موقع النيلين:
2025-02-06@19:54:43 GMT

لعلّكم تتقون

تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT


لم يشرع الله عز وجل أمرًا إلا وفيه صالح العباد، علم من علم وجهل من جهل، ولو علموا غاية العبادة لازدادوا لله شكرًا، فهو سبحانه وتعالى يريد بهذه العبادة أن يرقيهم ويقربهم، ويقوي لديهم الضمير الإيماني، لتتحقق فيهم التقوى، فيصيروا أبعد عن سخط الله، فما التقوى إلا أن يجعل العبد بينه وبين ربه وقاية من العمل الصالح تقيه من عذابه.

وكما أن الله تعالى بين الحكمة والغاية من تشريع النحر {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ))[الحج:37]، بيّن الحق عز وجل تلك الغاية من افتراض صيام رمضان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:183].

فكيف لله الحكيم الذي لا تنفك الحكمة عن أفعاله أن يشرع للناس جوعًا وعطشًا وحرمانًا لا غاية له؟ فالله عز وجل يريد أن يهذب نفوس عباده ويرقيهم في منازل عبوديته، فما تقرقر البطن من الجوع ويبس الحلق من الظمأ في رمضان إلا سبيل التقوى.

وقد يستبد الجوع بي ويهدني ظمأ ويخفت في حياتي كفاح

لكن تقوى الله تحفز همتي ويشد من أزري لديك صلاح

تحصل التقوى بالصيام عندما يدع العبد شهواته مختارًا، فقد ركب فيه الميل للشهوة، فكان الصيام ارتقاءً بالعبد حتى لا يميل إلى طباعه، بل هو في ذلك يتشبه بالملائكة الكرام الذين خلا تكوين خلقتهم من الشهوات.

ذلك التحكم بالنفس تدريب عملي خلال الشهر على مخالفة الهوى وهو أمرٌ رتّب الله عليه دخول الجنة {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } [النازعات: 40-41]. وهذا هو لُبّ التقوى.

وتحصل التقوى بالصيام لأنه يدعم مقام المراقبة، فالصيام ليس كسائر العبادات التي يطلع عليها الناس كالصلاة والحج مثلًا، بل هو سرٌ بين العبد وربه، ففي نهار رمضان لا تستطيع التمييز بين العباد من منهم صائم، ومن منهم مفطر، لذلك نسبه الله تعالى إلى نفسه في الحديث القدسي المتفق عليه (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)، ويستنبط القرطبي رحمه الله الحكمة من هذه النسبة فيقول “لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله، فأضافه الله إلى نفسه”.

فما من شيء يمنع العبد من تناول طعامه وشرابه خلسة إلا المراقبة وعلمِه أن الله تعالى يرى مكانه ويعلم حاله:

إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب

فصيام شهر على هذا النحو، يقوي جانب المراقبة لدى العبد فيعتاد مراقبة الله في جميع شؤونه وتلك هي التقوى.

وتحصل التقوى بالصيام عندما يتذوق المسلم طعم الجوع والعطش، فيتذكر أن من العباد من لا يفارقهم ذلك طيلة العام وليس شهرًا واحدًا، فمن ثم يرقّ القلب الذي هو محل التقوى، وتلك حقيقة لا تحتاج إلى كثير فقه لإدراكها بقدر ما تحتاج إلى تأمّل ونظر، فشاعرٌ وأديب مثل أحمد شوقي الذي لم يكن من العلماء والفقهاء، أدرك هذه الحقيقة فقال في “أسواق الذهب” عن الصيام: “حرمان مشروع وتأديب بالجوع وخشوع وخضوع، ظاهره المشقة، وباطنه الرحمة، يستثير الشفقة ويحض على الصدقة، يكسر الكبر، ويعلم الصبر، حتى إذا جاع من تعود الشبع، وحرم المترف ألوان المتع، عرف الحرمان كيف يقع، وألم الجوع إذا لذع”.

تلك هي الغاية من فرض الصيام الذي في ظاهره جوع وعطش، فتلك الجوائز العظيمة من العتق ومغفرة الذنوب لا تترتب على مجرد الامتناع عن الشهوات المباحة في غير رمضان دون أن يكون لها رصيد من الترجمة الواقعية لآداب العبودية، ولذا يحذر العبد أن يقع تحت طائلة الحديث النبوي الذي رواه أحمد في مسنده (رب صائم حظه من طعامه الجوع والعطش).

إذا لم يكن في السمع مني تصامم وفي العين غض وفي منطقي صمتُ

فحظي إذًا من صومي الجوع والظمأ فإن قلت إني صمت يومي فما صمت ُ.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

إحسان الفقيه – الشرق القطرية

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

فضائل شهر رمضان

من حكمة الله سبحانه أن فاضل بين خلقه زماناً ومكاناً، ففضل بعض الأمكنة على بعض، وفضل بعض الأزمنة على بعض، ففضل في الأزمنة شهر رمضان على سائر الشهور، فهو فيها كالشمس بين الكواكب، واختص هذا الشهر بفضائل عظيمة ومزايا كبيرة، فهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان} (البقرة:185)، وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان) رواه أحمد.

وهو الشهر الذي فرض الله صيامه، فقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة:183).

وهو شهر التوبة والمغفرة، وتكفير الذنوب والسيئات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم، من صامه وقامه إيماناً بموعود الله، واحتساباً للأجر والثواب عند الله، غفر له ما تقدم من ذنبه، ففي “الصحيح” أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه)، وقال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقال أيضاً: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). ومن أدركه فلم يُغفر له فقد رغم أنفه وأبعده الله، بذلك دعا عليه جبريل عليه السلام، وأمَّن على تلك الدعوة نبينا صلى الله عليه وسلم، فما ظنك بدعوة من أفضل ملائكة الله، يؤمّن عليها خير خلق الله.

وهو شهر العتق من النار، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: (وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة) رواه الترمذي.

وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين، ففي الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فتِّحت أبواب الجنة، وغلِّقت أبواب النار، وصفِّدت الشياطين)، وفي لفظ (وسلسلت الشياطين)، أي: أنهم يجعلون في الأصفاد والسلاسل، فلا يصلون في رمضان إلى ما كانوا يصلون إليه في غيره.

وهو شهر الصبر، فإن الصبر لا يتجلى في شيء من العبادات كما يتجلى في الصوم، ففيه يحبس المسلم نفسه عن شهواتها ومحبوباتها، ولهذا كان الصوم نصف الصبر، وجزاء الصبر الجنة، قال تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} (الزمر:10).

وهو شهر الدعاء، قال تعالى عقيب آيات الصيام: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} (البقرة:186)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم) رواه أحمد.

وهو شهر الجود والإحسان؛ ولذا كان صلى الله عليه وسلم -كما ثبت في الصحيح- أجود ما يكون في شهر رمضان.

وهو شهر فيه ليلة القدر، التي جعل الله العمل فيها خيراً من العمل في ألف شهر، والمحروم من حُرِم خيرها، قال تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر} (القدر:3)، روى ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمها فقد حُرِم الخير كله، ولا يُحْرَم خيرَها إلا محروم).

فانظر -يا رعاك الله- إلى هذه الفضائل الجمّة، والمزايا العظيمة في هذا الشهر المبارك، فحري بك -أخي المسلم- أن تعرف له حقه, وأن تقدره حق قدره، وأن تغتنم أيامه ولياليه، عسى أن تفوز برضوان الله، فيغفر الله لك ذنبك وييسر لك أمرك، ويكتب لك السعادة في الدنيا والآخرة، جعلنا الله وإياكم ممن يقومون بحق رمضان خير قيام.

مقالات مشابهة

  • عالم أزهري: النفحات الإلهية تتنزل على الشخص فجأة دون استعداد منه
  • مرحبا شعبان
  • الشامي يعلن عن مفاجأة لجمهوره.. ما الذي سيجمعه بـ تيم حسن في رمضان؟
  • أمنياً.. ما الذي أضعف حزب الله؟
  • حكم تعليق الزينة والفوانيس في شهر رمضان
  • وكيل رياضة شمال شيناء يتفقد الأشقاء الفلسطينيين في نادي بئر العبد الرياضي
  • الجوع الخفي.. ‫دراسة تظهر شيوع نقص الفيتامينات والمعادن لدى مرضى السكري
  • محافظ شمال سيناء يزور الجرحى الفلسطينيين بمستشفى بئر العبد التخصصي
  • فضائل شهر رمضان
  • قلق أممي بشأن إعدام مدنيين وحدوث وفيات جراء الجوع في السودان