هل وضع العطر في نهار رمضان يفسد الصيام؟.. أعرف رأي الشرع
تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT
حكم وضع العطر في نهار رمضان.. ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية، يقول السائل فيه: ما حكم وضع العطر في نهار رمضان؟ وهل وضع العطر في نهار رمضان يفسد الصيام، لأنني في أحد أيام رمضان كنت أستعد لصلاة العصر، وعندما أردت أن أضع العطر منعني صديقي وقال لي إنه يبطل الصيام، فهل هذا صحيح؟ وتكرر إرسال هذا السؤال إلى دار الإفتاء من قِبل الكثير من السيدات والرجال على حد سواء.
وقالت دار الإفتاء المصرية: إن من شمائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبه الطيب والإكثار من التطيب، حيث روى النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»، وروى الإمام البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ"، إلا إذا كان محرمًا، فالطيب ممنوع أثناء الإحرام، ومع ذلك فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضع الطيب قبل الإحرام، روى الإمام مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ».
حكم استخدام الطيب في نهار رمضانوأوضحت دار الإفتاء، أن عموم هذه الأدلة -وغيرها مما ورد في استحباب استعمال الطيب والتعطر بالروائح الزكية- يقضي بجواز ذلك في الصيام وغيره إلا ما استثناه الشرع الشريف كالإحرام وما يلحق به، ويؤيد ذلك أن علماء الإسلام على اختلاف مذاهبهم وتنوع مشاربهم لم يعدوا ذلك ضمن مفطرات الصوم، قال الإمام محمد بن أحمد ميَّارة المالكي في «الدر الثمين والمورد المعين» (ص: 464، ط. دار الحديث): [وأما المشموم الطيب الرائحة فنقل صاحب «المعيار» عن الإمام أبي القاسم العقباني أنه قال: لا أعلم من يقول فيه بالإفطار وإنما يكره في مذهب بعض أهل العلم] اهـ.
لكنهم اختلفوا فيما وراء ذلك من حيث الكراهة وعدمها، فمنهم من يرى جوازه بلا كراهة، ومنهم من يرى أنه يسن الابتعاد عنه، وذلك لأنه منافٍ لحكمة الصوم التي منها تعويد الصائم على التقشف والابتعاد عن التَّرفُّه والشهوات، ومنهم من يرى كراهية شم ما لا يُؤمن أن يجذبه النَّفَس إلى الحلق، ومنهم من فرَّق بين المعتكف وغيره، فكرهه لغير المعتكف، لأنه غير مبتعد عما يفسد اعتكافه.
فالحنفية يرون جواز التطيب للصائم بلا كراهة، قال العلامة حسن بن عمار بن علي الشرنبلالي المصري الحنفي في «مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح» (ص: 245، ط. المكتبة العصرية): [وتفيد مسألة الاكتحال ودهن الشارب الآتية أن لا يكره للصائم شم رائحة المسك والورد ونحوه مما لا يكون جوهرًا متصلًا كالدخان فإنهم قالوا: لا يكره الاكتحال بحال وهو شامل للمطيب وغيره ولم يخصوه بنوع منه وكذا دهن الشارب] اهـ.
ويرى بعض الشافعية أنه يُسن ترك التطيب في الصيام، لما فيه من الترفه، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب" (1/ 142، ط. دار الفكر): [وسن من حيث الصوم.. ترك شهوة لا تبطل الصوم، كشم الرياحين والنظر إليها، لما فيها من التَّرفُّه الذي لا يناسب حكمة الصوم] اهـ، وإذا سن ترك شم الرياحين، فمن باب أولى يسن ترك وضع العطور التي تُظهرها هذه الرياحين، إلا أن التطيب كان فيما مضى من أنواع التَّرفُّه كما ذهب إلى ذلك الشافعية، أما اليوم فليس من الترفه في شيء، بل أصبح من العادات العرفية، والمرء إذا لم يتطيب ربما انبعثت منه روائح كريهة تُنفِّر الناسَ منه.
ويرى بعض الحنابلة كراهية شم ما له جرم من العطور، لأنه لا يُؤمَن أن يجذبه النَّفَس إلى الحلق، قال العلامة البهوتي الحنبلي في «كشاف القناع عن متن الإقناع» (2/ 330، ط. دار الكتب العلمية): [ويكره للصائم شم ما لا يأمن أن يجذبه نفَسه إلى حلقه كسحيق مسك وكافور ودهن ونحوها كبخور عود وعنبر] اهـ، وأكثر العطور اليوم ليست مما له جرم يمكن أن يجذبه النَّفَس إلى الحلق، وإن كانت العطور سائلة أو جامدة ولها جرم فيكفيه ألا يدنيها من أنفه أو حلقه حتى لا يدخل إلى جوفه شيء منها، خروجًا من الخلاف، فإنهم إنما كرهوه احترازًا لأنه إذا دخل شيء إلى الجوف أفطر، فإذا أمن من دخول شيء إلى جوفه جاز له أن يضعها حيثما يريد.
ويرى المالكية جواز التطيب للصائم المعتكف ويكرهونه لغير المعتكف، وعلَّتهم في ذلك أن المعتكف معه مانع يمنعه مما يفسد اعتكافه، وهو مكثه في المسجد وبُعدُه عن النساء بخلاف غير المعتكف، قال العلامة أبو البركات سيدي أحمد الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 549، ط. دار إحياء الكتب العربية): [وجاز للمعتكف.. .تطيبه بأنواع الطيب، وإن كره لصائم غير معتكف، لأن هذا معه مانع يمنعه مما يفسد اعتكافه، وهو المسجد وبُعدُه عن النساء] اهـ.
واختتمت دار الإفتاء: وبناء على ما سبق، فيجوز للصائم أن يتطيب في نهار رمضان، ولا حرج عليه في ذلك.
اقرأ أيضاًحكم صلاة التراويح في وسائل المواصلات بالنسبة لـ المسافر.. دار الإفتاء توضح رأي الشرع
مفتي الجمهورية: التشاؤم بالأرقام والأيام منهي عنه شرعا.. وهذا حكم صوم أصحاب الأعمال الشاقة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: حكم العطر في نهار رمضان نهار رمضان دار الإفتاء الله ع ى الله
إقرأ أيضاً:
احذر| 10 أفعال في رمضان تنقص ثواب الصيام.. يقع فيها كثيرون بسهولة
إذا كان هناك أفعال في رمضان تنقص ثواب الصيام ، فينبغي الانتباه إليها والعلم بها لتجنبها وعدم الوقوع فيها، حيث إن صوم رمضان فريضة لا يجوز التهاون بها أو فيها، لما لها من فضل عظيم وثواب جزيل، لا يمكن لعاقل أن يفرط فيه ولو بقدر قليل، لذا ينبغي معرفة أفعال في رمضان تنقص ثواب الصيام للفوز به كاملاً فهو غنيمة وكنز من الكنوز الربانية.
قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم نهى الصائمين عن أفعال في رمضان تنقص ثواب الصيام ، ففيما ورد في صحيح البخاري (1894) وصحيح مسلم (1151)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ فإذا كان يوم صوم أحدكم فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ».
وأوضح «مركز الأزهر» عن أفعال في رمضان تنقص ثواب الصيام في شرحه للحديث الشريف، أن المعنى الإجمالي للحديث: في هذا الحديث النبوي العظيم: بشارة، وتحذير، وتربية وتعليم، فالبشارة: أن الصيام وقاية وسترة من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات!، أو وقاية من الوقوع في المعاصي التي هي سبب الدخول في النار؛ لأنه يكسر الشهوة ويضعف القوة، فيمتنع به الصائم عن مواقعة المعاصي، فصار كأنه جنة وستر دونها، حيث يكفّر الله تعالى به الذنوب، ويضع به الأوزار، ويستجلب به العفو والمغفرة.
وتابع: والتحذير: هو نهي الصائم ألا يتكلم الكلام الفاحش، ولا يفعل شيئًا من الجهالة المعيبة في حقه، والمنزلة من قدره، كالسخرية بالآخرين، أو الضحك بلا سبب، أو رفع الصوت على الآخرين، فهذا أعمال لا تليق بالصائم وجلالة الشهر الكريم، فقال الإمام القرطبي: (والجهل في الصوم: هو العمل فيه على خلاف ما يقتضيه العلم).
وأضاف: وأما التربية والتعليم: فإن الصائم إذا شتمه أحدٌ أو سبّه، أو جهل عليه، فلا ينبغي أن يندفع للانتقام لنفسه، أو الاستقواء بجاهه أو حسبه، بل يتذكر أن صيامه وقاية له من الوقوع في الخطأ، يمنعه من الردّ، ويعصمه من الزلل!، وقال الإمام الخطابي: (قوله: (فليقل إني صائم) يحتمل وجهين: أحدهما: أن يقول ذلك فيما بينه وبين نفسه، لئلا تحمله النفس على مجازاة الشاتم، فيفسد بذلك صومه، والآخر: أن يقول ذلك بلسانه، ليمتنع الشاتم من شتمه إذا علم أنه معتصم بالصوم، فلا يؤذيه ولا يجهل عليه).
وأشار إلى أن ما يستفاد من الحديث خمسة أمور، أولها الصيام نعمة عظيمة تقي المسلم من أوحال الشهوات، وثانيها الصيام يربي المسلم على القول الطيب والعمل الحسن، وثالثها يتجنب المسلم في صيامه كل أنواع الرفث والفسوق، ورابعًا الترفع عن النقائص أدب إسلامي، وخامسًا الجهل ليس من خصال المسلم.
ونبه إلى أن من صامه إيمانًا بالله ورسوله، واحتسابًا لأجره وثوابه عند الله - عز وجل - لا رياءً ولا سمعةً، محافظًا عليه مما يُنْقص ثوابه، من الغيبة والنَّميمة، وأكلِ أموال الناس بالباطل، غفر الله له ذنوبه، وأعدَّ له الثواب الجزيل، في جنات النعيم، ودخَلَها من بابٍ يقال له باب الرَّيَّان، لا يدخل منه إلا الصائمون المحتسبون.
فضل صيام شهر رمضانقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إنه فيما أخرج الإمام أحمد وأصحاب السنن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
وأوضح «مركز الأزهر» في شرحه للحديث الشريف عن فضل صيام شهر رمضان ، أن الصيام ومغفرة الذنوب ورد في المعنى الإجمالي للحديث، حيث شرع الله سبحانه على المسلمين المكلفين فرضية صيام شهر رمضان فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».
و أضاف: "ورغبة في الحث على الصيام قد أودع الله سبحانه في شهر رمضان عديدًا من المنافع الدينية والدنيوية، ونلاحظ هنا في تعبير الحديث الشريف عن صيام رمضان وقيده بالإيمان، ليشكل صورة أدبية بليغة في كلمة واحدة، للدلالة على أن الصيام لا يقبل من الكافر مطلقًا، ولا يثاب عليه الفاسق، وإن سقط عنه الفرض، ذلك أن الأساس في قبول الأعمال هو الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مع الطاعة المطلقة لهما".
واستشهد بقوله تعالى: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ»، وهذا سر تخصيص الخطاب بأهل الإيمان في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، ومعنى قوله إيمانًا: أي: مؤمنا بالله ومصدقا بأنه تقرب إليه (واحتسابا)، أي: محتسبا بما فعله عند الله أجرا لم يقصد به غيره.
وتابع: "قال القاري: أَيْ طَلَبًا لِلثَّوَابِ مِنْهُ - تَعَالَى - أَوْ إِخْلَاصًا أَيْ بَاعِثُهُ عَلَى الصَّوْمِ مَا ذُكِرَ، لَا الْخَوْفُ مِنَ النَّاسِ، وَلَا الِاسْتِحْيَاءُ مِنْهُمْ، وَلَا قَصْدُ السُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ عَنْهُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَى احْتِسَابًا اعْتِدَادُهُ بِالصَّبْرِ عَلَى الْمَأْمُورِيَّةِ مِنَ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ، وَعَنِ النَّهْيِ عَنْهُ مِنَ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَنَحْوِهِ، طَيِّبَةً نَفْسُهُ بِهِ، غَيْرَ كَارِهَةٍ لَهُ، وَلَا مُسْتَثْقِلَةٍ لِصِيَامِهِ، وَلَا مُسْتَطِيلَةٍ لِأَيَّامِهِ. وأسلوب الشرط هنا قد جاء ليثير انتباه القارئ، ويحرك عواطفه ومشاعره، فتستقر معاني الحديث وقيمه الخلقية، في أعماق النفس إيمانًا وتصديقًا وإخلاصًا، ابتغاء مرضاة الله عز وجل".
وأشار إلى أنه مما يستفاد من الحديث: أولا فرضية صيام شهر رمضان على العاقل البالغ المكلف، وثانيًا فضل الإيمان واشتراطه لقبول الأعمال الصالحة، وثالثًا احتساب الأجر عند الله تعالى من علامات القبول، ورابعًا بلاغة الأسلوب النبوي في الحديث الشريف، وخامسًا ظيم فضل الله تعالى الواسع وإنعامه السابغ.
فضل صيام رمضانخصَّ الله عز وجل عبادة الصيام من بين العبادات بفضائل وخصائص عديدة، منها: أولًا: أن الصوم لله عز وجل وهو يجزي به، كما ثبت في البخاري (1894)، ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي».
ثانيًا: إن للصائم فرحتين يفرحهما، كما ثبت في البخاري ( 1904 ) ، ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ».
ثالثًا: إن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، كما ثبت في البخاري (1894) ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله عز وجل يوم القيامة من ريح المسك».
رابعًا: إن الله أعد لأهل الصيام بابا في الجنة لا يدخل منه سواهم، كما ثبت في البخاري (1896)، ومسلم (1152) من حديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الجَنَّة بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائمونَ يومَ القِيامةِ، لاَ يدخلُ مِنْه أَحدٌ غَيرهُم، يقالُ: أَينَ الصَّائمُونَ؟ فَيقومونَ لاَ يدخلُ مِنهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فإِذا دَخَلوا أُغلِقَ فَلَم يدخلْ مِنْهُ أَحَدٌ».
خامسًا: إن من صام يومًا واحدًا في سبيل الله أبعد الله وجهه عن النار سبعين عامًا، كما ثبت في البخاري (2840)؛ ومسلم (1153) من حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ عبدٍ يصومُ يوْمًا في سبِيلِ اللَّهِ إلاَّ بَاعَدَ اللَّه بِذلكَ اليَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سبْعِين خريفًا».
سادسًا: إن الصوم جُنة «أي وقاية» من النار، ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصيام جُنة»، وروى أحمد (4/22) ، والنسائي (2231) من حديث عثمان بن أبي العاص قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الصيام جُنة من النار، كجُنة أحدكم من القتال».
سابعًا: إن الصوم يكفر الخطايا، كما جاء في حديث حذيفة عند البخاري (525)، ومسلم ( 144 ) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
ثامنًا: إن الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة، كما روى الإمام أحمد (6589) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ».
فضل شهر رمضانأولًا: خص الصائمين بباب في الجنة يُسمى باب الريان، وحتى يحصل الأجر العظيم ينبغي للصائم اجتناب أعمال السوء كلها، والبعد عن الرفث والفسوق، مصداقًا لِما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ فلا يَرْفُثْ ولَا يَجْهلْ، وإنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ).
ثانيًا: فيه ليلة القدر: فقد فضّل الله -تعالى- شهر رمضان بأن جعل فيه ليلة عظيمة، تُغفر فيها الذنوب والآثام، وتتضاعف فيها الأجور، مصداقًا لقول الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، بالإضافة إلى ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَن قامَ ليلةَ القَدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذَنبِهِ).
ثالثًا: شهر العتق من النار، و العتق من النار أسمى أمنيات المسلم، لا سيما أن العتق يعني اجتناب عذاب النار، ودخول الجنة، ومن فضل الله -تعالى- ورحمته بعباده أنه يصطفي منهم في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار، مصداقًا لِما رواه أبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (إنَّ للَّهِ عندَ كلِّ فِطرٍ عتقاءَ وذلِك في كلِّ ليلةٍ).
رابعًا: شهر نزول القرآن الكريم، من أعظم فضائل شهر رمضان المبارك أن الله -تعالى- اصطفاه من بين شهور العام وأنزل فيه القرآن الكريم، مصداقًا لقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)، بل إن جميع الكتب السماوية نزلت في شهر رمضان، مصداقًا لِما رواه واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أُنزلتْ صحفُ إبراهيمَ أولَ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ، وأُنزلتِ التوراةُ لستٍّ مضتْ من رمضانَ، وأُنزل الإنجيلُ بثلاثِ عشرةَ مضتْ من رمضانَ).
خامسًا: من فضائل شهر رمضان أن فيه صلاة التراويح، لا سيما أن الإجماع انعقد على سنيّة قيام ليالي رمضان، وقد أكّد الإمام النووي -رحمه الله- أن المقصود من القيام يتحقق في صلاة التراويح، وقد أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن قيام رمضان مع التصديق بأنه حق، واعتقاد فضيلته، والإخلاص بالعمل لوجه الله تعالى، واجتناب الرياء والسمعة، سبب لمغفرة الذنوب، حيث قال: (مَن قامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ).
سادسًا: اختص الله -تعالى- شهر رمضان بأن تُفتح أبواب فيه الجنة، وتُغلق أبواب النيران، وتصفّد الشياطين عند دخوله، كما ورد في الحديث الذي رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ).
سابعًا: شهر الجود في كل شيء، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان أجود ما يكون في شهر رمضان.
ثامنًا: رمضان من الأوقات التي يُستجاب فيها الدعاء، ويُكرم الله فيه عباده بالعديد من الكرامات، ويعطيهم المزيد من فضائل رحمته وعطياه؛ فصيام رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام، حيث صامه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم-، وأمر الناس بصيامه، وأخبرهم أن من صامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، كما حث فيه على المبادرة إلى التوبة من الذنوب والخطايا، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجميع الأخلاق التي تُرضي الله، وتُقرب العبد من ربه.
تاسعًا: العمرة في رمضان ثوابها مضاعف، وقد أخبر رسول الله أنّ العمرة في رمضان تعدل الحج في الأجر والثواب.
عاشرًا: الصدقة في رمضان أجرها عظيم، فقد كان رسول الله أجود الناس في رمضان.
أحد عشر: من فضائل الصيام أن الله -تعالى- قد أضافه إليه، فكل أعمال العباد لهم، إلا الصيام فهو لله وهو يجزي به، وقد قال العلماء في سبب اختصاص الصوم بهذه المزية أنّه من الأعمال التي لا يقع فيها الرياء، وقيل لأن الله هو فقط العالم بمقدار ثوابه ومضاعفة حسناته، وهو من أفضل الأعمال التي لا مساوي لها عند الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي أمامة الباهلي: (عليك بالصَّوم فإنَّه لا مثل له)، وهو وقاية من شهوات الدنيا، فيمنع صاحبه من الوقوع في الشهوات والمعاصي، وهو وقاية من عذاب الآخرة كذلك.
اثنا عشر: يحصل الصائم على أجر الصبر على طاعة الله، والصبر في البعد عن المعصية، والصبر على ألم الجوع والعطش والكسل وضعف النفس، وفيه يكفر الله الخطايا والذنوب، ويشفع لصاحبه يوم القيامة، ويدخله الجنة من باب الريان، ويعيش الصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، وإنّ خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وقد بشّر رسول الله بأنّ دعوة الصائم من الدعوات المستجابة، فقال: (ثلاثُ دعواتٍ مُستجاباتٍ: دعوةُ الصائم، ودعوةُ المظلُوم، ودعوةُ المسافر).