والإمام يحيى الرابع عقدهما مجالس علمية في القرويين.
وبالنظر إلى تواريخ تأسيس الجامعات الأوروبية (بولونيا الإيطالية منتصف القرن الـ12، والسوربون أول القرن الـ13)، تبدو القرويين بالفعل أقدم جامعة في العالم، وتشبه قصة تأسيسها قصة جامعات السوربون وبولونيا وأكسفورد التي بدأت أيضا بتدريس اللاهوت من قِبَل الرهبان قبل أن تتطور تدريجيا إلى جامعات عريقة، بحسب المؤرخ المغربي عبد الهادي التازي مؤلف كتاب "جامع القرويين".
فاطمة الفهري أم البنينلا توجد سوى مصادر محدودة عن حياة فاطمة الفهري وقصتها، ومنها ما دوّنه المؤرخ ابن أبي زرع الذي عاش في القرن الـ14 الميلادي في كتابه "روضة القرطاس"، ووصف الأرض التي اشترتها فاطمة وبنت فيها الجامع.
ويروي ابن أبي زرع رحلة وفد القرويين التونسي إلى الملك الإدريسي يحيى الأول واستقرارهم حول منحدر القرويين، بمن فيهم "المرأة المباركة فاطمة" ابنة الرجل التونسي العربي محمد بن عبد الله الفهري. وكانت فاطمة مع أختها مريم، وورثت ثروة طائلة أنفقتها على أعمال الخير وبناء المسجد.
ويذكر ابن خلدون في القرن الـ14 عن صنيع فاطمة بعد أن ينقل ما رواه ابن أبي زرع، مشيرا إلى انتقال خطبة الجمعة إلى جامع القرويين وازدحام المنطقة المحيطة به، ويعقب ابن خلدون "فكأنما نبهت عزائم الملوك بعدها".
ورأى المؤرخ عبد الهادي التازي في دراسته التي كانت بالأصل أطروحة دكتوراه عن جامع القرويين، أن بناء الجامع بدأ في عهد السلطان داود بن إدريس استنادا إلى وثيقة تاريخية تعود لزمن الأدارسة عثر عليها أثناء أعمال الترميم الحديثة، وربما كانت جهود فاطمة الفهري وفق هذه المعطيات هي أعمال توسعة واستكمال.
ورغم أنه لا يعرف الكثير عن حياة فاطمة من المصادر القديمة، فقد روى ابن أبي زرع وابن خلدون القصة بإيجاز، وشرح الأول قصة بناء المسجد من الطين والحصى والرمال الصفراء، وروى حفر البئر في فناء الجامع وإنفاق فاطمة الوفير على البناء حتى يكون عملا صالحا مستمرا تنال ثوابه في الدار الآخرة.
وبعد رحيلها، تعاقبت دول المرابطين والموحدين والمرينيين على العناية بالجامع وتوسعته وتجديد بنائه.
التحول إلى الجامعةأسهمت هذه العناية التي بذلها الحكام للفوز بمكانة معنوية عبر دعم العلم والعلماء، في ازدهار الجامعة وإضفاء الطابع الرسمي على أنظمتها التعليمية العريقة، وبهذه الطريقة أنجب الجامع جامعة.
وبدأت الإشارة إلى المكانة العلمية الفريدة لجامع القرويين منذ القرن الـ12 الميلادي، ونمت مكتبته تدريجيا عبر الكتب والتبرعات والأوقاف وجهود الأمراء لزيادة مقتنياتها، وحافظ القرويين على قيمته كمركز للمعرفة الدينية والعلمية في العالم الإسلامي.
ورغم أنه يصعب العثور على تاريخ دقيق لتحول الجامع إلى جامعة، فإن بعض المؤرخين يعتقدون أن بداية التحول كانت في العهد المرابطي (1056-1147م)، بالتزامن مع تغيير شكل القرويين في عهد دولة المرابطين عن شكله السابق، إذ شيدوا منبرا جديدا للجامع مزخرفا بآيات القرآن، بينما يرى آخرون أن التحول الحقيقي جاء خلال عهد الدولة المرينية التي ارتأت إصلاح الجامع وبناء المدارس حوله وتعزيز حضورها، تمهيدا للتدخل في تعيين خطباء الجامع الذي كان الأعيان يشرفون على إدارته.
وعرفت جامعة القرويين نظام الكراسي العلمية، وخُصصت أوقاف للإنفاق عليها، ويعتبر الكرسي العلمي درجة عريقة عالية يمكن مقارنتها بالمناصب الأكاديمية الحديثة.
وجذبت الجامعة العديد من العلماء والفلاسفة، ومنهم ابن باجة (ت: 533هـ/1138م على أحد الأقوال)، والشريف الإدريسي (559هـ/ 1166م)، وابن رشد (ت: 595هـ/ 1198م)، وموسى بن ميمون (ت: 603هـ/ 1205م)، وابن خلدون (ت: 808هـ/ 1406م)، وكذلك بابا الفاتيكان الفرنسي "سيلفستر الثاني (940-1003) الذي درس العلوم بالعربية ويعتقد أنه نقل الأرقام العربية إلى أوروبا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: إلى جامع
إقرأ أيضاً:
مركز جامع الشيخ زايد يعرض مجسّمه وإصداراته في موسكو
دشن «مركز جامع الشيخ زايد الكبير»، مجسماً للجامع ومكتبة متنقلة ومعرض صور «فضاءات من نور» في جامع موسكو الكبير، بحضور الدكتور محمد أحمد الجابر، سفير الدولة لدى روسيا الاتحادية، والشيخ راوي عين الدين، مفتي روسيا الاتحادية، رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا.
يأتي ذلك في إطار استراتيجية المركز لإبراز دور الجامع نموذجاً متفرداً عن دور العبادة في العالم، وما يجسد من رسائل تعكس قيم دولة الإمارات المتمثلة في التسامح والتعايش، ومدّ جسور التواصل الحضاري إلى شعوب العالم، وفي إطار مبادرة «مآذن العاصمتين». ويأتي تدشين المجسم تحت مظلة برنامج «جسور» الهادف إلى تعزيز الصورة الحضارية لدولة الإمارات في دول العالم، وخلاله تدشين 21 مجسماً للجامع في مختلف دول العالم، منذ عام 2012، كان أبرزها بسفارة الدولة في موسكو، وفي المتحف الماليزي للفنون الإسلامية في كوالالمبور، أحد أهم المتاحف في جنوب شرق آسيا والعالم الإسلامي، وفي مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية في بكين، ومتحف السلام والوفاق في جمهورية كازاخستان.
وتضمنت المكتبة المتنقلة إصدارات المركز وعددها 27 إصداراً متخصصاً بالثقافة العربية والإسلامية، وبما تتميز بها من قيم التسامح والتعايش والإخاء، وهي القيم التي تتبنّاها دولة الإمارات، وتسعى لنشرها بين مختلف شعوب العالم.
في حين تضمن معرض الصور مجموعة من أجمل الصور الفائزة في جائزة «فضاءات من نور»، وشارك في مواسمها وفئاتها عدد كبير من محترفي التصوير الضوئي وهواته، من مختلف الفئات والثقافات. وتخلل البرنامج تقديم الدكتور يوسف العبيدلي، مدير المركز محاضرتين بعنوان «جامع الشيخ زايد الكبير.. مكان للجميع، الإبداع في مجالات متخصصة»، الأولى كانت في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، وفيه طلاب إماراتيون. أما الثانية فكانت في جامعة موسكو الحكومية.
وقال الدكتور العبيدلي: منذ تأسيسه شكل المركز حالة فريدة، كونه نموذجاً متفرداً لدور العبادة، يجسد قيم التسامح والسلام، وكان على مدار السنوات واحة يلتقي في رحابها ملايين الضيوف سنوياً من كل الجنسيات.
وقال الدكتور محمد أحمد الجابر: لقد أراد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، أن يكون هذا الجامع الكبير منارة للتسامح والجمال والإبداع الإسلامي، وها نحن اليوم نشارك هذه الرؤية في قلب العاصمة الروسية، في مسجدها الجامع. وعلى هامش البرنامج، زار وفد المركز مجموعة من أهم المتاحف والمؤسسات الثقافية في العاصمة الروسية.