الكتاب الأحمر.. الدستور السري للدولة التركية
تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT
وثيقة الأمن القومي في تركيا وثيقة سرية تعرّف بـ"الدستور السري" أو "الكتاب الأحمر التركي"، وتحدد توجهات الدولة تجاه التهديدات الداخلية والخارجية، وتضع إطارا للسياسات والإجراءات الأمنية التي يجب اتباعها لضمان الأمن القومي، ويتم تحديثها بشكل دوري كل 5 سنوات في اجتماعات مجلس الأمن القومي، وفقا لما يُستجد من تهديدات.
في أروقة السياسة التركية، تشكّل وثيقة الأمن القومي "الكتاب الأحمر"، المعروفة أيضا بـ"الدستور السري"، عنصرا محوريا في تشكيل الإستراتيجيات الدفاعية للبلاد، وهذه الوثيقة المُعدَّة بعناية فائقة من مجلس الأمن القومي التركي بحجم يضاهي الدستور ومغلفة بغلاف أحمر، تضع في طياتها تحليلا معمقا للتهديدات التي تواجه وجود تركيا، سواء كانت داخلية أم خارجية، مع تركيز خاص على تدابير مكافحة الإرهاب.
وفي قلب العملية التشريعية التركية تضطلع هذه الوثيقة بدور حاسم يشبه إلى حد كبير "سيف ديموقليس" الذي يُعلّق فوق رؤوس صُناع القرار، إذ تُستخدم بصفتها أداة رادعة تحول دون إقرار قوانين أو مراسيم تتعارض مع مبادئ السياسة الوطنية المنصوص عليها في الوثيقة.
فعندما يُذكر أن مقترحا معينا "لا يتوافق مع المادة كذا وكذا" من الكتاب، يُصبح من المستحيل تمريره، مما يبرز النفوذ الكبير والدور الرقابي الذي يلعبه هذا الكتاب في توجيه السياسات والتشريعات في الدولة.
يعود تاريخ "الكتاب الأحمر"، الذي يُشكّل حجر الزاوية في إستراتيجيات الأمن القومي التركي، إلى اللحظات الأولى لتأسيس مجلس الأمن القومي عام 1961، وكان ألب أرسلان توركيش، مؤسس حزب الحركة القومية وممثل تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أول من سلّط الضوء على هذه الوثيقة البالغة الأهمية، إذ كشف النقاب عن وثيقة مكونة من 10 إلى 15 صفحة مربوطة بغلاف جلدي أحمر كانت تُعرف آنذاك بـ"مبادئ سياسة الأمن القومي"، ليصرّح حينها قائلا: "للدولة كتاب أحمر"، مؤكدا بذلك على الدور المحوري الذي يلعبه هذا المستند في رسم معالم السياسة الأمنية لتركيا.
وفيما يتعلق بطريقة إعداد الوثيقة، تبدأ تقييمات أمنية تجريها الوزارات المعنية وترسلها على شكل مسودات إلى الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي، ومن ثم تُدمج المسودات لتشكيل "النسخة النهائية" من الوثيقة، التي تُعرض بعد ذلك للنقاش في جلسات مجلس الأمن القومي بحضور رئيس الجمهورية، ورئيس الأركان العامة، ووزير الدفاع الوطني، ووزير الداخلية، ووزير الخارجية، ووزير الخزانة والمالية، ووزير التربية والتعليم، وقادة القوات البرية والبحرية والجوية.
هذه الجلسات، التي تشهد عروضا تقديمية من الوحدات المختصة ونقاشات موسعة، تُكلل بصياغة الوثيقة النهائية التي تصير بمثابة "وثيقة الدفاع الوطني للدولة" بعد مصادقة رئيس الجمهورية عليها، ويتم تحديثها كل 5 سنوات، ما لم يحدث طارئ يستدعي تحديثا مبكرا.
وخلال الثلاثين عاما التي سبقت تولي حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002، شهد الكتاب 3 تحديثات، كما تم تغييره 5 مرات خلال 22 عاما من وصول الحزب للحكم.
خلال حكم حزب العدالة والتنمية لتركيا شهدت الوثيقة 5 تغييرات في 22 عاما (الأناضول) السرية والتأثير على السياسةتشكّل وثيقة سياسة الأمن القومي في تركيا عنصرا حاسما ذا أهمية بالغة في البنية التشريعية للبلاد، إذ تفرض على كل برلمان جديد العمل وفق مقتضياتها دون مجال للتحييد أو التعديل، مانعة بذلك أي محاولة لتمرير تشريعات أو اتخاذ قرارات تتعارض مع توجهاتها.
وعلى الرغم من هذا الدور الجوهري، فإن تفاصيل هذه الوثيقة تظل طي الكتمان حتى بالنسبة لأعضاء البرلمان أنفسهم، بسبب تصنيفها معلومات "شديدة السرية"، وهذه الديناميكية المعقدة تضع صانعي القرار في موقف شديد الصرامة، حيث يُطلب منهم الالتزام بإرشادات لا يملكون حتى الحق في استعراضها أو نقاشها.
تجري عملية تبادل الكتاب في إطار من السرية والحرص الأمني الشديد، حيث يسلمه الرئيس المغادر إلى الرئيس الجديد ضمن إجراءات انتقال السلطة، وفي هذا السياق، يتولى جهاز الاستخبارات التركية مسؤولية نقل الكتاب بأمان إلى المستشارين المختصين.
التغييرات في التهديدات المدرجة والتوجهات السياسيةتُحيط السرية بمحتوى الكتاب الأحمر فيما يتعلق بالتهديدات الداخلية والخارجية، إذ لا يمكن الوصول إلى هذه المعلومات سوى بشكل محدود عبر البيانات التي تُصدر بعد اجتماعات مجلس الأمن القومي التركي الدورية، أو عبر التسريبات الإعلامية النادرة.
لكن فيما يخص التهديدات الداخلية، استطاع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إعادة صياغة توجهات الكتاب الأحمر بخصوص الجماعات الإسلامية، التي كانت تُعد سابقا تهديدا داخليا، وتوجيه الأنظار نحو الجماعات الإرهابية التي تسيء استخدام الدين لزعزعة استقرار الدولة.
وعلى سبيل المثال، استبعدت جماعة فتح الله غولن، المعروفة بـ"تنظيم الدولة الموازية"، من كونها عنصرا من عناصر التهديد الداخلي تحت بند "الجماعات الدينية"، إلا أنها عادت لتكون على رأس قائمة التهديدات عام 2015 بعد محاولة للانقلاب على الحكم، بينما جاء تنظيم القاعدة وحزب الله بين أبرز التهديدات الخارجية حينها.
كما أسقط "الدستور السري" سوريا وإيران واليونان (جزئيا) وبلغاريا وأرمينيا وجورجيا من لائحة الدول التي تهدد تركيا، بعد أن كانت هذه الدول، قبل التعديلات، تعد الأكثر تهديدا لأنقرة.
وأفادت وسائل إعلام تركية أن التعديل الذي جرى عام 2010، ركّز بشكل أساسي على أن عدم الاستقرار في المنطقة سببه النشاط الإسرائيلي وسياسة تل أبيب التي تسبب سباق التسلح في المنطقة.
بوجه عام، تستمر قضايا مثل الخلاف مع اليونان حول المنطقة البحرية البالغة 12 ميلا، والنزاعات القومية والطائفية، والمشكلة القبرصية، في تثبيت مكانتها ضمن جدول أعمال الكتاب الأحمر.
وأيضا تصرفات إسرائيل، خاصة حيال ردها على "معركة طوفان الأقصى" وعدوانها على قطاع غزة قد تصنفها كأحد التهديدات الخارجية لتركيا، لا سيما في ضوء التوترات التي شهدتها العلاقات بين البلدين خلال الحرب، كما تظل الأحداث في منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا محور تركيز مهم.
مؤشر سياسياستشهدت الحكومة التركية بالكتاب الأحمر للرد على الاتهامات التي وُجّهت للرئيس أردوغان بتحويل تركيا إلى نظام يقوده رجل واحد، ففي هذا السياق صرح نائب الرئيس جودت يلماز أن الكتاب الأحمر يُعد شاهدا على مدى التزام الإدارة بالإجراءات المنصوص عليها، واتخاذ جميع التدابير الخاصة بعمليات التشاور اللازمة، مما يعكس بنية الحكم المؤسسي بدلا من التركيز على القوة الفردية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات مجلس الأمن القومی الکتاب الأحمر هذه الوثیقة الذی ی التی ت
إقرأ أيضاً:
جناح القومي للمرأة بمعرض الكتاب.. معرفة وتمكين ودعم لكل سيدة مصرية
وسط أروقة المعرض، يبرز جناح المجلس القومي للمرأة كواحد من أهم الأجنحة التي تقدم خدمات نوعية تهدف إلى دعم المرأة وتعزيز دورها في المجتمع، لا يقتصر دور الجناح على عرض الكتب والمطبوعات، بل يمتد ليشمل استشارات قانونية، ورش عمل تفاعلية، وحرف يدوية، مما يجعله محطة أساسية للزوار الباحثين عن المعرفة والتمكين.
في هذا الإطار، أكد ياسر سليم، مشرف الجناح، أن المجلس يسعى من خلال مشاركته إلى توفير منصة متكاملة تقدم للمرأة المصرية الدعم في مختلف المجالات، سواء عبر التوعية القانونية، التدريب المهني، أو إتاحة مصادر معرفية تساعدها على تطوير ذاتها.
استطرد مشرف الجناح، أن الجناح يضم العديد من الأقسام والخدمات التي تهدف إلى دعم المرأة وتقديم معلومات مهمة للزوار.
وأوضح سليم، أن الجناح يحتوي على مكتبة المجلس القومي للمرأة، وهي مكتبة متخصصة في الدراسات المتعلقة بالمرأة، حيث تتيح للزائرين إمكانية البحث الإلكتروني عبر اتحاد الجامعات لمعرفة مدى توفر أي موضوع داخل المكتبة.
كما أشار إلى أن الجناح يضم مكتب شكاوى المرأة، الذي يمتد بفروعه إلى 27 محافظة، حيث يمكن للسيدات التوجه إلى أي من هذه المكاتب للحصول على استشارات قانونية مجانية. وأضاف أن هناك رقمًا ساخنًا (15115) متاحًا لاستقبال استفسارات السيدات حول مختلف القضايا، حيث يتم توجيههن لكيفية التصرف قانونيًا عبر استشارات يقدمها محامون متخصصون.
وأشار سليم إلى أن الجناح يضم أيضًا ركنًا للحرف اليدوية، حيث يتم عرض منتجات يدوية صنعتها سيدات تم تدريبهن ضمن مشروع “تنمية الأسرة” التابع للمجلس، والذي يهدف إلى تمكين المرأة اقتصاديًا. وأضاف أن هذه المنتجات تُعرض ضمن مبادرة “حياة كريمة” لدعم السيدات في القرى والمناطق الأكثر احتياجًا، ويتم تسويقها من خلال المعارض المختلفة.
وأوضح أن الجناح يضم أيضًا مطبوعات المجلس القومي للمرأة، حيث تتوفر نسخ مجانية للتوزيع وأخرى للاطلاع، بالإضافة إلى رمز QR على الإصدارات، يمكن للزوار مسحه بهواتفهم لتحميل أي إصدار بصيغة PDF مجانًا.
كما أكد أن الجناح ينظم ورش عمل مجانية للزائرين، تشمل أنشطة متنوعة مثل الرسم وصناعة العرائس وغيرها، حيث يمكن للزائرين المشاركة وأخذ ما يصنعونه بأيديهم كتذكار.
وشدد سليم على أن مكتب الشكاوى لا يستقبل الشكاوى مباشرة داخل الجناح، بل يهدف إلى تعريف الزوار بكيفية التواصل مع المكتب في محافظاتهم أو عبر الخط الساخن للحصول على الدعم القانوني والمشورة اللازمة.
واختتم سليم حديثه بأن جناح المجلس القومي للمرأة يسعى من خلال هذه الأنشطة والخدمات إلى تقديم دعم شامل للمرأة، وتعزيز الوعي المجتمعي بقضاياها، وإثراء تجربة زوار المعرض من خلال أنشطة تفاعلية وتعليمية متنوعة.