كتبت، منذ أيام، عن الحرب فى السودان بين السودانيين، وكيف تسببت فى غياب أحد تفاصيل الحياة، ولاختفاء تفاصيل الحياة دلالات، فكما تدمر الحرب البلد، تمحو معها تفاصيل حياة البشر. ومن بين تفاصيل البشر فى السودان اختفى مشروب الحلو مر، الذى هو أحد أهم وأشهر المشروبات بمائدة الإفطار السودانية على مر العصور.
لى صديق توثقت وتعمقت علاقتى به عبر حرصه على نقاش ما أكتب، والإشارة لى إلى موضوعات وقضايا تستحق الكتابة.
«الحلو مر» ليس مجرد مشروب، بل جزء من ثقافة شعبية وطقس اجتماعى، هو مما لا يختلف عليه السودانيون، هو ظاهرة اجتماعية تكافلية متميزة، تُعتبر صناعته حدثًا اجتماعيًّا له طقوسه.
صناعته كثيرة التفاصيل، يعتقد كثيرون أن عمره آلاف السنين، البعض قال خمسة، وظهر فى الممالك النوبية القديمة. بعض الأساطير تشير إلى أن وصفة الحلو مر عن آلهة النوبيين.
تبدأ صناعته بوضع الذرة فى جوالات من «الخيش»، فى مناطق باردة نسبيًّا، وريّها بانتظام لحين نمو الذرة، وهى مرحلة تُعرف شعبيًّا بـ«الزرّيعة». تُجفّف الذرة، وتُطحن، ويُضاف دقيق الذرة، وتُخلط بكميات من البهارات المطحونة «الزنجبيل والقرفة والحلبة والكمون»، وهو ما يضيف لذعة محببة.
يتمّ تخمير الخليط يومًا كاملًا. مرحلة «العواسة» يتم فيها طهى الخليط فى رقائق جاهزة للتعبئة، والتحضير بنقعه فى الماء لساعات، وتصفيته، وشربه، بعد إضافة الثلج والسكر.
ليس الأكثر أهمية هنا طريقة إعداده، لكن النظر إليه باعتباره ظاهرة اجتماعية تكافلية، حيث تجتمع أكثر من عشرين امرأة فى بيت واحد لما يسمى (النفير)، وتقوم صاحبة المنزل بإعداد الطعام والشاى لضيافة النساء.
تستغرق عواسة الحلو مر أكثر من خمس ساعات لتوفير أكبر قدر منه لتوزيعه على بنات السيدة المتزوجات والأقارب وأيضًا المغتربين فى دول المهجر. ترتفع أصوات الضحك والحكى فى البيت أثناء إعداده وكأنه نوع من التواصل الاجتماعى، الذى يقوى أواصر الصلات بين الجارات فى الحى. وما ينتهى اليوم إلا ويتكرر من جديد فى بيت آخر.
من قبل حلول شهر رمضان، كانت تحتشد صالة المغادرة فى «مطار الخرطوم» بصناديق معبّأة بـ«الحلو مر»، الذى يجوب الأرض لتحلية موائد السودانيين فى الغربة. والآن غاب الحلو، وبقى المر.
عبداللطيف المناوي – المصري اليوم
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
علي هذه الأرض ما يستحق الحياة
علي هذه الأرض ما يستحق الحياة:
يستحق الحياة منظر الذين تظاهروا بالحياد ورموا الجيش بالمنجنيق السياسي وهو يتصدي لغزو أجنبي غاشم يقوده تحالف اقليمي ضارب – منظرهم الآن وهم يتراجعون تحت ستار أن هذا نصر للشعب السوداني وليس للجيش – وهذه حقيقة فهو نصر للشعب كله ساهم فيه الشعب كله – ولكن لماذا تركتم الشعب وحيدا يعاني من عسف الجنجا بينما كنتم في خطابكم المخاتل لا تفعلون سوي الهجوم علي الجيش في منتصف معركته أو تساوونه بميليشية الأجنبي الهمجية؟ بل تطالبون بفرض عقوبات دولية عليه وشل طيرانه وهذه العقوبات كانت تعني شيئا واحدا ، وهو انتصار الجنجا.
وحين قلنا أنها حرب الجنجا علي الشعب والوقوف ضد الميليشا الهمجية بحزم هو وقوف في صف الشعب، حينها دعوتم للحياد وشتمتونا بالتماهي مع الكيزان وبوت العسكر. ولكن دارت الأيام ها أنتم الآن تعودون لنفس ثيمتنا بانها حرب الشعب، تعودون لها للتراجع وإنكار الشينة بالقول أنه نصر للشعب.
فهل اكتشفتم الآن فقط إنها كانت حرب الشعب وهذا نصر الشعب؟ هل اكتشفتم الآن فقط أنها ليست بحرب عبثية بين جنرالين؟ وإنها ليست حرب كيزان ضد جنجا لا ناقة لكم فيها ولا جمل؟ وإذا كان هذا نصرا للشعب، فبالضرورة إنها كانت حرب الشعب، فهل تعتذرون عن وصف من وقف مع الشعب بأنه داعم للكيزان وبوت العسكر؟
هل تعتذر عن محاربة الوطنية الرافضة للغزو الأجنبي بوصف اهلها بانهم كيزان وبوت عسكر؟ هل تعتذر عن وصفهم بالغفلة وانت مجرد حمبرة تجيد رص الكلام التافه؟
يا لبؤسكم ، أحيانا ألا تأتي خير من أن تاتي متاخرا متلصصا علي أفراح الشعب التي عزلت نفسك عنه في خضم أكبر مأساة في تاريخه الحديث. وها أنت الآن تجلس في خيمة عرس الشعب تعتلف من كوكتيل لم تدفع فيه شير بل كنت من المتآمرين ضده بالحياد الكاذب.
معتصم اقرع