موائد الرحمن برمضان.. ملاذ للأتراك في مواجهة الواقع الاقتصادي المتدهور
تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT
إسطنبول – استقبل الشعب التركي شهر رمضان في ظروف اقتصادية صعبة، مع وطأة ارتفاع الأسعار والتراجع السريع والمتتالي لقيمة الليرة، إلى جانب التحديات الناجمة عن التضخم المتزايد، في ظل محاولات من الحكومة التركية لتخفيف هذه الأعباء بهدف تمكين المواطنين من قضاء الشهر الفضيل بالشكل الذي اعتادوا عليه، وممارسة تقاليدهم كالضيافة والفعاليات الاجتماعية والدينية التي تمتد على مدار 30 يوما.
موائد الرحمن، التي تمتد جذورها إلى العهد العثماني، لم تقتصر يوما على خدمة الفقراء والمحتاجين في تركيا، بل تحظى هذه الموائد بمنزلة خاصة لدى الأتراك، باعتبارها فعالية اجتماعية ودينية ترعاها المؤسسات الخيرية والجهات الحكومية، بهدف ترسيخ قيم التعاطف والتكاتف بين مختلف فئات المجتمع.
اليوم، وفي ظل واقع اقتصادي متدهور، وجد الأتراك في موائد الرحمن ملاذا يجمعهم حول عادات رمضانية متأصلة، ويخلصهم من عبء مالي تفرضه عليهم استعدادات الوجبات اليومية، التي قد تزيد من ضغوطهم المعيشية طوال الشهر. بهذا الشكل، أصبح البحث عن هذه الموائد، التي ترعاها البلديات والهيئات الخيرية بشكل دوري، نشاطا مشتركا من الجميع.
سحر كاراغوز، شاركت مع الجزيرة نت رؤيتها حول ما باتت تمثله موائد الرحمن لها ولأصدقائها قائلة: "كانت العادة أن نجمع أبناءنا وأحفادنا في اليوم الأول من رمضان كل عام، وبفضل الله، تمكنا من الاحتفاظ بهذه التقاليد هذا العام أيضا. ولكن، هناك أيضا دعوات معتادة لجاراتي وصديقاتي، فضلا عن أصدقاء زوجي. كيف يمكننا تحمل كل هذه التكاليف؟ قررت أنا وصديقاتي هذا العام التخلي عن تقليد العزائم واخترنا بدلا من ذلك الذهاب إلى موائد الرحمن التي تقيمها البلدية، حيث الطعام مجاني، نظيف وشهي، وبعدها يمكننا الاستمتاع بشرب الشاي من دون القلق بشأن المصاريف".
مع ابتسامة تحمل الأمل والصبر، تابعت كاراغوز (52 عاما) حديثها قائلة: "أدرك أن هذا الوقت سيمضي، ونحن نشهد جهود الحكومة من أجلنا، نعي العقبات التي تقف في طريقها ومدى اهتمامها برعايتنا. ولكن، مهما كانت الظروف الاقتصادية، يجب أن نتذكر أن شهر رمضان لا يتعلق فقط بالطعام والشراب، بل هو وقت للعبادة والاقتراب من الله وتعزيز الروابط الأسرية".
أما حسن يلدريم، الطالب بجامعة إسطنبول التقنية والمقيم في أحد البيوت الطلابية الحكومية، لم يشاطر كاراغوز النظرة ذاتها، معبرا عن استيائه من الحالة الاقتصادية الراهنة في البلاد، قال: "أعيش في سكن حكومي حيث غالبا ما لا يعجبني الطعام المقدم، مما يضطرني لتناول وجباتي في الخارج. ومع قدوم رمضان، بدأت بزيارة موائد الرحمن آملا في إيجاد طعام يروق لي دون تحمل تكاليف إضافية. في الحقيقة أصبح القلق بشأن كل قرش أنفقه مرهقا، وأتوق لتغيير اقتصادي فوري وجذري في بلدي".
وأضاف: "أحلم برؤية تحسن سريع في الوضع الاقتصادي، لأنه بالحالة الحالية، حتى بعد التخرج، سأواجه صعوبات في إيجاد عمل، وستصبح الأساسيات مثل امتلاك منزل وسيارة والزواج ترفا بالنسبة لي".
الارتفاع الكبير في الأسعار لم يؤثر فقط على المواطنين الأتراك، بل أثر أيضا بشكل ملحوظ على المقيمين من مختلف الجنسيات، وبشكل خاص على الطلاب الذين أصبحوا جزءا لا يتجزأ من المجتمع التركي.
سائد إياد، طالب في جامعة الشرق الأوسط التقنية بأنقرة، شارك تجربته مع الجزيرة نت، موضحا كيف أثر التضخم وارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الليرة التركية عليه وعلى الطلاب الأجانب الآخرين الذين يعرفهم. قائلا: "رغم أنني في السنة الثالثة من دراستي، فإن هذا هو أول رمضان أقرر فيه مع أصدقائي زيارة موائد الرحمن، نظرا للارتفاع التدريجي في الرسوم الدراسية والمصروفات اليومية. ورغم أننا، كطلاب أجانب، نستفيد من تحويل العملات الأجنبية إلى الليرة التركية، فإننا في النهاية نجد أنفسنا ندفع أسعارا أعلى لنفس السلع والخدمات".
وأضاف إياد: "رغم التحديات الاقتصادية وصعوبة التوفيق بين المصروفات ورسوم الجامعة، فإنني أشعر بالامتنان للظروف التي دفعتني لاستكشاف موائد الرحمن وتجربة أجوائها الروحية والاجتماعية، وهو أمر لم أكن لأفكر فيه لولا هذه الظروف."
وارتفع معدل التضخم في تركيا خلال فبراير/شباط الماضي إلى 67.1% على أساس سنوي من 64.9% في يناير/كانون الثاني الماضي، بينما ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية على أساس شهري بنسبة 4.5%، وفقدت العملة التركية نحو 37% من قيمتها العام الماضي و6% منذ بداية العام الحالي.
ومن جانبه، أبقى البنك المركزي الشهر الماضي على التضخم المستهدف بنهاية العام عند 36%، وتعهد بتشديد السياسة النقدية لفترة أطول لخفض التضخم إلى المسار المأمول، في ظل تثبيته سعر الفائدة دون تغيير عند 45% نهاية فبراير/شباط الماضي.
وتوقع وزير الخزانة والمالية التركي، محمد شيمشك، أن يظل التضخم السنوي مرتفعا في الأشهر المقبلة، بسبب تأثيرات سنة الأساس وعدم ظهور تأثير السياسة النقدية، لكنه سينخفض خلال الأشهر الـ12 التالية.
وفي سياق متصل، رفعت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، الأسبوع الماضي، تصنيف تركيا من "بي" إلى "بي+" وعدلت نظرتها المستقبلية من "مستقر" إلى "إيجابي". هذا التحسن جاء في أعقاب الإعلان عن نمو الاقتصاد التركي بنسبة 4.5% خلال العام الماضي، وتجاوز التوقعات بنمو 4% في الربع الأخير من العام، بالإضافة إلى إعلان الرئيس التركي عن تسجيل الناتج المحلي الإجمالي لمستوى قياسي بلغ 1.119 تريليون دولار لأول مرة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات موائد الرحمن
إقرأ أيضاً:
البنك المركزي الهندي يخفض أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ خمس سنوات
أسعار الفائدة.. خفض بنك الاحتياطي الهندي اليوم الجمعة الموافق 7 فبراير، سعر الفائدة للمرة الأولى في نحو خمس سنوات لتقديم التحفيز للاقتصاد المتباطئ الذي من المتوقع أن ينمو بأبطأ وتيرة له في أربع سنوات في السنة المالية الحالية.
ووفق لرويترز، خفضت لجنة السياسة النقدية، التي تتكون من ثلاثة أعضاء من بنك الاحتياطي الهندي وثلاثة أعضاء خارجيين، سعر إعادة الشراء.
كما خفض البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 6.25% بعد أن أبقاها دون تغيير لمدة أحد عشر اجتماعا متتاليا للسياسة النقدية.
وجاء القرار متوافقا مع استطلاع أجرته رويترز ، حيث توقع 70% من خبراء الاقتصاد خفضا بمقدار ربع نقطة مئوية، وهو ما يمثل أول خفض لسعر الفائدة الرئيسي في الهند منذ مايو أيار 2020.
وصوت جميع أعضاء لجنة السياسة النقدية الستة على خفض سعر إعادة الشراء والإبقاء على موقف السياسة النقدية عند "محايد".
وقال محافظ بنك الاحتياطي الهندي سانجاي مالهوترا في أول مراجعة للسياسة منذ تعيينه في ديسمبر إن لجنة السياسة النقدية أشارت إلى أنه على الرغم من توقع تعافي النمو، فإنه أقل بكثير من العام الماضي وأن ديناميكيات التضخم فتحت المجال لتخفيف أسعار الفائدة.
وتوقعت الحكومة الهندية نموا سنويا بنسبة 6.4% في العام الذي ينتهي في مارس، وهو أقل من الحد الأدنى لتوقعاتها الأولية، وذلك بسبب ضعف قطاع التصنيع وتباطؤ الاستثمارات المؤسسية، ومن المتوقع أيضا أن يتراوح النمو بين 6.3% و6.8% في العام المالي المقبل.
وتوقع البنك المركزي نموا بنسبة 6.7% العام المقبل.
وقال مالهوترا إن تحسين ظروف العمل، والتخفيضات الضريبية التي تم الإعلان عنها مؤخرا، وضبط التضخم، والإنتاج الزراعي الجيد بعد الرياح الموسمية القوية من شأنها أن تساعد على النمو.
وعلى الرغم من أن التضخم في أسعار التجزئة لا يزال أعلى بكثير من الهدف المتوسط الأجل البالغ 4%، فقد تراجع إلى أدنى مستوى له في أربعة أشهر عند 5.22% في ديسمبر، ومن المتوقع أن ينخفض تدريجيا نحو الهدف في الأشهر المقبلة.
كما يتوقع البنك المركزي أن يبلغ معدل التضخم في المتوسط 4.8% في السنة المالية الحالية، ثم يتراجع إلى 4.2% العام المقبل.
وقال مالهوترا إن من المتوقع أن تتراجع ضغوط التضخم في أسعار المواد الغذائية، لكنه أضاف أن التقلبات في أسعار الطاقة تشكل خطرا على آفاق التضخم.
وارتفع العائد على سندات الهند القياسية لأجل عشر سنوات أربع نقاط أساس إلى 6.69% بعد الإعلان، في حين ارتفعت الروبية إلى 87.38، وحققت مؤشرات الأسهم القياسية مكاسب بنسبة 0.2% لكل منها بعد الإعلان.